033 تفسير سورة البقرة: من الآية (١٣) وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس...
الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين اللهم أغفر لنا و لشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "قوله (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) أي إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي كإيمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الإيمان بالقلب واللسان قالوا بزعمهم الباطل أنؤمن كما آمن السفهاء يعنون -قبحهم الله- الصحابة رضي الله عنهم لزعمهم أن سفههم أوجب لهم الإيمان وترك الأوطان ومعاداة الكفار والعقل عندهم يقتضي ضد ذلك فنسبوهم إلى السفه وفي ضمن ذلك أنهم هم العقلاء أرباب الحِجى والنهى، فرد الله تعالى ذلك عليهم وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة، لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها وهذه الصفة منطبقة عليهم، وصادقة عليهم كما أن العقل والحِجى معرفة الإنسان بمصالح نفسه والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره وهذه الصفة منطبقة على الصحابة رضي الله عنهم والمؤمنين فالعبرة بالأوصاف والبرهان لا بالدعاوى المجردة والأقوال الفارغة"
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آل هو صحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: قال الله سبحانه وتعالى (وإذا قيل لهم آمنوا) أي قيل لهؤلاء الذين يذكر الله سبحانه وتعالى في هذا السياق صفاتهم وهم أهل النفاق (إذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) أي إذا وُجهت لهم هذه الدعوة إلى الإيمان، وهذه الدعوة قطعا هي موجهة لهم من النبي عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام، إذا دعوهم إلى الإيمان وحثوهم عليه ورغبوهم فيه (إذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس) (الناس) هذه الكلمة بهذا الإطلاق تشمل كل الناس، والذي آمن إنما هو بعض الناس ولهذا (أل) هنا للعهد في قوله (الناس) والمراد بالعهد أيضا العهد الذهني لأن (أل) العهدية على ثلاثة أنواع: العهد الحضوري: مثل قوله (اليوم أكملت لكم دينكم) والعهد الذِكري، يعني الذي ذُكر في السياق (إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا* فعصى فرعون الرسول) (الرسول) هنا العهد الذِكري لأنه ذُكر في السياق، وهنا (الناس) العهد الذهني أي الذي عُهِد في الأذهان أنهم آمنوا واتبعوا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء) قال ابن عباس وغيره يعنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن هذه الصفة السفاهة وهي خفة العقل، المراد بالسفه خفة العقل، الرجل خفيف العقل الذي لا يُحسن الفهم ولا يُحسن التصرف يقال عنه السفيه لأنه خفيف العقل ما يحسن أن يتصرف، (قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء يعنون بذلك أصحاب النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، قال (ألا انهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) هذا شبيه بختم الآية التي قبلها، الآية التي قبلها كانت في موضوع ماذا؟ نعم (لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) أي ليس لسنا من أهل الفساد في شيء وإنما نحن أهل صلاح وإصلاح، فقال الله عز وجل ماذا؟ (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) هذه الكلمة (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) سجل عليهم فيها ربنا سبحانه وتعالى أمورا أربعة:
الأول: تكذيبهم (قالوا إنما نحن مصلحون) كذبهم الله
والثاني: الإخبار بأنهم هم المفسدون
والثالث: حصر الفساد فيهم وهذا مستفاد من قوله (ألا إنهم هم المفسدون) حصر الفساد فيهم
والرابع: وصفهم بغاية الجهل وهو أنه لا شعور لهم البتة بكونهم مفسدين، (ولكن لا يشعرون) يعني هم في غاية الفساد لكن ليس عندهم أي شعور بالفساد العظيم الكبير الذي هم عليه، سجل عليهم أمورا أربعة. أيضا الآية هل التي نحن بصدد الكلام عنها ختمها الله جل وعلا بقوله (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) أيضا هذه الآية سجل الله على المنافقين فيها أربعة أمور مثل الآية التي قبلها:
الأولى: تسفيههم ختمها بقوله (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) الأولى تسفيهم.
الثانية: حصر السفه فيهم (ألا إنهم هم السفهاء) حصر السفه فيهم
والثالثة: نفي العلم عنهم (ولكن لا يعلمون) نفي العلم عنهم.
الرابع: تكذيبهم فيما تضمنه جوابهم من دعواهم التنزيه من السفه، دعواهم لأنفسهم النزاهة والسلامة من السفه.
الآية الأولى ختمت بماذا؟ (لا يشعرون) والسياق يتعلق بفسادهم فختمها بقوله (لا يشعرون)
والآية الثانية تتعلق بالسفه فختمها بقوله (لا يعلمون) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "تأمل كيف نفى الشعور عنهم في هذا الموضع ثم نفى العلم في قوله (أنؤمن كما آمن السفهاء) فقال (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) فنفى علمهم بسفههم، وشعورهم بفسادهم، نفى علمهم بسفههم (ألا إنهم هم السفاء ولكن لا يعلمون) وشعورهم بفسادهم في الآية الأولى (ألا إنهم المفسدون ولكن لا يشعرون) فنفى علمهم بسفههم وشعورهم بفسادهم" يعني لماذا ذُكر الشعور عند الفساد والعلم عند السفه؟ يقول رحمه الله: "وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل أن يكون الرجل مفسدا ولا شعور له بفساده البتة مع أن أثر فساده مشهور في الخارج، مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه، وكذلك كونه سفيها والسفه غاية الجهل وهو مركب من عدم العلم بما يُصلح معاشه ومعاده وإرادته فإذا كان بهذه المنزلة وهو لا يعلم بحاله (وهم لا يعلمون) كان من أشقى النوع الإنساني، فنفي العلم عنه بالسفه الذي هو فيه متضمن لإثبات جهله، ونفي الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه فتضمنت الآيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك" بالجهل (لا يعلمون)، فساد آلات الإدراك (لا يشعرون) فتضمنت الآيتان الإيجاب عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك بحيث يعتقدون الفساد صلاحا والشر خيرا.
قال الشيخ رحمه الله في كلامه على هذه الآية قال: "إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي كما آمن الصحابة رضي الله عنهم، تقدم قول ابن عباس رضي الله عنه وغيره في معنى الآية !"يعنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال كإيمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الإيمان بالقلب واللسان أما هؤلاء فعندهم إيمان باللسان مجرد دعوى والقلب خراب تباب ليس فيه إيمان، قال: "وهو الإيمان بالقلب واللسان قالوا بزعمهم الباطل – أي المنافقون- (أنؤمن كما آمن السفهاء) يعنون -قبحهم الله- الصحابة رضي الله عنهم." وإن شئت أن فصّل -حتى تدرك يعني شناعة القول وقبحه- يعنون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود وأئمة الهدى خير هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، خير الناس بعد الأنبياء، يقولون هم السفهاء (أنؤمن كما آمن السفهاء) "لزعمهم أن سفههم" يعني بزعم هؤلاء "أن سفههم" أن سفه الصحابة "أوجب لهم الايمان" وهذا يعدونه شيء من السفه، "وترك الأوطان" مثل ما فعل المهاجرون هاجروا لله، تركوا أموالهم يقولون هذا سفه، "ومعادات الكفار" أيضا يقولون هذا من السفه، "والعقل عندهم" عن هؤلاء المنافقين "يقتضي ضد ذلك فنسبوهم إلى السفه، نسبوا الصحابة إلى السفه "وفي ضمن ذلك أنهم هم العقلاء أرباب الحِجى" يعني العقول "والنهى فرد الله ذلك عليهم وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها وهذه الصفة منطبقة عليهم" على المنافقين "وصادقة عليهم كما أن العقل والحِجى معرفة الإنسان بمصالح نفسه والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره وهذه الصيغة منطبقة على الصحابة رضي الله عنهم وعلى المؤمنين" قال الشيخ رحمه الله: "فالعبرة بالأوصاف والبرهان لا بالدعاوى المجردة والأقوال الفارغة" الدعاوى المجردة كثيرة جدا، الدعاوى الفارغة والمجردة كثيرة جدا، يعني انظر في دعاوى اليهود الذين هم أقبح خلق الله وأشنعهم كفرا، أو من أقبح خلق الله وأشنعهم كفرا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، ويقولون لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، الدعاوى الفارغة كثيرة (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم) العبرة بالبراهين التي تدل على صدق الدعوى (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ما هو البرهان؟ (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه) هذا هو البرهان إيمان وإحسان وصدق مع الله، أما دعوى، الدعوى سهلة على كل لسان يستطيع أن يدعي ما شاء أن يدعي من أقوال ودعاوى زائفة، فالعبرة ليست بالدعوى، والدعاوى إذا لم يُقم عليها بيّنات فأهلها أدعياء، وإنما العبرة بالحقائق والأوصاف، فأوصاف الحِجى والعقل والنُّهى منطبقة على الصحابة، وهؤلاء ينطبق عليهم وصف السفه، وقولهم عن الصحابة (أنؤمن كما آمن السفهاء) هو من باب ما قيل: "رمتني بدائها وانسلت" هذا هو وصفهم وهذه حقيقتهم. نعم
📖 قال رحمه الله: "(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وذلك أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم، (فإذا خلوا إلى شياطينهم) أي كبرائهم ورؤسائهم بالشر قالوا إنا معكم في الحقيقة وإنما نحن مستهزئون بالمؤمنين بإظهارنا لهم أننا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، قال تعالى (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زيّن لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين لما لم يصلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع، (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم) قوله (ويمدهم يزيدهم في طغيانهم) أي فجورهم وكفرهم، (يعمهون) أي حائرون مترددون وهذا من استهزائه تعالى بهم"
🎤 ثم أورد رحمه الله قول الله جل وعلا (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) يقول الشيخ هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهذا -كما تقدم- جاء في صدر صفات هؤلاء وأولها، أول ما بُدأت به صفات هؤلاء المنافقين قال الله عز وجل (ومن الناس) أي المنافقين من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، وعرفنا معنى من يقول آمنا بالله أي بألسنتهم وقوله (ما هم بمؤمنين) أي بقلوبهم، بمعنى أنهم يظهرون من الإيمان والصدق والاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان برسالته ما لا يُبطنون فقوله (إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) أي على الكفر، إنا معكم على الكفر بالله وعدم الإيمان، (قالوا آمنا) قولنا لأولئك آمنا هذا من باب الاستهزاء فقط نستهزئ بهم لا على حقيقة الإيمان فهذه مثل التفسير للآية الأولى (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) أن يقولون ذلك بألسنتهم فقط قولا مجردا، أما القلوب ليس فيها إيمان بالله سبحانه وتعالى.
(وإذا خلوا إلى شياطينهم) هذا الوصف الشياطين والشيطان يطلق على الإنس كما يطلق على الجن من كان كذلك، من كان شيطانا ولهذا قال الله عز وجل (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) شياطين الإنس والجن، في كل القرآن قدم الجن على الإنس إلا في ثلاث مواطن هذا أولها شياطين الإنس والجن، قال (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) معكم عرفنا أن المراد بها أي على الكفر وعدم الإيمان، (إنما نحن مستهزئون) أي بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالمؤمنين بأن إذا كنا عندهم وبحضرتهم قلنا لهم إنا مثلكم على الإيمان ونحن مؤمنون مثلكم، هذا يقولونه عند النبي عليه الصلاة والسلام وعند الصحابة، وإذا حضر وقت الصلاة وأُقيمت دخلوا وصلوا نفاقا لا إيمانا، يُظهرون الإيمان لكن قلوبهم تُبطن الكفر بالله سبحانه وتعالى، هذه مثل قوله في أول سورة المنافقون (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) قال جل وعلا (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) يستهزيء بهم جزاء ماذا؟ وفاقا، جزاء وفاقا، وقاعدة الشريعة في العقوبات أن الجزاء من جنس العمل (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى)، (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)، فالجزاء من جنس العمل، فهنا ذكر عملهم الشنيع وهو الاستهزاء، يقولون أمنا استهزاء بالمؤمنين على وجه السخرية لا على وجه الحقيقة والإيمان كما قالوا ذلك عن أنفسهم، (قالوا إنا معكم) يقولون لرفقتهم المنافقين ورؤساءهم وكبرائهم من شياطين الإنس يقول إنا معكم إنما نحن مستهزئون، قال الله جل وعلا (الله يستهزئ بهم) القاعدة عند أهل السنة فيما يُضاف إلى الله سبحانه وتعالى يُمَر كما جاء ويؤمن به كما ورد، يمر كما جاء، هذه قاعدة مهمة لا يزاد فيه عن القدر الذي جاء وإنما يُمر كما جاء ويؤمن به كما ورد، فالآن الاستهزاء جاء في هذا السياق وصفا ماذا؟ مُقيدا على وجه المقابلة لهؤلاء عقوبة لهم مثل المكر، مثل (سخر الله منهم) فالله عز وجل لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا، نعم، الله جل وعلا لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا، وأيضا هذه الألفاظ ليست داخلة في أسماء الله الحسنى وقد غلط من أدخلها غلطا شنيعا، ليست داخلة في أسماء الله سبحانه وتعالى، فمن الغلط الشنيع أن يقال في أسمائه الماكر، المستهزئ، والمخادع، هذا غلط شنيع جدا ومن أدخلها في في الأسماء فقد غلط غلطا شنيعا، غره أن الله عز وجل أطلق على نفسه هذه الأفعال فاشتق له منها أسماء، وأسماء الله تبارك وتعالى -كما هو معلوم- كلها ماذا؟ حسنى، أسماؤه كلها حسنا فهذا غلط شنيع عندما يدخل هذه أخذ من هذه الألفاظ المستهزئ، الماكر الساخر، مع الرحيم، الغفور، الودود، الشكور هذا غلط شنيع جدا وجهل العظيم بالله عز وجل، ولو تأملت هذه الأفعال الاستهزاء، المكر، والخديعة إلى آخره هذه ليست ممدوحة مطلقا، متى تكون مدح؟ إذا كانت على وجه المقابلة والجزاء بالمثل، ليست ممدوحة مطلقا بل تُمدح في موضع وتُذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقا، أفعالها لا يجوز أن تطلق على الله على وجه الإطلاق فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد، ولا أيضا -كما تقدم- تُدخل في الأسماء المستهزئ، الساخر، إلى آخره، الحاصل: أن الله عز وجل لم يصف نفسه بالكيد والمكر والاستهزاء إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق وقد عُلم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق فكيف من الخالق سبحانه وتعالى. نعم
قال رحمه الله: "هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وذلك أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم فإذا خلوا إلى شياطينهم أي كبرائهم ورؤسائهم بالشر قالوا إنا معكم في الحقيقة أي على الكفر، وإنما نحن مستهزئون أي بالمؤمنين بإظهارنا لهم أننا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله قال الله عز وجل (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده، صفة استهزائهم بعباده ما هي؟ ما صفة هذا الاستهزاء؟ إذا كانوا بحضرة المؤمنين قالوا نحن معكم على الإيمان ونحن من أهل الإيمان مثلكم، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ونفعل ذلك يقولون استهزاء، لما نقول للمؤمنين نحن معكم لا نقوله حقيقة أننا قد آمنا مثلهم وإنما نقوله استهزاء، فقوله (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون)" هذا جزاء لهم على استهزائهم بعباد الله وعرفنا صفة الاستهزاء الذي حصل منهم، والجزاء من جنس العمل، وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباد الله فمن استهزائه جل وعلا بهم أن زيّن لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين، يعني أنهم مع المؤمنين بمجرد ماذا؟ الدعوى التي ادعوها، ولهذا يوم القيامة ماذا يقول هؤلاء المنافقون؟ (ألم نكن معكم) معكم بماذا؟ بالدعوى فقط وهذا الله عز وجل زيّن لهم فصاروا في توهم أن هذا ينجيهم يوم لقاء الله عز وجل حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين متى؟ لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، هذا في الدنيا، ومن استهزائه بهم يوم القيامة أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهر فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين وعندها ينادون (ألم نكن معكم) يعني في الدنيا كنا نأتيكم ونجلس معكم ونقول لكم نحن مثلكم ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وندخل معكم المسجد ونصلي معكم، ألم نكن معكم؟ (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) وقيل أيضا في المعنى -معنى (الله يستهزئ بهم)- إضافة إلى ما ذكر الشيخ أي إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم، وقيل: أن يُظهر لهم في الدنيا خلاف ما أعد لهم في الآخرة، هذه المعاني منقولة عن أئمة أهل العلم في التفسير وذكر جملة منها ابن تيمية -رحمه الله- وقال: كلها حق لأن الاستهزاء هو في الجملة مجازاة بجزاء من جنس العمل، ولهذا تجد تفاصيل لمثل هذه المجازات التي من جنس العمل لهؤلاء في الدنيا وكذلك في الآخرة.
قال (ويمدهم) أي الله سبحانه وتعالى، (يمُدهم) قال الشيخ ماذا؟ "يزيدهم" هذا قول مجاهد بن جبر رحمه الله، قال: يمدهم: يزيدهم، قال غيره من السلف: (يمدُهم) أي يملي لهم (وأملي لهم إن كيدي متين) يمدهم: أي يملي لهم، ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله قول مجاهد يمدهم أي يزيدهم، وذكر أيضا أن الصواب الأولى أن يُقيد هذا، يزيدهم يُقيد بأن يقال: يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم مثل قوله (وأملي لهم إن كيدي متين)، ويمدهم: أي يزيدهم على وجه الإملاء لهم في طغيانهم، الطغيان هنا الكفر الذي هم عليه، قال الشيخ: "أي فجورهم وكفرهم" (ونمدهم في طغيانهم يعمهون) يترددون حائرون مترددون، والعمه: الظلال، فيمدهم في طغيانهم يعمهون أي حائرون مترددون، قال الشيخ: "وهذا من استهزاء الله تعالى بهم" وهذا نستفيد منه أن هذه العقوبة من الله (الله يستهزئ بهم) يدخل تحتها معاني وأشار -كما تقدم- شيخ الإسلام إلى جملة من المعاني وقال كلها حق.
الثانية: حصر السفه فيهم (ألا إنهم هم السفهاء) حصر السفه فيهم
والثالثة: نفي العلم عنهم (ولكن لا يعلمون) نفي العلم عنهم.
الرابع: تكذيبهم فيما تضمنه جوابهم من دعواهم التنزيه من السفه، دعواهم لأنفسهم النزاهة والسلامة من السفه.
الآية الأولى ختمت بماذا؟ (لا يشعرون) والسياق يتعلق بفسادهم فختمها بقوله (لا يشعرون)
والآية الثانية تتعلق بالسفه فختمها بقوله (لا يعلمون) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: "تأمل كيف نفى الشعور عنهم في هذا الموضع ثم نفى العلم في قوله (أنؤمن كما آمن السفهاء) فقال (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون) فنفى علمهم بسفههم، وشعورهم بفسادهم، نفى علمهم بسفههم (ألا إنهم هم السفاء ولكن لا يعلمون) وشعورهم بفسادهم في الآية الأولى (ألا إنهم المفسدون ولكن لا يشعرون) فنفى علمهم بسفههم وشعورهم بفسادهم" يعني لماذا ذُكر الشعور عند الفساد والعلم عند السفه؟ يقول رحمه الله: "وهذا أبلغ ما يكون من الذم والتجهيل أن يكون الرجل مفسدا ولا شعور له بفساده البتة مع أن أثر فساده مشهور في الخارج، مرئي لعباد الله وهو لا يشعر به وهذا يدل على استحكام الفساد في مداركه وطرق علمه، وكذلك كونه سفيها والسفه غاية الجهل وهو مركب من عدم العلم بما يُصلح معاشه ومعاده وإرادته فإذا كان بهذه المنزلة وهو لا يعلم بحاله (وهم لا يعلمون) كان من أشقى النوع الإنساني، فنفي العلم عنه بالسفه الذي هو فيه متضمن لإثبات جهله، ونفي الشعور عنه بالفساد الواقع منه متضمن لفساد آلات إدراكه فتضمنت الآيتان الإسجال عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك" بالجهل (لا يعلمون)، فساد آلات الإدراك (لا يشعرون) فتضمنت الآيتان الإيجاب عليهم بالجهل وفساد آلات الإدراك بحيث يعتقدون الفساد صلاحا والشر خيرا.
قال الشيخ رحمه الله في كلامه على هذه الآية قال: "إذا قيل للمنافقين آمنوا كما آمن الناس أي كما آمن الصحابة رضي الله عنهم، تقدم قول ابن عباس رضي الله عنه وغيره في معنى الآية !"يعنون أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم"، قال كإيمان الصحابة رضي الله عنهم وهو الإيمان بالقلب واللسان أما هؤلاء فعندهم إيمان باللسان مجرد دعوى والقلب خراب تباب ليس فيه إيمان، قال: "وهو الإيمان بالقلب واللسان قالوا بزعمهم الباطل – أي المنافقون- (أنؤمن كما آمن السفهاء) يعنون -قبحهم الله- الصحابة رضي الله عنهم." وإن شئت أن فصّل -حتى تدرك يعني شناعة القول وقبحه- يعنون أبا بكر وعمر وعثمان وعلي وابن عباس وابن مسعود وأئمة الهدى خير هذه الأمة رضي الله عنهم وأرضاهم، خير الناس بعد الأنبياء، يقولون هم السفهاء (أنؤمن كما آمن السفهاء) "لزعمهم أن سفههم" يعني بزعم هؤلاء "أن سفههم" أن سفه الصحابة "أوجب لهم الايمان" وهذا يعدونه شيء من السفه، "وترك الأوطان" مثل ما فعل المهاجرون هاجروا لله، تركوا أموالهم يقولون هذا سفه، "ومعادات الكفار" أيضا يقولون هذا من السفه، "والعقل عندهم" عن هؤلاء المنافقين "يقتضي ضد ذلك فنسبوهم إلى السفه، نسبوا الصحابة إلى السفه "وفي ضمن ذلك أنهم هم العقلاء أرباب الحِجى" يعني العقول "والنهى فرد الله ذلك عليهم وأخبر أنهم هم السفهاء على الحقيقة لأن حقيقة السفه جهل الإنسان بمصالح نفسه وسعيه فيما يضرها وهذه الصفة منطبقة عليهم" على المنافقين "وصادقة عليهم كما أن العقل والحِجى معرفة الإنسان بمصالح نفسه والسعي فيما ينفعه وفي دفع ما يضره وهذه الصيغة منطبقة على الصحابة رضي الله عنهم وعلى المؤمنين" قال الشيخ رحمه الله: "فالعبرة بالأوصاف والبرهان لا بالدعاوى المجردة والأقوال الفارغة" الدعاوى المجردة كثيرة جدا، الدعاوى الفارغة والمجردة كثيرة جدا، يعني انظر في دعاوى اليهود الذين هم أقبح خلق الله وأشنعهم كفرا، أو من أقبح خلق الله وأشنعهم كفرا يقولون نحن أبناء الله وأحباؤه، ويقولون لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى، الدعاوى الفارغة كثيرة (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم) العبرة بالبراهين التي تدل على صدق الدعوى (قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) ما هو البرهان؟ (بلى من أسلم وجهه لله وهو محسن فله أجره عند ربه) هذا هو البرهان إيمان وإحسان وصدق مع الله، أما دعوى، الدعوى سهلة على كل لسان يستطيع أن يدعي ما شاء أن يدعي من أقوال ودعاوى زائفة، فالعبرة ليست بالدعوى، والدعاوى إذا لم يُقم عليها بيّنات فأهلها أدعياء، وإنما العبرة بالحقائق والأوصاف، فأوصاف الحِجى والعقل والنُّهى منطبقة على الصحابة، وهؤلاء ينطبق عليهم وصف السفه، وقولهم عن الصحابة (أنؤمن كما آمن السفهاء) هو من باب ما قيل: "رمتني بدائها وانسلت" هذا هو وصفهم وهذه حقيقتهم. نعم
📖 قال رحمه الله: "(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وذلك أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم، (فإذا خلوا إلى شياطينهم) أي كبرائهم ورؤسائهم بالشر قالوا إنا معكم في الحقيقة وإنما نحن مستهزئون بالمؤمنين بإظهارنا لهم أننا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، قال تعالى (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده، فمن استهزائه بهم أن زيّن لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين لما لم يصلط الله المؤمنين عليهم، ومن استهزائه بهم يوم القيامة أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهرا فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين، فما أعظم اليأس بعد الطمع، (ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم) قوله (ويمدهم يزيدهم في طغيانهم) أي فجورهم وكفرهم، (يعمهون) أي حائرون مترددون وهذا من استهزائه تعالى بهم"
🎤 ثم أورد رحمه الله قول الله جل وعلا (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) يقول الشيخ هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وهذا -كما تقدم- جاء في صدر صفات هؤلاء وأولها، أول ما بُدأت به صفات هؤلاء المنافقين قال الله عز وجل (ومن الناس) أي المنافقين من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين، وعرفنا معنى من يقول آمنا بالله أي بألسنتهم وقوله (ما هم بمؤمنين) أي بقلوبهم، بمعنى أنهم يظهرون من الإيمان والصدق والاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام والإيمان برسالته ما لا يُبطنون فقوله (إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم) أي على الكفر، إنا معكم على الكفر بالله وعدم الإيمان، (قالوا آمنا) قولنا لأولئك آمنا هذا من باب الاستهزاء فقط نستهزئ بهم لا على حقيقة الإيمان فهذه مثل التفسير للآية الأولى (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) أن يقولون ذلك بألسنتهم فقط قولا مجردا، أما القلوب ليس فيها إيمان بالله سبحانه وتعالى.
(وإذا خلوا إلى شياطينهم) هذا الوصف الشياطين والشيطان يطلق على الإنس كما يطلق على الجن من كان كذلك، من كان شيطانا ولهذا قال الله عز وجل (وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا شياطين الإنس والجن) شياطين الإنس والجن، في كل القرآن قدم الجن على الإنس إلا في ثلاث مواطن هذا أولها شياطين الإنس والجن، قال (وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) معكم عرفنا أن المراد بها أي على الكفر وعدم الإيمان، (إنما نحن مستهزئون) أي بالرسول عليه الصلاة والسلام وبالمؤمنين بأن إذا كنا عندهم وبحضرتهم قلنا لهم إنا مثلكم على الإيمان ونحن مؤمنون مثلكم، هذا يقولونه عند النبي عليه الصلاة والسلام وعند الصحابة، وإذا حضر وقت الصلاة وأُقيمت دخلوا وصلوا نفاقا لا إيمانا، يُظهرون الإيمان لكن قلوبهم تُبطن الكفر بالله سبحانه وتعالى، هذه مثل قوله في أول سورة المنافقون (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) قال جل وعلا (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) يستهزيء بهم جزاء ماذا؟ وفاقا، جزاء وفاقا، وقاعدة الشريعة في العقوبات أن الجزاء من جنس العمل (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوأى)، (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)، فالجزاء من جنس العمل، فهنا ذكر عملهم الشنيع وهو الاستهزاء، يقولون أمنا استهزاء بالمؤمنين على وجه السخرية لا على وجه الحقيقة والإيمان كما قالوا ذلك عن أنفسهم، (قالوا إنا معكم) يقولون لرفقتهم المنافقين ورؤساءهم وكبرائهم من شياطين الإنس يقول إنا معكم إنما نحن مستهزئون، قال الله جل وعلا (الله يستهزئ بهم) القاعدة عند أهل السنة فيما يُضاف إلى الله سبحانه وتعالى يُمَر كما جاء ويؤمن به كما ورد، يمر كما جاء، هذه قاعدة مهمة لا يزاد فيه عن القدر الذي جاء وإنما يُمر كما جاء ويؤمن به كما ورد، فالآن الاستهزاء جاء في هذا السياق وصفا ماذا؟ مُقيدا على وجه المقابلة لهؤلاء عقوبة لهم مثل المكر، مثل (سخر الله منهم) فالله عز وجل لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا، نعم، الله جل وعلا لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا، وأيضا هذه الألفاظ ليست داخلة في أسماء الله الحسنى وقد غلط من أدخلها غلطا شنيعا، ليست داخلة في أسماء الله سبحانه وتعالى، فمن الغلط الشنيع أن يقال في أسمائه الماكر، المستهزئ، والمخادع، هذا غلط شنيع جدا ومن أدخلها في في الأسماء فقد غلط غلطا شنيعا، غره أن الله عز وجل أطلق على نفسه هذه الأفعال فاشتق له منها أسماء، وأسماء الله تبارك وتعالى -كما هو معلوم- كلها ماذا؟ حسنى، أسماؤه كلها حسنا فهذا غلط شنيع عندما يدخل هذه أخذ من هذه الألفاظ المستهزئ، الماكر الساخر، مع الرحيم، الغفور، الودود، الشكور هذا غلط شنيع جدا وجهل العظيم بالله عز وجل، ولو تأملت هذه الأفعال الاستهزاء، المكر، والخديعة إلى آخره هذه ليست ممدوحة مطلقا، متى تكون مدح؟ إذا كانت على وجه المقابلة والجزاء بالمثل، ليست ممدوحة مطلقا بل تُمدح في موضع وتُذم في موضع، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله مطلقا، أفعالها لا يجوز أن تطلق على الله على وجه الإطلاق فلا يقال إنه تعالى يمكر ويخادع ويستهزئ ويكيد، ولا أيضا -كما تقدم- تُدخل في الأسماء المستهزئ، الساخر، إلى آخره، الحاصل: أن الله عز وجل لم يصف نفسه بالكيد والمكر والاستهزاء إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق وقد عُلم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق فكيف من الخالق سبحانه وتعالى. نعم
قال رحمه الله: "هذا من قولهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم وذلك أنهم إذا اجتمعوا بالمؤمنين أظهروا أنهم على طريقتهم وأنهم معهم فإذا خلوا إلى شياطينهم أي كبرائهم ورؤسائهم بالشر قالوا إنا معكم في الحقيقة أي على الكفر، وإنما نحن مستهزئون أي بالمؤمنين بإظهارنا لهم أننا على طريقتهم، فهذه حالهم الباطنة والظاهرة ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله قال الله عز وجل (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباده، صفة استهزائهم بعباده ما هي؟ ما صفة هذا الاستهزاء؟ إذا كانوا بحضرة المؤمنين قالوا نحن معكم على الإيمان ونحن من أهل الإيمان مثلكم، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم ونفعل ذلك يقولون استهزاء، لما نقول للمؤمنين نحن معكم لا نقوله حقيقة أننا قد آمنا مثلهم وإنما نقوله استهزاء، فقوله (الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون)" هذا جزاء لهم على استهزائهم بعباد الله وعرفنا صفة الاستهزاء الذي حصل منهم، والجزاء من جنس العمل، وهذا جزاء لهم على استهزائهم بعباد الله فمن استهزائه جل وعلا بهم أن زيّن لهم ما كانوا فيه من الشقاء والأحوال الخبيثة حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين، يعني أنهم مع المؤمنين بمجرد ماذا؟ الدعوى التي ادعوها، ولهذا يوم القيامة ماذا يقول هؤلاء المنافقون؟ (ألم نكن معكم) معكم بماذا؟ بالدعوى فقط وهذا الله عز وجل زيّن لهم فصاروا في توهم أن هذا ينجيهم يوم لقاء الله عز وجل حتى ظنوا أنهم مع المؤمنين متى؟ لما لم يسلط الله المؤمنين عليهم، هذا في الدنيا، ومن استهزائه بهم يوم القيامة أنه يعطيهم مع المؤمنين نورا ظاهر فإذا مشى المؤمنون بنورهم طفئ نور المنافقين وبقوا في الظلمة بعد النور متحيرين وعندها ينادون (ألم نكن معكم) يعني في الدنيا كنا نأتيكم ونجلس معكم ونقول لكم نحن مثلكم ونشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وندخل معكم المسجد ونصلي معكم، ألم نكن معكم؟ (قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور) وقيل أيضا في المعنى -معنى (الله يستهزئ بهم)- إضافة إلى ما ذكر الشيخ أي إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم، وقيل: أن يُظهر لهم في الدنيا خلاف ما أعد لهم في الآخرة، هذه المعاني منقولة عن أئمة أهل العلم في التفسير وذكر جملة منها ابن تيمية -رحمه الله- وقال: كلها حق لأن الاستهزاء هو في الجملة مجازاة بجزاء من جنس العمل، ولهذا تجد تفاصيل لمثل هذه المجازات التي من جنس العمل لهؤلاء في الدنيا وكذلك في الآخرة.
قال (ويمدهم) أي الله سبحانه وتعالى، (يمُدهم) قال الشيخ ماذا؟ "يزيدهم" هذا قول مجاهد بن جبر رحمه الله، قال: يمدهم: يزيدهم، قال غيره من السلف: (يمدُهم) أي يملي لهم (وأملي لهم إن كيدي متين) يمدهم: أي يملي لهم، ذكر ابن جرير الطبري رحمه الله قول مجاهد يمدهم أي يزيدهم، وذكر أيضا أن الصواب الأولى أن يُقيد هذا، يزيدهم يُقيد بأن يقال: يزيدهم على وجه الإملاء والترك لهم في عتوهم وتمردهم مثل قوله (وأملي لهم إن كيدي متين)، ويمدهم: أي يزيدهم على وجه الإملاء لهم في طغيانهم، الطغيان هنا الكفر الذي هم عليه، قال الشيخ: "أي فجورهم وكفرهم" (ونمدهم في طغيانهم يعمهون) يترددون حائرون مترددون، والعمه: الظلال، فيمدهم في طغيانهم يعمهون أي حائرون مترددون، قال الشيخ: "وهذا من استهزاء الله تعالى بهم" وهذا نستفيد منه أن هذه العقوبة من الله (الله يستهزئ بهم) يدخل تحتها معاني وأشار -كما تقدم- شيخ الإسلام إلى جملة من المعاني وقال كلها حق.
📖 قال رحمه الله: "ثم قال تعالى كاشفا عن حقيقة أحوالهم (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)
نعم.
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما… سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق