الخميس، 8 ديسمبر 2011

تفسير سورة آل عمران ( ٨١- ٩١) من دورة الأترجة

الشيخ د. أحمد بن محمد البريدي



المقطع الثاني :
قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ*فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ*أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)يُخبِرُ الله تعالى أنّه أخذ ميثاق كُلَّ نبي بعثه من لَدُن آدم ـ عليه السّلام ـ إلى عيسى بما آتاه الله من الكِتاب والحكمة أنّه إذا جاء رسول من بعده ليُؤمنَّنَّ به ولينصُّرنّه ولا يمنعه ما فيه من العلم أن يتبِّع النّبي الذّي أتى بعده. فهذا ميثاق الله على الأنبياء.

هذا إشارة إلى أتباع الأنبياء أتباع عيسى،وأتباع موسى الآن اليهود والنّصارى، إذا كان الله أخذ العهد على أنبيائكم أن يتَّبِعُوا من جاء بعدهم، والذِّي جاء بعدهم هو محمد ـ صلى الله عليه وسلّم ـ فإذا كان الله قد أُخِذ العهد على أنبيائكم فإذا أُخِذَ العهد على النّبي فالعهد عليه وعلى أتباعه، فكأنّه قد أُخِذَ عليكم العهد أن تتَّبِعُوا النّبي ـ صلى الله عليه وسلّم ـ .
(وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) الإصر هو العهد، قال ابن قُتيبة : أصلُ الإصر الثِّقل، فَسُمِّيَ العهد إصراً لأنّه منعٌ من الأمر الذّي أُخِذَ له، وثُقلٌ وتشديد. قال الله عزّوجل ( قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) على ماذا يشهدون ؟قال ابن عطيّة - رحمه الله - يحتمل معنيين:الأوّل: فاشهدوا على أُمَمِكُم المؤمنين بكم، وعلى أنفسكم بالتزام هذا العَهد وهذا هو قول الطّبري وجماعة.
الثاني: بيّنوا الأمر عند أممكم واشهدوا به وشهادة الله تعالى على هذا التَّعويل هي إعطاءُ المعجزات وإقرار النُّبُوَّات.
فالقول الأوّل: إيداع الشَّهادة واستحفاظها، والقول الثاني: هو الأمر بأدائها ( فَاشْهَدُوا) يحتمل الأمر بإيداع الشهادة والقول الثاني يحتمل أنها التّحمّل والأداء أيّ تتحملّوا هذه الشّهادة وأن تُأَدُّوها إذا طُلبت منكم .
( فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ) أيّ عن هذا العهد والميثاق ( فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)قال عليّ وابن عبّاس: ما بَعَث الله نبيّا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق لئن بُعِثَ محمّد وهو حيّ ليُؤمنّنّ به ولينصُرّنه.وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته , لئن بُعث محمد وهم أحياء ليُؤمنّنّ به ولينصُرنّه.
وقال قتادة: أخذ الله ـ عزوجل ـ ميثاق النبيين أن يُصدّق بعضهم بعضا , ولا تعارض بين هذين القولين ./ لماذا الله أوجب على النبيّين أن يُؤمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ؟!لأنه خاتم الأنبياء وإمامهم , هناك دليل عملي على أنّه إذا وُجد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ووُجد بقيّة الأنبياء أنّ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هو إمامهم متى؟! في صلاة الإسراء , فالذي أمّ بالأنبياء سيد ولد آدم اللهم صلّ وسلّم عليه .
(أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ) أيريدون دين غير دين الله عزوجل ( وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) والإسلام هنا بمعناه العام , أسلم لله , لا أحد إلا ويُقرّ بالله ـ عزوجل ـ كما قال الله ـ عزوجل ـ : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) أي استسلم له من فيهما كما قال في آية أخرى: (وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا) فالمؤمن مستسلم بقلبه وقالبه لله , والكافر مستسلم لله كُرها ، والسَّلف - رحمهم الله - ذكروا معانٍ كثيرة في معنى الطوَّع والكُره هنا تجدونها في كتب التَّفسير لكنّها كلها مُتقاربة وتعود إلى ما ذكرتُ لكم .المقطع الثالث :(قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ*كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ*أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ*خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ* إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ اللَّه غَفُورٌ رَّحِيمٌ*إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ*إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ)
يقول الله (قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) ما الذي أُنزل علينا؟! القرآن (وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ) قدّم الله - عز وجل - هُنا إسماعيل على إسحاق لماذا؟! قال العلماء: قدّمه لسنّهِ لأنّ إسماعيل أكبر من إسحاق ، وقال بعضهم قدّمه لسنّهِ ولفضلهِ فإنه هو الذبيح ومن ولده محمد - صلى الله عليه وسلم - ( وَالأَسْبَاطِ) وهم بُطون بني إسرائيل المتشعبّة من أولاد إسرائيل , يعمّ جميع الأنبياء جملة (لاَ نُفَرِّقُبَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ) كما نُؤمن بهم جميعاً وهذه ميزة خاصّة لأهل الإسلام أنّهم يؤمنون بجميع الأنبياء (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فالمؤمنون من هذه الأمة يؤمنون بكل نبيّ مُرسل وبكل كتابٍ أُنزل لا يكفرون بشيء من ذلك , ثم قال الله : (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ) والإسلام هنا يا إخواني ليس الإسلام بمعناه العام ,الإسلام المراد به هو دين النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ (وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) ولذلك قال النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ : (لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بالذي أُرسلتُ به إلا كان من أصحاب النار)[1] وقد روى الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :[2]( تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة فتقول: يا رب أنا الصلاة , فيقول: إنّك على خير , وتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة , فيقول إنّك على خير , ثم يجيء الصيام فيقول: يا رب أنا الصيام , فيقول: إنك على خير , ثم تجيء الأعمال كل ذلك يقول الله تعالى: إنك على خير , ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام, فيقول الله عزوجل إنك على خير , بك اليوم آخذ وبك أُعطي , قال الله في كتابه: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)ثم قال الله - عز وجل - : (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) سبب نزول هذه الآية كما رواه ابن جرير عن ابن عبّاس: كان رجل من الأنصار واسمه الحارث بن سُويد أسلم ثم ارتدّ ولحق بالشرك ثم ندم فأرسل إلى قومه أن سَلُوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هل لي من توبة؟! قال: فنزلت (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) إلى قوله: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) فأرسل إلى قومه فأسلم, وهكذا رواه النسَائي وابن حبّان والحاكم [3], وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يُخرجّاه ,
وقال الطبري: إنها نزلت في اليهود والنصارى شهدوا بنعت الرسول - صلى الله عليه وسلم - وآمنوا به , فلمّا جاء من العرب حسدوه وكفروا به . ولذلك قال الله - عز وجل - : (كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) أي كانوا مؤمنين بالنبي محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثه , فلمّا بُعث من العرب كفروا , هذا رأي ابن كثير - رحمه الله - .
(وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ) أي قامت عليهم الحجج والبراهين على صدق ما جاءهم به الرسول , فكيف يستحقّ هؤلاء الهداية بعد ما تلبّسوا به من العناد والعمى والضلال؟! ولهذا قال: (وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فإنّ هذا هو عين الظلم , ثم بيّن جزاؤهم بقوله: (أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ خَالِدِينَ فِيهَا) قيل خالدين في اللعنة ، وقيل أي في هذه العقوبة الذي يتضمّنها معنى اللعن وهو دخول النار , قال ابن عطيّة: "وقرائن الآية تقتضي أنّ هذه اللعنة مُخلدّة لهم في جهنّم , فالضمير عائدٌ على النار وإن كان لم يجري لها ذكر لأن المعنى يُوضحها" .
ثم قال الله عزوجل: (لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ) بل هم في عذاب دائم كما قال الله في آيةٍ أخرى: (وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ) الله - عز وجل - لا يخفف عنهم (وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ) أي لا يُخفف عنهم ولا يُؤخر العذاب عنهم .
ثم قال الله بعد ذلك : (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وهذا من لطفه وبرّه ورحمته أنّه من تاب تاب الله عليه , ثم قال الله - عز وجل - : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْكُفْرًا) قوله: (ازْدَادُواْ كُفْرًا) أي استمرّوا عليه حتى الموت (لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) لماذا فسَّرنا ازدادوا كفرا أنهم استمرّوا عليه حتى الموت ؟ لأنّه من المقطوع عليه أنّ من تاب قبل أن تُغرغر روحه أو قبل أن تطلع الشمس من مغربها قُبلت توبته , ولذلك قول الله ـ ـ : (ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا) أي استمّروا عليه حتى الممات , كما قال الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) ثم قال الله - عز وجل - (وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ) أي الخارجون عن المنهج الحَقّ إلى طريق الغيّ , ثم قال الله (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) أي أنّ من مات على كفره لن ينفعه إيمان, ولذلك جاء في الحديث أنّه سئل النَّبي - صلى الله عليه وسلم - فقيل ابن فدعان -هذا رجل كافر- كان يُقري الضيف ويفكّ العاني ويُطعم الطعام , هل ينفعه ذلك؟! قال: (لا ، إنه لم يقل يوماً ربِّ اغفر لي خطيئتي ) , يعني لم يُسلم مات على كفره.
فـ (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) [4] الواو هنا قال بعض المفسرّين أنها زائدة , ما معني زائدة؟! يكون التقدير لن يُقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً "لو" افتدى به , وهذا ضعيف, والصحيح أنها عاطفة والمعنى : لو أنفق ملء الأرض ذهباً وذلك يوم القيامة ولو افتدى به , العطف يدل على أنه دفعه وانتهى , يعني لو أنفق ملء الأرض فلن يُقبل من أحدهم ملء الأرض , الإنسان يقول أنا عندي الآن ملء الأرض ذهبا أفتدي به من عذاب جهنم وهو مات على الكفر؟! لا , لو إنسان أنفق ملء الأرض ذهبا افتدى به انتهى , هل يُقبل منه؟! لا يُقبل منه , ولذلك قال الله عزوجل: (وَلَوِ افْتَدَى بِهِ) أي من أنفقه في الدنيا ثم أراد أن يفتدي به في الآخرة ما قُبل أيضا , وهذا هو الصحيح أنّ الواو عاطفة وليست بزائدة , وأنّ المعنى أنّه لو أراد أن يُنفق ملء الأرض ذهب يوم القيامة ما قُبل , طيب لو أنفق في الدنيا وجاء يوم القيامة يريد أن يفتدي بما أنفق ما قُبل , (أُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) روى الإمام أحمد عن أنس بن مالك عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال ( يُقال للرجل من أهل النَّار يوم القيامة أرأيت لو كان لك ما على الأرض من شيء أكنت مفتدياً به ) - يعني لو كان لك كل ما على الأرض , أنت في النار الآن ونأخذه منك وتخرج من النار - (فيقول: نعم , فيردّ الله عليه فيقول: قد أردتُ منك أهون من ذلك , قد أخذتُ عليك في ظهر أبيك آدم أن لا تُشرك بي شيئا فأبيتَ إلا أن تُشرك بي) , وهذا وعيد شديد أيّها الإخوة فلنتدارك أنفسنا وليفتش الإنسان عن نفسه يا إخواني وليسأل الله الخاتمة الحسنة فإنّ الإنسان لا يَأمن بما يُختم له , فلو مات على غير ما يُحب نسأل الله العافية والسلامة .
وختم الله - عز وجل - هذه الآية بقوله: (أؤلئك) أي هؤلاء الكفار (لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) أي مُوجع (وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ) أي يُنقذهم من عذاب النار. نسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يُجيرنا وإياكم ووالدينا من النار.

--------------------------------------
1- رواه مسلم في باب وُجُوبِ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم - إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ وَنَسْخِ الْمِلَلِ بِمِلَّتِهِ.
2- مسند الإمام أحمد
3- ابن حبان باب الردة
4- صحيح مسلم باب الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّ مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ لاَ يَنْفَعُهُ عَمَلٌ.
----------------------
مصدر التفريغ / ملتقى أهل التفسير / بتصرف يسير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق