الثلاثاء، 4 مارس 2025

(لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (٣٨)) سورة آل عمران

 (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (٣٨))

سبب نزول الآية

عن عبدالله بن عمر أنه سمع رسول الله الي إذا رفع رأسه من الركوع من الركعة الآخرة من الفجر يقول:

(اللهم العن فلانا وفلانًا وفلانا بعد ما يقول سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد فأنزل الله: ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) ١، وهناك سبب آخر وهو ان النبي ويلِفِي لما شجوا وجهه في أُحد جعل يمسح الدم عن وجهه ويقول: (كيف يفلح قوم شجوا نبيهم وهو يدعوهم إلى الله) فأنزل الله: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ) ٢


تفسير الآية

أنزل الله تعالى على رسوله نهيا له عن الدعاء عليهم باللعنة والطرد عن رحمة الله فقال تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) إنما عليك البلاغ وإرشاد الخلق والحرص على مصالحهم، والأمر لله تعالى هو الذي يدبر الأمور، ويهدي من يشاء ويضل من يشاء، فلا تدع عليهم بل أمرهم راجع إلى ربهم، إن اقتضت حكمته ورحمته أن يتوب عليهم ويمن عليهم بالإسلام فعل، وإن اقتضت حكمته إبقاءهم على كفرهم وعدم هدايتهم، فإنهم هم الذين ظلموا أنفسهم وضروها وتسببوا بذلك الفعل، وقد تاب اللّه على هؤلاء المعينين وغيرهم، فهداهم للإسلام رضي الله عنهم، وهم أبو سفيان وسهيل بن عمرو وصفوان بن أمية والحارث بن هشام ٣.

 

لمسات بيانية

س) ما الحكمة الظاهرة من ذكر توبته تعالى عليهم بلا سبب، وحينما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم؟

ج) لما ذكر تعالى توبته عليهم أسند الفعل إليه، ولم يذكر منهم سببًا موجبًا لذلك، ليدل ذلك على أن النعمة محض فضله على عبده، من غير سبق سبب من العبد ولا وسيلة، ولما ذكر العذاب ذكر معه ظلمهم، ورتبه على العذاب بالفاء المفيدة للسببية، فقال: {أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ) ليدل ذلك على كمال عدل الله وحكمته، حيث وضع العقوبة موضعها، ولم يظلم عبده، بل العبد هو الذي ظلم نفسه ٤

 

هدايات الآية

في هذه الآية ما يدل على أن اختيار الله غالب على اختيار العباد، وأن العبد وإن ارتفعت درجته وعلا قدره قد يختار شيئا وتكون الخيرة والمصلحة في غيره، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام ليس له من الأمر شيء فغيره من باب أولى، ففيها أعظم رد على من تعلق بالأنبياء أو غيرهم من الصالحين وغيرهم، وأن هذا شرك في العبادة، نقص في العقل، يتركون مَنْ الأمرُ كلُه له ويدعون من لا يملك من الأمر مثقال ذرة إن هذا لهو الضلال البعيد.٥


*أن الله - سبحانه وتعالى - لا يعذب إلا بذنب لقوله: (فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ)؛ والظالم مستحق لأن ينكل الله به؛ لأن الله -سبحانه وتعالى - لا يحب الظلم. ٦


 هدايات القصص / نبذة يسيرة عن غزوتي بدر وأحد

حدثت معركة بدر في السابع عشر من رمضان في السنة الثانية من الهجرة، بعد أن تعرض المسلمون لقافلة أبي سفيان القادمة من الشام، التي تحمل الأموال والتجارة، بقصد الحصار الاقتصادي، وتعويض المسلمين ما صادره منهم القرشيون في مكة من أموال وعقارات وممتلكات، وقد عز على المكيين هذا الحادث، وأحسوا بالخطر على وجودهم، وشعروا بقوة المؤمنين في المدينة، وملا الحقد والعزة بالإثم صدورهم، فحشدوا قواهم من قبائل العرب، ولم يتخلف من قريش إلا القليل النادر، وكان عددهم ألفا وزيادة، فيهم الفرسان والأبطال وصناديد قريش، فلما سمع بهم رسول الله لِية استشار أصحابه، ثم خرج إليهم مسرعا في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، لم يكن معهم إلا فرسان وسبعون بعيرا، والباقون مشاة ليس معهم من العدد ما يحتاجون إليه، وتقابل الجيشان في بدر: وهي ما كان في ذلك الموضع وبه سمي، وانجلت المعركة عن نصر مؤزر للمسلمين، وكارثة كبرى على المشركين، وكانت معركة حاسمة قررت مصير الفريقين، وأحدثت دويا هائلا بين العرب، فسماها الله تعالى يوم الفرقان فقال: (إِن كَنتُمْ آمَنتُم بِاللهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الأنفال: 41)، فيها انتصرت الفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكثيرة: (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةً) وأمدَّ الله تعالى فيها المؤمنين بالملائكة يقاتلون مع المسلمين، وظهر فيها مدى ثبات المسلمين وجرأتهم النادرة، واشترك فيها النبي عليه الصلاة والسلام وقاتل- وكان اشتراكه في تسع غزوات- وبرز فيها عنصر الإيمان والعقيدة والتوكل على الله في قلب المعركة وأثناء المشاركة بالسلاح ٧.

 

أما حاصل قضية "أحد" وإجمالها فهي أن المشركين لما رجعوا من "بدر" إلى مكة، وذلك في سنة اثنتين من الهجرة، استعدوا بكل ما يقدرون عليه من العدد بالأموال والرجال والعدد، حتى اجتمع عندهم من ذلك ما جزموا بحصول غرضهم وشفاء غيظهم، ثم توجهوا من مكة للمدينة في ثلاثة آلاف مقاتل، حتى نزلوا قرب المدينة، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم- إليهم هو وأصحابه بعد المراجعة والمشاورة حتى استقر رأيهم على الخروج، وخرج في ألف، فلما ساروا قليلاً رجع عبد الله بن أبي المنافق بثلث الجيش ممن هو على مثل طريقته، وهمت طائفتان من المؤمنين أن يرجعوا وهم بنو سلمة وبنو حارثة فثبتهم الله، فلما وصلوا إلى أحد رتبهم النبي - صلى الله عليه وسلم- في مواضعهم وأسندوا ظهورهم إلى أحد، ورتب النبي - صلى الله عليه وسلم- خمسين رجلاً من أصحابه في جبل "الرماة" وأمرهم أن يلزموا مكانهم ولا يبرحوا منه ليأمنوا أن يأتيهم أحد من ظهورهم، فلما التقى المسلمون والمشركون انهزم المشركون هزيمة قبيحة وخلفوا معسكرهم خلف ظهورهم، واتبعهم المسلمون يقتلون ويأسرون، فلما رآهم الرماة الذين جعلهم النبي - صلى الله عليه وسلم- في الجبل، قال بعضهم بعض: الغنيمة الغنيمة، ما يقعدنا هاهنا والمشركون قد انهزموا، ووعظهم أميرهم عبدالله بن جبير عن المعصية فلم يلتفتوا إليه، فلما أخلوا موضعهم فلم يبق فيه إلا نفر يسير، منهم أميرهم عبد الله بن جبير، جاءت خيل المشركين من ذلك الموضع واستدبرت المسلمين وقاتلت ساقتهم، فجال المسلمون جولة ابتلاهم الله بها وكَفَّر بها عنهم، وأذاقهم فيها عقوبة المخالفة، فحصل ما حصل من قتل من قتل منهم، ثم إنهم انحازوا إلى رأس جبل "أحد" وكف الله عنهم أيدي المشركين وانكفأوا إلى بلادهم ٨


الفوائد والآثار الإيمانية

/ لا بد للبشر في كل أمورهم من اتخاذ الأسباب والقيام بواجباتهم المعتادة، سواء في حال السلم أو في حال الحرب والقتال، ومنها إعداد القوة وتعبئة الجيش وتنظيم المقاتلين ٩.


/ من اتخاذ الأسباب المطلوبة في الظاهر: إطاعة أوامر الله والقائد، فقد انتصر المسلمون في بدر، وأمدهم الله تعالى بالملائكة فعلاً، وشاركوهم في القتال، لما صبروا وثبتوا واتقوا وأطاعوا الله سبحانه، وهزموا في أحد لما خالفوا أوامر النبي ولي وتركوا مواقعهم في جبل الرماة، وهذا دليل واضح على أثر التقوى والصبر في غزوتي بدر وأحد، كما أن لهما أثراً في التعامل مع الأعداء، فإن يصبروا ويتقوا لا بضرهم كيدهم شيئًا ١٠


/ للنصر أسباب خمسة:

 أولاً: الإخلاص لله؛ لقوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِى ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيْبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ..) (النور: 55)

 ثانياً: إقامة الصلاة، 

والثالث: إيتاء الزكاة،

 والرابع: الأمر بالمعروف،

 والخامس: النهي عن المنكر؛ لقوله تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ. الَّذِينَ إِن مَكَنَّاهُمْ فِى الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج: 0 (41 ، 40) ١١

- النصر وإن كانت له عوامله من كثرة العدد وقوة العدة فإنه بيد الله تعالى، فقد ينصر الضعيف ويخذل القوى، لذا وجب تحقيق ولاية الله تعالى أولاً قبل إعداد العدد، وتحقيق الولاية يكون بالإيمان والصبر والطاعة التامة لله ولرسوله ثم التوكل على الله عز وجل ١٢


/ أن الإنسان بغير نصر الله لا يستطيع أن ينتصر؛ لأنه إذا كان جند الله الذين هم أعظم جند كان على وجه الأرض وهم رسول الله وَلِية و من معه لم ينتصروا بأنفسهم وإنما انتصروا بنصر الله؛ فمن سواهم من باب أولى، ويتفرع على هذه الفائدة: أننا لا نعلق النصر إلا بالله سبحانه وتعالى، لا نعلق النصر بقوتنا ولا بقوة مساندة لنا، وإنما نعلق النصر بالله وحده، ونجعل هذه الأشياء المادية التي يكون بها النصر أسبابا قد تتخلف عنها مسبباتها، لأن النصر يكون من عند اللّه وحده ١٣


إنجاز النصر مرهون بنصر الله تعالى ودينه، وتحقيق النتائج إنما هو بيد الله تعالى وحده، ولله الأمر كله، وله ملك السموات والأرض وما فيهن ١٤

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

١- التفسير المنير للزحيلي (رواه البخاري عن عبدالله بن عمر رضي اللّٰه عنه، حديث رقم: 4069)


٢- التفسير المنير للزحيلي (رواه البخاري عن أنس بن مالك رضي اللّٰه عنه، حديث رقم: 1791)


٣-٤- ٥-التفسير المنير للزحيلي (تيسير الكريم الرحمن للسعدي، ج1، ص146)


٦- التفسير المنير للزحيلي (تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين, ج2، ص148)


٧- التفسير المنير للزحيلي (ج4، ص66)


٨- التفسير المنير للزحيلي (تيسير الكريم الرحمن للسعدي, ج 1، ص145) 
٩-١٠- (التفسير المنير للزحيلي, ج4, ص76) 
١١- التفسير المنير للزحيلي (تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين, ج2، ص5 
١٢- التفسير المنير للزحيلي (أيسر التفاسير للجزائري, ج1، ص373)
 ١٣- التفسير المنير للزحيلي (تفسير القرآن الكريم لابن عثيمين, ج2، ص128)
  ١٤- التفسير المنير للزحيلي (التفسير المنير للزحيلي، ج4، ص76)
المرجع: كتاب هدايات قرآنية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق