إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ،من يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا،وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله وبعد أيها المباركون:
في هذه اللقاءات المباركة نفسر القرآن العظيم ، ونأخذ من كل جزء من أجزاء القرآن الكريم آيات نتأملها ، نسأل الله أن يوفقنا وإياكم فيها لخالص العمل وصالحه .
/ فنقول فاتحة الكتاب هي أم القرآن ، وكلمة أم تُطلق على الوالدة وعلى غير الوالدة إذا كان يُراد بها الأصل،أما كلمة والدة فلا تُطلق إلا على من ولدت ، والفاتحة أم القرآن وهي أعظم سورة فيه،كما ورد بهذا الخبر الصحيح عن رسولنا صلى الله عليه وسلم .
/ قال أصدق القائلين : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )اللام في لفظ الجلالة هي لام الاستحقاق ،والألف واللام في كلمة ( الْحَمْدُ ) للجنس المطلق ، أي أن الحمد المطلق كله لله .
/ قال ربنا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فنبأ جل وعلا عن ربوبيته ، أضافها إلى قوله ( رَبِّ الْعَالَمِينَ )، ومما يُشكل هنا بداهة أن العالمين جمع عالَم لكنها جمع قلة ليست جمع كثرة، فقد يقول قائل : الله هنا يتمجد ويحمد نفسه ويُبين عظمته وقدرته فلماذا جُمعت العالمين جمع قلة ولم تُجمع جمع كثرة ؟ولعل أظهر الأجوبة في هذا أن يُقال حتى يُعلم أن الخلق مهما كثروا واعتنوا وأصابهم ما أصابهم من العلو فكل ذلك قليل جدا لايُذكر في جانب عظمته جل وعلا .
/ قال ربنا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) جيء بالاسمين الكريمين الحسنيين لله هنا ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أولا لدلالة أن ربوبيته جل وعلا التي سلفت قبل قليل هي ربوبية رحمة وإحسان .
والرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله الحسنى بالاتفاق ، لكن كلمة " رحيم " يصح أن تُطلق اسما ووصفا على غير الله بدلالة القرآن ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) والمتحدث عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أما " الرَّحْمَنِ " فهو اسم لا يُطلق إلا على الله جل وعلا .
وينجم عن هذا مسألة :/ هل هذا الاسم كانت تعرفه العرب قبل القرآن أو كانت لا تعرفه؟
فالذين قالوا إن هذا الاسم الكريم لله لم تكن العرب تعرفه استدلوا بالقرآن بقول الله جل وعلا ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) ، واحتجوا كذلك بحديث سهيل بن عمر ،فإن سهيلا هذا هو سهيل بن عمر بن عبد شمس ، كان خطيبا مفوها في قريش ،أُسر كافرا يوم بدر، فلما أُسر ووقع في الأسر قال عمر رضي الله عنه يارسول الله انزع ثنيته حتى لا يقومن خطيبا فيك بعد ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم ، ـ وهذا من الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه ـ قال : ( عسى أن يقوم مقاما تحمده عليه ) ، ولاحظ لم يقل صلى الله عليه وسلم ( أحمده عليه ) فأسلم سهيل عند فتح مكة ، ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد بعض العرب ماجت مكة،لأن النبي لم يكن في مكة ، كان في المدينة
وكان على مكة يومئذ عتّاب بن أُسيد رضي الله عنه ، وكان شابا صغيرا لا يملك حولا وطولا في أهل مكة، فقام سهيل هذا وخطب في أهل مكة يحذرهم من الردة ويقول: " يا اأهل مكة لقد كنتم آخر من آمن،فلا تكونوا أول من بدل وغير " .
فهذا عين ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الشاهد في القصة أن سهيلا هذا قبل إسلامه لما كتب النبي صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم " قال :يا محمد لا نعرف الرحمن،أكتب " باسمك اللهمّ " على ما عرفته العرب في كلامها .
إذاً هذان دليلان احتج بهما من يقول إن العرب لم تكن تعرف اسم الرحمن.
لكن يُجاب عن هذين بأن الله جل وعلا قال في الزخرف عنهم ـ أي عن قريش ـ ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم ) ،فهذا قرينة على أنهم كانوا يعرفون الرحمن، لكن هذا الدليل يمكن أن يُجاب عنه بأن الله نقل قولهم بالمعنى والعلم عند الله.
هذا ما يتعلق بقول الله تبارك وتعالى ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) .
/ قال ربنا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) فنبأ جل وعلا عن ربوبيته ، أضافها إلى قوله ( رَبِّ الْعَالَمِينَ )، ومما يُشكل هنا بداهة أن العالمين جمع عالَم لكنها جمع قلة ليست جمع كثرة، فقد يقول قائل : الله هنا يتمجد ويحمد نفسه ويُبين عظمته وقدرته فلماذا جُمعت العالمين جمع قلة ولم تُجمع جمع كثرة ؟ولعل أظهر الأجوبة في هذا أن يُقال حتى يُعلم أن الخلق مهما كثروا واعتنوا وأصابهم ما أصابهم من العلو فكل ذلك قليل جدا لايُذكر في جانب عظمته جل وعلا .
/ قال ربنا ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) جيء بالاسمين الكريمين الحسنيين لله هنا ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أولا لدلالة أن ربوبيته جل وعلا التي سلفت قبل قليل هي ربوبية رحمة وإحسان .
والرحمن والرحيم اسمان من أسماء الله الحسنى بالاتفاق ، لكن كلمة " رحيم " يصح أن تُطلق اسما ووصفا على غير الله بدلالة القرآن ( بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) والمتحدث عنه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، أما " الرَّحْمَنِ " فهو اسم لا يُطلق إلا على الله جل وعلا .
وينجم عن هذا مسألة :/ هل هذا الاسم كانت تعرفه العرب قبل القرآن أو كانت لا تعرفه؟
فالذين قالوا إن هذا الاسم الكريم لله لم تكن العرب تعرفه استدلوا بالقرآن بقول الله جل وعلا ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُورًا ) ، واحتجوا كذلك بحديث سهيل بن عمر ،فإن سهيلا هذا هو سهيل بن عمر بن عبد شمس ، كان خطيبا مفوها في قريش ،أُسر كافرا يوم بدر، فلما أُسر ووقع في الأسر قال عمر رضي الله عنه يارسول الله انزع ثنيته حتى لا يقومن خطيبا فيك بعد ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم ، ـ وهذا من الغيب الذي أطلع الله نبيه عليه ـ قال : ( عسى أن يقوم مقاما تحمده عليه ) ، ولاحظ لم يقل صلى الله عليه وسلم ( أحمده عليه ) فأسلم سهيل عند فتح مكة ، ثم لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وارتد بعض العرب ماجت مكة،لأن النبي لم يكن في مكة ، كان في المدينة
وكان على مكة يومئذ عتّاب بن أُسيد رضي الله عنه ، وكان شابا صغيرا لا يملك حولا وطولا في أهل مكة، فقام سهيل هذا وخطب في أهل مكة يحذرهم من الردة ويقول: " يا اأهل مكة لقد كنتم آخر من آمن،فلا تكونوا أول من بدل وغير " .
فهذا عين ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الشاهد في القصة أن سهيلا هذا قبل إسلامه لما كتب النبي صلى الله عليه وسلم " بسم الله الرحمن الرحيم " قال :يا محمد لا نعرف الرحمن،أكتب " باسمك اللهمّ " على ما عرفته العرب في كلامها .
إذاً هذان دليلان احتج بهما من يقول إن العرب لم تكن تعرف اسم الرحمن.
لكن يُجاب عن هذين بأن الله جل وعلا قال في الزخرف عنهم ـ أي عن قريش ـ ( وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم ) ،فهذا قرينة على أنهم كانوا يعرفون الرحمن، لكن هذا الدليل يمكن أن يُجاب عنه بأن الله نقل قولهم بالمعنى والعلم عند الله.
هذا ما يتعلق بقول الله تبارك وتعالى ( الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) .
/ ( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) الدين هنا هو : الجزاء ،على الصحيح ، ومنه أخذ أبو العتاهية قوله :
إلى ديان يوم الدين نمضي ...وعند الله تجتمع الخصوم
ستعلم ياظلوم غدا إذا التقينا ...عند الإله من الملوم
فالله جل وعلا مالك الأيام كلها لكنه قال هنا( مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) لعظم الأمر وهول الخطب وإلا فالمُلك والأمر لله في الدنيا والآخرة.
/ قال الله تبارك وتعالى ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )هذا فيه تقديم ظاهر،أصلها نعبدك ونستعينك، لكن التقديم هنا، تقديم المفعول أفاد الحصر،أي :لانعبد إلا أنت ولا نستعين إلا بك.
فإن قيل : إن الأصل أن العبادة لا تكون إلا بالاستعانة فلماذا قدم الله العبادة على الاستعانة ؟
فيُقال لأن الاستعانة أصلا نوع من العبادة وفي هذا حقيقة إيمانية يجب أن يفقهها كل أحد :
لن يهتدي أحد إلى الله إلا بالله ،لن يرق قلبك ويذرف دمعك ويقشعر جلدك أو تُرزق عاطفة أو..أو..أو ما إلى ذلك مما يبتغيه العبد في نفسه من الإيمانيات بحول طول ولا قول أحد ولا أثر فعل زيد ولا عمر إلا أن يشاء الله. والله يقول ( يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء ) والانكسار بين يدي الله جل وعلا في فلق الأسحار والسجود له وسؤال تبارك وتعالى أن يرزقك العبودية له تبارك وتعالى،بمثل هذا تُستجلب رحمة الله تبارك وتعالى وتتحق الآية ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).
/ قال أصدق القائلين بعدها ( اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
الفعل هدى يتعدى بحرف الجر وبغير حرف الجر ،تقول هداه وتقول هداه إلى ، في هذه السورة جاء متعديا بدون حرف الجر،وجاء في آيات أُخر متعديا بحرف الجر "إلى" ، قال الله تبارك وتعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ) فجاء بحرف الجر "إلى" .
والجواب عن هذا : أن حال العبد متلبسا بالهداية كما هو حال المصلي وهو يقرأ الفاتحة لا يحتاج إلى أن يتعدى بحرف الجر "إلى" ،وحال العبد غير متلبس بالهداية ـ خائف ـ يطلبها لأمر عارض فيتعدى بحرف الجر "إلى" . هذا ما أجاب به العلماء عن هذا المعنى.
/ ثم قال ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) فقوله ( الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) لا يُدرى أي صراط هو إلا أنه مستقيم فجاء التفصيل بعده ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) . زلاحظ أن هؤلاء ما نالوا ما نالوه بعطائهم إنما بنعمة الله - جل وعلا - عليهم ( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) . ثم لم يُبين هنا من الذين أنعم الله عليهم ، ومن تأويل القرآن بالقرآن أن تأتي لسورة النساء ، قال الله - جل وعلا - ( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا ) .
واحتُج بها - أي الآية - على صحة ولاية الصدّيق لأن الله قال ( اهدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ *صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) والله قال ( أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ ) فبموته صلى الله عليه وسلم خُتمت النبوة وانتهى وانتقلنا إلى مرحلة الصّديقية ، والاتفاق على أن الصّديق الأكبر - رضي الله عنه - هو صدّيق هذه الأمة.
/ ثم خٌتمت بقول ( آمين ) وهو عند النحاة اسم فعل يُراد به معنى استجب ، وهو في معناه لا يُقال إلا في حق الله والمعنى ( أن من ندعوه وهو الله مأمون أن يُجيب الدعوة ) لِمَ؟
لأنه لا يُعجزه شيء ، فقد يُحبك من يُحبك ويتمنى أن يُحقق مرادك فيمنعه العجز ، أما الله إذا أراد أن يحقق مقصودك فلا يمنعه شيء .
جعلني الله وإياكم من أهل طاعته والإيمان به .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق