الحياة الحقيقية هي حياة القلب وتلك الحياة لا تكون إلا بالقرآن وفي القرآن ولذا نقول: لم يذق طعم الحياة من لم يتدبر كتاب الله..
الأحد، 29 ديسمبر 2024
تدبر سورة الكهف | المحاضرة السادسة عشر| د.محمود شمس
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين، وبعد: فإني أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا، وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصة. وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وتدبر سورت الكهف توقفت في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا قل الله أعلم بما لبثوا له غيب السماوات والأرض أبصر به وأسمع ما لهم من دونه من ولي ولا يشرك في حكمه أحدا) (ما لهم من دونه من ولي) الضمير في قوله (ما لهم) هنا يعود على من؟ قولان للمفسرين: ▪️ قول أنه يعود على أصحاب الكهف ويكون المعنى: لم يكن لأصحاب الكهف ولي يتولى حفظهم سوى الله تبارك وتعالى. ▪️ وهناك من يقول إن الضمير يعود على المشركين المعاصرين للبعثة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وهم الذين نقلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أسئلة اليهود التي تتعلق بقصة أصحاب الكهف وقصة ذي القرنين والمعنى يكون: ما لهؤلاء المختلفين في مدة لبث أصحاب الكهف من ولي، فليس لأحد من العباد من دون الله من ولي سواء أفهموا ذلك أم لم يفهموا لأن المشرك والكافر لم يفهم ذلك، لم يفهم أنه ليس له من دون الله من ولي. فالله تبارك وتعالى يقول بأن كون الآلهة يتخذونها أولياء لهم وهي التي لا تنفع ولا تضر فالله تبارك وتعالى يأتي بهذا النفي تنصيصا على ولاية الآلهة أن هؤلاء العباد وإن لم يُقروا بأنه ليس لهم من دون الله من ولي فإن هذه هي الحقيقة. وقلت مرارا إن (من) عندما تدخل على إسم ما النافية يعني هنا ما لهم من دونه ولي، أصلها هكذا، من عندما دخلت جعلت النفي منصبا على ولو أدنى ولي ومن بداية ما يقال له ولي، فليس للعبد من ولي سوى الله تبارك وتعالى، لأن الله تبارك وتعالى هو الذي أعلم بما لبثوا وهم أهل الكهف فكيف يكون هؤلاء يعلمون كم مدة لبثهم!! والله هو الذي ولي الجميع وهو الذي حفظ أصحاب الكهف في الكهف. وقوله (ولا يشرك في حكمه أحد) هذه الجملة جاءت نفيا لزعم اليهود ولزعم الكفار والمشركين أن الله جل وعلا أشرك بحكمه، أصنامهم، أو أن الله تبارك وتعالى يُشرك أصنامهم في حكمه، وهذا جهل منهم لأنهم حاولوا ذلك مع النبي صلى الله وسلم، وحاولو كما نعلم أن يقولو له خفف من حديثك عن الأصنام وعن آلهتنا ولا تقرأ الآيات التي تعيب آلهتنا، ولا تقرأ أمامنا الآيات التي ترفع شأن المؤمنين. فكانت الخطوة الأولى أن نفى الله تبارك وتعالى أن يكون -حاشاه- أن يكون قد أشرك في حكمه أحدا. ولذلك (ولا يشرك في حكمه أحدا) (ولا يشرك) فيها قراءتان: ▪️ قراءة بياء الغيب وبالرفع فتكون لا نافية فيكون هذا إخبار من الله تبارك وتعالى (ولا يشرك الله في حكمه أحدا) واضح. ▪️ وقراءة أخرى بتاء الخطاب في يشرك وجزم الفعل، فتكون لا ناهية (ولا تشرك في حكمه أحدا) والخطاب هنا يكون المراد به بداية النبي صلى الله عليه وسلم وأمته من بعده. إذا يخبر الله أنه لا يشرك في حكمه أحد ويخاطب النبي والأمة، ولا تشرك في حكمه أحدا، يعني الله نفى أن يكون قد أشرك في حكمه أحدا وينهى الله النبي والمؤمنين كذلك.
ثم قال بعد ذلك (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) هذا هو الشق الثاني بالنسبة لطلبهم لأنهم قالوا إن الله أشرك آلهتهم في الحكم، وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم ألا تقرأ الآيات التي تعيب آلهتنا ولا تقرأ الآيات التي تمدح المؤمنين، ولذلك سيعطف أيضا على قوله (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) الآية التي بعدها (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) وهم الضعفاء من المؤمنين بلال وصهيب، وخباب ابن الأرت، وغيرهم.
(واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) هنا يرد الله على المشركين أنكم لا تطالبون النبي صلى الله عليه وسلم بشيء ولا تخاطبوه في هذا الشأن لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيتلو يعني يقرأ، ونعلم أن معنى (اتل) اتباع، أنه سيقرأ متبعا الذي أوحي إليه من ربه ولن يزيد عما أوحي إليه من ربه ولن ينقص عما أوحي إليه من ربه. لأن هؤلاء كان من طبعهم أنهم إذا طلبوا طلبا وأجابهم رب العباد بعد أن يطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم وأجابهم إلى طلبهم هذا، كانوا يطالبون بطلبات أخرى طمعا في أنه ينفذ لهم. فبالضبط هؤلاء طبيعتهم هكذا فهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يقص عليهم قصة أصحاب الكهف فأنزل الله هذه الآيات، وطلبوا منه أن يذكر لهم قصة ذي القرنين فأنزلها الله في سورة الكهف، وطلبوا منه أن يذكر لهم شيئا عن الروح فقال الله (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي)، ثم بعد ذلك يطلبون منه ألا يقرأ بعض الآيات وأن يقرأ الآيات التي توافق هواهم، وعرضوا عليه أنك إن فعلت ذلك سنؤمن كما تريد، وسنؤمن بالله تبارك وتعالى، وسنؤمن بك وبما جئت به، والنبي صلى الله عليه وسلم كان يتمنى أن يؤمنوا لأن هؤلاء كان النبي صلى الله عليه وسلم بنسبته البشرية يرى أن الله سيعز الإسلام بهؤلاء الكبار ، ولذلك رب العباد قال للنبي صلى الله عليه وسلم (واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك).
النفس بطبيعتها، النفس البشرية للإنسان لأن الله سوى هذه النفس وألهمها فجورها وتقواها وقدم الفجور على التقوى إشارة إلى أنك لن تستطيع أن تحقق التقوى إلا إذا جاهدت نفسك في الفجور، يعني لا بد أن تجاهدها في الفجور فتصل إلى التقوى. تمام. ولذلك الفجور ما هو إلا الرغبة في اللذة السريعة العاجلة، يعني النفس بطبيعتها هكذا تحب اللذة السريعة العاجلة ولا تفكر في الأمام، فأنت لن تستطيع أن تجاهد نفسك من الفجور إلا إذا حرمت نفسك من بعض ما تحب، لابد أن تضحي، لابد أن تعودها على التضحية، ولذلك رب العباد -وقلتها مرارا قبل ذلك- وهو يمدح المتقين في سورة الذاريات قال (إن المتقين في جنات وعيون* آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين* كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) هذا أسلوب مدح يمدحهم أنهم كانوا قليلا من الليل ما يهجعون. طيب أما كان ينبغي أن يمدحهم بأنهم كانوا كثيرا من الليل ما يقومون فيتعبدون؟ أليس كذلك؟ لم مدحهم بقلة الهجوع؟ لأنهم جاهدوا أنفسهم في أقوى رغبة نفسية فنجحوا، الهجوع هنا النوم (كانوا قليلا من الليل ما يهجعون) يعني ما ينامون فكانوا يقومون فيتعبدون، فعندما أراد الله أن يمدحهم ما مدحهم بكثرة قيام ليل أو عبادة إلا أنه مدحهم بأنهم عالجوا أنفسهم، عالجوا أنفسهم ومنعوا عنها شيئا تحبه فاستطاعوا بذلك أن يملكوها. وصلت الفكرة.
فالنفس بطبيعتها هكذا يعني إن لم يحاول الإنسان أن يكبح جماح نفسه يعني لو أن كل واحد فينا تخيل في اليوم نفسه ترغب في كم شيء وشيء، حتى ولو أكلة، حتى ولو كوب عصير مثلا، فالإنسان ينظر في حب نفسه لشيء ما فيحرمها منه فيستطيع أن يسيطر عليها بعد ذلك. إذن (واتل) يعني إقرأ وتدبر (واتبع ما أوحي) أي الذي أوحي إليك من ربك فقط ولا تلتفت إلى هؤلاء في طلباتهم. ولذلك رب العباد يُفصّل لنا هذه القضية في آيات أخرى في سورة الإسراء ولا بد أن نذهب إليها لنفهم المراد من هذه الآيات.
في قول الله تعالى (ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا) هذا بيان حال الكافرين يوم القيامة، ولما بيّن حالهم بيّن أقوالهم الباطلة وأفانينهم الباطلة، كانوا يتفننون، فقال الله (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا) رأيتم الإغراء وما يريدون أن يدخلوه على النبي صلى الله عليه وسلم لكن النبي صلى الله عليه وسلم عصمه الله من كل ذلك. (وإن كادوا ليفتنونك) الفعل كاد يدل على قرب وقوع الحدث، كاد من أخوات أوشك، أو أوشك من أخوات كاد، لأن أوشك أسرع من كاد في وقوع الحدث، يعني عندما أقول أوشكت السيارة أن تقف يعني اقتربت جدا. يعني أوشك تدل على القرب أكثر من كاد، يعني التعبير بـ أوشك يدل على سرعة الوقوع أكثر من كاد. فمعنى (وإن كادوا ليفتنونك)
أولا: (وإن) هاهنا مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الحال والشأن، أي وإن الحال والشأن أنهم كادوا ليفتنونك، واللام في (ليفتنونك) تسمى اللام الفارقة، اللام الفارقة تدخل على خبر إن المخففة من الثقيلة لتفرق بينها وبين إن النافية، لأن فيه إن نافية وفيه إن مخففة من الثقيلة، طالما وجدنا اللام فتكون إن مخففة من الثقيلة، (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) يفتنونه عنه وإلا يفتنونه به؟ هو أصل الفتنة تكون بالشيء لكنهم يريدون أن يصرفوه عن الذي أوحاه الله إليه ولذلك جاء حرف التجاوز (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك) طيب يفهم (عن الذي أوحينا إليك) أنه عن بعض الذي أوحينا إليك لأنهم ما كانوا يريدونه أن يترك ما أوحاه الله إليه بالكلية إنما بعض ما أوحاه الله إليه، يعني الآيات التي تعيب أصنامهم لا تقرأها، الآيات التي تمدح من هم أقل شأنا منا لا تقرأها، نريد أن يكون لنا مكانة، هذه كانت طلباتهم. (وإن كادوا لا يفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره) لتفتري علينا غير الذي أوحيناه إليك، وحاشا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يفتري على الله غير الذي أوحاه الله إليه.
إذا كيف نفهم لام التعليل هذه (لتفتري)؟
الافتراء اختلاق، كلام لم يحدث، واختلاق واقعة لم تحدث، هذا الافتراء، يعني عندما أقول مثلا أنا ألقيت محاضرة في هذه الأكاديمية اليوم مثلا قبل العصر هل هذا حدث؟ هذا لم يحدث، فهذا افتراء، فمعنى (لتفتري علينا غيره) معناها أنهم يريدونك أن تقرأ قرآنا على هواهم. نعم، هو كذب، نوع من أنواع الكذب لكن الافتراء اشد من الكذب. يعني أقبح وأشنع أنواع الكذب الإفك، يليه الإفتراء، الكذب هو إخبار بغير الحقيقة والواقع. الإفك إخبار بقلب الحقيقة والواقع، يعني الإفك فيه حقيقة لكن المتحدث يقلبها، يقلب الحقيقة، وأنا مثلت له مرارا يعني الافتراء يختلق أمرا لم يحدث شيء لم يحصل، فالافتراء من السهل جدا أن يُكذِّبه الإنسان، أو أن ينفيه الإنسان.
طيب (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره) هل قوله (لتفتري علينا غيره) لو كان الأسلوب بدون كاد التي تدل على أن هذا لم يحدث ولن يحدث هل معنى (لتفتري علينا غيره) هل هذا الافتراء ورد في ذهن النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا.. لأن هناك قاعدة لابد أن نفهمها بهدوء، الفعل الذي دخل عليه لام التعليل لا يفيد إلا أمرا واحدا وهو أن الحدث المذكور أو الفعل المذكور أُسند الى الفاعل فقط لكن هل الفاعل أحدث المفعول؟ لا، ليس بالضرورة أن يكون قد أحدث المفعول، يعني مثلا ضربت ابني ليذاكر درسه، لام التعليل هنا دخلت على الفعل يذاكر تمام، والفاعل ضمير مستتر يعود على ابنه وتقديره هو، فلام التعليل تفيد إسناد الفعل للفاعل فقط. لكن هل هو ذاكر الدرس؟ يعني ممكن اضربه، أنا ضربته ليذاكر درسه لكن الأسلوب هكذا لم يفد أنه ذاكر الدرس لأن لام التعليل لا تدل على أن الفاعل أحدث الفعل وأوقعه على المفعول. واضح، وإلا أقول مرة أخرى.
مثلا : حضّرت الغداء لإبني ليأكل الطعام أو ليأكل طعامه، أو ليأكل اللحم مثلا. اللام لا تفيد أنه أكل اللحم، ولا تفيد أنه أكل الطعام، لام التعليل تعلل الفعل.واسناد الفعل للفاعل لكن لا تُسند إيقاع الفعل على المفعول.
أقول مرة أخرى: لام التعليل عندما تدخل على الفعل تفيد إسناد الفعل للفاعل، ليأكل هو بس فقط أكل الخبز؟ ليس بالضرورة، أكل اللحم اللي هو المفعول الذي كان ينبغي أن يأكله، يعني لام التعليل لا تفيد إيقاع الفعل على المفعول إنما تفيد إسناد الفعل للفاعل فقط هذا المعنى في قوله تعالى (وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا).
(وإذا لاتخذوك خليلا)الواو العاطفة هنا ماذا تفيد؟ لأن (إذًا) التي هي حرف جواب وجزاء هي التي يُخبر بها هنا، يعني هم يتمنون أن يفتنوك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وبالتالي يكافئونك بأن يتخذوك خليلا، يعني (إذا لاتخذوك خليلا) لو فعلت ذلك ستكون خليلهم، لو أنك فُتنت وافتريت غير الآيات التي طلبوها منك لاتخذوك خليلا فلماذا أتى القرآن بالواو العاطفة هنا؟ وسأذكر لكم الآية التي بعدها (ولولا أن ثبّتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا* إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) لماذا لم يقل وإذا لأذقناك هنا؟ يعني الواو جاءت مع إذا الأولى.
الواو أفادت في وجودها دلالة وهي: أن القرآن يذكر لنا حالة من أحوالهم في ذكر أباطيلهم، حالة من أحوال هؤلاء الكافرين في ذكر أباطيلهم وليس المقصود أن الجواب هنا بإذا يحدث أو لا يحدث، إنما يريد الله أن يذكر لنا حالة أخرى من أحوال عقولهم وقلوبهم المريضة. فهمتم ولا أمثلها لكم بكلام خارجي، وأسأل الله أن يغفر لي ولكم.
عندما تقولون فلان الفلاني أخذ ابني وضحك عليه، وطمعه في كذا وكذا. وإذا وعده بالزواج من ابنته، يعني أنت تندد أنه أيضا فوق هذا كله الذي أفسده عليك أنه عشمه بالزواج من ابنته. فهمتم كيف أن القرآن يذكر لنا ذكر حالة من أحوالهم، - صعب أنا عارف - يعني الواو أتت تنديدا عليهم بكونهم يفكرون، فقط يفكرون في أنهم يقولون للنبي صلى الله عليه وسلم إذا لاتخذوك خليلا، أو إذا لاتخذناك خليلا، إذا الثانية (إذا لأذقناك ضعف الحياة) هل جملة (لأذقناك ضعف الحياة) ذكر حال آخر من أحوالهم؟ أم أن هذا من الله تبارك وتعالى؟ أخذنا بالنا من الفرق؟ يعني هناك قال (وإذا لاتخذوك خليلا) إنما في الآية الثانية قال (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) ولذلك يكون التقدير: فلو صرفوك عن بعض ما أوحينا إليك لاتخذوك خليلا، يعني يكون المعنى هذا. أنا قلتها أكثر من مرة الآن، يعني (وإذا لاتخذوك خليلا) ليس المراد (إذا) الجواب والجزاء أن يحدث لك أن يتخذوك خليلا، لأ. المراد التنديد عليهم في أنهم يعرضون هذا العرض. تعرفون عندما تنددون على أحد وتقولون ويقول كذا وكذا ايضا يعني كأنه لم يكتفِ بالكلام الأول. (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) (ولولا أن ثبتناك) قبل أن أبين هذا المعنى هذه الآية ونأخذ ما فيها أقول: احذرو الإغراءات التي يغري بها شياطين الإنس أولادكم لأن الله تبارك وتعالى عندما يخاطب نبيه صلى الله عليه وسلم هكذا فإنه يلفت نظرنا إلى هذه القضية، أنت نفسك وأنتِ نفسك، إحذري الإغراءات التي تعرض عليك، واحذروا الإغراءات التي تعرض على الأولاد، واجمعوا هذه الآية مع قول النبي صلى الله عليه وسلم معلما إيانا (اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، ولذلك عندما تنظرون في أمور حصلت قريبا إغراء، وإغراء وصل إلى أحد ممن كان على خير وإذا به يتحول من إلى.
إذا (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) قلت سابقا إن لولا حرف امتناع لوجود، حرف امتناع الجواب لوجود الشرط الذي هو فعل الشرط. (لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) هذا هو الممتنع، وامتُنع لماذا؟ لتثبيت الله لنبيه صلى الله عليه وسلم. إذا ما بعد (لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا) هذا كله داخل في الممتنع حتى توكيد الفعل بـ (قد) أيضا داخل في الممتنع. طيب التثبيت لأن الله خاطب النبي صلى الله عليه وسلم هنا خطابا ذاتيا يعني خاطبه في ذاته (ولولا أن ثبتناك) (لقد كدت تركن) فهل التثبيت هنا مقصود به التثبيت في الذات؟ يعني أن نثبت ذاتك؟ لا، المقصود تثبيت الفهم والرأي، الفكر والرأي، ولذلك حتى قوله تعالى (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) الركون إلى الشيء الاستناد عليه والميل إليه، يعني وأنا ركنت إلى جدار بيتك، ركنت إلى الجدر يعني وضعت يدي أو جسمي على الجدار خوفا من أن أقع مثلا، فيه دوخة أو في شيء ما، تمام، (ولا تركنوا إلى الذين ظلموا) ليس استنادا ذاتيا مع أن المخاطب هو الذات، إنما لا تركنوا إليهم بفهمكم وبفكركم وبرأيكم، انتبهوا لأفكاركم. أقول مرة أخرى: (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم) أيضا استعمل (كاد) مرة أخرى (شيئا قليلا) طبعا لقد كل (كدت تركن إليهم شيئا قليلا) هذا في الممتنع، يعني التثبيت هو الثابت الحاصل، إنما من أول (لقد كدت تركن) الركون هذا كله غير حاصل، بل ممتنع بالكلية، وأيضا تجد هناك في الأسلوب ما يؤكد ذلك: ● أولا (لولا) التي دلت على امتناع الجواب. هذا أول شيء. ● وفعل المقاربة (كدت) ومعناه أن الركون لم يقع. ● أيضا عندما أراد الحق جل وعلا أن يؤكد تركن هل قال لقد كدت تركن إليهم ركونا قليلا؟ وإلا (لقد كدت تركن إليهم شيئا) والشيء معناها تحقير يعني مع أنه منفي من الأصل، إنما الشيء هنا تحقير بخلاف ما لو قال لقد كدت تركن إليهم ركونا، فربما يفهم منه أنه كان يركن إليهم لكنه ركونا غير مؤكد. وبين التقليل في هذا الأسلوب في قوله (شيئا قليلا) يعني تحقير وتقليل في قوله (لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا). (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات) (إذا لأذقناك) هنا كما قلت ما أتى بالواو لأن الجواب هنا ليس ذكرا لحالة هؤلاء الكافرين، لا هذا من الله، لو أنك حصل كذا، وطبعا هذا أيضا داخل في الإمتناع. (ضعف الحياة وضعف الممات) ما المراد بضعف الحياة؟ وما المراد بضعف الممات؟ معلوم أن الحياة الدنيا تدور بين فرح وحزن. يعني الدنيا بالنسبة لأي أحد فينا ما هي إلا حزن وفرح أليس كذلك؟ ولذلك يوم أن قلت في أسلوب القصر في قوله تعالى (وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب) قلت ليس المراد ها هنا أن الله يريد أن يدلل بهذا الأسلوب الذي هو القصر على أن الدنيا عبارة عن لهو ولعب، لا.. لأن الدنيا ليست لهوا ولعبا، هو أراد فقط أن يبين قيمة الدنيا أو وقت الدنيا أمام وقت الآخرة (وإن الدار الآخرة لهي الحيوان) هي الحياة الباقية. إذا (إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا) وأتوقف هاهنا الليلة وبإذن الله نكمل في لقائنا القادم وأسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والفعل والعمل، وأن يجعلني وإياكم من الذين يقرؤون القرآن. فيفهمونه، فيتدبرونه فيطبقونه، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يثبت قلوبنا على دينه، وأن يرزقني وإياكم حسن الفهم وحسن التدبر. وحسن التطبيق. وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق