الخميس، 8 ديسمبر 2011

سبب نزول قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً ...) [آل عمران : 77]


قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لاَ خَلاقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [آل عمران : 77] قال الإمام أبو عبد الله البخاري [ج5/(ص430)] حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ هو عليها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان" فأنزل الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية. فجاء الأشعث فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن فيَّ أنزلت هذه الآية كانت لي بئر في أرض ابن عم لي فقال لي: شهودك قلت: ما لي شهود، قال: فيمينك، قلت يا رسول الله إذا يحلف فذكر النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - هذا الحديث فأنزل الله ذلك تصديقا له.
الحديث أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه منها
[ج6 ص70 وص280] وفيه : كانت بيني وبين رجل من اليهود أرض و(210) وفيه كانت بيني وبين رجل خصومة في شيء،و(ص215)و[ج9 ص280]و[ج14 ص(352) وص(368) و[ج16 ص(302)] وأخرجه مسلم [ج2 ص(158) والترمذي [ج2 ص(254) وأعاد بسنده [ج4 ص(81) وأبو داود [ج3 ص(214) و(215)] وعزاه المباركفوري في تحفة الأحوذي [ج2 ص(254)] –إلى النسائي وابن ماجه مع من تقدم من أصحاب الأمهات ورواه الإمام أحمد في المسند [ج1 ص(426) وص(442)] و [ج5 ص(211) و(212)] من مسند الأشعث بن قيس .
وأخرج البخاري من حديث عبد الله بن أبي أوفى أن رجلا أقام سلعة في السوق فحلف فيها لقد أعطى بها ما لم يعطه ليوقع فيها رجلا من المسلمين فنزلت {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا} الآية
[ج9 ص(280)] ،ولا منافاة بينهما ويحمل على أن النزول كان بالسببين جميعا ولفظ الآية أعم من ذلك على أن حديث عبد الله بن مسعود أصح لأن حديث عبد الله بن أبي أوفى من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن السكسكي قال الحافظ الذهبي في الميزان لينه شعبة والنسائي ولم يترك إلى آخر ما ذكره رحمه الله.
وقوله في بعض الروايات في أرض وفي أخرى وفي بئر قال الحافظ في الفتح
[ج14 ص(369)]: "ويجمع بأن المراد أرض البئر لا جميع الأرض والبئر من جملتها". هذا وقد أطال الحافظ رحمه الله في الفتح في هذا الموضوع في توجيه بعض الألفاظ التي ظاهرها يخالف الأخرى فليراجع هنالك . (1)

/ هل نزلت الآية على أحد السببين أو نزلت عليهما جميعا ؟

الحافظ بن حجر - رحمه الله - مال إلى الثاني وقال : " لا منافاة بينهما ويُحمل على أن النزول كان بالسببين جميعا ، ولفظ الآية أعم من ذلك ولهذا وقع في صدر حديث ابن مسعود ما يقتضي ذلك " اهـ .
وابن العربي - رحمه الله - يميل إلى ترجيح حديث ابن مسعود في قصة الأشعث بن قيس فقال بعد أن ذكر أسباب النزول في الآية : " والذي يصح أن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر الحديث ..... ثم قال : وذلك يحتمل ما صح في الحديث وما روي عن اليهود " اهـ .
وعندي - والله أعلم - أن الراجح ما اختاره ابن العربي في ترجيح حديث ابن مسعود لأن القصة بين الأشعث وبين رجل من اليهود والآية التي بعد هذه الآية تتحدث عن اليهود في قوله : (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُم بِالْكِتَابِ ...)
[آل عمران :78] والآية التي قبلها تتحدث عنهم أيضا في قوله (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا....) [آل عمران :75] .
ومما يؤيد هذا أيضا أن حديث ابن مسعود رواه السبعة بينما لم يرو حديث ابن أبي الأوفى سوى البخاري ، والكثرة - في الغالب - قرينة على الصواب . ثم الأشعث - رضي الله عنه - يحلف ويقول : فيَّ والله كان ذلك وهو لن يحلف إلا على ما ثبت عنده .
بقي أن يُقال : ماالجواب عن حديث ابن أبي أوفى ؟
فالجواب : أن يُقال : هذا ما غلب على ظنه من نزولها وليس بالضرورة أن يكون هو الصواب .
أو يُقال : قوله " فنزلت " أن حكم تلك الصورة يتناوله لفظ الآية فعبر عن ذلك بالنزول وهذا مبني على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب .
النتيجة : أن سبب نزول هذه الآية ما جرى للأشعث بن قيس في خصومة له مع يهودي في أرض حين خاف من يمين اليهودي أن تذهب بأرضه فأنزل الله الآية . لصحة السند ، وموافقته لسياق الآيات وتصريحه بالنزول والله أعلم . (2)
--------------------------------
1- الصحيح المسند من أسباب النزول للوادعي
2- المحرر في أسباب نزول القرآن / د.خالد المزيني

هناك تعليقان (2):

  1. الايه الكريمه مكتوبه خطا والصح كالاتي : "ان الذين يشترون بعهد الله وايمنهم ثمنا قليلا اولئك لا خلق لهم في الاخره ولا يكلمهم الله ولا ينظر اليهم يوم القيامه ولا يزكيهم ولهم عذاب اليم "

    ردحذف
    الردود
    1. جزاكم الله خيرا
      الآية صحيحة وما أشكل عليكم أنها لم تُكتب برسم المصحف
      أنظر/ي هنا بارك الله فيكم :
      http://quran.ksu.edu.sa/index.php#aya=3_77

      حذف