الاثنين، 17 فبراير 2025

الدرس الحادي والثلاثون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٦) (إن الذين كفروا سواء عليهم..)

031 تفسير سورة البقرة: من الآية (٦) إن الذين كفروا سواء عليهم..


الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: 
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم المعاندين للرسول صلى الله عليه وسلم فقال (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون* ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) يخبر تعالى أن الذين كفروا أي اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لهم لازم لا يردعهم عنه رادع، ولا ينجع فيهم عظ أنهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم أنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، وحقيقة الكفر هو: الجحود لما جاء به الرسول أو جحد بعضه فهؤلاء الكفار لا تفيدهم الدعوة إلا إقامة الحجة عليهم وكأن في هذا قطعا لطمع الرسول صلى الله عليه وسلم في إيمانهم وأنك لا تأسَ عليهم ولا تذهب نفسك عليهم حسرات"

🎤 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وأشهد لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد فهاتان الآيتان هما في شأن الكفار، قد عرفنا إن أوائل سورة البقرة ذكر فيها أقسام الناس بذكر الصفات، فذكر في أربع آيات صفات المؤمنين وما يتعلق بأهل الإيمان، وفي آيتين ذكر ما يتعلق بالكفار، وثلاثة عشرة آية في أوصاف المنافقين، وهذه الآية (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) قوله (الذين كفروا) الذين كفروا هذا من العام المخصوص لأن هذا ليس صفة لكل كافر فمن الكفار من يشرح صدره للإسلام وتنفعه الموعظة وتفيده النذارة فيهتدي ويدخل في دين الله عز وجل ويتأثر، لكن المراد بالذين كفروا من ستأتي صفاتهم، الذين ختم الله على قلوبهم مثل ما قال الله جل وعلا في آيات أخرى (إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية) فهذا الصنف من الكفار وهم الذين حقت عليهم كلمة الله الذين ختم الله على قلوبهم فهؤلاء سواء أنذرهم النبي عليه الصلاة والسلام أم لم  ينذرهم لا ينفعهم ذلك ولا ينتفعون به لأنه خُتم على قلوبهم، طُبع على قلوبهم، حقت عليهم كلمة الله عز وجل أنهم لا يؤمنون (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون)، (لا يؤمنون) بمعنى أن النذارة لا تنفع، وليس هذا نهي عن نذارة هؤلاء، النذارة تبذل للجميع، لكن هذا فيه تسلية للنبي عليه الصلاة والسلام إن دعا أمثال هؤلاء فلم يستجيبوا لا تذهب نفسه عليهم حسرات لأن الله عز وجل طبع على قلوبهم فلا ينتفعون بذكرى ولا يهتدون بنذارة، قال: (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم) يعني سواء سمع النذارة أو لم يسمعها الأمر سوا تماما، ما المعنى؟ يعني أن النذارة مهما بلغت في القوة في التأثير لا تؤثر فيهم شيئا مطلقا ولا قليل لأن حالهم متساوية تماما، في حال النذارة وفي حال عدم النذارة حالهم سواء،هذا يعني ماذا؟ أن النذارة مهما بلغت في القوة في التأثير لا تؤثر فيهم ولا شيئا قليلا لأن حالهم سواء تماما، متساوية، معنى سواء أي متساوية في النذارة أو بدون نذارة فهذا فيه الطبع المحكم على القلوب والختم فلا ينتفعون بموعظة ولا يتأثرون بإنذارا (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون* ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم) قال الشيخ رحمه الله:  "يخبر تعالى أن الذين كفروا اتصفوا بالكفر وانصبغوا به وصار وصفا لازما لهم لا يردعهم عنه رادع، ولا ينجع أي لا ينفع فيهم وعظ أنهم مستمرون على كفرهم فسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون أي حالهم واحدة لا تغير بالنذارة وبدونها حالهم واحدة باقون على الكفر، وهذا الذي ذُكر في هذه الآية الكريمة إنما يخص من حقت عليهم كلمة العذاب، من كتب عليهم الله عز وجل الشقاوة فهم لا يؤمنون، من سبق في علم الله أنهم لا يؤمنون هم المعنيون بهذه الآية، وليس المراد كل كافر، وأيضا ليس المراد بهذه الآية منع دعوة عموم الكفار، عموم الكفار يُدعون ومن كتب الله له منهم هداية اهتدى ومن لم يهتدي فلا تذهب نفس من دعاهم عليهم حسرات لأنهم حقت عليهم كلمة الله عز وجل أنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم. نعم

📖 قال رحمه الله: "ثم ذكر الموانع المانعة لهم من الإيمان فقال (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) أي طبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان ولا ينفذ فيها فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم، (وعلى أبصارهم غشاوة) أي غشاء وغطاء وأكنة تمنعها عن النظر الذي ينفعهم، وهذه طرق العلم والخير قد سُدت عليهم فلا مطمع فيهم ولا خير يرجى عندهم، وإنما منع وذلك وسُدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاندتهم بعد ما تبين لهم الحق كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة) وهذا عقاب عاجل، ثم ذكر العقاب الآجل فقال (ولهم عذاب عظيم) وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم"
🎤 قال سبحانه وتعالى (ختم الله على قلوبهم) أي هؤلاء الكفار ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم، هنا الوقف تام عند قوله (سمعهم) لأن الجملة تامة بذلك وما بعدها معنى آخر لأن الختم متعلق بالسمع والقلب، وأما البصر فأمر آخر عليه غشاوة قال (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم) فالختم على القلوب والسمع وأما الأبصار فأمر آخر قال (وعلى أبصارهم غشاوة)، الختم هو: الطبع عليها، طبع عليها أي تغطيتها، تغليفها غُلف، مغلفة فلا ينفذ إليها نذارة ولا يدخلها نُصح ولا تتأثر بوعظ، مغلقة تماما خُتم على قلوبهم يطبع عليها بطابع لا يدخلها الإيمان ولا ينفذ فيها، أي ليس فيها أي منفذ يدخل منها الإيمان إلى تلك القلوب، قال: "فلا يعون ما ينفعهم ولا يسمعون ما يفيدهم" ختم على قلوبهم وسمعهم فالقلوب لا تعي بسبب هذا الختم، والآذان لا تسمع بسبب هذا الختم والآذان لا تسمع، (وعلى أبصارهم غشاوة) أي عليها غشاء، عليها غطاء تمنعها من النظر الذي ينفعها، فالأبصار مغطاة والأسماع والقلوب خُتم عليها فلا يبصرون هدى ولايسمعون حقا ولا تفقه قلوبهم علما، لا يُبصرون هدى، ولايسمعون حقا، ولا تفقه قلوبهم علما، خُتم على الأسماع وغُطيت الأبصار، قال الشيخ: "وهذه طرق العلم والخير قد سُدت عليهم، طرق العلم ومنافذ العلم السمع والبصر والقلب جمعها الله سبحانه وتعالى في قوله (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا) هذه منافذ العلم جميعها أغلقت عند هؤلاء فلا ينفذ إليهم علم ولا يستفيدون بنذارة، هذا كالتعليل لما قبله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) كأنه قيل لمَ أصبحوا بهذه الحال؟ قال (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم)، قال: "فلا مطمع فيهم ولا خير يرجى عندهم، وإنما مُنعوا ذلك وسُدت عنهم أبواب الإيمان بسبب كفرهم وجحودهم ومعاند تهم بعد ما تبين لهم الحق كما قال الله تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، مثلها أيضا قول الله تعالى (فلما زاغوا ازاغ الله قلوبهم) تلقوا الحق الذي جاءهم بالكِبر والعناد و البطر والجحود فعاقبهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطبع على قلوبهم، الختم عليها لا تفيد فيهم نذارة (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) قال: "هذا عقاب عاجل" أشار في قوله: "هذا عقاب عاجل" إلى الختم والغشاوة هذا عقاب عاجل في الدنيا، قال: "ثم ذكر العقاب الآجل" أي في الآخرة فقال (ولهم عذاب عظيم) وهو عذاب النار وسخط الجبار المستمر الدائم. نعم

📖 قال رحمه الله: "ثم قال تعالى في وصف المنافقين الذين ظاهرهم الإسلام وباطنهم الكفر (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين* يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون* في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) واعلم أن النفاق هو: إظهار الخير وإبطان الشر، ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي والنفاق العملي فالنفاق العملي كالذي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله (آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا ائتُمن خان) وفي رواية (وإذا خاصم فجر)، وأما النفاق الاعتقادي المُخرج عن دائرة الإسلام فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة الى المدينة ولا بعد الهجرة حتى كانت وقعة بدر وأظهر الله تعالى المؤمنين وأعزهم فذل من في المدينة ممن لم يسلم فأظهر الإسلام بعضهم خوفا ومخادعة ولتُحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم وفي الحقيقة ليسوا منهم"
🎤 نعم، قال الله سبحانه وتعالى (ومن الناس) هذا صنف آخر من الناس غير الأولين، الأول أهل الإيمان، والثاني أهل الكفر، أهل الإيمان ذكر في أربع آيات، أهل الايمان وأهل الكفر ذكر فيهما آيتين، هنا صنف آخر، هذا صنف آخر.

 قوله (ومن الناس) من تبعيضية، (من الناس) أي بعض الناس، وعلامة (منالتي للتبعيض أنه يصلح أن يُجعل مكانها كلمة: بعض من الناس، بعض الناس، فهذا الصنف من الناس لهم صفات أخرى، لهم أحوال أخرى يذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات علاماتهم، ومن أهل النفاق، أهل الإيمان ُذكر فيهم أربع ايات، وأهل الكفر ذُكر فيهم آيتان، وهؤلاء ثلاث عشرة آية، ثلاث عشرة في ذكر حال هؤلاء المنافقين وصفاتهم، وأما الحكمة في ذلك -:كما أشار بعض أهل العلم - أن أمرهم يُشتبه، لأن أمرهم يشتبه، اشتبه لأن الكافر واضح كفره يعلن كفرا، لكن هذا يعلن إيمانه ويشهد الصلاة مع المصلين ويظهر الإيمان لكن خفايا قلبه وباطنه وسره ليس من الإيمان في شيء، وليس مع أهل الإيمان في شيء، وإنما هو يؤمن في الظاهر وباطنه كفر بالله سبحانه وتعالى. ففي هذه الآيات التي تتعلق بالمنافقين أطنب الله سبحانه وتعالى في ذكر حالهم وذكر أوصافهم لأن أمرهم يشتبه على كثير من الناس ولهذا أنزل فيهم سورة براءة وتسمى الفاضحة لأنها جاءت سورة فاضحة للمنافقين كاشفة حالهم مبينة خزيهم (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة) كانوا يخافون ذلك ويخشون ذلك فأنزل الله سبحانه وتعالى سورة براءة، ولهذا يأتي في سورة براءة آيات كثيرة يقول الله عز وجل (الذين، الذين، الذين) أو يقول (ومنهم، ومنهم، ومنهم) ويذكر سبحانه وتعالى صفاتهم، وأيضا جاء في ذكر أوصافهم سورة المنافقون، وجاءت أوصاف لهم في سور أخرى من القرآن الكريم، وجميع السور والآيات التي ذكرت فيها صفات المنافقين كلها مدنية ليس فيها سورة مكية لماذا؟ لأن النفاق أصلا لم يوجد إلا في المدينة بعد غزوة بدر -مثلما وضح الشيخ- بدأ يظهر النفاق حينئذ لما ظهرت للإسلام قوة وظهر للمسلمين شوكة برز النفاق، قبل ذلك في مكة ماذا كان يحصل؟ كان يوجد صورة عكس هذه الصورة، يعني يُسلم لكن ما يظهر إسلامه وعندما يأتي الكفار لا يُبين لهم لأنه يخشى بطشهم، يخشى شدتهم، يرى ظلمهم للمسلمين عدوانهم فيكتم إيمانه، فالنفاق إنما نجم في المدينة بعد غزوة بدر ولهذا كل السور والآيات التي فيها أوصاف المنافقين والحديث عن المنافقين كلها مدنية. قال الشيخ رحمه الله: "وأعلم أن النفاق هو إظهار الخير وإبطان الشر" وهذا التعريف للنفاق يشمل النفاق بنوعيه، لأن النفاق نوعان: اعتقادي وعملي، وهذا التعريف يشمل النوعين إظهار الخير وإبطان الشر، قال ابن جريج رحمه الله تعالى: "المنافق يخالف قوله فعله، وسِره علانيته، ومدخله مخرجه، ومشهده مغيبه" يعني يظهر شيئا ويبطن شيئا، حضوره يختلف عن غيابه، مدخله يختلف عن مخرجه، سره يختلف عن علانيته، ظاهره يختلف عما يبطنه، هذا معنى قول الشيخ إظهار الخير وإبطان الشر، يظهر شيئا ويُبطن شيئا، قال: "ويدخل في هذا التعريف النفاق الاعتقادي والنفاق العملي" النفاق العملي لا يُخرج من الملة لأنه إظهار وإبطان لكن فيما دون الاعتقاد الذي هو أصل الدين وإنما في نواحي وجوانب عملية (إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان وإذا خاصم فجر) فهذه أوصاف عملية، يُظهر شيء يُظهر أنه صادق وهو كاذب، يظهر أنه وفي وهو خائن، وهكذا يظُهر خلاف ما يُبطن، فهذا نفاق عملي لا يُخرج من الملة لكنه من كبائر الذنوب وعظائم الآثام، وأما النفاق الاعتقادي المخرج من دائرة الإسلام فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة وغيرها، في هذه السورة وفي سورة براءة وفي سورة المنافقون، ذكر الله عز وجل صفات هؤلاء، ما حاصله هذا النفاق؟ (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) إظهار الإيمان و إبطان الكفر، إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن، يعني قلوبهم كُفر بالله سبحانه وتعالى وظاهرهم يظهرون الإيمان لأغراض ومقاصد ومطامع يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر بالله سبحانه وتعالى. قال: "وأما النفاق الاعتقادي المخرج عن  دائرة الإسلام فهو الذي وصف الله به المنافقين في هذه السورة -يعني سورة البقرة- وغيرها -مثل سورة براءة وسورة المنافقون- ولم يكن النفاق موجودا قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ولا بعد الهجرة" حتى في أول الهجرة ما كان يوجد النفاق حتى كانت وقعت بدر وأظهر الله المؤمنين وأعزهم فذل من في المدينة ممن لم يُسلم فأظهر الإسلام بعضهم خوفا ومخادعة، ولتُحقن دماؤهم وتسلم أموالهم فكانوا بين أظهر المسلمين في الظاهر أنهم منهم وفي الحقيقة ليسوا منهم، في هذا يقول ابن جريج في قوله سبحانه وتعالى (يخادعون الله) قال: "يظهرون لا إله إلا الله يريدون أن يحرزوا بذلك دمائهم وأموالهم وفي أنفسهم غير ذلك" أنفسهم يعني قلوبهم فيها غير ذلك الذي هو الكفر بالله سبحانه وتعالى. نعم

📖 قال رحمه الله: "فمن لطف الله تعالى بالمؤمنين أن جلى أحوالهم ووصفهم بأوصاف يتميزون بها لئلا يغتر بهم المؤمنون ولينقمعوا أيضا عن كثير من فجورهم قال تعالى (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم) فوصفهم الله بأصل النفاق فقال (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فأكذبهم الله تعالى بقوله (وما هم بمؤمنين) لأن الإيمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان وإنما هذا مخادعة لله ولعباده المؤمنين، و المخادعة: أن يظهر المخادع لمن يخادعه شيئا ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، فهؤلاء المنافقون سلكوا مع الله تعالي وعباده هذا المسلك فعاد خداعهم على أنفسهم وهذا من العجائب لأن المخادعة أن ينتُج خداعه ويحصل له مقصوده، أو يسلم لا له ولا عليه، وهؤلاء عاد خداعهم على أنفسهم فكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وأضرارها وكيدها لأن الله تعالى لا يتضرر بخداعهم شيئا، وعباده المؤمنون لايضرهم كيدهم شيئا فلا يضر المؤمنين أن أظهر المنافقون الإيمان فسلمت بذلك أموالهم وحُقنت دمائهم وصار كيدهم في نحورهم وحصل لهم بذلك الخزي والفضيحة في الدنيا والحزن المستمر بسبب ما يحصل للمؤمنين من القوة والنصرة، ثم في الآخرة لهم العذاب الأليم الموجع المفجع بسبب كذبهم وكفرهم وفجورهم والحال أنهم من جهلهم و حماقتهم لا يشعرون بذلك"
 🎤 يقول الشيخ رحمه الله تعالى: "من لطف الله عز وجل بالمؤمنين أن جلى لهم أي وضح وأظهر وأبان أحوال المنافقين، جلى لهم أحوال المنافقين بأن كشف سترهم وأظهر خفايا أمورهم وأيضا أوضح ما في بواطنهم، أبان سبحانه وتعالى لأهل الإيمان أوصاف أهل النفاق فهذا من لطف الله سبحانه وتعالى. ووصف الله المنافقين بأوصافهم التي يتميزون بها تكون علامة عليهم لئلا يغتر بهم المؤمنون، ما معنى لئلا يغتر بهم المؤمنون؟ طيب ما يظهرون لأن الاغترار بالظاهر فلا يغتر المؤمنون بهذا الظاهر الذي عليه أهل النفاق، الظاهر الذي هو إظهار الإيمان، فذكر الله عز وجل لهم صفات كثيرة تكشف حالهم وتهتك سترهم وتجلي أمرهم وتوضحه لأهل الإيمان، قال: "ولينقمعوا عن كثير من فجورهم" إذن هذا الكشف لأحوال هؤلاء المنافقين يثمر فائدتين: 
• فائدة تعود على أهل الإيمان وهي الحذر من هؤلاء، معرفتهم للحذر منهم.
 • والأمر الثاني: يتعلق بالمنافقين لعلهم ينقمعون عن بعض ما هم عليهم من الصفات القبيحة قال الله تعالى (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزؤا إن الله مخرج ما تحذرون)، ونزلت سورة براءة هاتكتة لسترهم، فاضحة لأمرهم، كاشفة لخزيهم.
 قال جل وعلا (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) هذا وصف لهم بأصل النفاق، هذا أصل النفاق، يعني يقول آمنا بلسانه (وما هم بمؤمنين) أي بقلوبهم، هذا هو المراد (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) ما معنى يقول آمنا بالله وباليوم الآخر؟ ينطقها فقط، ينطق هذه الكلمة بلسانه فقط أما قلبه لا يعتقد ذلك، قلبه لا يعتقد ذلك، لا يؤمن بذلك (وما هم بمؤمنين) الآن من الناس من يقول آمنا بالله والله يقول عن هؤلاء (وما هم بمؤمنين) لأن القول (آمنا بالله) هذا قول مجرد باللسان، نطق فقط باللسان مثل ما في الآية الأخرى (إذا جاءك المنافقون قالوا) باللسان فقط القلب ليس فيه شيء من هذا الإيمان، باللسان فقط (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) قوله جل وعلا (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) هو مثل قوله هنا (وما هم بمؤمنين) أي أن هذا الذي ينطقونه بألسنتهم ليس موجودا في قلوبهم، فإنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فأكذبهم الله بقوله (وما هم بمؤمنين) وأكذبهم أيضا بقوله في سورة المنافقون (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) لكاذبون في ماذا؟ في أن ما قالوه بألسنتهم لا يوافق ما انطوت عليه قلوبهم، هذا هو الكذب، الكذب أن يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر (والله يشهد إن المنافقين لكاذبون) قال: " لأن الإيمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان هذا هو الإيمان الحقيقي. ولهذا مثلا قول الله عز وجل (قولوا آمنا بالله) الإيمان الحقيقي الذي أُمر به في هذه الآية هو أن يقول: آمنا بالله بقلبه عقيدة وبلسانه نطقا وتلفظا، (قولوا لا إله إلا الله تفلحوا) يعني قولوها بألسنتكم نطقا وبقلوبكم عقيدة، فإذا قالها الإنسان بلسانه قولا مجردا دون أن يكون في قلبه عقيدة لهذا الذي نطق به لسانه لا ينفعه ذلك ويكون هذا من الإيمان الكاذب الذي هو مجرد دعوى باللسان، حقيقة الإيمان ما تواطأ عليه القلب واللسان أما فعل هؤلاء ما حقيقته؟ (ومن الناس من يقول آمنا بالله) إذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم، إيمان هؤلاء الذي يظهرونه ما حقيقته؟ حقيقته مخادعة، ليس إيمان هذا، حقيقة هذا الذي يفعلونه مخادعة ويقول الشيخ "إنما هذا مخادعة لله ولعباده" والمخادعة أن يظهر المخادع لمن خادعه شيئا ويبطن خلافه لكي يتمكن من مقصوده ممن يخادع، هؤلاء المنافقون سلكوا هذا المسلك، لكن ماذا يقول الشيخ؟ "عاد خداعهم عليهم (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) عاد خداعهم عليهم لأن المخادع إما أن يُنتج خداعه ويحصل له مقصوده أو يسلم لا له ولا عليه وهؤلاء عاد خداعهم عليهم" فكأنهم يعملون ما يعملون من المكر لإهلاك أنفسهم وأضرارها نعم

📖 قال رحمه الله: "وقوله (في قلوبهم مرض) المراد بالمرض هنا مرض الشك والشبهات والنفاق، وذلك أن القلب يعرِض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله، مرض الشبهات الباطلة، ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفِعلها من مرض الشهوات كما قال تعالى (فيطمع الذي في قلبه مرض) وهو شهوة الزنا، والمعافى من عوفي من هذين المرضين فحصل له اليقين والإيمان والصبر عن كل معصية فرفل في أثواب العافية، وفي قوله تعالى عن المنافقين (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) بيان لحكمته تعالى في تقدير المعاصي على العاصين وأنه بسبب ذنوبهم السابقه يبتليهم بالمعاصي اللاحقة الموجبة لعقوباتها كما قال تعالى (ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة)، وقال تعالى (فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم)، وقال تعالى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم) فعقوبة المعصية المعصية بعدها كما أن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها قال تعالى (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى)"

 🎤 نعم يعني نرجع قليل الصفحة التي قبلها قال لأن الإيمان الحقيقي ما تواطأ عليه القلب واللسان هذا كله في تفسير قوله (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين) بعدها آية وهي قول الله عز وجل (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) وعادت الشيخ يذكر الآية قبل تفسيرها أو يذكر طرفا منها حتى ينتبه القارئ، وهنا شرع في تفسيرها دون أن يذكر الآية -رحمه الله- ولهذا لو يشير إليها يعني كل في نسخته في هذا الموطن بدأ من قوله "وإنما هذه مخادعة لله ولعباده المؤمنين" هذا شروع من الشيخ في تفسير قول الله جل وعلا (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون).
 نسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا وأن يزيدنا علما وتوفيقا وأن يصلح لنا شأننا كله وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما… سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق