/ (قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون)
قال ابن عطية: (قَلِيلًا ما تَشْكُرُونَ) يقتضي ظاهره أنهم يشكرون قليلا، فهذا إما أن يريد به ما عسى أن يكون للكافر من شكر وهو قليل غير نافع، وإما أن يريد جملة فعبّر بالقلّة كما تقول العرب: هذه أرض قل ما تنبت كذا، وهي لا تنبته بتة. ومن شكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على هذه النعمة أنه كان يقول في سجوده: (سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره)». تفسير ابن عطية» (٥/ ٣٤٣).
وقال ابن تيمية: «قال الله تعالى: {والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون}، وقال: {ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصاروالأفئدة قليلا ما تشكرون}، وقال: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا}، وقال: (وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة) ، وقال: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة)، وقال فيما لكل عضو من هذه الأعضاء من العمل والقوة: {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها)، ثم إن العين تقصر عن القلب والأذن وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص، فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه، وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية والمعلومات المعنوية، ثم بعد ذلك يفترقان: فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم غذاءه هو وخاصيته، أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب، فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام، فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم، فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب، وإنما سائر الأعضاء حجبة له، توصل إليه من الأخبار ما لم يكن ليأخذه بنفسه، حتى إنّ من فقد شيئا من هذه الأعضاء فإنه يفقد بفقده من العلم ما كان هو الواسطة فيه، فالأصم لا يعلم ما في الكلام من العلم والضرير لا يدري ما تحتوي عليه الأشخاص من الحكمة البالغة، وكذلك من نظر إلى الأشياء بغير قلب أو استمع إلى كلمات أهل العلم بغير قلب فإنه لا يعقل شيئا، فمدار الأمر على القلب، وعند هذا تستبين الحكمة في قوله تعالى: {أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها)، حتى لم يذكر هنا العين كما في الآيات السوابق، فإن سياق الكلام هنا في أمور غائبة وحكمة معقولة من عواقب الأمور لا مجال لنظر العين فيها، ومثله قوله: {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون، وتتبين حقيقة الأمر في قوله: {إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد». «مجموع الفتاوى» (۹/ ۳۱۰-۳۱۱).
وقال ابن كثير : {قليلا ما تشكرون} أي: ما أقل ما تستعملون هذه القوى التي أنعم الله بها عليكم في طاعته، وامتثال أوامره، وترك زواجره». «تفسير ابن كثير» (۸/ ۱۸۲).
وقال السعدي: «يقول تعالى - مبينًا أنه المعبود وحده، وداعيًا عباده إلى شكره، وإفراده بالعبادة-: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ} أي: أوجدكم من العدم، من غير معاون له ولا مظاهر، ولما أنشأكم كمل لكم الوجود بالسمع والأبصار والأفئدة التي هي أنفع أعضاء البدن، وأكمل القوى الجسمانية، ولكنه مع هذا الإنعام (قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ) الله، قليل منكم الشاكر ، وقليل منكم الشكر». «تفسير السعدي» (ص۸۷۸).
(قل هو الذي ذرأكم في الأرض وإليه تحشرون)
قال الماوردي: «(قُل هو الذي ذَرَأَكُمْ في الأرض) فيه وجهان:
أحدهما: خلقكم في الأرض، قاله ابن عباس.
الثاني : نشركم فيها وفرّقكم على ظهرها، قاله ابن شجرة
ويحتمل ثالثاً : أنشأكم فيها إلى تكامل خلقكم وانقضاء أجلكم».
«تفسير الماوردي» (٥٦/٦).
(ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين * قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين)
قال البيضاوي: «(وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ) أي: الحشر ، أو ما وعدوا به من الخسف والحاصب». «تفسير البيضاوي» (٥/ ٢٣١).
وقال السعدي: {وَيَقُولُونَ} تكذيبًا: {مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ} جعلوا علامة صدقهم أن يخبروا بوقت مجيئه، وهذا ظلم وعناد، فـ(إنما العلم عند الله لا عند أحد من الخلق، ولا ملازمة بين صدق هذا الخبر وبين الإخبار بوقته، فإن الصدق يُعرف بأدلته، وقد أقام الله من الأدلة والبراهين على صحته ما لا يبقى معه أدنى شك لمن ألقى السمع وهو شهيد». تفسير السعدي» (ص۸۷۸).(فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون):قال الماوردي: « {فلما رأَوْه زُلْفَةً سِيئَتْ وُجوه الذين كفروا فيه وجهان:
أحدهما ظهرت المساءة على وجوههم كراهة لما شاهدوا، وهو معنى قول مقاتل.
الثاني: ظهر السوء في وجوههم ليدلّ على كفرهم كقوله تعالى: {يوم تبيض وجوه وتسْوَدُّ وجوه}». «تفسيرالماوردي» (٥٧/٦).
وقال ابن الجوزي: (وَقِيلَ هذا الَّذِي كُنتُمْ بِهِ تَدْعُونَ) فيه قولان: أحدهما: أنَّ «تدعون بالتشديد بمعنى تدعون بالتخفيف، وهو «تفتعلون من الدعاء. يقال: دعوت، وادعيت، كما يقال : خَبَرْتُ وَاخْتَبَرْتُ، ومثله يذكرون، ويذكرون، هذا قول الفراء، وابن قتيبة. والثاني: أن المعنى: هذا الذي كنتم من أجله تدَّعون الأباطيل والأكاذيب تدعون أنكم إذا متم لا تُبْعَثُون؟!وهذا اختيار الزجاج . زاد المسير في علم التفسير» (٤ / ٣١٦).
(قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يُجبر الكافرين من عذاب أليم)
قال السعدي: «لما كان المكذبون للرسول صلى الله عليه وسلم، الذين يردّون دعوته، ينتظرون هلاكه،ويتربصون به ريب المنون، أمره الله أن يقول لهم: أنتم وإن حصلت لكم أمانيكم وأهلكني الله ومن معي، فليس ذلك بنافع لكم شيئًا، لأنكم كفرتم بآيات الله، واستحققتم العذاب، فمن يجيركم من عذاب أليم قد تحتم وقوعه بكم ؟ فإذا تعبكم وحرصكم على هلاكي غير مفيد، ولا مُجدٍ عنكم شيئًا». «تفسير السعدي» (ص ۸۷۸).
(قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين)
قال السعدي: «آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا والإيمان يشمل التصديق الباطن، والأعمال الباطنة والظاهرة، ولما كانت الأعمال وجودها وكمالها متوقفة على التوكل، خص الله التوكل من بين سائر الأعمال، وإلا فهو داخل في الإيمان، ومن جملة لوازمه، كما قال تعالى: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}». «تفسير السعدي» (ص۸۷۸).
( قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين)
قال الماوردي: «{فَمَنْ يأتيكم بماء مَعِينٍ} فيه أربعة أوجه:أحدها: أن معناه العذب، قاله ابن عباس.الثاني: أنه الطاهر ، قاله الحسن وابن جبير ومجاهد.الثالث: أنه الذي تمده العيون فلا ينقطع.الرابع: أنه الجاري، ، قاله قتادة». «تفسير الماوردي» (٦ / ٥٧).
وقال ابن كثير: «قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا} أي: ذاهبا في الأرض إلى أسفل، فلا ينال بالفؤوس الحداد، ولا السواعد الشداد، والغائر : عكس النابع؛ ولهذا قال: {فمن يأتيكم بماء معين} أي: نابع سائح جار على وجه الأرض، لا يقدر على ذلك إلا الله عز وجل، فمن فضله وكرمه أن أنبع لكم المياه وأجراهافي سائر أقطار الأرض، بحسب ما يحتاج العباد إليه من القلة والكثرة».
«تفسير ابن كثير» (۸/ ۱۸۳).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.أبصار الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق