الاثنين، 9 يوليو 2012

المناسبة بين سور قصار المفصل

* المفصل هو : السور التي كثر الفصل بينها بـ (بسم الله الرحمن الرحيم ) وتبدأ هذه السور من سورة (ق) عند كثير من أهل العلم إلى آخر المصحف .
وهذا المفصل كان يُسمى عند الصحابة المُحكم لأنه لا يكاد يوجد فيه شيء منسوخ - أي قد أُزيل ونُسخ ورُفع حكمه . ويقسمه العلماء إلى ثلاثة أقسام :
الأول : طوال المفصل ويبدأ من سورة (ق) إلى نهاية سورة المرسلات .
الثاني : أوساط المفصل ويبدأ من سورة (عمّ) إلى نهاية سورة الليل .
الثالث : قصار المفصل ويبدأ من سورة الضحى إلى سورة الناس .

* المناسبة بين سور قصار المفصل :

/ المناسبة بين سورتي الضحى والليل  - :
هذه السورة متصلة بسورة الليل من وجهين :
1 - ختمت سورة الليل بوعد كريم من اللَّه تعالى بإرضاء الأتقى في الآخرة ، وقال تعالى في سورة الضحى مؤكدا وعده لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) .
 
2 - ذكر تعالى في السورة السابقة : (وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى) ثم عدد اللَّه تعالى نعمه على سيد الأتقياء في هذه السورة وهو محمد - صلى الله عليه وسلم - .
 
/ المناسبة بين سورتي الشرح والضحى :
هذه السورة متمة لسورة « الضحى » قبلها ، فكلتاهما عرض لما أنعم اللّه به على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتذكير له بهذه النعم ، وتوجيه له إلى ما ينبغى أن يؤديه لها من حقّ عليه .. وهكذا شأن كل نعمة ينعم اللّه بها على الإنسان ، لا تتم إلا بالشكر للمنعم ، وبالإنفاق منها على كل ذى حاجة إليها.

 
/ المناسبة بين سورتي التين والشرح :
ختمت سورة « الانشراح » بالدعوة إلى الكد والنصب ، فى الحياة الدنيا ، ليبنى الإنسان بذلك دار مقامه فى الآخرة ، ويعمرها بما يساق إليه فيها من نعيم اللّه ورضوانه.وبدأت سورة « التين » بهذه الأقسام من اللّه سبحانه وتعالى ، لتقرير حقيقة الإنسان وتذكيره بوجوده ، وأن اللّه سبحانه خلقه فى أحسن تقويم ، وأودع فيه القوى التي تمكّن له من الاحتفاظ بهذه الصورة الكريمة ، وأن يبلغ أعلى المنازل عند اللّه ، ولكن ميل الإنسان إلى حب العاجلة ، قد أغراه باقتطاف الذات الدانية له من دنياه ، دون أن يلتفت إلى الآخرة ، أو يعمل لها ، فردّ إلى أسفل سافلين .. وقليل هم أولئك الذين عرفوا قدر أنفسهم ، فعلوا بها عن هذا الأفق الضيق ، ونظروا إلى ماوراء هذه الدنيا.



/ المناسبة بين سورتي العلق والتين :
كانت سورة « التين » مواجهة للإنسان فى خلقه القويم ، الجليل ، الذي خلقه اللّه عليه ، وأن هذا الإنسان إذا استطاع أن يحتفظ بهذا الخلق الكريم ، كان فى أعلى عليين .. أما إذا لم يحسن سياسة هذا الخلق ، ولم يحسن تدبيره فإنه يهوى إلى أسفل سافلين.

وتبدا سورة « العلق » بهذه المواجهة مع الإنسان فى أعلى منازله ، وأكرم وأشرف صورة له ، وهو رسول اللّه « محمد » صلوات اللّه وسلامه عليه ، مدعوّا من ربه إلى أكمل كمالات الإنسان ، وأكرم ما يتناسب مع كماله وشرفه ، وهو القراءة ، التي هى مجلى العقل ، ومنارة هديه ورشده. وبهذا تكون المناسبة جامعة بين السورتين ، ختاما ، وبدءا.

 

/ المناسبة بين سورتي القدر والعلق :
ختمت سورة « العلق » بقوله تعالى : (كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ) وجاءت بعد ذلك سورة القدر ، وفيها تنويه بشأن هذا القرآن الذي أنزل على النبي - صلى الله عليه وسلم -  والذي هداه ربه ، وملأ قلبه إيمانا ويقينا بعظمته وجلاله .. وبهذا الإيمان الوثيق يتجه النبي إلى ربه لا يخشى وعيدا ، ولا يرهب تهديدا .

 
/ المناسبة بين سورتي الزلزلة و البينة :
لما ذكر اللَّه تعالى في آخر سورة البيّنة وعيد الكافر ووعد المؤمن وأن جزاء الكافرين نار جهنم ، وجزاء المؤمنين جنات ، بيّن هنا وقت ذلك الجزاء وبعض أماراته وهو الزلزلة وإخراج الأرض أثقالها ، فكأنه قيل : متى يكون ذلك؟
فقال : (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا) أي يكون يوم زلزلة الأرض . ثم إنه تعالى أراد أن يزيد في وعيد الكافر ، فقال : أجازيه حينما تزلزل الأرض ، مثل قوله تعالى : (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) [آل عمران 3/ 106] .
 ثم ذكر ما للطائفتين ، فقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ) ..[106] ، (وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ) [107] . ثم جمع بينهما هنا في آخر السورة بذكر الذرّة من الخير والشر.

 

/ المناسبة بين سورتي العاديات والزلزلة :
تظهر المناسبة بين السورتين من وجهين :
1 - هناك تناسب وعلاقة واضحة بين قوله تعالى في الزلزلة : (وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا) [2] وقوله في هذه السورة : (إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ) .
2 - لما ختمت السورة السابقة ببيان الجزاء على الخير والشر ، وبّخ اللَّه تعالى الإنسان على جحوده نعم ربه ، وإيثاره الحياة الدنيا على الآخرة ، وترك استعداده للحساب في الآخرة بفعل الخير والعمل الصالح ، وترك الشر والعصيان.



/ المناسبة بين سورتي القارعة والعاديات :
ختمت السورة السابقة بوصف يوم القيامة :(أَفَلا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ * إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ) وأعقبتها هذه السورة برمّتها بالحديث عن القيامة ووصفها الرهيب وأهوالها المخيفة.

/ المناسبة بين سورتي التكاثر والقارعة :
أخبرت سورة القارعة عن بعض أهوال القيامة ، وجزاء السعداء والأشقياء ، ثم ذكر في هذه السورة علة استحقاق النار وهو الانشغال بالدنيا عن الدين ، واقتراف الآثام ، وهددت بالمسؤولية في الآخرة عن أعمال الدنيا.

 

/ المناسبة بين سورتي العصر والتكاثر :
لما بيّن في السورة المتقدمة أن الاشتغال بأمور الدنيا والتهالك عليها مذموم ، أراد أن يبين في هذه السورة ما يجب الاشتغال به من الإيمان والأعمال الصالحات ، وهو ما يعود إلى النفس ، ومن التواصي بالخيرات وكفّ النفس عن المناهي أو المعاصي ، وهو ما يعود إلى المجتمع. والخلاصة : بعد أن قال : (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ) وهدد بتكرار : (كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ) بيّن حال المؤمن والكافر.



/ المناسبة بين سورتي الهمزة والعصر :
بعد أن ذكر اللَّه تعالى في السورة المتقدمة أن جنس الإنسان في خسران ونقص وهلكة ، أبان في هذه السورة حال الخاسر وأراد به تبيان الخسران بمثال واحد.




/ المناسبة بين سورتي الفيل والهمزة :
فى سورة « الهمزة » عرض لمن جمع المال ، واتخذ منه سلاحا يغمز به الناس ، ويهمزهم ، ويمزق أديمهم ، ويزبل وجودهم الإنسانى بين الناس ..وسورة « الفيل » تعرض لجماعة من تلك الجماعات ، التي اجتمع ليدها قوة من تلك القوى المخيفة ، هى الفيل ، الذي يشبه قوة المال فى طغيانه ، حين يجتمع ليد إنسان جهول غشوم ، طاغية ، فيتسلط على الناس ، كما يتسلط صاحب الفيل على صاحب الحمار ، أو الحصان ، مثلا .. فكان عاقبة صاحب هذا الفيل الهلاك والدمار ، كما كان عاقبة صاحب هذا المال ، الذلّ والخزي ، والخسران .



/ المناسبة بين سورتي قريش والفيل :
ترتبط السورة بما قبلها من وجهين :
1 - كلتا السورتين تذكير بنعم اللَّه على أهل مكة ، فسورة الفيل تشتمل على إهلاك عدوهم الذي جاء لهدم البيت الحرام أساس مجدهم وعزهم ، وهذه السورة تذكر نعمة أخرى اجتماعية واقتصادية ، حيث حقق اللَّه بينهم الألفة واجتماع الكلمة ، وأكرمهم بنعمة الأمن والاستقرار ، ونعمة الغنى واليسار والإمساك بزمام الاقتصاد التجاري في الحجاز ، بالقيام برحلتين صيفا إلى الشام وشتاء إلى اليمن.
2 - هذه السورة شديدة الاتصال بما قبلها ، لتعلق الجار والمجرور في أولها بآخر السورة المتقدمة : (لِإِيلافِ قُرَيْشٍ) .. أي لإلف قريش أي أهلك اللَّه أصحاب الفيل لتبقى قريش ، ولذا كانتا في مصحف أبيّ سورة واحدة. ولكن في المصحف الإمام فصلت هذه السورة عن التي قبلها ، وكتب بينهما : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.


 

/ المناسبة بين سورتي الماعون وقريش :
ترتبط السورة بما قبلها من وجوه ثلاثة :
1 - ذم اللَّه في السورة السابقة سورة قريش الجاحدين لنعمة اللَّه الذين أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وذم في هذه السورة من لم يحضّ على طعام المسكين.
2 - أمر اللَّه في السورة المتقدمة بعبادته وحده وتوحيده : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ) وذم في هذه السورة الذين هم عن صلاتهم ساهون ، وينهون عن الصلاة.
3 - عدّد اللَّه تعالى في السورة الأولى نِعمه على قريش ، وهم مع ذلك ينكرون البعث ، ويجحدون الجزاء في الآخرة ، وأتبعه هنا بتهديدهم وتخويفهم من عذابه لإنكار الدّين ، أي الجزاء الأخروي.



/ المناسبة بين سورتي الكوثر والماعون :
فى سورة « الماعون » ، توعد اللّه الذين لا يقيمون الصلاة ، ولا يؤدّون الزكاة لأنهم مكذبون بالدين ، - غير مؤمنين بالبعث والحساب والجزاء ـ توعد اللّه سبحانه هؤلاء ، بالويل والهلاك ، والعذاب الشديد فى نار جهنم ..وفى مقابل هذا ، جاءت سورة الكوثر تزفّ إلى سيد المؤمنين باللّه واليوم الآخر ، هذا العطاء الجزيل ، وذلك الفضل الكبير من ربه .. ومن هذا العطاء ، وذلك الفضل ، ينال كلّ مؤمن ومؤمنة نصيبه من فضل اللّه ، وعطائه على قدر ما عمل ..


/ المناسبة بين سورتي الكافرون والكوثر :
أمر اللَّه نبيه في السورة السابقة بإخلاص العبادة للَّه وحده لا شريك له ، وفي هذه السورة سورة التوحيد والبراءة من الشرك تصريح باستقلال عبادته عن عبادة الكفار ، فهو لا يعبد إلا ربه ، ولا يعبد ما يعبدون من الأوثان والأصنام ، وبالغ في ذلك فكرّره وأكّده ، وانتهى إلى أن له دينه ، ولهم دينهم.


/ المناسبة بين سورتي النصر والكافرون :
آذن النبي ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ المشركين فى سورة « الكافرون » التي سبقت هذه السورة ـ آذانهم بكلمة الفصل بينه وبينهم (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) .. ووراء هذه الكلمة الحاسمة القاطعة ، التي أخذ بها النبي - صلى الله عليه وسلم - طريقه إلى ربه ومعبوده ، واتخذ بها المشركون طريقهم إلى آلهتهم ومعبوداتهم ـ وراء هذه الكلمة تشخص الأبصار إلى مسيرة كلّ من النبي - صلى الله عليه وسلم - والمشركين الذين أخذوا طريقا غير طريقه ، لترى ماذا ينتهى إليه الطريق بكل منهما ..وتختفى عن الأبصار طريق أهل الشرك ، وتبتلعهم رمال العواصف الهابّة عليهم من صحراء ضلالهم ..أما الطريق الذي أخذه النبي صلوات اللّه وسلامه عليه ، فها هو ذا النصر العظيم يلقاه عليه ، وها هو ذا الفتح المبين ترفرف أعلامه بين يديه ، وها هو ذا دين اللّه الذي يدعو إليه ، قد فتحت أبوابه ، ودخل الناس فيه أفواجا .


/ المناسبة بين سورتي المسد والنصر :
كانت سورة « النصر » ـ كما قلنا ـ مددا من أمداد السماء ، تحمل بين يديها هذه البشريات المسعدة للنبىّ - صلى الله عليه وسلم - وللمؤمنين ، وتريهم رأى العين عزّة الإسلام ، وغلبته ، وتخلع عليهم حلل النصر ، وتعقد على جبينهم إكليل الفوز والظفر. وتحت سنابك خيل الإسلام المعقود بنواصيها النصر ، والتي هى على وعد من اللّه به ـ حطام هذا الطاغية العنيد الذي يمثّل ضلال المشركين كلّهم ، ويجمع فى كيانه وحده ، سفههم ، وعنادهم ، وما كادوا به للنبىّ والمؤمنين ..إنه أبو لهب .. وامرأته حمالة الحطب .


/ المناسبة بين سورتي الإخلاص والمسد :
كانت عداوة أبى لهب وزوجه للنبىّ - صلى الله عليه وسلم -، ممثلة فى عداوتهما لدعوة التوحيد التي كانت عنوان رسالة النبىّ ، صلوات اللّه وسلامه عليه ، وكلمته الأولى إلى قومه ..وقد ساقت هذه الكلمة أبا لهب وزوجه ، ومن تبعهما فى جحود هذه الكلمة ، والتنكر لها ـ ساقتهم إلى هذا البلاء الذي لقياه فى الدنيا ، وإلى هذا العذاب الأليم فى جهنم المرصودة لهما فى الآخرة ..وسورة « الإخلاص » وما تحمل من إقرار بإخلاص وحدانية اللّه من كل شرك ـ هى مركب النجاة لمن أراد أن ينجو بنفسه من هذا البلاء ، وأن يخرج من تلك السفينة الغارقة التي ركبها أبو لهب وزوجه ، ومن اتخذ سبيله معهما من مشركى قريش ومشركاتها .. وها هوذ النبي الكريم ، يؤذّن فى القوم ، بسورة الإخلاص ، ومركب الخلاص.


/ المناسبة بين سورتي الفلق والإخلاص :
لما أبان اللَّه تعالى أمر الألوهية في سورة الإخلاص لتنزيه اللَّه عما لا يليق به في ذاته وصفاته ، أبان في هذه السورة وما بعدها وهما المعوذتان ما يستعاذ منه باللَّه من الشر الذي في العالم ، ومراتب مخلوقاته الذين يصدون عن توحيد اللَّه ، كالمشركين وسائر شياطين الإنس والجن ، وقد ابتدأ في هذه السورة بالاستعاذة من شر المخلوقات ، وظلمة الليل ، والسحرة ، والحسّاد ، ثم ذكر في سورة الناس الاستعاذة من شر شياطين الإنس والجن لذا سميت السور الثلاثة (الإخلاص وما بعدها) في الحديث بالمعوّذات. وقدمت الفلق على الناس لمناسبة الوزان في اللفظ لفواصل الإخلاص مع مقطع تَبَّتْ.


/ المناسبة بين سورتي الناس والفلق :
هى امتداد لسورة « الفلق » قبلها ، ومتممة لما يستعاذ باللّه منه ..و« المعوذتان » أشبه بسورة واحدة ، ولهذا فقد جمعهما اسم واحد : « المعوذتان ».
------------------------------------------------------
* تفسير سورة الضحى / د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
*المفصل في موضوعات سور القرآن / الباحث علي بن نايف الشحود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق