السبت، 19 مارس 2011

الابتداع في الدين من التقديم بين يدي الله ورسوله






{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ*يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ}.
/ ثم قال (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) يعني نهيناكم عن هذا كراهة أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون لأنه قد يحبط عمل الإنسان وهو لا يشعر ، وكم من كلمة واحدة أوقعت صاحبها بالكفر فهوى بها في النار -والعياذ بالله- .
نستفيد من هاتين الآيتين فوائد كثيرة :
أولا : تحريم التقدم أو التقديم بين يدي الله ورسوله ، من أين أُخذ التحريم ؟
 من قوله تعالى (لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ثم أعقبه بقوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) لئلا يظن الظانّ أن النهي هنا للكراهة .
ويؤخذ من هذه الآية: تحريم البدع في الدين ، من أين تؤخذ؟
وجه ذلك أن المُبتدع شرع في دين الله ما ليس منه فلسان حاله يقول إن الشرع قاصر لأن هذه عبادة لم يأتِ بها فيكون قاصرا ولهذا تعتبر البدع من أخطر ما يكون على دين الإنسان ، من أخطر ما يكون لأن مضمونها ومستلزماتها صعبة لللغاية .
الابتداع في دين الله يُنافي قول الله -عز وجل- (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (الْيَوْمَ) متى؟ أي يوم؟ يوم عرفة في عهد الرسول -عليه الصلاة والسلام- في حجة الوداع (أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ما فيه شيء من الدين إلا كامل . إذا هل نحتاج بعد هذه الآية إلى شيء ندين الله به غير موجود في الشرع؟ أبدا لا نحتاج ، فمن ابتدع في الدين فإن ابتداعه يُنافي مضمون هذه الآية مُنافاة تامة ، والإنسان المُبتدع لو علِم ما في بدعته من الخطر العظيم لكان أشدّ نفورا منها من نفور الإنسان من الأسد .
ومن مفاسد البدع: أن المشتغل بها يُهدر سنة ثابتة ، كل إنسان يشتغل ببدعة فإن اشتغاله بها سيُهدر سُنة ولهذا قال بعض السلف "ما ابتدع قوم بدعة إلا تركوا من السُّنة سُنة مثلها أو أشد" لماذا؟ لأن الإنسان عامل -يعمل- فإن عمِل بشيء اشتغل به عن الشيء الآخر ، فإذا عمل بالبدعة اشتغل بها عن السُنة .
ومن مضار البدعة: أنها -كما دلت الآية هذه- تقديم بين يدي الله ورسوله ، وتعدٍ على دين الله وعلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
ومن مفاسد البدع: أن مضمونها أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إما جاهل بها وأنها من دين الله ، وإما كاتم لها ، وكلا الأمرين خطير للغاية لأننا نُخاطب المُبتدع ونقول : هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- عالما ببدعتك هذه التي أتيت بها وزعمت أنك تتقرب بها إلى الله وأنها من دين الله أو جاهلا بها؟ ماذا يقول؟ 
إن قال جاهلا بها فهذا خطير جدا لأنه يرمي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالجهل في دين الله ، وإن قال إنه كان عالما قلنا له إذا هل يكون مُبلغا رسالة ربه أو كاتما لها؟ يلزم أن يكون كاتما لرسالة الله غير مُبلِغ لها لأننا فتشنا في سنته ولم نجد هذه البدعة فحينئذ يكون كاتما لها ، فالمبتدع لاشك أن بدعته تستلزم وصف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوصفين : إما الجهل وإما الكتمان وكلاهما عيب عظيم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- . 
فإن قال : يحتمل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلّغها ولكن لم ينقلها الصحابة ، قلنا: وهذا مُشكل أيضا لأنه يلزم على هذا القول أن الصحابة قد كتموا الشرع وفرطوا في نقله ، هذا من وجه ، ويلزم أيضا مفسدة أُخرى أكبر وهي أن الله لم يحفظ الشريعة مع أن الله -عز وجل- يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فإذا كان الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد بلّغها كما زعم هذا المُبتدع ولكن لم تُنقل إلينا عن طريق الصحابة فلازم ذلك أن الشرع غير محفوظ ، لم يُنقل إلينا . وهذه مفسدة لا يمكن أن يقول بها من يؤمن بالله واليوم الآخر.
من مفاسد البدع : أن صاحبها يشعر بأنه قد سنّ طريقة بنفسه هو ليتبعه الناس عليها وحينئذ يدعي لنفسه مشاركة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الرسالة وأنه مُشرّع ولهذا أتى بهذه البدعة للناس حتى يمشوا عليها. والمقام لا يقتضي أكثر مما ذكرت الآن لأن الوقت قد قرُب للإجابة على الأسئلة لكني أقول إنه لو لم يكن من مفاسد البدعة إلا أنها من التقدم بين يدي الله ورسوله لكفى بذلك تنفيرا عنها . ونحن نقول بعبارة قصيرة مختصرة نقول للمُبتدع : اكتفي بما ثبت من شرع الله عما لم يثبت ، أنت تريد أن تتقرب إلى الله فاكتفي بما ثبت من شرعه عما لم يثبت ، ودع ما لم يثبت ، أرِح نفسك وأرِح غيرك واجتنب الشر وأسباب الشر وستجد الخير كله .
من فوائد هاتين الآيتين الكريمتين : إثبات اسمي (السميع) و (العليم) لله -عز وجل- لقوله (إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) واعلم أن من القواعد المقررة أن اسم الله -عز وجل- إذا كان مُتعديا فإنه لا يتم الإيمان به إلا بأمور ثلاثة :
الأول : إثباته اسما لله ، يعني أن تُثبت أن هذا الاسم اسم لله 
الثاني : إثبات الصفة التي تضمنها هذا الاسم 
الثالث : إثبات المعنى المُتعلق بها ، يعني الأثر المُترتب عليها
مثال ذلك : (السميع) لا يتم الإيمان به إلا أن تُثبت بأن السميع من أسماء الله ، وأنا أقول لكم هذا لأن من المُبتدعة من يدعي أن أسماء الله ليست أسماء له لكنها أسماء لبعض مخلوقاته ، لا يمكن أن تؤمن بالاسم حقيقة إلا بإثبات أن السميع من أسماء الله .
وأن تُثبت أن هذا الاسم يدل على صفة هي السمع . وقلنا ذلك لأن من المبتدعة -المعطلة- من يقول إن أسماء الله أعلام محضة لا تدل على معنى ولا صفة .
والأثر المترتب على اسم الله السميع : أنه يسمع ، ولهذا جاء هذا المعنى في مثل قوله (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا) .
أما إذا كان الاسم غير متعدي بل هو لازم فإنه لا يتم الإيمان به إلا بإثباته اسما لله وإثبات المعنى الذي دلّ عليه لأنه ليس له معنى يتعلق به خارج عن ذات الله .
مثاله : (الحي) فهو اسم من أسماء الله فلا يتم الإيمان به إلا بإثباته اسما لله ، وإثبات المعنى الذي دلّ عليه وهو الحياة . 
هل له معنى مُتعلق بغيره؟...
 أنا لا أقول أنا حي ، وأنت حي ، والثاني حي ، أسماء الله من أسمائه (الحي) ووصفه الحياة فهل له معنى متعلق بغير مثل السميع يسمع غيره ، هل للحياة معنى يتعلق بالغير؟
ربما بعض الناس يتوهم أن المُحيي يعني الحي ، وهذا خطأ . المحيي يتعلق بالغير ولهذا نقول إن الله -تعالى- يُحيي ويُميت أما الحياة فإنها تتعلق بذات الله فقط .
فالحيّ إذا لا يتم الإيمان به إلا بإثباته اسما من أسماء الله وإثبات المعنى الدال عليه وهو الحياة فقط ولا يتعلق بالغيرهذه قاعدة مفيدة في أسماء الله .
 أما الآية الثانية : ففيها تحريم رفع الصوت فوق صوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذناها من (لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ) وفيها التحذير من ذلك غاية التحذير وأن الإنسان ربما يحبط عمله برفع صوته على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لقوله (أن تحبط...) .
ومن فوائدها : تحذير الإنسان من الأفعال أو الأقوال التي قد تخفى وقد تكون سببا لكفره وشركه وهو لا يشعر لقوله (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لا تَشْعُرُونَ) والعمل لا يحبط إلا بالكفر لقوله تعالى (وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)     
             

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق