الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات ، و أشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله بلّغ عن الله رسالاته ونصح له في برياته ، فجزاه الله بأفضل ما جزى به نبيا عن أمته ، صلى الله وملائكته والصالحون من خلقه عليه كما وحّد الله وعرّف به و دعا إليه ، اللهم وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع هديه بإحسان إلى يوم الدين وبعد..
فإن القرآن كان ومازال المَعين الذي لا ينضب ، والطريق الموصلة إلى الله ، قال ربنا جل ذكره و تباركت أسماؤه : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وفي هذه الدروس المباركة في هذا الجامع المبارك جامع القاضي بمدينة الرياض نستعين الله -عز وجل- في دروس متتابعة نبيّن من خلالها بعض مفردات القرآن ، والطريقة في التدريس في هذه الحقبة من تدريسنا -متعنا الله وإياكم متاع الصالحين- ستكون عن طريق المفردات المتقابلة أي الأضداد و ما كان في معناها ، فإن القرآن نُثرت فيه معانٍ عدة في طيات مفردات شبه متقابلة أو بعضها يمكن أن يُطلق عليه أنه أضداد مثل الفلاح والخيبة ، القريب والبعيد ، اليمين والشمال ، الذكر والأنثى ، العسر واليسر وأضراب ذلك ، وسنتحدث -إن شاء الله تعالى- غالبا في كل درسين متتابعين عن مفردتين متقابلتين أو متضادتين ، نسأل الله جل وعلا التوفيق .
وعنوان درس هذا اليوم الفلاح و الخيبة ، فنقول مستعينين بالله -جل وعلا- :
كلا من هاتين المفردتين وردت في القرآن ، والفلاح يقابله الخيبة بنص القرآن ، قال الله -عز وجل- (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فجعل الله -عز وجل- قوله (وَقَدْ خَابَ) مقابلا لقوله (قَدْ أَفْلَحَ) ، والفلاح في اللغة : الظَفَر وإدراك البُغية ، في حين أن الخيبة فوات المطلوب وعدم إدراك البُغية -المطلوب- يسمى خيبة . وقد قال -عز وجل- هنا يُقسم بالنفس البشرية (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) والأصل "لقد أفلح" لكن "اللام" وهي الواقعة هنا في جواب القسَم حُذفت لطول الكلم ، كذا قال أئمة اللغة ومن أشهرهم الزجّاج ، والزجّاج إمام من أئمة النحو كانت النزعة البصْرِية فيه أكثر من غيرها ، وقد عُمِّر حتى نال حظوة عند المعتضد الخليفة العباسي ، وله كتاب شهير اسمه (معاني القرآن) ، وقلنا إنه كان ذا حضوة عند المعتضد الخليفة العباسي ، وكان ذلكم الخليفة يُجري على الأدباء رزقا وعلى الفقهاء رزقا ، وعلى الندماء الذين يخالطونه رزقا ، فكان الزجّاج من علو كعبه في العلم وقربه من المعتضد ينال ما يناله الأدباء وينال ما يناله الفقهاء ، وينال ما يناله الندماء ، والمراد أنه قال : أن اللام حُذفت هنا في جواب القَسَم لطول الكلام .
قال أصدق القائلين (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) والآية تحتمل معنيين : المعنى الأول : قد أفلحت نفسٌ زكّاها الله .
والمعنى الثاني : قد أفلح من زكّى نفسه بالإيمان والعمل الصالح .
ولابد من القول أن هناك تلازم كبيرما بين هذين المعنيين لأنه لا يمكن لأحد أن يعبد الله ويطيعه إلا بتوفيق من الله . وما يُقال عن الأول يُقال عن الثاني ، قال الله -عز وجل- (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) أي قد خاب من خذله الله -جل وعلا- وتركه على المعنى الأول من (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) ، وعلى المعنى الثاني يكون المعنى : قد خاب من طغى و دسَّ نفسه بالفجور فجعلها لا تزكوا ولا ترتفع إلى ما أراده الله -عز وجل- لها من خير فيما كتبه وشرَعه لا فيما قدّره ، لأنه لا يقع في الكون إلا ما قدّره تبارك و تعالى .
والفلاح في اللغة كان و مازال مطلب الناس جميعا ، كلٌ يروم ، كلٌ يحاول أن يكون ذا فلاح ، قال عبيد بن الأبرص في معلقته و مطلعها : أفقر من أهله منحوب ، قال :
أفلِح بما شئت فقد يُبلغ ** بالضعف وقد يُخدع الأريب .
وهذا البيت يُعد عند صُناع اللغة العربية مثالا في دلالة العقل والحكمة والتجربة ، ويقولون أن سعيد بن العاص وهو أحد ولاة المدينة في زمن أمير المؤمنين معاوية -رضي الله تعالى عنه- وقد كان سعيد هذا مُمدّحا كريما حتى إنه لما أجدبت الديار في زمنه أنفق جُل ما في بيت مال المسلمين ثم استدان حتى ينفع العامة ، وعقلا ونقلا أقرب الملوك والسلاطين والأمراء والخلفاء من الناس أشدهم نفعا لهم ، وكلما كانت عطايا ذوي الجاه ، ذوي الإمرة ، ذوي الخلافة ، ذوي السلطان إلى الناس جميعا كان أقرب إلى قلوبهم من أن تكون عطاياه لخاصة من حوله ، فكان سعيد بن العاص واليا على المدينة وكان يحرص على هذا حتى كانوا شديدي الحب له . هذا سعيد بن العاص سأل الحُطَيئة -الشاعر المعروف- قال له : يا حُطيئة من أشعر الناس ؟ قال : الذي يقول أفلِح بما شئت . لأن الحطيئة شاعر ففقه أن هذا البيت يجمع من المعاني ما لا يجمعه غيره ويقصد الحُطيئة بجوابه عبيد بن الأبرص ، الذي يعنينا هنا بعد هذا التحرير اللغوي أن نعود إلى كلام رب العزة و الجلال -تبارك اسمه وجل ثناؤه- قال ربنا هنا (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) ففهمنا أن الكلمتين المفردتين متقبلتان .
ثم نأتي للآيات في لقاءين متتابعين هذا أحدهما التي ذُكر فيها الفلاح وذُكرت فيها الخيبة فنفسرها مستعينين بالله تبارك اسمه وجل ثناؤه .
/ قال أصدق القائلين (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فمن دلائل الفلاح وتحقيق المطلوب وإدراك البُغية أن يثقل الميزان ، فالعاقل التقي الذي يعلم أن هناك لقاءً مع الله لابد منه أعظم ما يسعى إليه ويسعى فيه و يجاهد نفسه به أن يسعى إلى أن يثقل ميزانه فينظر في أقوال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ما الذي يثقل به الميزان ، والذي يثقل به الميزان : إما أن يقع عملا منك وفق الشرع ، وإما أن تُبتلى فتصبر وتحتسب فيثقل ميزانك بذلكم الصبر . فالأول ينقسم إلى قسمين : أقوال وأفعال . قال عليه الصلاة والسلام (والحمد لله تملأ الميزان) ، وفي الحديث (إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) ، قال بعدها : (وليس في الميزان شيء أثقل من حسن الخلق) . فالمؤمن إذا عَظُم توحيده وخَلُصت سريرته ارتفع عمله ، فإذا ارتفع عمله وقُبل جُعل ذلكم العمل في الميزان فكان ثقيلا فيه ، وقد حكم رب العزة -ولا معقب لحكمه- قال (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
الضرب الآخر : يُبتلى العبد فإذا ابتُلي العبد وصبر واحتسب لفقد قريبٍ أو لفقد مالٍ ، أو لفقد جاهٍ أو لفقد غيره مما لا يد له فيه ، فإذا صبر واحتسب وعلِم أن الأمور كلها بيد الله واسترجع ، عاد ذلكم الشيء ثقيلا في ميزانه ، يثقل به الميزان فيكون ذلك سببا في الفلاح. هذه من الآيات التي ورد فيها ذكر الفلاح .
/ ونفى الله -جل وعلا- الفلاح عن قوم وأعظم من نفى الله -جل وعلا- عنهم الفلاح من كفر به وأشرك معه غيره ، قال رب العزة (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) لا توجد حقيقة أعظم ظهورا وبيانا من حقيقة أن الله لا رب غيره ولا إله سواه ولا شريك معه ، فإذا جاء أحد وعبَد غير الله ، أو أشرك مع الله غيره ، فهذا قد خالف أوضح شيء أظهره الله -جل وعلا- لعباده ، و لهذا حكَم الله بأن من مات على الشرك مخلدا في النار ولا يُقبل منه عملا البتة ، لأن ظهور هذا الأمر أشهر من أن يحتاج إلى دليل ، كيف وقد نصب الله الأدلة وبعث الله الرسل ، وأنزل الكتب ، مع وضوح ذلك الأمر ليزيده أولئك الرسل وتلك الكتب وضوحا للناس ، فلهذا قال -جل ذكره- هنا في خاتمة سورة المؤمنون (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) و "مَن " شرطية ، و"يدعُ" فعل الشرط وفق قواعد أهل النحو (مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) أيُّ قيد يؤتى به اللغة إنما يؤتى به في الغالب ليُخرج المفهوم عن المنطوق ، لكن هناك ضربا آخر من القيد يؤتى به لا لإخراج المفهوم عن المنطوق و إنما المراد به الإخبار عن الواقع ، والمعنى أنه لا يوجد أحد يحتج علينا بأنني أتيت ببرهان لأنه لا شريك مع الله البتة ولا إله غيره، لكن قول رب العزة (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) البرهان في اللغة : هو الدليل الذي يجعل الحق لا لبس فيه ، فيصبح المعنى هنا إخبارٌ عما هو واقع الناس و ليس المراد إخراج المسكوت عن المنطوق و إنما المراد إخبار عن واقع الناس ، و إلا أي أحد يعبد أي إله يتخذه من دون الله لابرهان له به ، قال أصدق القائلين (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ) ثم بيّن الله -جل وعلا- كيف يكون ذلكم الحساب ؟ فجاءت الآية بالإخبار عن نتيجة الحساب فقال الله ربنا (فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ) قال بعدها (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) فقول الله -جل ذكره- (لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) إخبار عما وقع في ذلكم الحساب إخبار بخاتمته ، إخبار بكنهه ، إخبار بعاقبته ، فلا يمكن -وهذا قول رب العالمين- أنه يُفلح أحد أشرك مع الله -جل وعلا- غيره فأخبر الله أن مصيره ، مآله -عياذا بالله- إلى النار (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) فحَكَمَ الله أن أهل الكفر هم أعظم الناس خيبة ولا يمكن أن يفلحوا البتة في الآخرة ، قد ينالهم شيء من إدراك البُغية في الدنيا ، لكن ليس ذلك دليلا على رضوان الله -جل وعلا- عنهم فإن الله يعطي الدين لمن يحب ، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب . قبل أن نتجاوز هذه الآية والسورة ، قال جل ذكره في خاتمتها (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فإذا تأملتها ثم عدت لما كان قبلها ، قال الله -جل وعلا- قبلها بآيات (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ثم قال في خاتمة السورة (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فالمناسبة ما بين دعاء المؤمنين وما بين خاتمة السورة : يراد منها إظهار أمرين ، الأمر الأول : الإخبار أن دعاء المؤمنين (رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا) دعاء موفق بدليل أن الله -جل وعلا- أمر عباده بعد ذلك به حتى يبين صواب ذلك الدعاء ، فدعاء المؤمنين الوارد في أول الآيات في خاتمة سورة المؤمنين (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) الدليل على أن هذا الدعاء دعاء موفق أن الله أمر به في خاتمة السورة (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) هذا الإظهار الأول. الإظهار الثاني : أن العباد ، الخلق ، الناس كفارا ومؤمنين قد يرحم بعضهم بعضا ، وهذا واقع لا يمكن أن ينكره أحد ، يرحم الوالدان ابنهما ، يرحم الابن والديه ، يرحم المسؤول من تحت يده ، يرحم الأمير رعيته ، يرحم السلطان شعبه ، هذا وارد ، يقع في كل الأمم والشعوب ، لكن رحمة هؤلاء ليست بشيء أمام رحمة الله ، ونظير هذا في القرآن -حتى يُعلم أيُّ كنز مكنون في كتاب الله -جل وعلا- ، قال الله -عز وجل- في الآيات الشهيرات في قضية مسألة بر الوالدين ، وإن كان الحديث ليس عن بر الوالدين ، لكن المقصود إظهار كنوز القرآن عندما يتناسب الحديث ، قال الله -عز وجل- (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) قبلها قال (وَاخْفِضْ لَهُمَا) أي لوالديك (جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ما المعنى ؟ المعنى من حيث الإجمال : أمرك الله أن ترحم والديك ، وهذا ظاهر بيّن لا يحتاج إلى مفسرٍ حتى يُظهره ، فأمرنا الله أن نرحم والدينا ثم قال (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) أمرنا أن ندعو لوالدينا أن يرحمهما الله ، لمَ ندعوا لوالدينا أن يرحمهما الله ؟
لأن رحمتنا مهما عظمت فانية ، ورحمة الله لنا ولهم باقية ، وحتى يعلم الإنسان ضعفه ، فمهما اجتهد أي رجلٍ بار في بر والديه ، لو لم يترك لهما في القلب مثقال ذرة من حاجة أغناهما -بعد الله- عن كل أحد من الناس وكفل لهما الحياة الطيبة والمعيشة الحسنة ، رحمته بهما مهما بلغت ، مهما علت لا تغني عن رحمة الله ، وهذا يبين للإنسان شيئا إذا وقر في قلبه عرف كيف يعبد الله وهو أن يعرف عظيم ضعفه ، و شعورك وإيمانك بأنك ضعيف دليل على أنك تعلم أن الله -جل وعلا- وحده هو القوي العزيز ، قال الله (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) أي أن رحمتنا لا يمكن أن تبقى لهما ، لأننا بما أننا نموت فرحمتنا تفنى ، والله حي لا يموت فرحمته تبقى ، قال الله (وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) أي خير من يبقى بعد كل من يموت ، فختم الله هذه الآية الكريمة من سورة المؤمنين بقوله (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). والحديث كله عن الفلاح وعن الخيبة ، وقول الله -عز و جل- (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) "لا" هذه نافية والقائل الحاكم رب العالمين الذي هو أدرى وأعلم بخلقه ، قال -عز وجل- في آية مشابهة لها (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) فمن من حكم الله أنهم لا يفلحون من كل و جه وأي طريق يسلكون هم السحرة ، قال ربنا (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). هذه آية جليلة جاء فيها ذكر الفلاح .
في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى نتم الحديث عن هاتين المفردتين المتقابلتين الفلاح والخيبة ، ونأتي على آيات ذُكر فيها الفلاح ، ذُكر فيها الخيبة ، ونستعين الله في تفسيرها وإيضاحها فيجلو المعنى ويتضح ويظهر والعلم عند الله ، وصلى الله على محمد وآله ، والحمد لله رب العالمين .
-----------------------------------------------------
شكر الله لمن قامت بتفريغ الحلقة وجعله ثقيلا في موازين حسناتها .
فإن القرآن كان ومازال المَعين الذي لا ينضب ، والطريق الموصلة إلى الله ، قال ربنا جل ذكره و تباركت أسماؤه : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) وفي هذه الدروس المباركة في هذا الجامع المبارك جامع القاضي بمدينة الرياض نستعين الله -عز وجل- في دروس متتابعة نبيّن من خلالها بعض مفردات القرآن ، والطريقة في التدريس في هذه الحقبة من تدريسنا -متعنا الله وإياكم متاع الصالحين- ستكون عن طريق المفردات المتقابلة أي الأضداد و ما كان في معناها ، فإن القرآن نُثرت فيه معانٍ عدة في طيات مفردات شبه متقابلة أو بعضها يمكن أن يُطلق عليه أنه أضداد مثل الفلاح والخيبة ، القريب والبعيد ، اليمين والشمال ، الذكر والأنثى ، العسر واليسر وأضراب ذلك ، وسنتحدث -إن شاء الله تعالى- غالبا في كل درسين متتابعين عن مفردتين متقابلتين أو متضادتين ، نسأل الله جل وعلا التوفيق .
وعنوان درس هذا اليوم الفلاح و الخيبة ، فنقول مستعينين بالله -جل وعلا- :
كلا من هاتين المفردتين وردت في القرآن ، والفلاح يقابله الخيبة بنص القرآن ، قال الله -عز وجل- (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) فجعل الله -عز وجل- قوله (وَقَدْ خَابَ) مقابلا لقوله (قَدْ أَفْلَحَ) ، والفلاح في اللغة : الظَفَر وإدراك البُغية ، في حين أن الخيبة فوات المطلوب وعدم إدراك البُغية -المطلوب- يسمى خيبة . وقد قال -عز وجل- هنا يُقسم بالنفس البشرية (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) والأصل "لقد أفلح" لكن "اللام" وهي الواقعة هنا في جواب القسَم حُذفت لطول الكلم ، كذا قال أئمة اللغة ومن أشهرهم الزجّاج ، والزجّاج إمام من أئمة النحو كانت النزعة البصْرِية فيه أكثر من غيرها ، وقد عُمِّر حتى نال حظوة عند المعتضد الخليفة العباسي ، وله كتاب شهير اسمه (معاني القرآن) ، وقلنا إنه كان ذا حضوة عند المعتضد الخليفة العباسي ، وكان ذلكم الخليفة يُجري على الأدباء رزقا وعلى الفقهاء رزقا ، وعلى الندماء الذين يخالطونه رزقا ، فكان الزجّاج من علو كعبه في العلم وقربه من المعتضد ينال ما يناله الأدباء وينال ما يناله الفقهاء ، وينال ما يناله الندماء ، والمراد أنه قال : أن اللام حُذفت هنا في جواب القَسَم لطول الكلام .
قال أصدق القائلين (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) والآية تحتمل معنيين : المعنى الأول : قد أفلحت نفسٌ زكّاها الله .
والمعنى الثاني : قد أفلح من زكّى نفسه بالإيمان والعمل الصالح .
ولابد من القول أن هناك تلازم كبيرما بين هذين المعنيين لأنه لا يمكن لأحد أن يعبد الله ويطيعه إلا بتوفيق من الله . وما يُقال عن الأول يُقال عن الثاني ، قال الله -عز وجل- (وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) أي قد خاب من خذله الله -جل وعلا- وتركه على المعنى الأول من (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) ، وعلى المعنى الثاني يكون المعنى : قد خاب من طغى و دسَّ نفسه بالفجور فجعلها لا تزكوا ولا ترتفع إلى ما أراده الله -عز وجل- لها من خير فيما كتبه وشرَعه لا فيما قدّره ، لأنه لا يقع في الكون إلا ما قدّره تبارك و تعالى .
والفلاح في اللغة كان و مازال مطلب الناس جميعا ، كلٌ يروم ، كلٌ يحاول أن يكون ذا فلاح ، قال عبيد بن الأبرص في معلقته و مطلعها : أفقر من أهله منحوب ، قال :
أفلِح بما شئت فقد يُبلغ ** بالضعف وقد يُخدع الأريب .
وهذا البيت يُعد عند صُناع اللغة العربية مثالا في دلالة العقل والحكمة والتجربة ، ويقولون أن سعيد بن العاص وهو أحد ولاة المدينة في زمن أمير المؤمنين معاوية -رضي الله تعالى عنه- وقد كان سعيد هذا مُمدّحا كريما حتى إنه لما أجدبت الديار في زمنه أنفق جُل ما في بيت مال المسلمين ثم استدان حتى ينفع العامة ، وعقلا ونقلا أقرب الملوك والسلاطين والأمراء والخلفاء من الناس أشدهم نفعا لهم ، وكلما كانت عطايا ذوي الجاه ، ذوي الإمرة ، ذوي الخلافة ، ذوي السلطان إلى الناس جميعا كان أقرب إلى قلوبهم من أن تكون عطاياه لخاصة من حوله ، فكان سعيد بن العاص واليا على المدينة وكان يحرص على هذا حتى كانوا شديدي الحب له . هذا سعيد بن العاص سأل الحُطَيئة -الشاعر المعروف- قال له : يا حُطيئة من أشعر الناس ؟ قال : الذي يقول أفلِح بما شئت . لأن الحطيئة شاعر ففقه أن هذا البيت يجمع من المعاني ما لا يجمعه غيره ويقصد الحُطيئة بجوابه عبيد بن الأبرص ، الذي يعنينا هنا بعد هذا التحرير اللغوي أن نعود إلى كلام رب العزة و الجلال -تبارك اسمه وجل ثناؤه- قال ربنا هنا (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) ففهمنا أن الكلمتين المفردتين متقبلتان .
ثم نأتي للآيات في لقاءين متتابعين هذا أحدهما التي ذُكر فيها الفلاح وذُكرت فيها الخيبة فنفسرها مستعينين بالله تبارك اسمه وجل ثناؤه .
/ قال أصدق القائلين (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) فمن دلائل الفلاح وتحقيق المطلوب وإدراك البُغية أن يثقل الميزان ، فالعاقل التقي الذي يعلم أن هناك لقاءً مع الله لابد منه أعظم ما يسعى إليه ويسعى فيه و يجاهد نفسه به أن يسعى إلى أن يثقل ميزانه فينظر في أقوال الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- ما الذي يثقل به الميزان ، والذي يثقل به الميزان : إما أن يقع عملا منك وفق الشرع ، وإما أن تُبتلى فتصبر وتحتسب فيثقل ميزانك بذلكم الصبر . فالأول ينقسم إلى قسمين : أقوال وأفعال . قال عليه الصلاة والسلام (والحمد لله تملأ الميزان) ، وفي الحديث (إن من أحبكم إلي و أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا) ، قال بعدها : (وليس في الميزان شيء أثقل من حسن الخلق) . فالمؤمن إذا عَظُم توحيده وخَلُصت سريرته ارتفع عمله ، فإذا ارتفع عمله وقُبل جُعل ذلكم العمل في الميزان فكان ثقيلا فيه ، وقد حكم رب العزة -ولا معقب لحكمه- قال (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
الضرب الآخر : يُبتلى العبد فإذا ابتُلي العبد وصبر واحتسب لفقد قريبٍ أو لفقد مالٍ ، أو لفقد جاهٍ أو لفقد غيره مما لا يد له فيه ، فإذا صبر واحتسب وعلِم أن الأمور كلها بيد الله واسترجع ، عاد ذلكم الشيء ثقيلا في ميزانه ، يثقل به الميزان فيكون ذلك سببا في الفلاح. هذه من الآيات التي ورد فيها ذكر الفلاح .
/ ونفى الله -جل وعلا- الفلاح عن قوم وأعظم من نفى الله -جل وعلا- عنهم الفلاح من كفر به وأشرك معه غيره ، قال رب العزة (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) لا توجد حقيقة أعظم ظهورا وبيانا من حقيقة أن الله لا رب غيره ولا إله سواه ولا شريك معه ، فإذا جاء أحد وعبَد غير الله ، أو أشرك مع الله غيره ، فهذا قد خالف أوضح شيء أظهره الله -جل وعلا- لعباده ، و لهذا حكَم الله بأن من مات على الشرك مخلدا في النار ولا يُقبل منه عملا البتة ، لأن ظهور هذا الأمر أشهر من أن يحتاج إلى دليل ، كيف وقد نصب الله الأدلة وبعث الله الرسل ، وأنزل الكتب ، مع وضوح ذلك الأمر ليزيده أولئك الرسل وتلك الكتب وضوحا للناس ، فلهذا قال -جل ذكره- هنا في خاتمة سورة المؤمنون (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) و "مَن " شرطية ، و"يدعُ" فعل الشرط وفق قواعد أهل النحو (مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) أيُّ قيد يؤتى به اللغة إنما يؤتى به في الغالب ليُخرج المفهوم عن المنطوق ، لكن هناك ضربا آخر من القيد يؤتى به لا لإخراج المفهوم عن المنطوق و إنما المراد به الإخبار عن الواقع ، والمعنى أنه لا يوجد أحد يحتج علينا بأنني أتيت ببرهان لأنه لا شريك مع الله البتة ولا إله غيره، لكن قول رب العزة (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) البرهان في اللغة : هو الدليل الذي يجعل الحق لا لبس فيه ، فيصبح المعنى هنا إخبارٌ عما هو واقع الناس و ليس المراد إخراج المسكوت عن المنطوق و إنما المراد إخبار عن واقع الناس ، و إلا أي أحد يعبد أي إله يتخذه من دون الله لابرهان له به ، قال أصدق القائلين (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ) ثم بيّن الله -جل وعلا- كيف يكون ذلكم الحساب ؟ فجاءت الآية بالإخبار عن نتيجة الحساب فقال الله ربنا (فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ) قال بعدها (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) فقول الله -جل ذكره- (لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) إخبار عما وقع في ذلكم الحساب إخبار بخاتمته ، إخبار بكنهه ، إخبار بعاقبته ، فلا يمكن -وهذا قول رب العالمين- أنه يُفلح أحد أشرك مع الله -جل وعلا- غيره فأخبر الله أن مصيره ، مآله -عياذا بالله- إلى النار (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) فحَكَمَ الله أن أهل الكفر هم أعظم الناس خيبة ولا يمكن أن يفلحوا البتة في الآخرة ، قد ينالهم شيء من إدراك البُغية في الدنيا ، لكن ليس ذلك دليلا على رضوان الله -جل وعلا- عنهم فإن الله يعطي الدين لمن يحب ، ويعطي الدنيا لمن يحب ومن لا يحب . قبل أن نتجاوز هذه الآية والسورة ، قال جل ذكره في خاتمتها (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فإذا تأملتها ثم عدت لما كان قبلها ، قال الله -جل وعلا- قبلها بآيات (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) ثم قال في خاتمة السورة (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) فالمناسبة ما بين دعاء المؤمنين وما بين خاتمة السورة : يراد منها إظهار أمرين ، الأمر الأول : الإخبار أن دعاء المؤمنين (رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا) دعاء موفق بدليل أن الله -جل وعلا- أمر عباده بعد ذلك به حتى يبين صواب ذلك الدعاء ، فدعاء المؤمنين الوارد في أول الآيات في خاتمة سورة المؤمنين (إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) الدليل على أن هذا الدعاء دعاء موفق أن الله أمر به في خاتمة السورة (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ) هذا الإظهار الأول. الإظهار الثاني : أن العباد ، الخلق ، الناس كفارا ومؤمنين قد يرحم بعضهم بعضا ، وهذا واقع لا يمكن أن ينكره أحد ، يرحم الوالدان ابنهما ، يرحم الابن والديه ، يرحم المسؤول من تحت يده ، يرحم الأمير رعيته ، يرحم السلطان شعبه ، هذا وارد ، يقع في كل الأمم والشعوب ، لكن رحمة هؤلاء ليست بشيء أمام رحمة الله ، ونظير هذا في القرآن -حتى يُعلم أيُّ كنز مكنون في كتاب الله -جل وعلا- ، قال الله -عز وجل- في الآيات الشهيرات في قضية مسألة بر الوالدين ، وإن كان الحديث ليس عن بر الوالدين ، لكن المقصود إظهار كنوز القرآن عندما يتناسب الحديث ، قال الله -عز وجل- (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) قبلها قال (وَاخْفِضْ لَهُمَا) أي لوالديك (جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) ما المعنى ؟ المعنى من حيث الإجمال : أمرك الله أن ترحم والديك ، وهذا ظاهر بيّن لا يحتاج إلى مفسرٍ حتى يُظهره ، فأمرنا الله أن نرحم والدينا ثم قال (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) أمرنا أن ندعو لوالدينا أن يرحمهما الله ، لمَ ندعوا لوالدينا أن يرحمهما الله ؟
لأن رحمتنا مهما عظمت فانية ، ورحمة الله لنا ولهم باقية ، وحتى يعلم الإنسان ضعفه ، فمهما اجتهد أي رجلٍ بار في بر والديه ، لو لم يترك لهما في القلب مثقال ذرة من حاجة أغناهما -بعد الله- عن كل أحد من الناس وكفل لهما الحياة الطيبة والمعيشة الحسنة ، رحمته بهما مهما بلغت ، مهما علت لا تغني عن رحمة الله ، وهذا يبين للإنسان شيئا إذا وقر في قلبه عرف كيف يعبد الله وهو أن يعرف عظيم ضعفه ، و شعورك وإيمانك بأنك ضعيف دليل على أنك تعلم أن الله -جل وعلا- وحده هو القوي العزيز ، قال الله (وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) أي أن رحمتنا لا يمكن أن تبقى لهما ، لأننا بما أننا نموت فرحمتنا تفنى ، والله حي لا يموت فرحمته تبقى ، قال الله (وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) أي خير من يبقى بعد كل من يموت ، فختم الله هذه الآية الكريمة من سورة المؤمنين بقوله (وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ). والحديث كله عن الفلاح وعن الخيبة ، وقول الله -عز و جل- (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) "لا" هذه نافية والقائل الحاكم رب العالمين الذي هو أدرى وأعلم بخلقه ، قال -عز وجل- في آية مشابهة لها (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) فمن من حكم الله أنهم لا يفلحون من كل و جه وأي طريق يسلكون هم السحرة ، قال ربنا (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى). هذه آية جليلة جاء فيها ذكر الفلاح .
في اللقاء القادم إن شاء الله تعالى نتم الحديث عن هاتين المفردتين المتقابلتين الفلاح والخيبة ، ونأتي على آيات ذُكر فيها الفلاح ، ذُكر فيها الخيبة ، ونستعين الله في تفسيرها وإيضاحها فيجلو المعنى ويتضح ويظهر والعلم عند الله ، وصلى الله على محمد وآله ، والحمد لله رب العالمين .
-----------------------------------------------------
شكر الله لمن قامت بتفريغ الحلقة وجعله ثقيلا في موازين حسناتها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق