السبت، 15 سبتمبر 2012

ذو القرنين مع يأجوج ومأجوج 2 / د. ناصر العمر

الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين المشهد الأخير من قصة ذي القرنين مع يأجوج ومأجوج :
 يقول الله سبحانه وتعالى (ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا*حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِن دُونِهِمَا قَوْمًا لّا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلا*قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) هذه القصة نقف معها عبر المحاور التالية متأملين ومتدبرين :
 / أين مكان السد ؟
لم يُبيّنه الله - جل وعلا - وهناك قاعدة ذكرها العلماء في القرآن كله "إذا لم يُبيّن الله - جل وعلا - شيئا في القرآن حول موضوع معين كما نقول هنا مكان السد أو مكان الفتية ، أو مجمع البحرين ، ولم يُبيّنه النبي - صلى الله عليه وسلم - فإن الأمة لا تحتاج إليه " لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة ، ولو أننا أخذنا بهذه القاعدة لسلِمنا من أمور كثيرة ، من تمحلات ، من إسرائيليات ملأت بها كتب التفسير ، وقلّ أن تجد من كتب التفسير من لم يهتم ولم ينظر إليها . إذا مكان السد لا نعلمه لكن أشار العلماء أنه في الشمال ، وهذا لا يُعارض أن يُذكر ويُلتمس المكان لكن دون إطالة أو جزم أو يقين . قالوا : هما جبلان بين أرمينيا وبين أذربيجان من جهة تركيا ، هذا مجرد ذكر إشارة للفائدة في الأمر .
 / يأجوج ومأجوج وردوا في القرآن في قوله تعالى (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ) ، وكذلك وردت في هذه السورة ، فهما ورد ذكرهما في القرآن في موضعين . وردت أحاديث كثيرة عن يأجوج ومأجوج وأحاديث صحيحة منها كثرتهم من الأمة تسعمائة وتسعة وتسعون أو ألفا كما في الحديث ، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأيضا خاف النبي - صلى الله عليه وسلم على فتح ردم يأجوج ، كما كبّر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال (فُتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا) ، في الحديث الصحيح (أنهلك وفينا الصالحون) في حديث زينب - أم سلمة - قال (نعم إذا كثر الخبث) وأيضا وردت أحاديث كثيرة لا أريد أن أطيل فيها ، بالإمكان الرجوع إلى كتب الصحيح.
/ هل يأجوج ومأجوج من الجن أو الإنس؟
الصحيح أنهم من الإنس ، أنهم من بني آدم ، قيل إنهم من نسل يافث ابن نوح ، وهم قبيلة من جهة التُرك ، هكذا قال العلماء والمفسرون . الشاهد : أنهم من البشر ، لكن الذي يرجع إلى بعض كتب التفسير يلحظ ملحظا ، تجد بعض كتب التفسير وصفتهم بقِصر القامة ، وصِغر الجثة ، حتى مع الأسف سمعت بأذني من يقول : ألا تتصور أن الشعب الفلاني - من الشعوب الموجودة الآن - هم يأجوج ومأجوج ، - أعوذ بالله - كيف يُقال هذا الكلام ؟
 أولا : أولئك مفسدون في الأرض وهذا الشعب فيهم الأخيار وفيهم الأشرار.
 ثانيا : يأجوج ومأجوج بيننا وبينهم ردم - سدّ - ولا ينتقض إلا عند قيام الساعة (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا) وهؤلاء العالم يسيرون بيننا ، من يقول لعل السد سد الصين ، هذا غير صحيح من يقول إنهم طوال وكبار ، كل معاني لم تاتِ عن الله ورسوله ، ولا يُلتفت إلى هذه المعاني أيها الأحبة .
 لكن أعظم صفة لهؤلاء - وهي الثابتة - : أنهم مفسدون في الأرض ، فكل من أفسد في الأرض ففيه صفة من صفات يأجوج ومأجوج بغض النظر عن مكانه وزمانه ، وكل من أفسد في الأرض حتى لو كان داخل بلاد المسلمين فيجب أن يُعاقب وأن يُحال بينه وبين إفساد الناس ، كما أن ذا القرنين حال بين يأجوج ومأجوج وبين الأمم ، ليس فقط الأمة القريبة منه ، بين السدين ، فكذلك المفسدون في الأرض أينما كانوا يجب أن يُعاقبوا ، وأن يُسجنوا ، وأن يُحال بينهم وبين ما يريدون (أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ، هذه كلها من المعاني التي نستفيدها . أما هل هم طوال أو قصار أو كذا ، هذا لا يُفيدنا كثيرا . ومعروف أن خروج يأجوج ومأجوج من علامات الساعة الكبرى (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ*وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) اقترب قيام الساعة ، فهم قُرب قيام الساعة (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاء) إنهار هذا السدّ وخرج يأجوج ومأجوج يُفسدون في الأرض لحكمة يعلمها الله - جل وعلا - وينتشر فسادهم كما كان فسادهم قبل السّد والردم فيكون فسادهم عظيم جدا ، نسأل الله ألاّ نرى هذا .
 يقتلون الناس ويعيثون في الأرض فسادا ولكثرتهم كانوا يمرون على البحيرات والأنهار ويشربونها حتى أن بحيرة طبرية ورد أنهم إذا شربوها يأتي من بعدهم يقول كأنه كان في هذا المكان ماء . وينتهون في آخر الزمان على يد عيسى عليه السلام هذه حِكم يعلمها الله - جل وعلا - ، ولذلك ما نأخذه في قصة يأجوج ومأجوج نسأل الله ألاّ نراه لأنهم بلاء وفتنة ، وشرهم عظيم ، وشرهم مستطير .
 / أيضا نأخذ من قصة يأجوج ومأجوج أنه مهما كانت قوة أهل الفساد فيمكن أن يُحال بينهم وبين إفسادهم إذا وُجد مثل ذي القرنين ، هذا الملك الصالح .
 مفسدون في الأرض ، نعم مفسدون في الأرض كما بيّن الله - جل وعلا - وسيفسدون فيما بعد في الأرض كما في الأحاديث الصحيحة ومع ذلك استطاع ذو القرنين بإمكاناته التي وهبه الله إياها أن يحول بينهم وبين إفسادهم إلى قُرب قيام الساعة ، قرون ، وهذا من رحمة الله بنا ، ولذلك ذو القرنين له فضل علينا فندعو له ونذكره بخير وخلّد الله ذكره إلى يوم القيامة (وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُم مِّنْهُ ذِكْرًا) .يمكن منع الفساد سواء كان صغيرا أو كبيرا .
 أخي : أقول لك حديثي لا يُفهم على غير وجهه ، لا تتصور أني اتحدث عن واجب الملوك والرؤساء والوزراء والأمراء بمنع الفساد فهذا واجبهم ولاشك ، إنما أسألك أنت ما مقدار منعك الفساد في بيتك ، ما منعك لإدخال الفساد فيمن تحت يدك ؟ من السهل جدا أن نُحمّل الآخرين مسؤوليات وهم قد يكونون أهلّ لذلك ، لكن مسؤوليتي أنا وأنت في منع الفساد الذي تحت أيدينا وتحت ولايتنا ، لو خلت بيوتنا من الفساد - وهناك بيوت خالية والحمد لله أسأل الله أن يجعلكم منهم - ، لو خلت بيوت المسلمين من الفساد لما آلت الحال إلى ما نحن فيه (وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ) ، كثير من المصائب التي نحن فيها الآن بسببنا ، بسبب أيدينا ، يُسلط علينا غيرنا (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ) وهم صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خالف بعض الرماة ، ليس كل الرماة ، خالفوا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حلت الهزيمة بعد النصر وقُتل من الصحابة من قُتل ، وجُرح - صلى الله عليه وسلم - وحدث ما حدث بل حتى قيل مات وهو لم يمت - صلى الله عليه وسلم - فنعم يُسلط علينا أعدؤنا علينا بذنوبنا ، ما نزل بلاء إلا بذنب (وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً) .
 إذا ونحن نقرأ قصة يأجوج ومأجوج ومنع ذو القرنين لها ، هذا المنهج المطرد فإننا في نفس الوقت نسأل أنفسنا ماهو دورنا في منع الفساد فيما هو تحت أيدينا ، من ولانا الله - جل وعلا - رعايتهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نعم الفساد في الأمة قد انتشر ، والخير موجود ، واجبنا أن نحفظ بلادنا وبلاد المسلمين ممن يريد إثارة القلاقل والفتن فيها ، نحفظ عقيدتنا ، نحفظ بلادنا ، نحفظ أمننا ، مطلب شرعي من عبث العابثين ، من عبث المفسدين من المنافقين والعلمانيين وأمثالهم ، هذا مطلب واجب .
فإذا قمت بما يجب عليك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحكمة وعدم استعجال وصبر فاطمئن يا أخي الكريم حتى لو حلّت العقوبة بغيرك فاطمئن لأن الله - جل وعلا - يقول (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ) ، سفينة النجاة موجودة ، هل أنت من أهلها ؟ نعم إذا كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتحمي نفسك وبيتك ومن تحت ولايتك من الفساد ، وتدعو الآخرين بحكمة وعلى بصيرة فإنك في هذه الحالة تكون ممن قال الله - جل وعلا - إذا حكم الله تعالى (وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا) ، إذا حلت العقوبة في الآخرين (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ)  كما أنجا الله - جل وعلا - نوح عليه السلام ومن معه - وما آمن معه إلا قليل - في السفينة حتى ابنه لم ينجُ لأنه ليس من المصلحين (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) ، تذكرة المرور للركوب في سفينة النجاة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، قطع دابر المفسدين حماية للبلاد والعباد فهي سفينة ، لكن إذا لم يستجيبوا ، لم يسمعوا ، لم يتجاوبوا مع المخلصين الأمر ليس لك فهل على الرسل إلا البلاغ (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ) أنجُ بنفسك ، (احفظ الله يحفظك) ، (فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ أَنجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ)  نعوذ بالله من هذه الحالة .
 أسأل الله أن يحفظني وإياكم وأن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين ، وأن يوفق ولاتنا وولاة أمور المسلمين لكل خير ولكل صلاح ولكل هدى ، ادعوا في سجودكم بأن يصلح الله ولاة أمور المسلمين لأنه بصلاح الأمراء ، بصلاح الولاة تصلح البلاد والعباد.
أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق