الثلاثاء، 3 ديسمبر 2024

تدبر سورة الكهف | المحاضرة الرابعة عشر | د.محمود شمس


توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تعالى:
(فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا)
هذه الجملة اعتراض بين قصة أصحاب الكهف، يعني من أول (فلا تمار) جملة اعتراضية، الله تبارك وتعالى ينهى رسوله صلى الله عليه وسلم عن المراء واستثنى من النهي المراء الظاهر، إذا هناك فرق بين المراء في أصله وبين المراء الظاهر. ما الفرق؟
المراء الظاهر هو: الذي لا يكون هناك سبيل إلى إنكاره أو إلى المخاصمة فيه، أو إلى الجدال فيه. يعني لا يطول الخوض فيه ولا سبيل إلى إنكاره  لوضوح حجته. هذا المراء الظاهر.
أما المراء في أصله فهو مذموم، لماذا؟
لأن المراء مخاصمة في الحق بعد ظهوره، يعني الحق واضح وظاهر ولكني ما زلت أخاصمك فيه وأجادلك فيه، يعني هناك فرق بين المراء وبين الجدال. 
الجدال: يكون جدالا ابتداء واعتراضا، أي في ابتداء الكلام أنا أجادلك وأعترض على ما تقول، وأنا أنشأت الجدال من أول الحوار. ولذلك كان الغالب في استعمال الجدال هو الجدال المذموم، الجدال بالباطل.  ركزوا ثانيا
المراء: مخاصمة في الحق بعد ظهوره ووضوحه. يعني نحن نتكلم والحق واضح وجلي ومع ذلك ما زلت أخاصم فيه. هذا اختصار للمراء، لأن المراء في الأصل طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه وعيب فيه، وليس فيه غرض إلا تحقير الغير، طعن في كلام الغير لإظهار خلل فيه بغرض التحقير. يعني أنا أطعن في كلامك خصيصا وأتصيد فيه الأخطاء لك ويكون في غرضي التحقير من كلامك أو التحقير مما ذكرت.
هذا أصل المراء فنوجزه: أنه مخاصمة في الحق بعد ظهوره. إذن هو عكس الجدال. الجدال يكون بداية واعتراضا وانتهاء.
● إذا كان الجدال بداية ولم يكن اعتراضا على حق فهو جدال محمود.
غاية ما في الأمر أن الفرق بينه وبين الحوار قد يكون حدة في الأسلوب، قد يكون مثلا رفع الصوت قليلا، لكنني عندما تبين لي الحق سلمت به، إنما لو ظللت أجادل مع ظهور الحق وأنا كنت أجادلك من البداية فهذا جدال انتقل إلى مماراة، لأن المماراة جدال في الحق بعد ظهوره، مخاصمة في الحق بعد ظهوره.
ففي قول الله تعالى (فلا تمارِ فيهم إلا مراءا ظاهرا)
المراء الظاهر  هو الذي لا سبيل إلى إنكاره..
المراء الظاهر لا يطول الخوض فيه..
المراء الظاهر لا يكون هناك باب للجدال أو كذا..
إذا وجدت مجادلك سيتحول إلى مخاصمة في الحق بعد ظهوره امتنع.
هذا (فلا تمارِ فيهم إلا مراءا ظاهرا) إذا كان الكلام واضح الحجة ولا سبيل إلى إنكاره ماريهم في ذلك، إنما وجدتهم سيخاصمون الحق، وسيتكلمون في أمرٍ مع أن الحق واضح امتنع عن هذا المراء.
إذن المراء مجادلة ومخاصمة بعد بيان الحق، الجدال يكون بداية واعتراضا وانتهاء. إذا كان بداية وسلمت لك بالحق عند ظهوره فهو جدال محمود. فهو اختلف عن الحوار في حدة الأسلوب، في رفع الصوت. وهناك من الناس من لديها الحدة في الأسلوب كطبيعة، أو رفع الصوت كطبيعة، يعني هو يتكلم هكذا، يعني هو صوته هكذا يعني، فربما يظهر لك أنه يجادل، لكن طالما أنه سلم بالحق عند ظهوره فهو جدال محمود، ظل يعترض سيتحول من جدال إلى مماراة. هذا (فلا تمارِ فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا).
● بعد ذلك (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله)  قوله (ولا تقولن لشيء) معطوف على ماذا؟ وما مناسبة ذكره ها هنا؟
وما الدروس والفوائد التي نستفيدها من ذكره هاهنا؟ 
هو بالنسبة للعطف معطوف على (فلا تمارِ فيهم) يعني كأنه استكمال لجملة الاعتراض، ولذلك سيكون الاعتراض من (فلا تمارِ فيهم إلا مراءا) إلى (وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا) هذه نهاية الجملة الاعتراضية، ولذلك استأنف الحق بعد ذلك باقي القصة (ولبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعة).
والمناسبة: أن المشركين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أهل الكهف، وعن ذي القرنين، والرسول صلى الله عليه وسلم وعدهم بالجواب غدا، يعني قال سأجيبكم غدا ولم يقل إن شاء الله صلى عليه وسلم. وبالطبع كما نعلم حياة النبي صلى الله عليه وسلم كلها تشريع، يعني لو لم ينسى (إن شاء الله) فكيف كانت ستنزل هذه الآية لتعلمنا هذه الدروس؟ يعني نُسي صلى الله عليه وسلم، ولذلك ما نقول إنه نَسي إنما نُسي لحكمة أن يعلمنا الله ماذا نقول إذا نسينا، ونتعلم هذه الدروس. طبعا كما نعلم أن جبريل عليه السلام لم يأتيه قيل إلا بعد خمسة عشر يوما، وقيل ثلاثة أيام بعد أن قال سأجيبكم. 
● في قوله (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا) نجد ثلاثة دروس مهمة جدا وأمور نتعلم منها في حياتنا.
الدرس الأول: أن الله تبارك وتعالى أجاب سؤاله فبين لهم ما سألوه إياه أولا. يعني ذكر لهم قصة أصحاب الكهف بداية.
ثانيا: أن الله تبارك وتعالى علمنا علما عظيما في أدب اللجوء إلى الله تبارك وتعالى، وتعليق الأمور المستقبلية على المشيئة.
ثالثا: أراد الله تبارك وتعالى أن يعلمنا درسا عظيما وهو قاعدة من قواعد العتاب وهي: أن المعاتَب، إذا أردت أن تعاتب أحدا وكان قد طلب منك طلبا ما فعليك أن تجيبه إلى طلبه إما إثباتا وإما نفيا ثم تعاتبه. يعني لا تعاتبه بداية. لأنك إن عاتبته بداية فستتغير نفسه. وسيظن أنك الآن لن تجيبه إلى طلبه بسبب ذلك، أنك تعاتبه، أو أنك أحسست في كلامه شيئا. فالله تبارك وتعالى ذكر قصة أهل الكهف أولا، ثم بعد ذلك عاتبه صلى الله عليه وسلم (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) إذن نجيب الإنسان على طلبه ثم نعاتبه، ولا نعاتبه بداية.
حتى الآن أساليب العتاب في القرآن ثلاثة أساليب:
الأسلوب الأول: أسلوب الكلام مع المعاتب بأسلوب الغائب وليس بأسلوب الحاضر أو المخاطب، يعني إذا أردت أن أعاتب أحدا أتكلم معه بأسلوب الغائب مع أني أخاطبه كما قال الله (عبس وتولى أن جاءه الأعمى) فلم يقل الله لنبيه صلى الله عليه وسلم عبست وتوليت أن جاءك الأعمى، لأن الخطاب كما قلت فيه غلظة وعنف أحيانا.
ومثاله في حياتنا اليومية – مثلا- لو أن واحدا عنده مناسبة ولم يوجه الدعوة لي، فعندما أقابله أقول له هناك بعض الناس كانت لديه مناسبة ووجه الدعوة إلى الناس ولم يوجه دعوته لي.  هل هذا أفضل؟ أم أني أقول له لماذا لم تدعني؟ ولماذا أهملت دعوتي؟ ولماذا.. ولماذا؟ فبالطبع عندما أتكلم بأسلوب الغائب. فيه دلالة على التلطف والتودد. فما بالنا إذا كان أسلوب العتاب هذا في بيوتنا، يعني لو أن أسلوب العتاب هذا كان في بيوتنا ما أظن أن البيوت سيكون فيها مشاكل.
أسلوب العتاب الثاني: أن أتخير أي صفة أمدحه بها، كل إنسان لا يخلو من صفة مدح وثناء أنا أتخير أي صفة مدح أمدحه أولا ثم أعاتبه، ولذلك الله تبارك وتعالى قال (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون) هل هناك عتاب أكبر من هذا أن يقول الإنسان ما لا يفعل. والله تبارك وتعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) هذا عتاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم لكنه قدم الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم ليطمئن قلبه (عفا الله عنك)، وأنا مثلا أقول: بارك الله فيك، جزاك الله خيرا، يعني أقول من كلام الثناء ما يبين مكانة المعاتب عندي، هذا هو العتاب. أما إذا خرج الأمر عن ذلك فهو ليس بعتاب.
وأنا قلت قبل ذلك أن العتاب يمر بمراحل يختلف في كل مرحلة عن الأخرى، هذه المراحل:
عتاب، لوم، توبيخ، والتوبيخ يدخل فيه التقريع والتبكيت، كله يدخل تحت التوبيخ والتعنيف. وبعد ذلك يأتي التثريب في النهاية.العتاب عرفناه. اللوم: ذكر الملامة دون ثناء وبأسلوب مباشر أنت فعلت كذا، أنت قلت كذا، أنت لم تدعُني، أنت لم...الخ، يعني كلام مباشر دون ثناء ودون أن أتكلم بأسلوب الغائب ...الخ ثم التوبيخ يأتي بعد اللوم..
التوبيخ كلام  أشد من اللوم، أستعمل أساليب شديدة وأساليب عنيفة..
لا .. سورة عبس هذا كان عتاب، أن تكلم بأسلوب الغائب، (عبس) عبس هو كأنه يتكلم عن أحد ليس بموجود ولذلك خاطبه في قوله (وما يدريك لعله يزكى) لماذا جاء هنا (وما يدريك)؟ وقال (وما يدريك لعله يزكى) يعني خاطبه في قوله (وما يدريك لعله يزكى). ثم بعد ذلك بعد التوبيخ يأتي: التعنيف، التعنيف كلامه أعنف وأشد وأسلوبه أشد بكثير من التوبيخ. 
ثم يأتي التثريب. الثرَب هو: طبقة الشحم الرقيقة تحت جلدة البطن، الجلدة التي في بطننا تحتها طبقة رقيقة اسمها الثرب، حتى هذا اسم علمي في علم الطب معروف بهذا الاسم، هذا الثرب هو آخر مخزن يستمد منه الجسم الطاقة، فإذا نفذ هذا المخزن يحدث عند الإنسان الهزال والضعف، والانكسار، هزال وضعف وانكسار، ينحني الظهر،  يمشي ثلاث خطوات ويجلس بعد أن كان يسير بالكيلوات، خاصة عند كبار السن وعند المرضى، يعني عند كبار السن وعند المرضى هذا ظاهر ويظهر.
التثريب لم يُذكر إلا في قصة يوسف مع إخوته (قال لا تثريب عليكم) يعني معناها أني لا أقبل لكم انكسارا ولا انهزاما في المجتمع، يعني أنتم إخوتي تستحقون التثريب لكني لا أقبله عليكم، ولذلك هذا فيه دلالة على مراعاة أصحاب المكانة والمشايخ والعلماء. المفروض عندما -مثلا- نرى منهم شيئا أو هفوة أو زلة لا نأخذها ونحاول أن نكبر من المسائل، وأصحاب الوجاهات في المجتمعات. 
نضم اليوم لأساليب العتاب أن المعاتب لو كان قد طلب مني شيئا فإني أجيبه إلى طلبه قبل أن أعاتبه وأجيبه إلى طلبه ليس بالضرورة إثباتا، يعني من الممكن أن يكون نفيا لأني قد لا أستطيع تلبية الإثبات في هذا الطلب.
فإذا الله تبارك وتعالى أجاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلبه وأفاده بقصة أصحاب الكهف مع أنه سيخبره بعد قليل في قوله (وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا) هذه أيضا تعطينا دروسا عظيمة. 
ما معنى (وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا)؟
يعني أنتم تسألونني عن أسئلة لا تفيد الآن في مهمتي، فأنا مهمتي أبلغكم شرع الله وأن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وليس من مهمتي أن أخبركم عن قصص السابقين، مع أن قصة أصحاب الكهف فيها فوائد عظيمة وفيها فوائد تمس الدعوة في دعوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنها تدلل على قدرة الله على البعث، يعني فيها فوائد أنها فيها دلالة على قدرة الله على البعث، وفيها دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم يوحى إليه إذ أخبرهم بأشياء دقيقة حدثت في القرون الماضية ما كان له علم بها، ولا كان يعرف عنها شيئا، فمن أين أتى بهذه الدقة وبهذه التفاصيل؟ لكن تبليغ شريعة الله ومنهج الله هو الأهم.
من هاهنا نأخذ درسا عظيما وهو ترتيب الأولويات. تعرفون ترتيب الأولويات؟ يعني حتى وإن كان في إجابتهم على أسئلتهم هذه وقصة أصحاب الكهف فائدة إلا أن الله تبارك وتعالى أمره أن يقول لهم (وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشدا) يعني هناك مهمة أعظم، المهمة الأعظم هي أن أخبركم بمنهج الله، وبأمر الله، وبنهي الله أولا، ثم بعد ذلك أخبركم بما تشاؤون هذا أولا.
  ثانيا: أننا لا ينبغي أن نشغل الناس وخاصة أصحاب الدعوة والدعاة عن مهامهم الأصلية. يعني أحيانا يكون للناس طلبات هذه الطلبات قد تعطل رجل الدعوة عن المهمة الرئيسية التي ينبغي أن يوجهها. ومنها مثلا: عندما تكونون في درس مع أحد المشايخ - أنا لا أقول عن درسي هنا أنا أقول مع المشايخ - لا تأخذونه بأسئلتكم إلى ساحات أخرى. يعني أحيانا الطالب يأخذ الشيخ إلى ساحات متعددة. يعني أنا لا أتكلم عنكم أنتم معي وإنما أتكلم عن كلام عام.
 يعني يبقى رقم واحد: لا نشغله بما لا فائدة فيه.
● رقم إثنين: أن نرتب الأولويات معه.
وهذا أدب من آداب طالب العلم لكن هو موجود في كتاب الله، يعني نحن الفرق أننا نستنبط من كتاب الله لأننا لا ندرس التفسير باعتباره تفسيرا تحليليا،  لا، إحنا نستنبط دروسا لنطبقها على واقعنا، كما استنبطنا مثلا من أساليب العتاب أن المعاتب لو أن له طلبا أجيبه إلى طلبه أولا إما سلبا وإما إيجابا، ثم بعد ذلك أعاتبه، هذا أمر  استفدناه من هذه الآية الكريمة.
ثم بعد ذلك لا نشغله عن مهمته الأصلية. حتى لو كان في كلامنا بعض الفوائد الأخرى، يعني سؤالهم بالذات عن قصة أصحاب الكهف وعن ذي القرنين. يعني لما نصل عند قصة ذي القرنين -إن شاء الله- سنجد أن الله تبارك و تعالى علمنا من قصة ذي القرنين دروسا عظيمة الناس يتكلمون فيها هذه الأيام باسم تطوير الذات. وفي قصة ذي القرنين علم تطوير الذات وعلم تطوير القيادات. يعني تطوير القيادات علم وضعوه لكنه موجود بأكمله في قصة ذي القرنين وفي قصة سليمان عليه السلام، يعني يستنبط من هذه القصص دروسا عظيمة ومع ذلك، يعني مع هذه الدروس وهذه الفوائد إلا أنها تعد أمورا تأتي بعد الأمور الأساسية في الدعوة وهي أن نعلم الناس كيف يعبدون الله تبارك وتعالى ويلتزمون بالأوامر ويجتنبون النواهي. هذه (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله).
هل اللام في لشيء (ولا تقولن لشيء) حرف جر لتعدية القول إلى الشيء؟ يعني هل الفعل (قال) يحتاج مني أن آتيه بحرف لام الجر لأقول مثلا: ولا تقولن شيئا؟ بالطبع لا، اللام هنا تسمى لام التعليل، ولا تقولن لأجل شيء إني فاعل ذلك غدا. هذه معنى اللام هاهنا.
(فاعل ذلك غدا) فاعل ذلك الشيء، وكلمة (غدا) لا تعني اليوم الذي يلي يومنا هذا وإنما هي تدل على المستقبل المطلق فهي دالة على المستقبل هاهنا.
كلمة (شيء) نكرة، وهي من الكلمات التي يقولون عنها إنها متوغلة في التنكير لأنها تطلق على كل شيء ما سوى الله تبارك وتعالى، يعني كلمة شيء تطلق على الحسي، وتطلق على المعنوي، وتطلق على كل شيء. فهو اسم متوغل في النكرة يفسره السياق، يعني السياق الذي ورد فيه يفسره ويوضحه ويبينه. نعم، (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا).
طبعا كلمة (لشيء) هنا مرسومة بألف بعد الشين صحيح؟ وبالطبع يعني قضية الرسم أنا تكلمت فيها مرارا. 
والذين يقولون بأن للرسم أثرا في المعنى يقولون إن الشيء هنا شيء معدوم، شيء عدمي.
طيب هي وردت في موضع آخر (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) فالشيء هنا أيضا متوغلة في النكرة وشيء عدمي. فيعني الغاية أنني أنا شخصيا لا أنكر على من يقول بأن في الرسم دلالة في المعنى، لكن أنا أقول له أثبت لي ما علاقة الألف التي في (لشيء) هنا أنها تدل على العدم؟ ما علاقة وجود الألف مع العدم؟  وأنا قلت لكم قبل ذلك أن القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي قُرئ أولا ثم كتب، يعني كل الكتب تكتب ثم تُقرأ، القرآن قرئ أولا ثم كُتب.
طيب لما كُتب هل الذين كتبوا كانوا يكتبون ويراعون هذا؟ أم أن القضية أن الكتابة كانت في القبائل المتفرقة لكل قبيلة كيفية وطريقة في الكتابة؟ وطبعا هذا كله كلام الأدلة عليه غير كافية، يعني لا أقول إنه كلام أكيد لكن مثلا عندنا (يوم يأتِ لا تكلم نفس إلا بإذنه) حذفت منها الياء ولا يوجد أي سبب للحذف (يوم يأتِ لا تكلم نفس إلا بإذنه) فقيل إن قبيلة طيء تكتب الأفعال المعتلة الآخر بحذف حرف العلة، فربما الذي كان يكتب كان من قبيلة طيء، يعني الذي كان يكتب كان من قبيلة طيء، وربما كلمة (لشيء) هذه الذي كان يكتبها كان من قبيلة تكتب لشيء هكذا. وأنا قلت إنه كلام ليس عليه دليل حتى لا تأخذوا كلامي على أني أثبت كلاما، لا، هو كلام مجرد توقع، لكن الكلام الذي أدين الله به أن الكتابة ليس لها أثر في المعنى إنما اللفظ بلفظه وبنطقه وبسياقه هو الذي له دلالة في المعنى.
وأنا قلت لكم قبل ذلك كلام أهل البلاغة في ذلك ومنهم الخطابي يتكلم عن أن الإعجاز في القرآن لا بد أن يكون لفظ حامل به معنى قائم، لأن فيه لفظ حامل لكن المعنى ليس قائما به مثل حروف الجر مثلا، حرف الجر مثلا (في) لفظ حامل لمعنى لكن المعنى ليس قائما فيه، المعنى قائم فيما بعده، يعني لا يظهر إلا إذا قلت وضعت الجوال في جيبي. متى ظهرت الظرفية؟ التي هي معنى (في) ظهرت أين؟ ظهرت عندما قلت في جيبي، فجيبي أصبح ظرفا لمظروف، ولم يتضح هذا المعنى، فحروف الجر مثلا، أو أي حرف من حروف المعنى، المعنى ليس قائما به إنما الكلمة عندنا المعنى قائم بها وبينهما رباط ناظم الذي هو السياق. هذه الكلمة أو الذي يعطيني دلالة في المعنى.
إذا (ولا تقولن لشيء، إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله) وأنا قلت قبل ذلك ينبغي أن نستعمل المشيئة في موضعها، أحيانا بعض الناس يستعمل المشيئة في غير موضعها، يعني بعض الناس إذا قلت له ما اسمك؟ يقول اسمي محمود إن شاء الله، أنت اسمك هذا، أنت تخبرني بشيء قائم بك، المشيئة تكون لأمر سيأتي في المستقبل.
مثلا لو قلت لك بم تسمي ولدك إذا ولد؟ يعني ابنك لسه لم يولد مثلا على وشك الولادة بالنسبة لأهلك مثلا، فأنت تقول والله إن شاء الله أسميه كذا أو أسميه كذا إن شاء الله، هذا في المستقبل لأنك قد تغير الاسم الذي قلته عادي، إنما أنت تخبرني عن شيء، واقع، هل سافرت مكة أمس؟ نعم إن شاء الله، طب كيف؟ قل مثلا نعم بمشيئة الله، يعني بمشيئة الله سافرت، الماضي تقول بمشيئة الله، المستقبل تقول إن شاء الله.                                   
● بعد ذلك (واذكر ربك إذا نسيت) الأمر بالذكر هذا هل هو من ذكر الله باللسان؟ أم من الذُّكر بالقلب؟ طيب ما الفرق بين ذكر الله وبين الذُّكر؟
ذكر الله باللسان قد يكون معه القلب، قد يكون مع اللسان القلب، أو قد يحرك اللسان القلب، أو قد يتواطأ القلب مع اللسان. فهذا أمر محمود. لكن الذكر له لازم، الذي نسميه لازم المعنى، تعرفون لازم المعنى؟ يعني هناك معنى وهناك لازم المعنى. لازم المعنى: هو الشيء الذي يلزمك طالما أنك فعلت هذا أو قلت هذا. بمعنى أن الذُّكر بالقلب ليس معناه أن اللسان يتحرك بذكر الله وإنما معناه الامتثال لأمر الله. يعني مثلا (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله) هل ذكر الله هنا بمعنى أنهم ذكروا الله بلسانهم مع حضور قلوبهم؟ لا، ذكروا الله بمعنى امتثلوا أمره واجتنبوا نهيه فأقروا بالخطأ، وأقروا بالندم فاستغفروا. ولذلك أعقب الله قوله (ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم) إذن ذكر الله بالقلب هو لازم ذكر الله باللسان. فلا ينبغي للمؤمن أن يذكر الله بلسانه ولا يلتزم ولا يمتثل أمر الله ونهي الله في هذه المسألة.
وأيضا في قوله (واذكر ربك إذا نسيت) تعطينا علاجا للغافل الناسي. فالإنسان يغفل أحيانا بمعنى ينسى، فعلاج الغفلة الذي هو النسيان كثرة ذكر الله. فإذا ذكرت الله كثيرا فإنك تجنب نفسك أمر النسيان، ولذلك قال الله تعالى (واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين) كأن الذي لا يذكر ربه في نفسه تضرعا وخيفة هو غافل لأن الله قال في نهاية الآية (ولا تكن من الغافلين)، فعلاج الغفلة وعلاج النسيان كثرة ذكر الله تبارك وتعالى. وفي قوله (واذكر ربك) لم يقل (واذكر الله)، (ربك) وإضافتها إلى كاف الخطاب مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم فيها كمال الملاطفة وكمال التودد، وكمال اللطف في التعبير، وفي العتاب للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه يعلمه ها هنا أنك لا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله وإذا نسيت فاذكر ربك إذا نسيت.
(وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا) 
(وقل عسى) الجملة هذه إما أن تكون عطفا على (واذكر ربك إذا نسيت) يعني واذكر ربك إذا نسيت وأطلب منه وقل له عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا، وقد تكون عطفا على (فلا تمارِ فيهم إلا مراء ظاهرا) (وقل عسى أن يهدين ربي) وهذا هو المعنى الذي استنبطنا منه ألا تشغلوني بما لا يفيد، يعني النبي صلى الله عليه وسلم رب العباد يعلمه أن يقول لهم لا تشغلوني بما لا يفيد، أنتم طلبتم شيئا من قصة أهل الكهف فمهمتي الآن أن أبلغكم أمر الله ونهي الله هذه هي المهمة الأولى، أما كوني أخبركم بقصص السابقين. مع ما فيها من فوائد - كما قلت- يعني فيها دلالة على قدرة الله على البعث، وفيها دلالة على حفظ الله لهم، وفيها دلالة على صدق النبي صلى الله عليه و سلم في الوحي الذي يُنزل عليه من ربه إلى آخره، يعني فيها دلائل لكنها ليست مفيدة كفائدة تبليغ أمر الله.ونهي الله تبارك وتعالى، لأن هذا هو الأصل.
(عسى) تفيد التأدب رجاء من الله تبارك وتعالى، وهي فيها تأدب مع الله جل وعلا.
وأتوقف ها هنا الليلة وبإذن الله نكمل في لقائنا القادم ما تبقى في هذه الآية لأن لا يزال فيها كلام كثير.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الفهم والتدبر، وأن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول، فيتبعون أحسنه، وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصته، وأن يغفر الله لوالدينا، وأن يرحمهم، وأن يغفر الله ويرحم مشايخنا، وكل من له فضل علينا، وأن يشفي الله مرضانا ومرضى المسلمين، وأن يفرج الله همومنا، وأن ينفس كربنا جميعا. اللهم آمين. وصلِ اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين. والحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkah

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق