الثلاثاء، 25 فبراير 2025

الدرس الثاني والثلاثون | تفسير سورة البقرة: من الآية (١٠) (في قلوبهم مرض...

032 تفسير سورة البقرة: من الآية (١٠) في قلوبهم مرض...

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، اللهم أغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
 📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "وقوله (في قلوبهم مرض) المراد بالمرض هنا مرض الشكوك والشبهات والنفاق، وذلك أن القلب يعرِض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله، مرض الشبهات الباطلة، ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفِعلها من مرض الشهوات كما قال تعالى (فيطمع الذي في قلبه مرض) وهو شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والإيمان والصبر عن كل معصية فرفل في أثواب العافية. وفي قوله عن المنافقين (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين وأنه بسبب ذنوبهم السابقة يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقال تعالى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) فعقوبة المعصية المعصية بعدها، كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها قال تعالى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى)"

🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، اللهم ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: فلا نزال مع هذه الآيات في صفات المنافقين، وكما تقدم في القرآن مواطن بل سور، جاءت فاضحة للمنافقين، هاتكة سترهم، مبيّنة مخازيهم ليُعرفوا بصفاتهم، لأن الله عز وجل لما هتك سترهم لم يذكرهم بالأسماء وإنما ذكرهم بالصفات لتُجتنب من جهة، وليحذر من كان متصفا بها لأنها علامات للنفاق وصفات للمنافقين، من هذه الصفات ما يتعلق بقلوبهم، والقلب لا يُطّلع عليه لكن الله عز وجل عرّف العباد وأطلعهم على حال قلوب المنافقين فقال سبحانه وتعالى (في قلوبهم مرض) وهذا المرض هو اعتلال في القلب، وفساد فيه، وخروج به عن صحته في جانب من جوانب صلاح القلب وهو جانب استقامة القلب في العلم والبصيرة، فهؤلاء في قلوبهم مرض، أي اعتلال في قلوبهم وفساد في قلوبهم من هذه الجهة، ولهذا صح عن ابن عباس وابن مسعود وجماعة من الصحابة في معنى الآية قالوا: شك، (في قلوبهم مرض) في قلوبهم شك، أي في قلوبهم ريب، وهذا الريب هوالنفاق الذي هم عليه فقلوبهم فاسدة. متلطخة بالكفر والباطل، مظلمة لكنهم يظهرون أنهم من أهل الإيمان، فإذن قوله جل وعلا (في قلوبهم مرض) هذا النوع من المرض المذكور هنا هو مرض الشبهات، لأن المرض الذي ذُكر في القرآن نوعان: مرض الشبهات، ومرض الشهوات، وكلاهما يتعلق بالقلب، وذُكر أيضا في القرآن مرض البدن (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج) هذا مرض البدن، هذا مُكفر للعبد وتمحيص له ورفعة لدرجاته عند الله سبحانه وتعالى، لكن الكلام هنا على مرض القلب، ومرض القلب نوعان: مرض الشبهة، ومرض الشهوة، مرض الشبهة ُذكر هنا، ومرض الشهوة ذُكر في قوله (فيطمع الذي في قلبه مرض) يعني في قلبه فساد من هذه الجهة جهة القصد والإرادة، إما هنا فساد المنافقين المرض الذي عندهم مرض من جهة، الشبهة فساد العلم والتصور والبصيرة، وهذا غاية ما يكون فيه الخطورة على العبد، إذا فسد قلبه وانطمست بصيرته، قال الشيخ رحمه الله: "المراد بالمرض هنا مرض الشك" وهذا كما تقدم روي عن جماعة من الصحابة عن ابن عباس وابن مسعود، وجماعة من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام قالوا: الشك، (في قلوبهم مرض) أي الشك (فزادهم الله مرضا) أي شكا، مثل قوله (رجسا إلى رجسهم)، قال: "وذلك أن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله: مرض الشبهات الباطنة -وهو المذكور هنا- (في قلوبهم مرض) ومرض الشهوات المرضية والمذكور في قوله (فيطمع الذي في قلبه مرض)، مرض الشبهة يرجع إلى جانب التصور والعلم، ومرض الشهوة يرجع إلى جانب الإرادة والقصد، قال فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفِعلها من مرض الشهوات، والشيطان يطمع غاية الطمع في إيقاع القلب في المرض، ولا يبالي - عدو الله- في أي المرضين حصل للعبد، هو يريد أن يمرض القلب كيفما كان، لا يريد أن يبقى قلب العبد على استقامته، فإما أن يخرجه عن اعتداله وصحته إلى الشبهات أو إلى الشهوات، أو إلى الشهوات، قال: "والزنى ومحبة الفواحش والمعاصي وفِعلها من أمراض الشهوات كما قال الله تعال (فيطمع الذي في قلبه مرض) وهو شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين.نسأل الله جل وعلا بأسمائه كلها بأنه الله الذي لا إله إلا هو أن يعافينا أجمعين، وذرياتنا من هذين المرضين مرض الشبهات ومرض الشهوات، لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، ولا صلاح لقلوبنا إلا به، نسأله جل وعلا أن يتفضل علينا بصلاح قلوبنا وسلامتها من هذين المرضين بمنّه وكرمه. قال: "فحصل له اليقين والإيمان والصبر عن كل معصية فرفل -أي تمتع و هنئ في أثواب العافية - فرفل في أثواب العافية".
قال رحمه الله تعالى: "وفي قوله عن المنافقين (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) هذه عقوبة لأن ذُكر في الآية عقوبتان، عقوبة دنيوية وعقوبة أخروية، (فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم) فذُكر عقوبتان، ومن عقوبة السيئة السيئة بعدها (ثم كان عاقبة الذين أساءوا السوء) فـ (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين وأنها بسبب ذنوبهم السابقة "يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال الله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقال تعالى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) فعقوبة المعصية المعصية بعدها، هذه عقوبة ماذا؟ معجلة للعاصي، هذه عقوبة معجلة للعاصي، لأن من عقوبة المعصية المعصية بعدها، كما أن أيضا من ثواب الحسنة الحسنة بعدها قال الله تعالى: (ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا)، (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان)، قال: "كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها قال الله تعالى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى)"، ولم يذكر الشيخ رحمه الله تمام الآية قال جل وعلا (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) عذاب أليم أي مؤلم، ومعنى مؤلم أي: موجع شديدة الوجع، هذه عقوبة أخروية، والموجب لهذه العقوبات عقوبات المنافقين في الدنيا والآخرة الموجب لها ما خُتمت به الآية وهي قوله سبحانه وتعالى (بما كانوا يكذبون) وهذه نظير ما جاء في أول سورة المنافقون (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) لأن عقيدة النفاق قائمة على الكذب جملة وتفصيلا، عقيدة النفاق قائمة على الكذب لأن المنافق لما يقول (آمنا بالله) لا يقولها ديانة، ولا يقولها عقيدة وإيمانا، وعندما -مثلا- يشارك المسلمين في شعائر الإسلام الظاهرة من صلاة ونحوها هولا يفعلها قربة لله عز وجل لا يفعلها ذلك، وإنما يفعلها تظاهرا وإظهارا للإيمان، فعقيدة النفاق قائمة على الكذب. قال (ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) يكذبون في أن ما يقولونه بألسنتهم لا يعتقدونه في قلوبهم، والصدق مواطأة القلب اللسان، والكذب ضد ذلك، أن يكون اللسان فيه شيء والقلب شيء آخر، قال (بما كانوا يكذبون) وفي قراءة عشرية (بما كانوا يُكذِّبون) أي بالرسول عليه الصلاة والسلام وبما جاء به عليه الصلاة والسلام، وهذان وصفان للمنافقين الكذب والتكذيب، هذان وصفان للمنافقين مستفادة من هذه الآية الكذب والتكذيب. فهم كذبة بما يظهرون من إيمان، هذا الإيمان الذي يظهرونه كذب ليس حقيقية، ومكذبون بالحق وبما جاء به الرسول صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فإذن المنافقون متصفون بهذا وهذا، بالكذب (بما كانوا يكذبون) و بالتكذيب كما في القراءة الأخرى (وبما كانوا يُكذِّبون) نعم.

📖 قال رحمه الله: "قوله (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون) أي إذا نُهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض وهو العمل بالكفر والمعاصي ومنه إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين (قالوا إنما نحن مصلحون) فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض وإظهار أنه ليس بإفساد بل هو إصلاح قلبا للحقائق وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا، وهؤلاء أعظم جناية ممن يعمل بالمعاصي مع اعتقاد تحريمها، فهذا أقرب للسلامة وأرجى لرجوعه. ولما كان في قولهم (إنما نحن مصلحون) حصر للإصلاح في جانبهم وفي ظنه أن المؤمنين ليسوا من أهل الصلاح قلب الله تعالى عليهم دعواهم بقوله (ألا إنهم هم المفسدون) فإنه لا أعظم إفسادا ممن كفر بآيات الله وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأوليائه، والمحاربين لله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وزعم مع هذا أن هذا إصلاح فهل بعد هذا الفساد فساد؟ (ولكن لا يعلمون) علما ينفعهم وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله، وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض فسادا لأنه سبب لفساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار والنبات بما يحصل فيها من الآفات التي سببها المعاصي، ولأن الإصلاح في الأرض أن تُعمر بطاعة الله تعالى والإيمان به لهذا خلق الله تعالى الخلق وأسكنهم الأرض، وأدرّ عليهم الأرزاق ليستعينوا بها على طاعته وعبادته، فإذا عُمل فيها بضده كان سعيا فيها بالفساد وإخرابا لها عما خُلقت له."
🎤 قال الله عز وجل أيضا في ذكر أوصاف هؤلاء المنافقين، قال (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون)هذه حالهم يعني ينطوون في قلوبهم على فساد ويُظهرون أنهم من أهل الصلاح والإصلاح، مثلما أنهم -كما تقدم- ينطوون على الكفر ويظهرون أنهم من أهل الإيمان، فمن صفات المنافقين أنه يُظهر للناس أنه يُصلح في الأرض، يعمل على الصلاح في الأرض، ويقصد هذا الصلاح في الأرض، لكنه في حقيقته وباطنه وما يريد وما يقصد هوالإفساد في الأرض، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض)، لا تفسدوا في الأرض أي بماذا؟ أي بالكفر والمعاصي. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية" فإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض أي لا تفسدوا فيها كفرا بالله وارتكاب المعاصي المسخطة له سبحانه قالوا (إنما نحن مصلحون)، (إنما نحن مصلحون) هذا في اللغة من أساليب ماذا؟ الحصر، حصروا الصلاح فيهم، يعني كأنهم يقولون نحن أهل الصلاح لا أنتم، لا أنتم، الجهة الثانية من؟ الرسول عليه الصلاة والسلام والصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، فهؤلاء حصروا بهذه الجملة الصلاح فيهم (قالوا إنما نحن مصلحون) يعني نحن أهل الصلاح حقيقة لا أنتم، لأن هذا حصر (إنما نحن مصلحون). قال الله عز وجل (ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون).
 قبل الدخول في ما ذكره الشيخ رحمه الله في الكلام على معنى الآية أُشير إلى لطيفة مفيدة وهي: أن الأرض ذكرت في القرآن الكريم في مواطن كثيرة ربما تزيد على الأربعمائة موطن في القرآن،هذا أول موطن تذكر فيه الأرض في القرآن، ثم ذُكرت بعد ذلك في مواطن كثيرة، ومن المواطن الكثيرة التي ذُكرت في القرآن ذِكر هذا الأمر النهي عن الفساد في الأرض، تكرر هذا في القرآن، لكن هذا أول موطن لذكر الأرض في القرآن، ذُكرت الأرض بالنهي عن الفساد فيها، أول موطن في الأرض هو هذا النهي عن الفساد فيها، وآخر موطن ذُكرت فيه الأرض في القرآن في سورة الزلزلة (إذا زلزلت الأرض زلزالها* وأخرجت الأرض أثقالها* وقال الإنسان ما لها* يومئذ تُحدث أخبارها) (يومئذ) يوم القيامة، (تُحدث) أي الأرض، (أخبارها) أي بما فُعل عليها ومن ذلك ما فُعل عليها من الفساد، فتشهد يوم القيامة على أهل الفساد بفسادهم، فذكر أول موطن نهي عن الفساد، وآخر موطن أخبار بأن الأرض يوم القيامة تشهد على المفسدين، وأيضا يشهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم يشهدون عليهم بما كانوا عليه من الفساد، والله سبحانه وتعالى يعلم المُصلح من المُفسد جل في علاه.
قال الشيخ رحمه الله: "أي إذا نهي هؤلاء المنافقون عن الإفساد في الأرض وهو العمل بالكفر والمعاصي" وهذا الذي فسر به السلف من الصحابة وغيرهم به الآية الفساد هو الكفر والعمل بالمعاصي، مثل ما تقدم النقل عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "ومنه -أي الفساد الذي عليه المنافقون- إظهار سرائر المؤمنين لعدوهم وموالاتهم للكافرين" موالاتهم نصرتهم ومعاونتهم للكافرين، فإذا نهوا عن الفساد في الأرض قيل لهم (لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) فجمعوا بين العمل بالفساد في الأرض، وإظهار أنه ليس بإفساد، وهذه حال كل مفسد في الأرض، يعني لا يُعرف مفسد في الأرض يخاطب الناس يقول أيها الناس أنا مفسد اتبعوني، فرعون من أكثر أهل الأرض ومن أعظمهم إفسادا في الأرض وماذا كان يقول لقومه؟ (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد) يعني هذه المقولة مقولة من في الأصل؟ مقولة من هو من كبار المصلحين في الأرض، يقولها وهو من أكبر المفسدين في الأرض، يقول (وما أهديكم إلا سبيل الرشاد)، هذه حال كل مُفسد، قبلهم إمام المفسدين، ومُقدَم المفسدين في الفساد، ورأس المفسدين إبليس (وقاسمهما) يمين بالله (وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين) والله ما أريد لكم إلا الخير، وأنا ناصح لكم، أحب لكم الخير، وهذه حال كل مُفسد يُغرر بمن يُفسِده بإظهار أنه مُصلح، وهذه لفتة مهمة: يجب أن ينتبه الإنسان لها وإلا يضيع على أيدي المفسدين بتغريرهم، وزخرفتهم للقول، و وتزيينهم لباطلهم وإظهار أنهم من أهل الإصلاح في الأرض.
 قال: "بل هو إصلاح قلبا للحقائق" هذا الإصلاح الذي يزعمون قلبا للحقائق "وجمعا بين فعل الباطل واعتقاده حقا وهؤلاء أعظم جناية ممن يعمل بالمعاصي مع اعتقاد تحريمها" الذي يعمل معصية ويرى أنها محرمة وإذا نُهي عنها قال لمن ينهاه أدعو الله أن يصلحني أنا في بلاء، أنا أحس أنني عندي أخطاء وأنا مخطئ لكنني مبتلى أدعو الله لي، هذا يُرجى خيره، لكن المصيبة من يُفسد ويعمل الفساد وإذا نُهي زعم أنه مصلحا وأن الذي عليه هو الصلاح، فجمع بين السوأتين الوقوع في الفساد واعتقاد أنه هو الصلاح هذا الذي هو عليه، قال: "وهؤلاء أعظم جناية ممن يعمل بالمعاصي مع اعتقاد تحريمها فهذا اقرب للسلامة"، الذي يفعل معاصي وهو يعتقد تحريمها أقرب للسلامة ويُرجى رجوعه قريب.
قال: "ولما كان في قولهم (إنما نحن مصلحون) حصر للإصلاح في جانبهم وفي ظنه -يتضمن هذا الكلام- أن المؤمنين ليسوا من أهل الصلاح، قلب الله عليهم دعواهم بقوله (ألا إنهم هم المفسدون)" وهذا أيضا أسلوب حصر (ألا إنهم هم المفسدون) فإنه لا أعظم إفسادا ممن كفر بآيات الله وصد عن سبيل الله، وخادع الله وأولياءه (يخادعون الله والذين آمنوا) ووالى المحاربين لله ورسوله وزعم أن هذا أي كل هذه الأعمال الفاسدة الباطلة التي هو عليها، أن هذا إصلاح، فهل بعد هذا الفساد فساد؟ قال (ولكن لا يعلمون) ولكن لا يعلمون علما ينفعهم، وهذا ما خُتمت به الآية التي بعدها، وهذه الآية خُتمت بقوله (ولكن لا يشعرون) أي لا يشعرون بالحال الفاسدة الفساد العظيم التي هم عليها، قال: "ولكن لا يعلمون علما ينفعهم وإن كانوا قد علموا بذلك علما تقوم به عليهم حجة الله".
 ثم قال الشيخ: "وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا" أي إفساد في الأرض، هذا في تنبيه إلى أن المعاصي ماذا تصنع؟ تؤثر في الأرض مثل ما قال الله عز وجل (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) أي المعاصي والذنوب التي ارتكبها الناس (بما كسبت أيدي الناس) البر والبحر ما هما؟ الأرض، (ظهر الفساد في البر والبحر) أي في الأرض بما كسبت أيدي الناس، فالأرض أي برها وبحرها يحصل الفساد، فالمعاصي تؤثر في الأرض، من العلماء من أشار إلى لطيفة في حديث أبي الدرداء تجدون هذا في شرح ابن رجب لهذا الحديث في فضل العلم وفيه قال عليه الصلاة والسلام (وإن العالم ليستغفر له من في السماوات والأرض حتى الحيتان في الماء) قال أهل العلم: لأن العالم يُصلح في الأرض، وصلاح الأرض ينفع هذه الدواب فتستغفر للعالِم، الدواب تستغفر للعالِم لأن دعوته دعوة لماذا؟ للإصلاح في الأرض، وهذا فيه أن الأرض إنما تصلح بالعلم، ما هو العلم؟ المستمد من كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، قال الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو العلم، العلم قال الله قال رسوله صلى الله عليه وسلم. قال: "وإنما كان العمل بالمعاصي في الأرض إفسادا لأنه سبب لفساد ما على وجه الأرض من الحبوب والثمار والأشجار والنبات لما يحصل فيها من الآفات التي سببها المعاصي. قال: "ولأن الإصلاح في الأرض أن تُعمر بطاعة الله والإيمان به، لهذا خلق الله الخلق وأسكنهم في الأرض، وأدرّ عليهم الأرزاق ليستعينوا بها على طاعته وعبادته، فإذا عُمل فيها -أي الأرض- بضده كان سعيا فيها بالفساد وإخرابا لها عما خلقت له، الأرض خُلقت ليعبدالله عليها، ليطاع الله عليها، ليسجد لله عليها، ليُذكر الله عليها، ليُعظم الله سبحانه وتعالى عليها، ليطاع جل وعلا عليها، لهذا خُلقت الأرض، فإذا عُمل فوقها وعليها بما لم تُخلق لأجله فسدت، فالمعاصي تُفسد، ومضرتها عظيمة. نعم.
📖 قال رحمه الله: "قوله (وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون)
🎤 نعم، نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما… سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
_______________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق