بسم الله نبدأ وعلى الله نتوكل
الدرة القرآنية هذا المساء حول قول الله - جل وعلا - في حق الطاغية فرعون (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى) والآية المباركة هذه نعلم أنها جزء من سورة النازعات وهي سورة مكية من قصار المفصّل فيها الآيات متتابعة ، فيها من الوعد والإنذار والوعيد ما الله به عليم . قال الله - جل وعلا - فيها (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى) وهذا إخبار للنبي - صلى الله عليه وسلم - (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) كنا قد بيّنا في لقاءات مرارا أن الله - جل وعلا - إذا أثنى أثنى بشيء عظيم فذكر الله - جل وعلا - هنا موسى في أشرف حالاته ، في الحالة التي كلّمه الله - جل وعلا - فيها (إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى*اذْهَبْ) أي يا موسى (إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) "طغى" بمعنى تجاوز الحدّ فالسيل مثلا له مجرى يجري فيه فإذا كثُر هذا السيل وعظُم وخرج عن حده يُقال له طغى ومنه قول الله - جل وعلا - (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ) أي أن الماء تجاوز حده . هنا قال الله - جل وعلا - (اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى*فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى*وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى*فَأَرَاهُ الآيَةَ الْكُبْرَى) العصا وما بعدها ، لكن فرعون قابل هذا كما قال الله (فَحَشَرَ فَنَادَى) "حشر" بمعنى جمع ، "فنادى" أي في قومه قال الله - جل وعلا - (ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى*فَحَشَرَ فَنَادَى*فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) قال الله بعدها (فَأَخَذَهُ اللَّهُ) أي أخذ الله فرعون (نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى) .
السؤال الذي نريد الإجابة عنه في هذا اللقاء :
/ مالمراد بالآخرة ؟ وما المراد بالأولى في قوله سبحانه (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى)؟
- ذهب بعض العلماء إلى أن الآخرة هي الآخرة المعروفة والأولى أي الحياة الدنيا ، وممن ذهب إلى هذا القول ويكاد يجزم به الحافظ بن كثير - رحمه الله - في تفسيره وقال "إن معنى قول الله - جل وعلا - (فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى) الآخرة ما جاء من الآيات من أن فرعون يُعذب يوم القيامة كقوله - تبارك وتعالى - (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) وما في أمثالها من الآيات ، وأما الأولى فقوله - جلّ شأنه - في خبره عن فرعون وحاله ومآله (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً)" هذا ما نحى إليه الحافظ بن كثير .
- وبعض أهل العلم واختاره ابن جرير الطبري - رحمه الله - يذهبون إلى غير هذا وإليه أميل - والعلم عند الله - وأن المراد بالآخرة والأولى كلمتان تفوه بهما فرعون أمهله الله - جل وعلا- بينهما ، أمهله في الأولى عندما قال (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) والآخرة أي الكلمة الأخرى قوله (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) ففي كلا الكلمتين قال الربوبية ونازع الله - جل وعلا - في ألوهيته فالله - جل وعلا - يُخبر أنه أمهل فرعون - على ما قيل أربعين عاما ففي الأولى لما دُعي إلى التقوى ، دُعي إلى الإيمان بالله قال لأهل مصر (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) ، في الأخرى استكبر وعاند وتجاوز وقال (أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى) فلما قالهما قال الله - جل وعلا - (فَأَخَذَهُ اللَّهُ) أي بسبب هذا القول (نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى) .
/ الذي يعنينا زيادة على ما نحن فيه أن نتعظ بالآية التي بعدها قال الله - جل وعلا - (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) يحسُن بالمؤمن وهو يقرأ القرآن ويتلو آياته أن يتعظ بعظاته وأن يفيء إلى وعد الله ووعيده :
يفيء إلى الوعد بأن يأخذ بالأسباب الموصلة إليه .
يفيء إلى الوعيد بان يسأل الله أن يُنجيه منه وأن يسأل الله ألاّ يجعله ممن ينتهكوا حرماته أو أن يتجاوز حدوده .
فقول الله (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى) بيان للناس وعظة وتذكير بالقلوب الصالحة ، المؤمنة ، المرتقبة للقاء الله تبارك وتعالى وخشية الله خوفه مع محبته مع العِلم به ، فإذا اجتمع علم ومحبة وخوف هذا الذي يُطلق عليه - في الغالب - علينا في حق الله جل وعلا يُطلق عليه خشية ولهذا قرنه الله - جل وعلا - بالعلم قال ربنا (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) هنا قال ربنا (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى).
ليس أمرا هينا أن يُتلى القرآن علينا ويخبرنا الله - جل وعلا - بأمم غابرة وقرون خالية كيف نكّل بها ثم لا يكن منا اتعاظ بمآل أولئك ، وإنما الذي ينبغي أن يكون في قلوبنا من العظة والخوف من بطش الله - جل وعلا - وما كان منه للأمم التي كذبت رسله وجحدت ربوبيته ونازعته - جل وعلا - في ألوهيته . تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق