الجمعة، 27 ديسمبر 2024

التفسير العقدي/ (أَمِنْتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)

قوله تعالى : (أَمِنْتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ)
 يُظهر الله عظيم قدرته على عباده ليعظهم؛ فالذي في السماء هو الله تعالى، فقوله : (مَن فِي السَّمَاءِ) أي : من على السماء. وهذا من أدلة الفوقية؛ فإن الله تعالى له العلو المطلق؛ في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
والعلو ثلاثة أنواع :
●النوع الأول : علو الذات.
●النوع الثاني : علو القدر .
●النوع الثالث : علو القهر .
فأما علو القدر، وعلو القهر ، فلا ينازع فيهما أحد من أهل القبلة؛ فلا ريب أن الله هو القاهر فوق عباده، فلا يخرج أحد عن ملكه وسلطانه، قال الله تعالى : ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾ [الأنعام: ١٨]، وكذلك علو القدر، فله المثل الأعلى، ولا يمكن لشخص يدعي الإسلام أن يصف الله بالنقص والعيب؛ بل لا بد أن يعتقد لله المثل الأعلى.

وإنما وقع الخلاف بين أهل القبلة في علو الذات، فأهل السنة والجماعة من الصحابة والتابعين وتابعيهم، وأصحاب القرون الفاضلة، ومن سار على دربهم، يُقرّون بأنّ الله تعالى سبحانه بذاته فوق سمواته، مستو على عرشه بائن من خلقه، ليس فيه شيء من خلقه، ولا في خلقه شيء منه. وهذا هو الذي يجب اعتقاده.
ولما سأل النبي ﷺ الجارية : «أَيْنَ اللهُ؟ قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ، قَالَ: «مَنْ أَنَا ؟ قَالَتْ : أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: «أَعْتِقْهَا ، فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ ))، فلا ريب أن ربنا سبحانه وتعالى فوق سمواته.

و(في) في لغة العرب تأتي بمعنى (على)
وشواهد هذا كثير منه:
● قول الله تعالى : ﴿فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا) أي: على مناكبها
● وقوله : (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) [النحل : ٣٦]
أي: عليها، فليس المطلوب أن يتخذ الإنسان نفقا وسربا في الأرض
● وقال فرعون : ﴿وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: ٧١]؛ أي: على جذوع النخل
● كذلك قوله : (مَن فِي السَّمَاءِ) أي : على السماء.

وهناك توجيه آخر : أن يقال : إنَّ السماء ليس المراد بها السماء المبنية، وإنما المراد بالسماء العلو، فكل ما علاك فهو سماء.
  والسماء في كلام العرب لها ثلاث إطلاقات :
الأول : تطلق على السقف المحفوظ المقابل للأرض.
الثاني : تطلق على المطر. ومنه قول الأعرابي :
إذا نزل السماء بأرض قـوم ** رعيناه وإن كانوا غضابا
الثالث : تطلق على كل ما أظلك. فسماء هذا المسجد سقفه.

والمعنى: أأمنتم من في العلو.

والمقصود على كلا التوجيهين أنَّ الله تعالى له العلو المطلق، وأنه يحذرهم نفسه فيقول : ﴿وَأَمِنْتُم مَّن فِي السَّمَاءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ )

■ ولقد وقع هذا في طيات التاريخ وفي الراهن، وسيقع في المستقبل من أمور الخسف ما يظهر للناس عظيم قدرة الله تعالى، ولقد أخبر النبي ﷺ: «إِنَّهَا لَنْ تَقُومَ حَتَّى تَرَوْنَ قَبْلَهَا عَشْرَ آيَاتٍ
- فَذَكَرَ - الدُّخَانَ، وَالدَّجَّالَ ، وَالدَّابَّةَ ، وَطُلُوعَ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا، وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، وَيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ ، وَثَلَاثَةَ خُسُوفٍ : خَسْفُ بِالْمَشْرِقِ، وَخَسْفٌ بِالْمَغْرِبِ، وَخَسْفُ بِجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَآخِرُ ذَلِكَ نَارٌ تَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ، تَطْرُدُ النَّاسَ إِلَى مَحْشَرِهِمْ» فالله قادر على أن يخسف هذه الأرض القارة، التي نطمئن بالسير عليها، فلو شاء الله أن تميد بهم لمادت وخسفت بهم.
-------------------------
التفسير العقدي لجزء تبارك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق