الاثنين، 2 يناير 2017

تفسير وتدبر سورة غافر / فوائد للدعاة والدعوة / الشيخ محمد بن علي الشنقيطي


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
 الحمد لله رب العالمين { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا ۜ * قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ}، اللهم لك الحمد حتى ترضى ولك الحمد إذا رضيت ولك الحمد بعد الرضا ، لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، وأصلي وأسلم وأبارك على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد بن عبد الله رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأحبابه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين ثم أما بعد ..

 أيها الأحبة إن أفضل ما اجتمع له المجتمعون واستمع له المستمعون وتدارسه المتدارسون هو كلام الله جل جلاله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كلام الله الذي هو نور من عند الله جل جلاله ، وروح من أمر الله جل جلاله.
 وهذه السورة سورة غافر هي أول سور الحواميم ، والحواميم سبع متتاليات في القرآن، { الم } تفرقت { الم * ذَٰلِكَ الْكِتَابُ } في البقرة ،{ الم * اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } في آل عمران، ثم تأتي سور أخرى ثم بعد ذلك تعود { المص }،  ثم بعد ذلك سور ثم تأتي { الر } فتفرقت ، بينما الحواميم تتالت وتتابعت.
 أول سورة اُفتتحت من هذه السور سورة غافر لتكون إعلان عن مغفرة الله عز وجل الواسعة { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا } الرحمة ثم العلم ، وقال تعالى في شأن مغفرته التي وسعت كل شي قال : { إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ } الغافر من هو؟ الله {غَافِرِ الذَّنْبِ} طيب لماذا جاءت غافر فقط على صيغة إسم الفاعل ولم تأتِ بالإضافة سورة غافر الذنب ؟ لأن ليس كل قارئ لها مذنب بل قد يقرأها النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا ذنب عليه غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فهي سورة الغافر والذي يقرأها مغفور له -بإذن الله- وورد فيها قصة المغفور له، من هو المغفور له ؟ الرجل الداعي إلى الله المؤمن من آل فرعون الذي لم يمنعه جبروت فرعون وقوَّته من أن يقول كلمة الحق وأن يدعو إلى الحق ، وبيّنت هذه السورة ضمناً أن أقرب طريق للمغفرة هي الدعوة إلى الله ، إذا كثُرت ذنبوك فادعو إلى الله لأن الدعوة إلى الله سبيل المغفور لهم وعلى رأسهم محمد صلى الله عليه وسلم.
/ قال تعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا } ماهو الفتح المبين ؟ فتحاً نكرة في سياق الإثبات تفيد العموم فتحنا لك قلوب الناس فتحاً مبيناً، فتحتنا لك آذان الناس فتحاً مبيناً ، فتحنا لك عقول الناس فتحاً مبيناً ، فتحنا لك مُدن الناس وتجمعات الناس وقبائل الناس فتحا مبيناً ، ومكة هل هي بنيان فقط لا ناس فيه ؟ أم أنه بنيان وداخل ذلك البنيان ناس كانت قلوبهم مغلقة وكانت عقولهم مغلقة عن الإسلام ففتحها الله عز وجل { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ } ولما فُتِح له الفتح المبين جاء بعد ذلك الفتح المبين الناس يدخلون في دين الله أفواجاً قال تعالى : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا } لأنه قبل الفتح كانت القلوب مغلقة ، قبل الفتح كانت العقول مغلقة ، وهذا الفتح لا يكون إلا بهذا القرآن الذي هو مفتاح القلوب ، كل آية منه مفتاح في قُفل من أقفال قلب الإنسان { أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } التي تمنع من تدبر القرآن.
 قال تعالى : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ { حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } طبعاً هذا الافتتاح بـ { حم } و { الم } و { طس } دائماً يأتي بعده الكلام عن القرآن لأن هذه الحروف هي التي تكوَّنَ القرآن منها وهذا سِر الإعجاز.
وبعض العلماء يقول: إذا ذكر الله حروف مقطعة في فواتح سورة فمعنى ذلك أن تلك الحروف هي أكثر الحروف ذكراً في السورة ففازت في العدد ، لأن كل حرف يُذكَر في القرآن ذلك الحرف ينال مزية وينال فضلاً ، وأفضل الحروف على الإطلاق ما احتواه لفظ الجلالة [الألف واللام والهاء] وهذه الحروف من أكثر الحروف ذكراً في القرآن لكن { حم } تكررت أيضاً ، تكرر حرف الحاء وتكرر حرف الميم أكثر من غيرهم في هذه السور، ومن قرأ السورة لاحظ ذلك.{ حم } وبعدها { حم } وبعدها { حم * عسق } بزيادة حروف إلى غير ذلك..
 { تَنْزِيلُ الْكِتَابِ } بهذه الحروف { مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } وذِكر العزة والعلم بعد الكتاب فيه دلالة على أن هذا الكتاب مصدر العزة وهذا الكتاب مصدر العلم فمن ابتغى عزة في غير القرآن أذله الله ، ومن ابتغى علم من غير القرآن فهو الجاهل الذي لا علم له.
 ثم قال تعالى بعد قوله تعالى : { الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ * غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } ليُبين الموانع من العلم والموانع من العزة أنها الذنب والجهل ، فالذنب يُغلق باب العلم ولذلك الإمام الشافعي رحمه الله في بداية نشأته لما قدِم من الشام إلى مكة مع أمه ثم من مكة إلى المدينة مع أمه وجاءت به أمه إلى الإمام مالك وقالت له : يا إمام هذا محمد بن إدريس الشافعي وكان يتيماً وكان من آل البيت - شريفاً - وقالت له : هو عندك فعلمه العلم ، نظر فيه الإمام مالك وكان صاحب فراسة واختبره في العلم ، اختبره في الحفظ فإذا بالشافعي موسوعة يحفظ بسرعة قال له : "يا بني إني أرى الله قد نوَّر بصيرتك فلا تطفئ نور الله بالمعصية" ولذلك نظمت هذه ويُنسَب ذلك النظم للشافعي يقول فيه :
شكوت إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني أن العلم نور ** ونور الله لا يؤتَى لعاصي
 ولذلك عُصم الأنبياء من المعصية حتى يستقر العلم في قلوبهم ، وإن الإنسان لينسى الباب من العلم والسورة من القرآن وربما نسي القرآن كله بسبب ذنب واحد وهذا من سوء وآثار الذنب.
 { غَافِرِ الذَّنْبِ } لأنه العليم { غَافِرِ الذَّنْبِ } لأنه يريد أن يعلِّم من غفر له ، ولذلك الملائكة لما سئلوا عن علمٍ قال لهم الله : { أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } ولم يجدوا علماً عندهم سبحوا الله { قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ } طيب آدم عليه السلام علَّم الملائكة قبل أن تصدر منه المعصية ، تعليمه للملائكة قبل أن يأكل من الشجرة ، كان عنده العلم فلما علّم الملائكة وأصبح أعلى من الملائكة بسبب العلم وسجد الملائكة كلهم أجمعون لآدم حصل من آدم ذنب واحد فنتج عن ذلك الذنب نسيان قال تعالى : { فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا } ذهب العزم بسبب الذنب ، وأُهبِط من الجنة إلى الأرض بسبب الذنب ، والذنب ماهو ؟ لقمة واحدة لم يبلعها ، لقمة واحدة نهاه عن الشجرة فأكل منها قيل لقمة واحدة ، أصبح آدم نزل مستواه عن مستوى أُولي العزم حتى قيل للنبي صلى الله عليه وسلم { فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } لو لم يأكل آدم من الشجرة لكان من أولوا العزم لكنه أكل من الشجرة فلم نجد له عزم.
/ { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } هنا يفتح لنا ربنا الطريق للعلم وأن أول العلم التوبة ولهذا قال الله عز وجل : { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ } ثم ذكر بعدها { كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَىٰ } الطغيان ذنب فيمنعه طغيانه من العلم ، ثم ختم ذلك بقوله : { أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَىٰ * عَبْدًا إِذَا صَلَّىٰ } العبد الذي يصلي محمد صلى الله عليه وسلم عنده العلم وعنده العمل بالعلم وذلك الذي لا علم له ينهى ثم يقول الله : { كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ } لأن من وجد العلم ثم عمِل بالعلم زاده الله علماً وزاده عملاً ، ومن وجد العلم ولم يعمل بالعلم أُخِذ العلم منه.
 { غَافِرِ الذَّنْبِ } فالذنب لا يجتمع مع العلم { قَابِلِ التَّوْبِ } فالذنب لا يجتمع مع التوبة.
/{ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ } سبحانه وتعالى ذكر مغفرته للذنب وذكر قبوله للتوبة ثم قال بعد ذلك { شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ } وفي هذا بيان أن رحمته سبقت غضبه وأن الإنسان مهما أذنب ومهما كثُرت ذنوبه وأسرف على نفسه إذا أقبل على الله تائباً قبِل توبته { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا }.
/ { لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ * مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ } طبعاً لا يغرك تقلب الذين كفروا في البلاد التقلب دليل عدم الاستقامة لأن المستقيم لا يتقلب المستقيم يمشي { أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَىٰ وَجْهِهِ أَهْدَىٰ أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَىٰ صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } والمُتقلب في أطواره وأحواله غير مستقيم ، تجد بعض الشباب في مكة مستقيم فإذا خرج منها أنحرف متقلب ، تجده في رمضان مستقيم فإذا انتهى رمضان انحرف متقلب ، فالمستقيم لا يتقلب لو تغير المكان ولا يتقلب لو تغير الزمان ولا يتقلب لو تغير الحال ، هنالك السراء والعبادة في السراء وهنالك الضراء والعبادة في الضراء لكن بعض الناس إن وجد السراء عبدَ الله واستقام وإذا جاءت الضراء انتكس ، ومنهم العكس يعبد الله في الضراء وإذا جاءت السراء انتكس ، فالمتقلب في سرائه أو ضرائه أو أحواله هذا غير مستقيم ، لكن المستقيم هو الذي لا يتقلب ، على ما هو عليه ولذلك قال تعالى : { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ } بلاش مجاناً تدخلوا الجنة { وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ } يُختَبَروا بها ،{ وَالضَّرَّاءُ } ويُختبروا بها ، { وَزُلْزِلُوا } ويُختبروا بالفتن والزلزلة حتى بلغت بهم البأساء والضراء والزلزلة أن نبيهم تكلم { حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ } محمد صلى الله عليه وسلم { وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ } صبرنا في البأساء وصبرنا في الضراء وصبرنا في الزلزلة والنصر معه الصبر والصبر بعده النصر إذاً متى يأتي النصر؟ فقال الله : { أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ } من امتُحِن واختُبِر في حال الضراء فصبر وفي حال السراء فشكر وفي حال الذنب فاستغفر فليعلم أن نصر الله قريب و نصر الله آت وأن نصر الله لا يُخلف لأن هذا نصر منك لله وسينصرك الله { إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ } ماذا بعدها ؟ { يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } فتثبت على الدين لا تنحرف عنه.
/ { مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ * كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِنْ بَعْدِهِمْ ۖ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ } طبعاً القرآن عندما يقصّ لنا قصص السابقين هو يقدِّم لنا نماذج وهذه النماذج معاشة ومعاصرة ودائماً ينبغي أن نُنزل القرآن على واقعنا وهذا ليس خاص على قوم نوح ولا قوم عاد حتى عندنا وفي مجتمعنا من هذه صفته يجادل بلا علم ، يجادل في آيات الله يقول ليش ولماذا؟ الله عز وجل جل لا يُسأل عما يفعل ، إذا كان هذا فعل الله هذا أمر الله لا تسأل ، وإذا فتحت باب السؤال أنت تحاسب مّن ؟ تحاسب الله!! من أنت ، ولذلك { قَالُوا سَمِعْنَا } كلام الله  {وَأَطَعْنَا} أمر الله وصدقنا خبر الله هذا الإيمان ، أما الذي يسمع ويكفر أو يسمع ويجادل فهذا كافر.
/ { وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ ۖ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ } يجادلون الرسول ويجادلون الدُعاة ويجادلون أهل الحق بالباطل ليُدحضوا به الحق فماذا يفعل الله بالمجادل بالباطل؟ { فَأَخَذْتُهُمْ } وإذا أخذ الله فإنه لا يأخذ أخذاً بسيطاً { أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ } { أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ } {فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ}.
 { وَكَذَٰلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ } هنا ذكر الله الوعيدين الوعد الدنيوي أخذه ، والوعد الأخروي عذابه يوم القيامة.
/ { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } انظر سبحان الله القرآن يمتاز أنه يدخل بك في مواضيع وأنت ما تشعر، كنا مع هؤلاء المجادلين وإذا بنا وصلنا العرش { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } ملائكة { وَمَنْ حَوْلَهُ } ماذا يفعل هؤلاء؟ يجادلوا بالباطل؟ هم أقرب الخلق من الخالق جل جلاله ، وأقرب الخلق من مصدر العلم الله سبحانه وتعالى ، وأقرب الخلق من مصدر النور الله سبحانه وتعالى ، هل يتكلمون؟ هل يجادلون؟ ماذا يقولون { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } دأبهم التسبيح والذكر وهذا دأب الصالحين ، وهذا دأب العلماء ، والعالِم الرباني الذي يذكر الله يُنير الله له بالذِكر قلبه وقالبه وحياته ، والذي عنده علم بلا ذِكر مثل من عنده طعام بلا ماء لو غصّ هلَكَ ، فهذا الذكر يُوسِّع القلب ويشرح الصدر { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ }.
/ { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ } هنا فائدة وهي: أن الله عز وجل جعل كل مخلوق ملتصق بالمصدر الذي خُلق منه ، آدم خلق من ماذا ؟ من تراب ، رُفع للجنة والجنة تحت العرش والله قال : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَىٰ } راجع راجع أكل من الشجرة وإلا ما أكل ، والذي نفسي بيده حتى لو لم يأكل من الشجرة لنزل إلى الأرض ليس أكله من الشجرة سبب نزوله للأرض بل وعد الله أن كل مخلوق يرجع للمصدر الذي خُلق منه ويكن حوله ويرتبط به ، الناس مرتبطة بالأرض ارتباطاً جذرياً إلى يوم القيامة { فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ } { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } الملائكة خلقوا من نور العرش وأصبح الملائكة قسمين : حملة يحملون العرش وملائكة حول العرش يسبحون { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ } ملائكة {وَمَنْ حَوْلَهُ} ملائكة ماذا يفعلون جميعاً { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } لماذا قال : { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ } ولم يقل يحمدوا ربهم؟ 
فيه فرق بين التسبيح بالحمد وبين الحمد فقط ما الفرق؟ التسبيح تنزيه والتسبيح تخلية ، والحمد ثناء والثناء تحلية ، فإذا أخليت بالتسبيح قلبك يعني أخليته من كل ما سوى الله ( لا إله ) تنزيه ( إلا الله ) ثناء فاجتمع في كلمة التوحيد تنزيه (لا إله)  (إلا الله) إثبات ولذلك عندما تقول سبحان الله أي تَنزّه الله ، وبحمده تَنزّه الله عن كل ما لا يليق به ، وبحمده فكل ما يليق به فهو له - لك الحمد- ولذلك يقول الله عز وجل في شأن التسبيح والتحميد قال : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } هذا الزمان { وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } فرّق الله لنا في هذه الآية بين التسبيح والحمد فقال التسبيح في الزمان كله دون المكان ، بينما الحمد في الزمان والمكان على حد السواء فلا يخلوا مكان ولا زمان من حمد الله جل جلاله لكن قد يخلوا مكان من تسبيح الله إذا أُشرك به لأنه من أشرك بالله لم يُسبحه ولم يُنزهه ولهذا قال تعالى : { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۖ هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ } فمن أشرك بالله لم يُنزه الله إذ جعل له شريكاً وهذا يقع في مكان فقط وليس في كل مكان ، وقد يقع في زمان فقط وليس في كل زمان ، لكن حمده جل جلاله في كل مكان وفي كل زمان حتى الذين أشركوا به يحمدونه ويعلمون أنه الأعلى على من عبدوا قالوا { مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ } فهم يعتقدون أن الله أعلى مما عبدوا وأنه أعلى من أصنامهم وآلهتهم إلى غير ذلك.
{ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } هنا يسبحون .. يؤمنون .. يستغفرون خليكم مع الفعل المضارع ، الفعل المضارع يدل على الحال والاستقبال فهم دائماً ليس فقط سبحوا وانتهى لا .. يسبحون لا يتوقف التسبيح { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ } وقوله : { يُؤْمِنُونَ } بعد { يُسَبِّحُونَ } يدل على أن أكبر ما يزيد الإيمان هو التسبيح فإذا أردت أن يزيد إيمانك فسبح بحمد ربك ولذلك أمر الله بالتسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وهذا زمان ، وأمر الله بتسبيحه عند ذكره وعند رؤية خلقه سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ( كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان حبيبتان للرحمن ) { وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } فجمع بينهما.
/ { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } ذُكِر الاستغفار بعد التسبيح والإيمان لماذا؟
هم سبحوا ثم حمدوا وهذا عبادتهم لله لكن لا ذنب لهم والله عز وجل غافر الذنب فلما كان غافر الذنب تقربوا إليه بالاستغفار عن أولئك المذنبين لأن الله عز وجل يحب التوابين ويحب المستغفرين والملائكة لا ذنب لهم قالوا : نتقرب إليه بالاستغفار للمؤمنين الذين قد يصدر الذنب منهم مع أنهم لا ذنب لهم ، من هنا عُلم أن الشكر لله عن الغير والاستغفار لله عن الغير أن ذلك مِما يحبه الله ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أصبح وإذا أمسى يقول : ( اللهم ما أصبح بي من نعمة أو بأحد من خلقك فمنك وحدك لا شريك لك فلك الحمد ولك الشكر ) فلم يثني ولم يشكر الله عن النِعم الذي أعطاه مع أنه أعطاه نعم كثيرة { إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ } { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } ولكن جعل الحمد على كل نعمة أنعم الله بها على كل مخلوق كائن من كان إنسي .. جني .. في البحر .. في البر .. في زمنه .. في غير زمنه إلى غير ذلك.
 { يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } هذه { وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } ولم يقل يستغفرون للمسلمين أو يستغفرون للذين أسلموا لأن الإيمان في القلب { قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ } لماذا لا يستغفرون للمسلمين؟ لأن المسلمين يدخل معهم المنافقون والمنافقون لا يجوز الاستغفار لهم { اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ } إذاً مادام الله لا يغفر لهم فلا ينبغي لك أن تستغفر لهم ولا ينبغي أن يُستغفر للمشركين
 { وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ } إذاً { يَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } عندهم علم أن المنافق الله يبغضه فكيف يقولون اللهم اغفر له وهو يكرهه وقد أعدّ له الدرك الأسفل من النار { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ } فإذا عُلِم النفاق من شخص وتبين لا يستغفر له ولا يُصلى عليه إذا مات ، ابن أُبي النبي صلى الله عليه وسلم نزلت الآية عليه بعد الصلاة { وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ } ولو نزلت هذه الآية قبل أن يصلي على ابن أُبي ما صلى عليه ولم يصلِ بعد ذلك على منافق.
/ {وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}
هنا ربط جميل أن أول علامات الإيمان التوبة إذا وجدت واحد يتوب وتذرف عيناه اعلم أنه مؤمن ل، ا يتوب إلا المؤمنون
 { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ } المنافق لا يتوب { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ }.
/ { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } اغفر للذين تابوا فقط؟ لا .. تابوا واتبعوا ، علامة صدق التوبة أن يكون بعدها اتباع للنبي صلى الله عليه وسلم ، إذا رأيت واحد تاب واستقام واتبع النبي صلى الله عليه وسلم واطلق اللحية وسِواك ودخل مع جماعة المسلمين هذا اتبع بعد توبة إذاً هذا الملائكة تستغفر له وهذا الذي يحبه الله عز وجل أما تاب ثم رجع وتاب ثم رجع هذا مثل { آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } والعبرة بالخواتيم ويخشى أنه يرجع بعد التوبة فيُختم له بغير التوبة { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا } ماذا بعدها؟ { ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا } لكن آمنوا ثم استقاموا { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ } آمنوا { ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ } بسبب الاستقامة وعدم الرجوع للذنب { أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ }.
 فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ } ولم يقل سبُلك ، الله عز وجل كم عنده من سبيل؟ { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } وهنا قال { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ } هل هنالك سبيل أو سُبل ؟ سبيل بداخله سُبل ، السبيل العام هو الإسلام {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ} لكن داخل هذا السبيل سُبل ، سبيل الصلاة .. سبيل الزكاة .. سبيل الحج .. سبيل الدعوة .. سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر {جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} داخل السبيل الواحد العظيم.
/ { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } التوبة فضلها لا يقتصر على التائب بل ينال فضلها الزوجة إذا تاب الواحد من بركة توبته تتوب زوجته ، ومن بركة توبته يتوب عياله لأن دخول أولئك معه في الجنة معناه أنه اتباعهم له في التوبة ولذلك قال في الآية الأخرى : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ } يعني مجرد ما تؤمن أنت الزوج أنت رب البيت زوجتك تبعك إذا استقمت هي تستقيم والأطفال الأولاد والبنات تبعكم ولذلك إذا كان رب البيت للدف ضارباً فلا تلُم الصبيان يوماً على الرقص ، لكن إذا كان رب البيت هذا مُصلياً فلا تلم الصبيان إذا قاموا إلى الصلاة قال : { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ }.
/ { رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ } { آبَائِهِمْ } يدخل فيها الأب والأم { وَأَزْوَاجِهِمْ } الزوجات ولو تعددوا { وَذُرِّيَّاتِهِمْ } الأبناء والبنات والأحفاد والحفيدات والأسباط ، وكذلك الأجداد وإن علوا كل ذلك يدخل في باب الذرية لأن الله عز وجل في القرآن أطلق كلمة ذرية على الآباء في أي آية ؟ { وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ } الذرية هنا الآباء والأجداد نوح ومن معه ، وتُطلق الذرية على الزوجة والولد { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ } هاجر وابنها.
/ ننظر لهذا الدعاء دعاء الملائكة بعدما سبحوا بحمد الله عز وجل واستغفروا دعوا وهذا منهج للدُعاء إذا أردت أن الله يستجب لك عليك أولاً أن تُسبح الله وهذا أدب الدعاء " اللهم سبحانك أنت الله لا إله إلا أنت " هذا اسمه تسبيح ، وبعده ثناء وبعده الاستغفار اللهم فاغفر لنا ذنوبنا و.. و.. و.. ، فإذا استغفرت بعد ذلك اطلب الحاجات الأخرى لأنك إذا استغفرت أصبحت تائباً وإذا أصبحت تائباً أصبحت محبوباً عند الله { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ } وإذا أحبك الله اسأل بعد ذلك ما تشاء يعطيك واضح لكم.
 الملائكة جابوا هذا .. بدأوا بالتسبيح ثم الحمد ثم الاستغفار للمؤمنين ، ثم بدأوا بالدعاء وأول شيء دعوا به للمؤمنين التوبة ، ثم قال
 { فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا } واحد اللهم اغفر لنا { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ } ثبتنا على الدين { وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } وقنا عذاب النار.
 أنت اجعل هذا عندك منهج تدعو أن يغفر الله لك وأن يُثبتك على السنة { وَاتَّبَعُوا سَبِيلَك } وسبيله هو سبيل محمد صلى الله عليه وسلم { قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني } ثم { قِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ } ثم أدخلهم الجنة { جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ } وبعد ذلك العموم - التعميم في الدعاء - الدعاء إذا عمّ نفع ، ثم جاء في الدعاء وقال : { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } هنا العِصمة { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ } السيئات: الألف واللام تفيد الاستغراق ، والسيئات قد تكون السيئات المعروفة التي هي ما نهى عنه ، وقد تكون السيئات القدرية سُوء المصير، سوء العقاب - نسأل الله السلامة والعافية - السيئات جميعاً سواء كانت منك مثل : الزنا والربا، أو كانت سيئات من القدر حلوه ومُره يعني الموت الفجأة و.. الخ { قِهِمُ السَّيِّئَاتِ } كل ذلك.
/ ثم قال : { وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ } يوم القيامة، طيب ماهي السيئات يوم القيامة؟ النار أكبر سيئة ، وسواد الوجه سيئة ، وكل ما هو سوء يوم القيامة.
 { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ } هنا تفسير للرحمة أن الرحمة ألاّ يصلك سوء يوم القيامة ولو وصلك سوء في الدنيا لذلك بعض الناس يقول الله عز وجل رحمن (وكان بالمؤمنين رحيماً) طيب المؤمنين يُقتَّلون الآن في سوريا ، المؤمنين مشردين في بورما ، طيب هذا ليس من السيئات لأن هذه ليست دار قرار إنما السيئات يوم القيامة ماهو مصيرهم؟ هؤلاء صبروا { إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } { لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا } { أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ } إذاً { قِهِمُ السَّيِّئَاتِ } هذه هي الوقاية الحقيقة من السيئات يوم القيامة أما إذا عاش في الدنيا مُبجل و.. و.. ثم ذُهِب به إلى النار فهذا ليست وقاية من السيئات بل هذا هو الوقوع في عين السيئات .
{ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وهذا المعنى ذكر في آية أخرى قال تعالى: { فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ } إذاً السيئات النار وما حولها والحسنات الجنة وما حولها حتى قيل في قوله تعالى : { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } الحسنة ضد السيئة { آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً } أي هذه الدنيا اجعل كل ما نقوله فيها ونفعله فيها حسن عندك وهي الحسنات { إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ } { وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً } وهي الجنة. وقال : { وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } وقوله (قنا عذاب النار) أي قنا أسباب عذاب النار فكل شيء يوصل للنار تجد أن المؤمن يُحال بينه وبينه.
/ { وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ ۚ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ } المقت: شدة الغضب ، ويوم القيامة يمقتون أنفسهم كل واحد زعلان من نفسه ويتخاصم مع نفسه { وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا } لماذا يا يدي تتكلمين علي ؟ لماذا تشهدي علي ؟ فيجيب جوارحهم { أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } فلو يستطيع يقطع يده يرميها ويقطع رجله يرميها ويقطّع نفسه أوصالاً لفعل لكنه كله بجوارحه سيدخل النار يختصم مع نفسه ماقت لنفسه ، الله أشد مقتاً عليه من مقته على نفسه كما قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ } والسبب أنكم تُدعَون إلى الإيمان الذي هو سِر الأمن { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ } الأمن [الألف واللام] دخلت على كلمة "أمن" فأفادت الاستغراق أي جميع الأمن في الدنيا والآخرة مربوط بالإيمان { أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ }.
/ {إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُون * قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ}
{ أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ } موتتين الموتة الأولى قبل خلقِك والموتة الثانية بعد خلقِك في الدنيا ، الموتة الأولى {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا} قبل مائة سنة أين كنت ؟ ميت ، وبعد مائة سنة ؟ ميت ، إذاً الموتة الأولى بداية ثم جاءت حياتك الدنيا ثم تجيك الموتة الثانية وهذه الجاية ثم الحياة الآخرة وفقط وليس هنالك موت بعدها بل حياة واحدة.
 { أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا } متى اعترفوا بذنوبهم ؟ بعد موتتين وحياتين ، بينما أهل الله وعباد الله اعترفوا بذنوبهم في الحياة الأولى قالوا : { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } آدم وحواء قبل أن يموتوا { رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا } ، يونس بن متّى { سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ } وكل إنسان اعترف بذنبه في هذه الحياة الأولى فإن ذلك الذنب يُغفر، وكل من اعترف بذنبه يوم القيامة فإن ذنبه باقٍ عليه أبد الآبدين لا يُغفَر كما قال تعالى : { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } الآن يوم القيامة موقنون؟!
 لِمَ لم يكن هذا اليقين في الدنيا يوم أتتكم الرسل فأخبرتكم أنه فيه قيامة وفيه بعث وفيه .. وفيه .. إلخ؟
/ { قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ } خروج من النار { ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ } طبعا لا سبيل للخروج ، لماذا لا سبيل للخروج من النار؟ اسمع سبب أو أسباب دخولهم النار وخلودهم في النار:
 { ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } وحُكم الله عليكم أنكم في جهنم خالدون لأنكم لا ترضون أن يُذكر الله وحده بل تريدون أن يُذكَر معه غيره وأن يُعبد معه غيره ومن هنا عُلم أنه على قدر الإيمان يكون الإخلاص ، على قدر ضعف الإيمان يكون الشرك ، ولا يُشرك بالله من كان مؤمناً خالصاً { وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ } لذلك عُلم أن التوحيد وملازمة التوحيد من أكبر أسباب الاطمئنان بذكر الله الذين آمنوا إيماناً حقيقياً لا شِرك فيه وتطمئن قلوبهم بذكر الله وتشمئز قلوبهم بذكر غير الله ويغضبون إذا ذُكر غير الله ويرتاحون إذا ذُكر الله ، بينما القاسية قلوبهم أصحاب الكفر يغضبون وتشمئز قلوبهم إذا ذُكر الله وحده ، إذا ذكر الله وحده غضبوا وإن يُشرك به يؤمنوا كما قال الله تعالى : { ذَٰلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ } طيب آمنتم بالمشركين دعوا المشركين الذين أشركتم بهم ينقذونكم ، دعوهم يخرجونكم من النار ، يا من عبد اللات والعزى ومنات ، أو عبد فرعون دع فرعون ينفعك ، دع اللات والعزى تنفعك ، طبعاً ينادونهم وعندئذٍ يتبرأ التابع من المتبوع { إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا } قال الذين اتبعوا المساكين العُميان الماشيين من غير عِلم يتبعون الضالين { وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } نرجع فقط إلى الدنيا من أجل أن نتبرأ منهم، طيب تبرأ الآن وأنت في الدنيا كما تبرأ إبراهيم من أبيه وكما تبرأ إبراهيم من قومه المشركون تبرأنا منكم ، أي إنسان ليس على الحق وليس على التوحيد تبرأ منه ما دمت حياً وابتعد عنه لأنه شيطانٌ مارد.
/ { هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ } يريكم آياته تراها في الكون وتراها في نفسك { وَفِي أَنْفُسِكُمْ ۚ أَفَلَا تُبْصِرُونَ } { وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا ۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ } هذا واضح يعني أي إنسان عنده عقل مجرد ما يدخل هذه الدنيا يعلم أنه لا إله إلا الله ، بمجرد النظر الى السماء كيف بناها وإلى الأرض كيف طحاها وإلى الإبل كيف خلقها وإلى الجبال كيف أرساها هذا أكبر درس بأنه لا إله إلا الله {وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ } يرجع إلى الله.
{ فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } ادعوا بمعنى اعبدوا الله { مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } الكافرون لن يرضوا عنكم وأنتم توحدوا الله { وَلَنْ تَرْضَىٰ عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ } دعهم { قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ } نحن نقول لا إله إلا الله وندعوا إلى الله ولو كره الكافرون لماذا؟ لأن الله { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } هنا يصف الله نفسه كما وصف نفسه بالبداية ، في البداية قال : { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ } والآن يقول : { رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ } غُفر ذنبك ثم يرفعُك بعد ذلك لأنه يعطيك العلم ويرفعك به قال الله عز وجل { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ } وكلما أراد الله أن يرفعك زادك علماً ويعطيك عِلم عنه ، علم عن أسمائه ، علم عن صفاته ، علم في كتابه ، علم في مخلوقاته ، وكلما زادك علم كلما رفعك وزادك إيماناً حتى يوصلك إلى الجنة.
{ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ } الروح هو: جبريل يلقيه على من يشاء من عباده ، أي شخص يختاره الله ليكون رسولا يبعث إليه جبريل عليه السلام { لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } وما من أمة إلا وبعث الله فيهم نذير ثم ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وأيده بجبريل وجعل هذا القرآن روحاً في هذه الأمة ساري فيها كما تسري الروح في الجسد من أولها إلى آخرها يجمع بعضَها ببعضِها ويُجدد الإيمان في قلوبها ويبقى الإنسان بعيد عن الله فإذا سمع القرآن تجدد ولذلك ام الكتاب فاتحة الكتاب يقرأها كل مؤمن على الأقل سبعة عشر مرة في اليوم فيبقى مرتبط مع المؤمنين { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ } حتى يأتي ملك الموت وهو على منهج { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } وإذا به يدخل مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحَسُنَ أولئك رفيقاً.
/ { فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىٰ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ } يوم التلاق التلاق يكون بعد الانفصال والأرواح فُصلت عن الأجساد وهذا يُسمى الفراق، يوم الفراق يوم الموت ، ويوم التلاق يوم القيامة قال تعالى : { كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ ۜ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ } هذا يوم الفراق يوم الموت بعده يوم البعث يُسمى يوم التلاق لأن هذا الفراق هو فراق الروح للجسد وفراق هذا الجسد وروحه للمجتمع الذي كان فيه ومتى يتلاقى هذا الروح بالجسد أيضاً وتلتقي أيضاً هذه الأجساد بعضها ببعض يوم التلاق يوم القيامة يوم يتلاقى الأولون والآخرون.
/ { يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } طبعاً هذا اليوم هو يوم النفخة الأولى يوم القيامة كم يوم ؟ يوم واحد ؟ عندما تبحث في القرآن تجد أن القيامة مقامات:
 أول مقام يوم النفخ في الصور { يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ } هذا يوم.
 وبعده يأتيك اليوم الثاني { ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ }.
 بعده { فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ }.
بعده يأتيك الحشر { ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }.
ثم العرض ويُعرض الناس { وَعُرِضُوا عَلَىٰ رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ }.
بعده يأتيك ظُلمة عامة ظلام لو مد يده لا يرى شيئاً سواد.
ثم بعد ذلك تأتي الشفاعة لزوال هذا الظلام وبداية الموازين وعندئذٍ يأتي يوم القيامة الحقيقي يوم يأتي رب العالمين {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ ۚ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ وَأَنَّىٰ لَهُ الذِّكْرَىٰ} هذا اليوم هو آخر أيام القيامة. اذاً هي أيام لكن الإنسان لا يعقل ولا يدري ماذا حصل من يوم يُنفَخ في الصور النفخة الأولى إلى أن يقال له ادخل الجنة أو ادخل النار لا يعلم شيئ خلاص انتهى كل شي عنده هذا الكون أو هذا اليوم لا يستطيع يُقدره ولهذا هنا يصف الله عز وجل لأنه يعلم ماذا يحصل للناس في هذه الحالة.
/ { يَوْمَ التَّلَاقِ * يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ ۖ لَا يَخْفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ ۚ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ۖ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ } والعلماء يقولون أن القيامة ثلاثة أيام :
اليوم الأول: يوم الموت يوم تكون الروح عند الحلقوم.
اليوم الثاني: يوم البعث من القبر.
اليوم الثالث: يوم الجزاء دخول الجنة الجنة ودخول النار النار.
 فإذا قلنا يوم الدين أي المراد من الثلاثة ؟ الدين الجزاء آخر يوم.
 إذا قلنا يوم القيامة ؟ القيام من القبر.
 إذا قلنا يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة ؟ يوم القيامة.
 إذا قلنا يوم الموت يوم خروج الروح. إذاً هذه القيامة الصغرى وتلك الثانية قيامة أيضاً كبرى لكنها دون ما بعدها ، وكل مرحلة من مراحل القيامة أعظم من التي قبلها حتى يأتي دخول الجنة الجنة والنار النار.
/ { الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } وطبعاً الآخرة يوم واحد والدنيا يوم واحد ، الدنيا هذه كم يوم؟ الله عز وجل جعل الدنيا كلها يوم واحد والآخرة كلها يوم واحد ، فالدنيا تسمى الأولى ويوم الآخرة اسمه الآخرة { وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَىٰ } هذه الأولى كم لبثوا في الأرض عدد سنين؟ { قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ } .
{ الْيَوْمَ تُجْزَىٰ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ۚ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ ۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ } طيب هل هذا هو نفس يوم الآزفة
{ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ ۚ مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ } الآزفة { أَزِفَتِ الْآزِفَةُ * لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ } الآزفة قد تكون يوم الموت وقد تكون يوم البعث وقد تكون يوم القيامة بعد البعث.
/ { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ * وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ ۖ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ * أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ } هنا كان معنا يوم القيامة ونقلنا القرآن للأمم السابقة وكيف هلكوا { ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ ۚ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ * وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } طبعاً الآن دخلنا في النماذج ، ما كان معنا الخطوط العريضة القيامة ماذا يكون فيها الماضي ماذا حصل فيه ، خذوا النموذج الأول : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ } {بِآيَاتِنَا} كم آية ؟ كم آية أخذ موسى؟ العصا آية اليد آية وتسع آيات لفرعون ومن معه مفصلات الدم والضفادع و.. إلخ.
 { أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا } خذ يا موسى هذه آيات علامات أنك رسول ، معجزات { وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ } قوة السلطان قوة وكان معه قوة لأن معه رب العالمين سبحانه وتعالى وحجة قوية.
/ { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ } لماذا ذكر فرعون وهامان وقارون مع أن موسى عليه السلام بُعِث لهم جميعاً؟ بُعث لبني إسرائيل وبُعث لجميع آل فرعون لكن جميع آل فرعون ينقسمون ثلاثة أقسام ، ثلاثة أحزاب :
قسم مع فرعون وهم أصحاب السلطة.
وقسم مع هامان وهم أصحاب الوزارة.
وقسم مع قارون وهم التجار وأصحاب المال.
 أمراء .. وزراء .. تجار وهؤلاء دائماً هم عليَّة المجتمع ، طيب جاءهم موسى وهؤلاء الثلاث إذا اهتدوا اهتدى المجتمع - بإذن الله - والتركيز عليهم في الدعوة مهم ، إذا جئت إلى مجتمع وفيه شخصية بارزة أمير أو زير له أتباع ، أو تاجر ذو مال الناس تحب المال رأيت الناس قد مالوا ** إلى من عنده مال
 وهذا الذي عنده مال إذا أسلم أسلم بإسلامه كثير ، أبو بكر الصديق من أكبر أسباب تأثيره في قريش أنه كان ذو مال، كان تاجر ذهب كان من أغنى تجار الذهب في مكة فلما أسلم أسلم بإسلامه خلق كثير ، لكن هناك من أسلم من الفقراء ولم يُسلم مع إسلامهم أحد لأن الناس جُبلت على محبة أصحاب المال وأصحاب المناصب وأصحاب الجاه.
 { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } فرعون من شدة طغيانه قال أنا ربكم الأعلى ، { وَهَامَانَ } وزير فرعون نائبه ومستشاره الخاص ، { وَقَارُونَ } تاجر يمثل رأس المال في عهد فرعون والله عز وجل يقول { وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ } وكون الله عز وجل يرسل لهؤلاء الثلاث موسى ويعلن في القرآن أنه أرسل لهؤلاء هذا فيه تنبيه ضمني للدعاة أن يُركزوا على هذا النوع من الشرائح ، عندما تأتي لمجتمع تأتي لمدينة أول شيء اذهب للمسؤول الكبير ، أعطه أهمية ، زُره ، أمير.. وزير.. -شخصية بارزة- تاجر، ابدأ به هنا ممكن يتبعك ويدعمك والقرية كلها تتبعك وما تذهب تدق كل باب وهذه من الحكمة فموسى أول ما جاء توجه إلى قصر فرعون قال نبدأ بالراس الكبير ولم يذهب إلى الفقراء والمساكين الذي موجودين في أطراف مصر.
 { إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ } لكن المجموعة لا خير فيها هذه المجموعة الثلاث لا خير فيها {فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ} وهذا النوع من الشُّبَه لا يخلوا منه أي واحد داعية إلى الله ، أنت كداعية إلى الله يمكن يُقال أنك ساحر، ممكن يُقال لك كذاب ، ممكن تُضرب ، ممكن تُطرد ، ممكن تُقتل ، فإذا كنت تخاف معناها إنك دعوتك (**) لكن إذا كنت تشعر أن الله معك { فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } { قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ } يخافون مِن مَن ؟ من الله ، لوكانوا يخافون من البشر ما كان يقولوا ادخلوا عليهم الباب
{ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ } لأن من خاف الله لا يمكن يخاف غيره ، ومن لم يخف الله يخاق من كل شيء { فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ } هنا الله يقول : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ } فأين هارون ؟ هارون أُرسل مع موسى صح وإلا لا ؟ لماذا لم يُذكر هارون هنا؟ الله أرسلهما معاً وقال : { اذْهَبَا إِلَىٰ فِرْعَوْنَ } لكن هنا في قصة غافر لأن الله عز وجل سيُقدم لنا قصة هذا الرجل الذي سيأتي الحديث عنه هنا موسى يدعو وهنا فرعون وقومه وهامان ومن معه وقارون ، الوجهاء الثلاثة وكل واحد وراءه ملاييين آلاف من البشر ماذا يحدث ؟ موسى جاء وخلفه رجل واحد هارون ، موسى عنده البينات وهارون عنده اللسان إذا تكلم موسى قليل هارون يشرح يعني كذا يعني كذا يعني كذا { هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا } ثم يتكلم موسى ويشرح هارون ، هارون هنا تابع لموسى ومن هنا عُلم أن الدعوة إلى الله تحتاج إلى رجل يقود والجماعة معه وأما أن يكون كل واحد رأس وكل واحد قائد فمعنى ذلك أن الدعوة الله يستر عليها لأن الناس تتبع من ؟ فلان أم فلان أم فلان ، ولذلك الإمام الدعوة مثل الصلاة تحتاج إمام والجماعة وراءه الله أكبر الله أكبر إذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا ومن هنا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يبعث قوم إلا وأمَّر عليهم أمير ، في الدعوة في الجهاد في أي شيء حتى في التعليم حتى في السفر أميرنا فلان يتكلم نحن وراءه وهنا كان موسى هو الأمير فذكر موسى ولم يذكر هارون وهذا نحتاجه جداً لأن السورة هذه سورة الدعوة والدعاة وكيف تكون الدعوة.
{ أَرْسَلْنَا مُوسَىٰ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ * إِلَىٰ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ * فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } هنا درس أن الداعي إلى الله في حماية من الله ولذلك هذه رسالة ضمنية لا يمكن يُتسلَّط عليه والله عز وجل يحميه { فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا } لكن المساكين المدعوين الذين توهم دخلوا الإسلام هؤلاء هم الذي يتسلط عليهم الجبابرة فكان القرار الظالم { اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ } لماذا لا تقتلهم هم ؟ لأن الذين آمنوا معه رجال ولا يستطيع فرعون يقتلهم لكن الأبناء صغار ضعيفين قال هؤلاء الأطفال الصغار ست سنوات وخمس سنوات اسرقوهم وأحضروهم وذبحوهم حتى إذا ذُبِح الطفل الأب يضعف ينهار ولده مات فلا يبقى عنده قوة يقاوم فيُمسك ، الأم تنهار فتُمسك لكن لو واجهوا الرجال كانت معركة وعندئذ المدعوين أكثر عدداً وهؤلاء أقل عدداً فيُقتَلون فجاؤا بالمكيدة نبدأ بالضعيفين وعندئذ تنهار قوة آبائهم وأمهاتهم فيأتوننا طائعين ولذلك قال الله عز وجل : { فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ }.
/ { اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ } تعرفون ما معنى استحيوا ؟ يعني اتركوا نساءهم لا تقتلوهم أحضروا الأم وولدها أقتلوا الولد ودعوا الأم عندكم يأتي هو ولده قُتِل وزوجته عند الأجنبي عند المجرم عند الكافر، تريد زوجتك أرجع وخذها خلاص رجعت هذه وسيلة للرجوع ، { اسْتَحْيُوا } يعني أتركوهم أحياء ، { اقْتُلُوا } يعني اذبحوا ، لماذا لم يقتلوا نساءهم ؟ لو قتلوا النساء والأبناء لجاء الرجال بروح الانتقام فقتلوهم عن بكرة أبيهم فعندئذ لا يبقى لا فرعون ولا هامان ولا قارون ، لكن والله الولد قتلناه لكن زوجتك تريدها تفضل لأن زوجتك تركناها لك بس ترجع فيرجع فكانت خداع واستعمال عقل من أجل الفتنة ولذلك قال الفتنة أشد من القتل { الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ } {اقْتُلُوا أَبْنَاءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِسَاءَهُمْ ۚ وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ} هذا كيد { إِلَّا فِي ضَلَالٍ }.
{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ } الآن فرعون يتكلم ماذا يقول ؟ { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ } ذروني هل أحد ماسكه ؟ لا أحد ماسكه {ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ} خلوني بالله أقتل موسى ، يلا روح أقتل موسى ، ما يقدر يمسك شعرة من موسى ويخاف من موسى ، موسى كان قوي في بنيته قوي في صوته والله أعطاه قوة خارقة { فَوَكَزَهُ مُوسَىٰ فَقَضَىٰ عَلَيْهِ } وفرعون يعرف موسى منذ الصغر أول من نتف شعر من فرعون وهو طفل موسى ، موسى كان طفل صغير يلاعبه فرعون وهو عمره سنتين ويعرفه يعني سنتين يخاف منه كيف وهو رجال يقول مادام نتف لحيتي وهو سنتين الآن وهو الآن رجال سيقتلي أكيد يقول { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ } والله لو تركوه لهرب ولا يستطيع يقاوم يقف في وجه موسى فقط ، لكن يُقتِّلون أبناءهم أحضر الطفل اذبح الطفل هذا الذي يقدر عليه مثلما يفعل بشار بأطفال المسلمين يُقتَّل ويصب البراميل على الأطفال ويُقتِّلهم والرجال ما يقدر يقرب منهم لأنه جبان مثل فرعون.
/ { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } وهنا انظر الطغيان وليدعوا ربه كأن الرب أصبح رب موسى فقط وليس رب فرعون لأنه قال : { أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ } لا يعترف بربوبية الله سبحانه وتعالى { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } ، لماذا يافرعون تقتل موسى { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ } ما الدين الذي عندهم ؟ دين المذلة والهوان ، دين الطغيان دين عبادة فرعون قالوا أنت ربنا الأعلى أنت إلهنا أنت .. أنت .. أنت .. وهذا لو موسى يريد أن يخرب عليه يقول لا أنتم ربكم رب العالمين وفرعون لا يملك نفعاً ولا ضراً أتركوه فعندئذ خسر كل ما عنده خسر ملكه ويقول لهم : { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي } هذا هو فإذا آمنوا بالله عز وجل إذا علموا أن مُلك مصر ليس لفرعون وأنه لله { إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ }.
 { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } لماذا تقتله ؟ { إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } بالله أين الفساد، كان فرعون مصلح ، الله عز وجل يقول : { وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَٰلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ * أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ } من كثرة فسادهم في الأرض أصبح الإصلاح عندهم يُطلَق عليه فساد وهذا مشكلته هو تغيير المفاهيم ، هؤلاء انتكست فطرهم وعقولهم حتی أصبح الإصلاح فساد مثل بعض مجتمعنا اليوم لما تقول للمرأة تتحجب يا أخي هذه الرجعية هؤلاء الذين يغطون المرأة .. هذا الذي أفسد علينا ، نعم هم يريدونها تتفسخ وتتعری وتخرج تختلط مع الرجال هذا الإصلاح ونصير نسخة طبق الأصل من أوروبا اللي البنت تخرج عمرها ثمانية عشرة سنة ما يقدر أبوها يقول شيء، تمشي مع أي واحد تمسكه في الشارع ما يقدر أبوها ..، هذه هي الحرية هكذا يريدون من بناتنا ويريدون منا أن نكون وهذا يسمى الإصلاح عندهم ولذلك الله عز وجل يقول في البقرة :{ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ } الفطرة انتكست أصبح الفساد إصلاح.
 { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ } لماذا قال : { وَلْيَدْعُ رَبَّهُ }؟ هذه جملة يريد أن يُحطم بها العقيدة، يقول إن كان له رب خليه يدعيه أنا سأقتله { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ وَلْيَدْعُ رَبَّهُ ۖ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } موسى واقف، ماذا قال موسى؟ { وَقَالَ مُوسَىٰ إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ } { وَرَبِّكُمْ } هنا دعوة في مكانها لأن فرعون أراد أن يجعل رب موسى غير ربهم هم ولأن ربهم هو فرعون موسى ما فاتت عليه قال : { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم } ترى ربي هو ربكم أنتم الذي خلقكم وفرعون هذا ترى الذي عنده عقيدة فاسدة { عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ } والمتكبرين هنا ثلاثة فرعون أول متكبر ، وهامان ثاني متكبر ، وقارون ثالث متكبر ، والكل ما قال عذت بربي من فرعون وعذت بربي من هامان وعذت بربي من قارون لا.. عذت بربي منهم الثلاثة وماذا فعل الله في الثلاثة ؟ اثنين أُغرِقوا والثالث خُسف به الأرض.
/ { عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ * وَقَالَ رَجُلٌ } هنا يعطينا القرآن درس ، بعض الناس يقول لك يا أخي أنا لست من هيئة كبار العلماء وأنا لست من الدُعاة وأنا إنسان عادي مالي وما للدعوة وقال الله قال رسول الله ، يا أخي الدعوة إلى الله سبيل المؤمنين { قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي } أي واحد يتبع النبي صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون داعية. وهنا تكلم الرجل مؤمن وهنا قال الله : { وَقَالَ رَجُلٌ } لأن الرجولة ليست الذكورة - مع إحترامي الكامل- فيه بعض الناس ذكر وليس رجل ، وفي بعض الناس رجل وذكر مع بعض ، { قَالَ رَجُلٌ } والرجال في القرآن عندما تتبعهم تجدهم أصحاب صفات { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ } ، { فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا } ، { يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ }.
/ { قَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ } لا أحد يدري عنه الإيمان في القلب { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا }، الذي قال : {أَقْتُلْ} موسى فرعون وحده طيب لماذا هذا الرجل ما قال لفرعون أتقتل؟ لأن فرعون لا يستطيع يقتل فرعون لا يملك قراراً ولو يملك قرار ما قال : { ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَىٰ } إذاً هي مافيا مجتمعة على الباطل وفرعون واحد منهم ولا بد من إجماع حتى يستطيع يتخذ قرار قال : {ذَرُونِي} فإذا هم تركوه شاركوا معه في القتل فقال هذا الرجل المؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه { أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ ۖ وَإِنْ يَكُ كَاذِبًا } كما قال فرعون وكما قلتم { فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِنْ يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } من هو هنا ؟ فرعون مسرف على نفسه وكذاب فيما يقول ، وهذا عيني عينك قدام فرعون وقدام موسى وهذا النصر، نصر من الله لموسى وسكت ؟ لا.. ياقوم ، الآن موسى ساكت وفرعون ساكت وقارون ساكت وهامان ساكت والجميع ساكتين والرجل المؤمن ما أحد يدري عنه يتكلم { يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ } أعلى شيء عندكم مُلك ومال وزارة كل شيء يملكه { فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا } لو الأرض تحركت ، لو البحر تحرك ، لو السماء نزل علينا منها شيء {فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا} وهذا سؤال يحتاج جواب ، هيا { فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا } فرعون لا يريد المواعظ ، لا يريد القلب القاسي هذا يلين أبداً ، { قَالَ فِرْعَوْنُ} - الآن أصبح عاقل ومؤدب ومحترم- مائا يقول  { قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } وهذا المنهج هو منهج كثير من فراعنة العصر ما عندهم شيء اسمه الحوار ولا عندهم شيء اسمه المشورة ما عندهم إلا { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } عنده سبيل الغي الحقيقي سبيل الضلال سبيل الطغيان ما أريكم إلا ما أرى هي المنهج الذي عند طغاة العالم اليوم لا يوجد شيء يردوه إلى الله والرسول لا يوجد شيء { فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } أبداً ما أريكم إلا ما أرى، أنتم لا رأي لكم أنتم لا عقل لكم، أنتم لا قول لكم، أنتم صفر على ..، لكن أنا.. هو صاحب القرار، صاحب الرأي { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ } أريكم ما أرى طيب أنتم ترون شيء أنا لا أراه؟ حتى لو رأيتم لا تتكلموا - تكميم أفواه- { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ } هذا اسمه الطغيان ، النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيها الناس أشيروا إلي بالرأي ) والوحي يتنزل عليه وفرعون { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ } لا يوجد أحد يقول كلمة بس الرأي رأيي أنا والقول قولي أنا وهذا المنهج الذي يسير عليه طغاة العالم { مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَىٰ وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ }.
/ { وقال الذين آمن } سكت أو لا ؟ معناه الذي يتكلم رأيه مردود لأن رأيه لا يراه فرعون وسبيله لا يراه فرعون، هو سكت وإلا ما سكت ؟ ممكن يقول بكيفكم خلاص أنا رايح، لا..لا..لا.. مادامت حجة.. باطل لازم تجيب الحق وترُده مهما كان مصدر هذا الباطل.
 { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ } وهذا هنا منهج الدعوة بالتاريخ، الدعوة بالوقائع ولذلك الدعاة ينبغي أن يدرسوا التاريخ يدرسوا الوقائع ماذا حدث في المجتمع من قبل وفرعون جاهل ولا يدري ماذا حدث وهذا متعلم { وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزَابِ * مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ ۚ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ } وبدأ يعطيهم قصص أولئك الذين كذّبوا الرسل وماذا فعل الله بهم وباختصار، وفرعون يستمع وسكت ؟ لا ، وقال : { وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ } الربط بين الماضي والمستقبل ، الماضي أُمم أهلكها الله والمستقبل يوم القيامة وأنتم اليوم بالخيار، انظر الدعوة كيف؟ منهج دعوة.
/ { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ * وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ } هنا دخل في الواقع جاب من اليمن والعراق وجاب قصص من العالم في الماضي وراح للآخرة ونقلهم شوي وبعدين ورجعهم لواقعهم لأنهم (...) قبل فرعون هذا قبل كم سنة كان عندنا يوسف عليه السلام وتعرفون يوسف مثل موسى نفس الذي كان عند يوسف وحكم مصر هو الذي جاء به موسى اليوم {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا هَلَكَ} مات يوسف {قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ * الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ } وعلى رأسهم فرعون ومن معه مجادلة { بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۖ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } طبع { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ } الختم هو الطبع  قد طبع الله عليها { عَلَىٰ كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ } الكِبر من أسباب الختم على القلب.
 { وَقَالَ فِرْعَوْنُ } الآن فرعون انتهى من الجدل ماعاد عنده حجة ماذا يفعل ؟ انتقل للقرار.. اتخذ قرار { يَا هَامَانُ } وهامان جالس { يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا } ماذا تفعل بعدها ؟ { لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ } أي أسباب ؟ {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ} وهنا يتبين كذب فرعرن لأنه قبل فترة قال : { أنا ربكم الاعلى } الآن يقول : { أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا } يوم وقع فيها قال : {وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} أراد طبطبة الموضوع يريد أن يستر على أن السماوات فيها إله موسى وهو مسكين على الأرض غير قادر عبى الوصول ويقول لهامان : { ابْنِ لِي صَرْحًا } سند الضعيف على الضعيف.
 { يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا } طيب كاذباً لماذا تطلع ؟ لماذا يبني لك صرحاً إن كان كاذباً ؟ معناه هو صادق ويوجد إله في السماوات وأنت ما تستطيع ترتفع متر حتى يجيك هامان ويساعدك يبني لك صرحاً، فبنى هامان الصرح هذا الصرح عبارة عن مركبة فضائية أخترقها هامان ووضع فيها نسور ووضع فيها لحم وفي عصى فيها لحم إذا أراد ترتفع النسور رفع اللحم إلى أعلى فنظرت النسور إليه وهي مربوطة طارت من أجل أن تصل وهو مرفوع  فتطير تطير تطير فإذا أراد أن ينزلها نزل اللحم تحت فتهوي وفيه حبل مربوط بالصرح ممسوك به في الأرض ماسكينه تحت الناس على قدر الطول، وعنده حرف وركب فرعون وهامان في هذا الصرح وطارت النسور في جو السماء فيوم ارتفعوا وصل الحبل خلاص اشتد قال له نزل اللحم دعنا نزل قال له وإذا رجعنا ماذا نفعل ؟ قال نسرين من هذه النسور أقتلهم ودع دمهم يصيب الحربة والثاني ندعه ينزل بنا إلى الأرض، صار الدم في الحربة ونزل اللحمة تحت ونزلت بهم المركبة ووصلوا والتصفيق وحضر فرعون وهامان والحربة فيها الدم من النسرين وهم قد رماهم -انتهوا- وقال لهم خلاص هذا دم إله موسى قتلناه الآن أنا ربكم الأعلى الآن أعلنت لكم دينكم واستخف قومه استخف عقولهم فأطاعوه وصدقوه { يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا } طبعاً حصل هذا الذي حصل قلت لكم { وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ ۚ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ * وَقَالَ الَّذِي آمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ * يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَٰذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا ۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ * وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ * تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ } بداية السورة { غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ } هنا { وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ } السورة كلها دعوة الى مغفرة الله عز وجل { لَا جَرَمَ أَنَّمَا تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ } فرعون ومن معه { لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنَا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ} وعلى رأسهم فرعون {هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ * فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ } لما قال : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ } قال : { فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا } لم يستطع فرعون أن يمس شعرة من هذا الرجل ولا شعرة من موسى أو أن يقتل موسى، هو قال ذروني أقتل موسى طيب هذا واحد من جماعتك يا فرعون وواقف أمامك لكن قال : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا ۖ وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ * النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا ۖ وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ * وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ } أنظر القرآن .. كنا هناك وقال فرعون .. وقال الذين امنوا .. وقال وشوي موعظة من هذا الرجل وماتوا جميعاً وفي البرزخ يُعرضون على النار بكرة وعشيا وقامت الساعة { وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ } دخلوا النار { فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ } المساكين الذين كانوا يتبعوا فرعون وهامان وغيرهم { لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ } شوي تأخذون منا تخففون عنا شيء من النار { قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ }.
{وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ } الآن خطاب موجه من أهل النار -رسمياً- إلى خزنة جهنم يا خزنة جهنم نحن أهل النار -هم أهل النار أعاذنا الله وإياكم من النار- أهل النار عندهم طلب {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُم} هذا الطلب المتفق عليه {ادْعُوا رَبَّكُمْ } ربكم أنتم يا خزنة النار طيب أنتم يا البشر من ربكم ؟ لأنهم كانوا يقولون ربهم فرعون إذاً يدعون فرعون وهو معهم في النار؟! يدعون هامان وهو معهم في النار؟! يدعون قارون وهو معهم في النار؟! يدعون بشر وهو معهم في النار؟ لا.. لا.. هؤلاء لا ينفعون ولا يضرون ادعوا أنتم - خزنتها - ادعوا ربكم ليُخفف عنّا يوماً - يعطونا يوم أجازة يوم واحد بس تخفيف - { يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ قَالُوا بَلَىٰ } جاءتنا رُسل جاءهم موسى جاءهم نوح جاءهم عيسى وجاءهم محمد صلى الله عليه وسلم وجاءهم رسل كثيرة ودعاة كُثر { قَالُوا بَلَىٰ ۚ قَالُوا فَادْعُوا ۗ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ } وهذه في الدنيا والآخرة من كفر ولم يتبع الرسل فلا يُستجاب دعاؤه ، ومن آمن وأتبع الرسل استجاب الله دعاءه ( لا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا احببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به..) الخ .
/ { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }... نحاول نختصر ؟ سنختصر إن شاء الله، طبعاً هذه الآيات مهمة لا أستطيع تجاوزها { لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } { إِنَّا لَنَنْصُر } هذا وعد من الله { إِنَّا لَنَنْصُر رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا } إلى قيام الساعة { فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } هذا وعد من الله { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ ۖ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ * وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَىٰ وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ * هُدًى وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ }.
 { فَاصْبِرْ } هنا توجه الخطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم وتوجه الخطاب لي ولك { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ } وهذه الأمور الثلاثة : [ اصبر ، استغفر ، سبح ] متلازمة ، من صبر واستغفر وسبَّح فإن الله عز وجل يجعل له من كل همٍّ فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
 نتجاوز هذه الآيات كلها ونصل إلى قوله تعالى : 
{ اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } 
فرعون ماذا أعطى لقومه؟ اقتلوا أبناءهم واستحيوا نساءهم ، والله عز وجل أعطاكم الأرض والسماء، وأعطاكم .. وأعطاكم ، فانظر كل من يدعي أنه ربهم ماذا قدَّم؟ انظر إلى رب العالمين سبحانه وتعالى ماذا قدَّم { هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ۗ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ } وقال تعالىقُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَاءَنِيَ الْبَيِّنَاتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ * هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّىٰ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } كل ما كبر الإنسان وسمِع كلما عقل { هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ ۖ فَإِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ * الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا ۖ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } { كَذَّبُوا بِالْكِتَابِ } القرآن أو كذبوا بما أرسل به رسول واحد سوف يعلمون يوم القيامة لا يقبل الله منهم إيمان، من كذَّب رسولا واحدا فقد كذَّب الرسل جميعاً .
{ إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ * فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ * ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ } أين شركائكم ، أين القبور التي عبدتوها ، أين الخلق الذي تعبدون { مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا } ما وجدناهم { بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُو مِنْ قَبْلُ شَيْئًا ۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِين * ذَٰلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ } الفرح بغير الحق يبغضه الله ، والمرح كثرته يبغضه الله، فالفرح يقابله حُزن وشفقة والمرح يقابله جد ولذلك أهل الإيمان فيهم إشفاق ولهذا قال الله تعالى : { إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } كانوا يشفقون في هذه الدنيا و يخافون من الله عز وجل.
 { ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۖ فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ * فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ ۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ } { نُرِيَنَّكَ } { أَوْ نَتَوَفَّيَنَّك َ} وقد جُمعا معاً أراه الله عز وجل أرى محمد صلى الله عليه وسلم ما وعد به الكافرين فأراه النار وأراه الجنة رأي عين ورأى النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار رأي العين، ثم عليه الصلاة والسلام توفاه الله عز وجل ولم يبقَ في الدنيا.
/ { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ } خمسة وعشرون رسول قصّ الله عز وجل قصصهم في القرآن { وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } كم الباقي؟ عدد الرسل ثلاثمائة وأربعة عشر قصّ منهم خمسة وعشرون كم الباقي الذين لم يقصص؟ مائتين وتسعة وثمانين رسول لم يقصّ عنهم شيء في القرآن.
 { وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ ۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ فَإِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْمُبْطِلُونَ * اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ * وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَأَيَّ آيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ * أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَمَا أَغْنَىٰ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ }
انظر هنا خطير جداً فَرَح بما عندك من العلم ، أو فرح بما عندك من المال ، قارون فرح بما عنده من العلم { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِنْدِي } عاد فرحوا بما عندهم من قوة قالوا من أشد منا قوة، مع أنه لا علم إلا علم الله  ولا قوة إلا بالله. { فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} انتهت السورة.
 هذه السورة خُتمت بهذا المقطع الذي يذكر لنا أن الإصرار على الذنب نهايته الخسران {فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ} يدعونهم إلى الله والتوبة { فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ } مثل بعض الناس يقولون : الذي عندنا يكفينا عندنا ما عندنا ولا نريد زيادة. طيب لو واحد أتى لك  بشيء من الدين ودليل من الكتاب والسنة خذه وقل { سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا } لا تقل كافي الذي عندنا.
 { فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ * فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ } هنا فائدة : أن باب التوبة يُغلق في ثلاث مواطن من يذكرها؟ 
إذا طلعت الشمس من مغربها ، وإذا بلغت الروح الحلقوم ، وإذا نزل العذاب. إذا نزل العذاب لا يقبل الله توبة تائب إلا قوم ونس أُستثنوا { لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ } لكن غير قوم يونس إذا رأوا العذاب لا تُقبل التوبة ، فلا تقبل التوبة في ثلاث مواطن عند القبض ، عند ظهور العذاب ، عند ظهور الشمس من مغربها { فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا ۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ ۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} خسر في المواطن الثلاث من لم يكن مؤمناً قبلها، فرعون أدركه الغرق قال : { آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } هل نفعته آخر كلمة؟ كلمة التوحيد لكن قالها في وقت الغرغرة وقد رأى الموت لا ما عاد ينفع ، الذي لم يتصدق في حياته عندما يأتي ملك الموت يقول : { رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ } والآية الأخرى قال {رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ} يريد أن يُخرج صدقة ولا عاد ينفع ولا عاد يُقبل لأن ذاك الوقت خلاص الموت قد جاء فلا يقبل الله عز وجل توبة تائب في هذه المواطن الثلاث. والسورة بدايتها { غَافِرِ الذَّنْبِ } ومعناها الذنب يُغفر في غير هذه المواطن فإذا جاءت هذه المواطن فأنت الذي أسرفت على نفسك حتى فاتك القطار كما قالوا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق