الخميس، 6 سبتمبر 2012

ذو القرنين مع يأجوج ومأجوج -1-

د. ناصر العمر


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين :
  مع هذه القصة ، مع هذا الملك العظيم لذي القرنين ونحن نتلو هذه الآيات نجد أيضا أن من هذه الدروس درس ركّز عليه القرآن وبالذات في سورة الكهف .
في قصة الفتية ذكرت أنهم لم يدخلوا معركة خاسرة مع مجتمعهم وهو مجتمع كافر ، كل ما فعلوه انسحبوا إلى الكهف (فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ) ، لم يقولوا لماذا لا ندخل ونفجر وندمر ، لا لا ، (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ) المعنى نفسه ليس خاص بالأفراد حتى في الملوك والرؤساء .
 ذو القرنين عندما جاء وبلغ بين السدين وقال له هؤلاء (إنَّ يَأجوجَ وَمَأجُوجَ مُفْسدُونَ فِي الأرضِ) مع أنه بلغ المشرق والمغرب وآتاه الله من كل شيء سببا لم يدخل معركة مع يأجوج ومأجوج ، لم يقل هيا نهيء جيشا لقتالهم وقتلهم لأنه لا يستطيع . قد يكون يبلغ من المُلك ما يبلغ لكن الدخول في المعارك ليس بالأمر السهل ، هناك فرق بين جهاد الطلب وجهاد الدفع ، جهاد الدفع كل من استطاع أن يدفع فليفعل أما جهاد الطلب فله أصوله وشروطه وضوابطه كما بيّن العلماء . والخلل في هذا المعنى هو الذي أوقع الأمة في كثير من المشكلات .
هو رأى أن دفع هؤلاء لا يلزم منه القتال ، بناء ردم - سد - وتنتهي المشكلة لحكمة يعلمها الله - جل وعلا - ولا شك ، وهو قدر كوني ، يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض . إذا الدخول في المعارك غير المكافئة على المستوى الفردي أو غيره مشكلة كبرى تعاني منها الأمة أيها الأخوة ، على مستوى الأفراد وعلى غير الأفراد ، وفي المقابل بإمكان الأمة أن تقضي على عدوها لكنها لا تفعل ، في المقابل . مثلا : اليهود في فلسطين لو خُلي بين الأمة وبين اليهود لانتهت ، لانتهى اليهود في فلسطين ولا أبالغ ، الحقائق تثبت هذه القضية حتى لا يُفهم من كلامي السابق أني أدعو إلى الاستسلام ، إلى الذل كما هو واقع كثير من بلاد المسلمين لا ، أقول لا ندخل معارك غير متكافئة وفي الوقت نفسه إذا هيأت الأمة فلتفعل ، لو خُلي بين الأمة وبين اليهود ماذا سيحدث ؟
- وسيُخلى بينها بإذن الله - ، بقدر الله (تقاتلون اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه ) وسيقتل المسلمون اليهود قتلة عظيمة جدا . نسأل الله أن يُقرّ أعيننا بذلك عاجلا غير آجل.
 غزة منطقة صغيرة محدودة المساحة ، محاطة بالأعداء ، سكانها بالأطفال والنساء والكبار والعجائز مليون ونص انظروا إلى صمودها سنوات أمام اليهود مع أنها ممنوعة عن الطعام حتى من بعض الدول الإسلامية ، يُقام سد - مع كل أسف - بين غزة وبين الدول المجاورة ومع ذلك انظروا إلى الثبات فكيف لو خُليت الأمة ؟ يقينا - طبعا يجوز أن نتيقن على غلبة الظن بإذن الله كما قال شيخ الإسلام قالوا له أقسم ، أقسم بالله سبعين يمينا سينتصر ، قالوا له قل إن شاء الله ، قال : إن شاء الله تحقيقا لا تعليقا .
 أقول ستنتصر الأمة على اليهود بأسابيع وربما بأيام . لكن من الذي يحمي هؤلاء ، من الذي يحمي اليهود من الداخل والخارج أيضا أي داخل فلسطين أو خارجها الأمر واضح ، لا نُخوف بالعدو (وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ) (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) أمريكا ، الغرب (فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ) .
 (لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ) لا نستطيع ، أمريكا ، ما نستطيع الغرب ، ما نستطيع اليهود ، ما نستطيع ... (قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) وفعلا (فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ) هذه حقائق يرسمها القرآن لكن لابد من الاعتدال في الوقت الذي نقول لا ندخل في معارك غير متكافئة لم نستعد لها ، لم تُهيء لها الأمة أيضا لا نستسلم ، إلى متى نستسلم ، لابد أن تُهيء الأمة ، أن تهيء لميادين الجهاد .
 الجيوش العربية الآن ماذا فعلت خلال خمسين سنة ؟ عرفتم ماذا فعلت ، سأخبركم ، اكتشفنا ماذا فعلت الجيوش العربية أو بعبارة عربية بعض الجيوش العربية جاءت لتدمر شعوبها ، لتقتل شعوبها ، جيوش أُنفقت عليها المليارات من الدولارات والأموال ، سنوات ونسمع في الإذاعات والإعلام : من أجل اليهود ، من أجل قتال اليهود وحماية البلاد و... و.... ، فإذا هي لحماية الرؤساء ولقتل الشعوب كما رأينا وشاهدنا ، هذا واقع مشاهد ، سبحان الله ولهذا ضُربت علينا الذلة .
 أيها الأخوة : هذا معنى عظيم جدا ولذلك أيضا مما أختم به هذه الدروس لهذا الأمر أن الأمة عليها أن تُسلم قيادتها للأخيار كما سلّم هؤلاء قيادتهم لذي القرنين فقادهم إلى الخير ، اللهم ولي علينا خيارنا واكفنا شرارنا . اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يُعزّ فيه أهل الطاعة ، ويُذل فيه أهل المعصية ، وإن كان البعض يقول : ويُهدى فيه أهل المعصية ونقول المعنيان صحيحان والدليل على ذلك (أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ) ويُذل فيه أهل المعصية ، المستمر على معصيته ، المراوغ يُذل ، تُحمى البلاد منه ، ونحن نسأل الله الهداية لكل مسلم ولا شك ولكل إنسان حتى نسأل الله الهداية للكافر .
 أيضا : نجد أنهم لم يستكينوا لعدوهم لم يذهبوا ويسلموا أنفسهم ليأجوج ومأجوج مع قوتهم وجبروتهم وفسادهم كما يفعل الغرب في بلاد المسلمين الآن ، دمروا فلسطين ، ودمروا العراق ودمروا أفغانستان وباكستان .. ومسلسل التدمير مستمر . لا لم يستسلموا مع ضعفهم ، بُسطاء لكنهم أقوياء فحماهم الله - جل وعلا - من يأجوج ومأجوج . فهذه معانٍ دقيقة جدا أيها الإخوة فأقول إن قصة ذي القرنين قصة فيها من الدروس والعِبر ما نحتاج إلى أن نتأمله وهي قصة الولاية ، الولاية سواء كانت عامة أو خاصة ، قصة كيف تعيش الأمم ، كيف تستثمر طاقاتها ، كيف تبث الرحمة ، كيف تقف أمام الأعداء .
 نريد ونحن نقرأ سورة الكهف وقصة ذي القرنين أن نعيش مع هذه المعاني (لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) فيأتي ذي القرنين ويذهب إلى هؤلاء وهم قوم (لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلاً) قال العلماء: إما لبطء فهمهم ، وإما لاختلاف لغاتهم ، ومع ذلك صبر ذو القرنين وبذل جهده من أجل أن يفهمهم ، وذهب إلى المشرق والمغرب . إذا هي درس للدعاة والعلماء أن ينطلقوا اليوم إلى مشارق الأرض ومغاربها . كان في الماضي - ولا نزال نحتاج إلى أن يذهب الإنسان لأقصى الأرض شمالا وقد تيسرت الأمور لكن اليوم تستطيع وأنت في بيتك ، وفي مكتبك أن تصل إلى مشارق الأرض ومغاربها عبر الآلآت الحديثة كما استخدم ذو القرنين هذه الإمكانات (مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) فحمى البلاد من المفسدين نحن أيضا نستطيع أن نقطع الفساد بنشر الخير عبر وسائل الإعلام الحديث ، هذا الجوال اليسير الذي يجعل العالم بين يديك ، هذه وسائل الإنترنت ، الفيس بوك ، تويتر وغيرها ، وسائل حديثة . فبدل أن تُستخدم في الشر ويستخدمها أهل الشر نحاول أن نقطع دابرهم باستخدامها في الخير . أناس في بيوتهم آمن وأسلم على أيديهم العشرات بل المئات في مشارق الأرض ومغاربها .
 إذا كان ذو القرنين قد سار غربا وشرقا وإلى السدين ، طاف الأرض فنحن نستطيع عبر هذه الآلآت الحديثة أن نفعل ذلك ، البعض في الماضي يقول أنا لا أستطيع أن أسافر ، إمكاناتي المادية لا تسمح لي بالسفر ، لغتي ، ربما أنه ممنوع من السفر أو من دخول تلك البلاد ، اليوم العالم بين يديك . إذا استثمرنا هذه الآلات الحديثة وهذه المخترعات الحديثة لهداية الناس فأبشروا ونحن والله متفائلون ، التقارير العالمية تُثبت أن الإسلام قادم وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الدين سيدخل في كل وبر أو مدر ، يعني في البراري وفي المدن بعزّ عزيز أو ذل ذليل . يتآمرون على الإسلام فيزيد الإسلام ، يسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - بأبي وأمي ويزيد الإسلام في الدنمارك ، يُحرقون المصاحف في بعض البلاد فيزيد الإسلام والباحثون عن القرآن ، يمنعون الحجاب فيكثر المتحجبات ، الدين عجيب (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) .
 واجبنا أيها الإخوة إذا كنا نتحدث عن ذي القرنين وهو هذا الملك الصالح أتحدث عنك أنت والدليل (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً) لاحظوا قال ( فِيكُمْ أَنبِيَاء) لم يقل كلكم أنبياء لأن النبوة خاصة ، قال (جَعَلَكُم مُّلُوكاً) لم يقل جعل فيكم ملوكا ، كأن كل إنسان بما يملك من إمكانات علمية أو مادية كأنه ملك ، إذا أنت يا أخي ملك بما أعطاك الله من إمكانات (مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ) أنت إذا ملك  (وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً)  أنتم ملوك حتى لو كنت لا تملك إلا الشيء اليسير من المادة ،  بعلمك ، بإيمانك ، بتفاؤلك ، تحرك في الأرض ، اذهب عبر هذه الوسائل ، إن استطعت أن تنتقل ببدنك إلى المشارق والمغارب فافعل كما فعل ذو القرنين ، إن لم تستطع فتحرك واستثمر هذه الوسائل رجلا أو امرأة مع الالتزام بالضوابط الشرعية وأؤكد على الأخوات بذلك لأن بعض الأخوات - هداهن الله - توسعن في هذا الباب ووقعن في مشكلات هن في غنى عنها ، المرأة إذا استخدمت هذه الآلآت ، لا أقول لا تستخدمها ولكن يجب أن تستخدمها بالضوابط التي لا تؤدي إلى المفسدة ولا إلى الفتنة كم حدث مع كل أسف .
 إذا بهذا نُوفق ، بهذا نبلغ المشرق والمغرب ، بهذا نصل إلى مغرب الشمس ومشرقها ، وإلى السدين وما حولهما إلى شمالها وجنوبها ، بهذا نُبلّغ رسالة الله . أسأل الله أن يجعلنا من دعاته الصادقين المخلصين .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق