الوقفة الثالثة من الجزء الرابع عشر مع قول الله -جل وعلا- (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ*وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
(نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ مِن بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) يجتمع لون الدم وهو أحمر وكراهة ريح الفرث في بطن الأنعام فالله -تبارك وتعالى- يجعل الفرث يخرُج ، والدم إلى العُروق ، واللبن إلى الضُروع ، فيخرج لا يتضرر بلون الدم ولا بريح الفرث، يخرُج أبيض لم يُصبه شيئ من لون الدم ، ويخرُج أطيب ما يكون لم ينله شيئ من ريح الفرث وهذا مما لا يقدر عليه إلا الله ، ولو قَدُر عليه أحدٌ غير الله لما تَمَدَّح الله -جل وعلا- به ، لكن الله يتَمَدَّح ويُثني على ذاته العلية بما لا يُمكن لأحد أن يقوم به قال في النمل (مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ) فهنا تَمَدَّح الله بهذا قال بعدها -جلّ ذِكره- (لَّبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) قال بعض العُلماء -كما حكاه القُرْطُبي والنسفي وغيرهما- قالوا :  لم يَنقُل أحدٌ أن أحداً غص أو شرغ باللبن لأن الله لا يكذب قال (سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ) ، ونبينا -صلى الله عليه وسلم- كان إذا شرب اللبن حمد الله وسأل الله المزيد منه وقال لا شيء يُغني عن الطعام والشراب إلا اللبن وفي غيره يقول (وارزُقنا خيراً منه) أما في اللبن لا يقول وارزُقنا خيراً منه وقد أُتي له -صلى الله عليه وسلم- بلبن وخمر في رحلة المعراج فاختار اللبن فنودي أن قد هُديت إلى الفطرة هُديتَ وهُديَتْ أمتك هذه الآية الأولى (وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً) .
/ الأخرى التي بعدها قال الله (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ) الآن لا يوجد (نُّسْقِيكُم)، (نُّسْقِيكُم) هذه عائدة إلى الله أما (تَتَّخِذُونَ) هذا شيء أنتم تصنعونه ، (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ) "منه" من ماذا ؟ من ثمرات النخيل والأعناب (سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) فذكر الله جل وعلا صنْفين من الاتخاذ: السَّكر والرِزق لاحظ الآن في كلمة "سَكر" أطلقها الله ولم يُقيدها لم يصفها قال (سَكراً) وسكت ولكنه في الرزق قال ماذا (رِزْقًا حَسَنًا) كلمة "حسناً" تجعل المسلم يتساءل لِمَ لم يقل في السَكَرْ إنه حسن؟
متى نزلت السورة ؟! نزلت في مكة قبل التشريع ، هذا أول ما بَثَّه الله في قلوب عباده يَبدؤا يتفكرون في مسألة الخمر أول طريقة في قضية التدرج في تحريم الخمر أن الله سكت عنها كمن يأتي لأهل بيته ولا يدرون هل سيُأدب مَن أو سَيُعاقب مَن فلمَّا دخل سَلم على البعض ولم يُعاتب الباقين لكنه لم يُسلّم عليهم ففقه الذين لم يُسلم عليهم أن وراء ذلك عِتاباً ومُساءلة وطرائق أُخرى ، وكذلك القُرآن لمَّا نزل قال أصدق القائلين (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا) ولم يمدحه ولم يُثني عليه وأثنى على جاره ، جاره في اللفظ قال (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) فأضحت العُقول تتهيء بعد ذلك أن هناك شيء سينزِلُ في الخمر، هاجروا إلى المدينة وكانت الخمر في العرب شائعه جداً اللهم إلا قليل ممن زكّى الله نفوسهم وعقولهم آنذاك لأنها كانت تُخرجهم من عوالم الضيق التي يعيشون فيها يقول اليَشْكُري:
فإذا شربت فإنني رب الخورنق والسدير ** وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير
هو عنده شويهات وعنده بعير ، والخورنق والسدير هذه قُصور في الشام فيقول إذا سكرت لا أشك لحظة أنني صاحب الخورنق والسدير وإذا صحوت عدت إلى ما أنا عليه عند شويهاتي وعند بعيري ، وحسان -رضي الله عنه- يقول:
ونشربها فتتركنا مُلوكاً ** وأُسداً لا يُنهنهنا اللقاء
لأن هذا في عالم الفِكر وكانت مختلطة في حياتهم إختلاطاً عظيماً حتى قالوا إن الأعشى وصناجة العرب لشيوع شعره وذيوعه بين الناس أضافه أحد الرجال وقبل أن يُضيفه لما نزل الأعشى في البلد وكانت العرب تُقدر شعره وينتشر بينها هذا الرجل له ثمان بنات لم يسألهن رجل يوماً من الدهر عن بناته وكان له امرأة عاقلة قالت هذا الأعشى صناجة العرب قال ماذا أصنع به ؟! قالت ماذا تصنع به أُدعه، أطعمه ،أسقه، فدعاه ونحر له جزوراً وأعطاه الكبد وشواها له وأتى له بخمر فأخذ الأعشى يشرب ويأكل ، يشرب ويأكل يشرب ويأكل ، ثم قام فلما قام وهو لا يدري أين يذهب به فذهب معه ومع الأعشى صحبته ويتنقل به بين أسواق العرب حتى أتى على ربوة والعرب كانت آنذاك تنظر إلى الشعراء نظرة إكبار فتبعوه فوقف الأعشى ومدح هذا الرجل وأخبر عن فضله وكرمه وهو لا يعرفه إلا الساعة ، ما أصبح هذا الرجل إلا وبناته الثمان كُلهن خُطبن من رجالات كرامٍ من العرب لكثرة شيوع شعر الأعشى في الناس ، هذا كله قبل الإسلام .
المقصود هذه الخمرة كانت عندهم فكان الله -جل وعلا- وهذا لا يرتاب فيه مؤمن عزيز حكيم أتى بهذا اللفظ (سَكَرًا) فأوقف أذهانهم ، هاجروا إلى المدينة وهم يحملون لماذا لم توصف بشيء ، أخذوا يتساءلون (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) فزادوا تساؤلا حتى قال الفاروق -رضي الله عنه- : اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فأنزل الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) لمَّا قال الله -جلّ وعلا- (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) قالوا انتهينا انتهينا وأُهرقت ما كان يحمل الخمر من دِنانٍ وغيرها في طُرقات المدينة. موضوع الشاهد: هذا الطريقة المُثلى ينتهجها العبد ، يفقهها العبد في معرفة كيف يُربي النفس ، وكل شيء في الغالب بُني عبر سنين وثقافات صعبٌ حلُّه بين يومٍ وليلة إنما يحتاج إلى .... ، وعمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- لمَّا آل إليه المُلك كان لديه ابن صالح يُقال له عبد الملك فجاء إلى أبيه وقال يا أبتي -يُذكّره بما كان عليه بنو أُمية- هلَّا... هلَّا... هلَّا... يعني من يضمن لك أن تُصبح غيِّر، قال أي بُني إن أعمامك -يعني خُلفاء بني أُمية قبلك- بنَو هذا في سنين فحتى أُريد أن أحِلّه أحتاج إلى سنين . لابد من فترات في التدرج يُفهم منها من الآية.
كذلك أن الوصف قيد لأن قول الله -جل وعلا- (رِزْقًا حَسَنًا) هذا قيد وجاءت كلمة (سَكَرًا) هنا من غير قيد لكن القيد في الذي بعدها أشعر بالذم في الذي قبلها وأصل الخمر أنها تُتخذ من التمر والعنب على وجه الخصوص.
بهذا نكون قد وقفنا ثلاث وقفات مع الجزء الرابع عشر من كلام ربنا تبارك وتعالى وجعلنا هذه الوقفات كما ترى إلى الفقه أقرب منها إلى الوعظ ونحن ننوع ما بين جُزء وجزء والله الموفق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين .
/ الأخرى التي بعدها قال الله (وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ) الآن لا يوجد (نُّسْقِيكُم)، (نُّسْقِيكُم) هذه عائدة إلى الله أما (تَتَّخِذُونَ) هذا شيء أنتم تصنعونه ، (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ) "منه" من ماذا ؟ من ثمرات النخيل والأعناب (سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) فذكر الله جل وعلا صنْفين من الاتخاذ: السَّكر والرِزق لاحظ الآن في كلمة "سَكر" أطلقها الله ولم يُقيدها لم يصفها قال (سَكراً) وسكت ولكنه في الرزق قال ماذا (رِزْقًا حَسَنًا) كلمة "حسناً" تجعل المسلم يتساءل لِمَ لم يقل في السَكَرْ إنه حسن؟
متى نزلت السورة ؟! نزلت في مكة قبل التشريع ، هذا أول ما بَثَّه الله في قلوب عباده يَبدؤا يتفكرون في مسألة الخمر أول طريقة في قضية التدرج في تحريم الخمر أن الله سكت عنها كمن يأتي لأهل بيته ولا يدرون هل سيُأدب مَن أو سَيُعاقب مَن فلمَّا دخل سَلم على البعض ولم يُعاتب الباقين لكنه لم يُسلّم عليهم ففقه الذين لم يُسلم عليهم أن وراء ذلك عِتاباً ومُساءلة وطرائق أُخرى ، وكذلك القُرآن لمَّا نزل قال أصدق القائلين (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا) ولم يمدحه ولم يُثني عليه وأثنى على جاره ، جاره في اللفظ قال (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) فأضحت العُقول تتهيء بعد ذلك أن هناك شيء سينزِلُ في الخمر، هاجروا إلى المدينة وكانت الخمر في العرب شائعه جداً اللهم إلا قليل ممن زكّى الله نفوسهم وعقولهم آنذاك لأنها كانت تُخرجهم من عوالم الضيق التي يعيشون فيها يقول اليَشْكُري:
فإذا شربت فإنني رب الخورنق والسدير ** وإذا صحوت فإنني رب الشويهة والبعير
هو عنده شويهات وعنده بعير ، والخورنق والسدير هذه قُصور في الشام فيقول إذا سكرت لا أشك لحظة أنني صاحب الخورنق والسدير وإذا صحوت عدت إلى ما أنا عليه عند شويهاتي وعند بعيري ، وحسان -رضي الله عنه- يقول:
ونشربها فتتركنا مُلوكاً ** وأُسداً لا يُنهنهنا اللقاء
لأن هذا في عالم الفِكر وكانت مختلطة في حياتهم إختلاطاً عظيماً حتى قالوا إن الأعشى وصناجة العرب لشيوع شعره وذيوعه بين الناس أضافه أحد الرجال وقبل أن يُضيفه لما نزل الأعشى في البلد وكانت العرب تُقدر شعره وينتشر بينها هذا الرجل له ثمان بنات لم يسألهن رجل يوماً من الدهر عن بناته وكان له امرأة عاقلة قالت هذا الأعشى صناجة العرب قال ماذا أصنع به ؟! قالت ماذا تصنع به أُدعه، أطعمه ،أسقه، فدعاه ونحر له جزوراً وأعطاه الكبد وشواها له وأتى له بخمر فأخذ الأعشى يشرب ويأكل ، يشرب ويأكل يشرب ويأكل ، ثم قام فلما قام وهو لا يدري أين يذهب به فذهب معه ومع الأعشى صحبته ويتنقل به بين أسواق العرب حتى أتى على ربوة والعرب كانت آنذاك تنظر إلى الشعراء نظرة إكبار فتبعوه فوقف الأعشى ومدح هذا الرجل وأخبر عن فضله وكرمه وهو لا يعرفه إلا الساعة ، ما أصبح هذا الرجل إلا وبناته الثمان كُلهن خُطبن من رجالات كرامٍ من العرب لكثرة شيوع شعر الأعشى في الناس ، هذا كله قبل الإسلام .
المقصود هذه الخمرة كانت عندهم فكان الله -جل وعلا- وهذا لا يرتاب فيه مؤمن عزيز حكيم أتى بهذا اللفظ (سَكَرًا) فأوقف أذهانهم ، هاجروا إلى المدينة وهم يحملون لماذا لم توصف بشيء ، أخذوا يتساءلون (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) فزادوا تساؤلا حتى قال الفاروق -رضي الله عنه- : اللهم بيِّن لنا في الخمر بياناً شافياً ، فأنزل الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) لمَّا قال الله -جلّ وعلا- (فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ) قالوا انتهينا انتهينا وأُهرقت ما كان يحمل الخمر من دِنانٍ وغيرها في طُرقات المدينة. موضوع الشاهد: هذا الطريقة المُثلى ينتهجها العبد ، يفقهها العبد في معرفة كيف يُربي النفس ، وكل شيء في الغالب بُني عبر سنين وثقافات صعبٌ حلُّه بين يومٍ وليلة إنما يحتاج إلى .... ، وعمر بن عبد العزيز -رحمه الله تعالى- لمَّا آل إليه المُلك كان لديه ابن صالح يُقال له عبد الملك فجاء إلى أبيه وقال يا أبتي -يُذكّره بما كان عليه بنو أُمية- هلَّا... هلَّا... هلَّا... يعني من يضمن لك أن تُصبح غيِّر، قال أي بُني إن أعمامك -يعني خُلفاء بني أُمية قبلك- بنَو هذا في سنين فحتى أُريد أن أحِلّه أحتاج إلى سنين . لابد من فترات في التدرج يُفهم منها من الآية.
كذلك أن الوصف قيد لأن قول الله -جل وعلا- (رِزْقًا حَسَنًا) هذا قيد وجاءت كلمة (سَكَرًا) هنا من غير قيد لكن القيد في الذي بعدها أشعر بالذم في الذي قبلها وأصل الخمر أنها تُتخذ من التمر والعنب على وجه الخصوص.
بهذا نكون قد وقفنا ثلاث وقفات مع الجزء الرابع عشر من كلام ربنا تبارك وتعالى وجعلنا هذه الوقفات كما ترى إلى الفقه أقرب منها إلى الوعظ ونحن ننوع ما بين جُزء وجزء والله الموفق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق