الأربعاء، 12 فبراير 2025

الدرس الثلاثون | تفسير سورة البقرة: من الآية (٤) (والذين يؤمنون بما أنزل إليك...)

تفسير سورة البقرة: من الآية (٤) (والذين يؤمنون بما أنزل إليك...)


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ثم قال تعالى (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) وهو القرآن والسنة، قال تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة) فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه، إما بجحده أو تأويله على غير مراد الله ورسوله صلى الله صل الله عليه وسلم كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة الذين يؤلون النصوص الدالة على خلاف قولهم بما حاصله عدم التصديق بمعناها وإن صدقوا بلفظها، فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا، وقوله (وما أنزل من قبلك) يشمل الإيمان بجميع الكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل، وبما اشتملت عليه خصوصا التوراة والإنجيل و الزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بالكتب السماوية كلها وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم"
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وأنفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أما بعد: قال رحمه الله تعالى: "ثم قال الله تعالى والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون)" (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) هذا فيه الإيمان بالكتب المنزلة وهو ركن من أركان الإيمان، قال الله عز وجل (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله)، قال جل وعلا (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب) (ال) هنا للجنس، أي الكتب المنزلة، فالإيمان بالكتب هذا أصل  من أصول الإيمان، (قال: أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره)، (الذين يؤمنون بما أنزل إليك) هذا الوحي المُنزل على محمد عليه الصلاة والسلام ويتناول الكتاب والسنة، يتناول القرآن ويتناول أيضا السنة المنزلة على محمد عليه الصلاة والسلام، لأن السنة هي كذلك وحي منزل من الله على رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فقوله (يؤمنون بما أنزل إليك) أي يؤمنون بالقرآن المُنزل عليك، ويؤمنون بالسنة المُنزلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، (وما أنزل من قبلك) هذا الإيمان بالكتب السابقة التوراة، والإنجيل، والزبور والصحف كما قال الله سبحانه وتعالى في آية أخرى (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب) أي آمنت بكل كتاب أنزله الله سبحانه وتعالى على كل رسول، هذا فيه الإيمان بالكتب المنزلة السابقة، وصفة الإيمان بهذه الكتب السابقة أن يؤمن العبد بأنها حق، وأنها مُنزله من عند الله، وأنها جاءت بهداية العباد وصلاحهم، وفلاحهم، وأن من آمن بها وعمل ممن أُنزلت عليهم سعِد في دنياه وأخراه، ومن أعرض عنها هلك في دنياه وأخراه. وأما الإيمان بالوحي المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام فهذا إيمان مخصوص في الإيمان وفي العمل بهذا القرآن الكريم، لأنه جاء مهيمنا على ما سبقه من كتاب ومصدقا لما بين يديه، وحاكما على الكتب السابقة، فهذا القرآن المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وكذلك السنة التي هي مبينة للقرآن، وشارحة له لها شأن خاص ولهذا قُدمت في الآية (الذين يؤمنون بما أنزل إليك) ما أُنزل إليك أي القرآن والسنة، مثل ما قال الشيخ رحمه الله: "قال وهو القرآن والسنة قال الله تعالى (وأنزل الله عليك الكتاب) أي القرآن (والحكمة) أي السنة" فالسنة وحي منزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا يستفاد من هذه الآية في أول سورة البقرة: أن أولئك الذين يزعمون أنهم لا يؤمنون إلا بالقرآن - ويوصفون بالقرآنيين - هؤلاء حقيقة لا يؤمنون حتى بالقرآن لأن هذا أول وصف لأهل الإيمان في القرآن قال (يؤمنون بما أنزل إليك) وهل هؤلاء حققوا الإيمان بهذا الذي ذكره الله؟ لأن السنة مُنزلة والله قال في القرآن (وما آتاكم الرسول فخذوه) فقال (وأنزل عليك الكتاب والحكمة) فالذي يقول إنه لا يؤمن إلا بالقرآن ولا يأخذ إلا بالقرآن، هو في الحقيقة لا يؤمن بالقرآن نفسه، بل هو مكذب حتى بالقرآن لأنه لا يمكن أن يؤمن بالقرآن فاصلا له عن السنة ومعرضا عن السنة النبوية الشارحة للقرآن العظيم.
 قوله سبحانه (والذين يؤمنون) الواو هذه كما هو معلوم واو عطف (والذين يؤمنون) تعطف ما بعدها على ما قبلها والذي قبلها هو صفة للمتقين قال (هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) فهل العطف هنا عطف صفات على صفات أو عطف ذوات على ذوات؟ أو موصوفين على من موصوفين؟
  هل هي عطف صفات على صفات أو عطف ذوات على ذواتا أوموصوفين على موصوفين؟
 من أئمة التفسير واختاره ابن جرير في تفسيره ونقله عن بعض الصحابة: أن العطف هنا عطف موصوفين على موصوفين، يعني أن العطف عطف موصوفين على موصوفين، بمعنى أن قوله (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) هذا وصف لقوم والذي قبله وصف لقوم، يعني الآية الأولى (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) هذه جاءت صفة لمن أسلم من المشركين، والثانية (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون) هذه صفة لمن أسلم من أهل الكتاب، قالوا هي نظير قوله تعالى (وإنّ من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمنا قليلا) وهم الذين جاء في الحديث (يؤتون أجرهم مرتين) الذين آمنوا بالكتاب الأول الذي نُزل ثم بالكتاب المنزل على محمد عليه الصلاة والسلام، وعلى هذا القول يكون العطف ماذا على ماذا؟ موصوفين على موصفوفين أو ذوات على ذوات.
 والقول الآخر في معنى الآية - وهو الأظهر - أنها عطف صفات على صفات فهي تتناول كل من آمن، تتناول كل من حقق هذه الصفات التي في الآية في الآيتين، تتناول كل من حقق هذه الصفات أو حقق هذا الإيمان فهي من عطف الصفات على الصفات. ولهذا جاء عن مجاهد رحمه الله أنه قال: "من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين من قوله (هدى للمتقين) إلى (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون)" هذه قال في نعت المؤمنين، ما معنى في نعتهم؟ وصفهم، صفتهم "في نعت المؤمنين" قال: "وآيتان في نعت الكافرين (إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) والآية التي بعدها" قال: "وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين"، الحاصل: أن هذه الآيات الأول الأربع من سورة البقرة، هذه في صفة أهل الإيمان، صفة أهل التقوى، فالله عز وجل ذكر أن القرآن هدى للمتقين ثم ذكر صفتهم: إيمانهم بالغيب، هذه الصفة الأولى، هي خمس صفات: إيمانهم بالغيب، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، هذه ثلاث في الآية الأولى، الآية الثانية فيها صفتين قال: (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) هذه الصفة الرابعة الإيمان بالكتب، والصفة الخامسة الإيمان باليوم الآخر (وبالآخرة هم يوقنون). ذكر الله سبحانه وتعالى صفة لأهل الإيمان خمس صفات: الإيمان بالغيب، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والإيمان بالكتب المنزلة (يؤمنون بما أنزل إليك ما أنزل من قبلك) والإيمان باليوم الآخر (وبالآخرة هم يوقنون) قال (أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون) قال الشيخ رحمه الله تعالى: "فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول" وهذا فيه أن اختيار الشيخ في تفسير الآية أنها من عطف الصفات على الصفات، قال: "فالمتقون" يعني كأنه يقول لا يزال هذا وصف للمتقين فالمتقون يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه، ليست هذه صفة أهل الإيمان، بل صفتهم الإيمان بالكتاب؟ كله، بالوحي المُنزل كله، لا يفرقون بين بعض وبعض، فيؤمن ببعض ويكفر ببعض، أو يؤمن ببعض ويجحد بعض، أو يقبل بعض ولا يقبل بعض، هذه ليست صفته أهل الإيمان، صفة أهل الإيمان الإيمان بالوحي المُنزل كله قال: "يؤمنون بجميع ما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام ولا يفرقون بين بعض ما أنزل إليه فيؤمنون ببعضه ولا يؤمنون ببعضه إما بجحده أو تأويله على غير مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم" وهذا بيان للأحوال التي يكون عليها من يرد الوحي، منهم من يرده ردا صريحا يجحده، يقول أنا ما أقبل، ومنهم من يقبل اللفظ لكن يحرف المعنى، يقبل اللفظ لكن يحرّف المعنى، يصرف الآية عن معناها، يصرفها عن مدلولها، عن مقصودها كما هي طريقة أهل البدع.
ولهذا بعض كتب التفسير فيها ذلك، فيها التأويل الذي هو التحريف صرف الآية عن معناها، وكثير من ذلك وقع فيما يتعلق بصفات الرب، صفات الرب سبحانه وتعالى التي هي من أعظم المُنزَّل شأنا، وأرفعه مقاما لأنها تعريف بربنا المعبود، فإذا كان طريقة التعامل مع آيات الصفات يقبل لفظها ويرد مدلولها ويقول هي تقتضي لو أثبتناها كذا وكذا وكذا، والمراد بها كذا، فيذهب بها عن معناها وعن مقصودها، قال الشيخ: "إما بجحده - أي المنزل - أو تأويله على غير مراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما يفعل ذلك من يفعله من المبتدعة الذين يؤلون النصوص الدالة على خلاف قولهم بما حاصله عدم التصديق بمعناه" "بما حاصله" أي بما خلاصته عدم التصديق بمعناها وإن صدقوا بلفظها، فهم على طريقتين: منهم من يرد أصلا، ومنهم من يقبل اللفظ ولكنه يُحرف المعنى، قال: "فلم يؤمنوا بها إيمانا حقيقيا".
 قال رحمه الله تعالى: "(وما أنزل من قبلك) يشمل الإيمان بجميع الكتب السابقة مثلما قال الله تعالى (وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب) أي بكل كتاب أنزله الله سبحانه وتعالى، وقال جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا آمِنوا بالله ورسوله والكتاب الذي نزّل على رسوله والكتاب الذي أنزل من قبل)، (الكتاب الذي أنزل من قبل) (أل) هنا للجنس يعني عموم الكتب المنزلة السابقة، (والكتاب الذي أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا) فقوله (وما أنزل من قبلك) هذا يشمل جميع الكتب السابقة التوراة والإنجيل، الزبور، الصحف المنزلة على إبراهيم، وغيرها من الكتب التي أنزلها الله سبحانه وتعالى، والله جل وعلا يقول (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب) يعني الكتب، (وأنزلنا معهم الكتاب) ولهذا مما يستفاد من هذه الآية: أن كل رسول أُنزل عليه كتاب (وأنزلنا معهم الكتاب) يعني الكتب، قال: "يشمل الإيمان بجميع الكتب السابقة، ويتضمن الإيمان بالكتب الإيمان بالرسل" يعني كأن الشيخ ينبه على فائدة: أن قوله (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) كما أن فيها الإيمان بالكتب الذي هو أصل من أصول الإيمان فهي تتضمن أيضا الإيمان بالرسل الذي هو أصل من أصول الإيمان لأن هذا إيمان بالكتب المنزلة على من؟ على الرسل، المنزلة على الرسل فهي تتضمن الإيمان بالرسل الذي هو أصل من أصول الإيمان، وبما اشتملت عليه خصوصا التوراة والإنجيل والزبور، وهذه خاصية المؤمنين يؤمنون بالكتب السماوية كلها وبجميع الرسل فلا يفرقون بين أحد منهم. نعم

 📖 قال رحمه الله: "ثم قال تعالى (وبالآخرة هم يوقنون) والآخرة اسم لما يكون بعد الموت، وخصّه بالذكر بعد العموم لأن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل، واليقين هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل"
🎤 ثم قال: "(وبالآخرة هم يوقنون) هذا مثلما تقدم فيه الإيمان بهذا الأصل عظيم من أصول الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر، واليوم الآخر سُمي بهذا الإسم اليوم الآخر، أو الآخرة، أو الدار الآخرة، سمي بهذا الإسم لمجيئها متأخرة بعد الدنيا، فلمجيئها بعد الدنيا وتأخرها عنها، سمي لمجيئه بعد الدنيا وتأخره عنها، سُمي اليوم الآخر قال (وبالآخرة هم يوقنون) الآخرة أواليوم الآخر، الإيمان باليوم الآخر ماذا يتناول؟ قال: "والآخرة اسم لما يكون بعد الموت، فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان. بكل ما يكون بعد الموت مما أخبرت به رسل الله، هذا هو الإيمان باليوم الآخر، الإيمان بكل ما يكون بعد الموت، وما أخبرت به رسل الله، يعني الآن لما تأتي إلى قضية قبض الروح ومجيء الملائكة.
وأيضا الملائكة الآخرون الذين يحضرون القبض، ثم إذا قبضها ملك الموت استلوها من يده، هذه التفاصيل هي داخلة في الإيمان باليوم الآخر، هذه التفاصيل التي تكون عند أول قبض الروح وصفة القبض وماذا يصنع الملائكة عند قبض الروح، التفاصيل التي جاءت في الكتاب وجاءت في السنة، هذه التفاصيل هي من الإيمان باليوم الآخر، ثم القبر وما فيه من فتنة وما فيه من عذاب أو نعيم، هذا كله من الإيمان باليوم الآخر، ثم البعث والنشور، والحساب والدواوين، والتفاصيل الكثيرة التي جاءت في الكتاب والسنة، هذا كله من الإيمان باليوم الآخر، فالإيمان باليوم الآخر هو الإيمان بكل ما يكون بعد الموت من ما أخبرت به رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه، قال الشيخ: "والآخرة اسم لما يكون بعد الموت، وخصّه بالذكر بعد العموم" لأنك الآن لو نظرت في عموم (يؤمنون بالغيب) يدخل كما في الأثر الذي مر معنا، وإذا نظرت (يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) في المُنزل ماذا؟ في المُنزل فيه الإيمان باليوم الآخر، يدخل خصّه بعد العموم، يعني بعد دخوله في العمومات التي قبله من أجل ماذا؟ قال: "خصّه بالذكر بعد العموم لأن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان، ولأنه أعظم باعث على الرغبة والرهبة والعمل" وأيضا لأنه كثيرا ما يُقرن بين الإيمان بالله واليوم الآخر لأن اليوم الآخر هو دار الجزاء على هذا الإيمان وعلى هذه الأعمال، وعلى جميع ما ذُكر، دار الجزاء على ذلك هو الدار الآخر، الدار الآخرة هي دار الجزاء على العمل، على هذا الإيمان، الإيمان بالغيب وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والإيمان بالكتب المنزلة، الثواب على ذلك والجزاء على ذلك في الدار الآخرة، في دار الجزاء على الأعمال كما قال الله سبحانه وتعالى (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) قال الشيخ: " قال (وبالآخرة هم يوقنون) اليقين ما هو؟ قال: "اليقين هو: العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل" هذا تعريف دقيق جدا لليقين، اليقين هو العلم التام الذي ينتفي فيه الشك، مثل ما قال الله سبحانه وتعالى (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا) لم يرتابوا أي أيقنوا ولم يشكوا، هذا هو اليقين، اليقين الذي لا يوجد فيه أدنى شك لتمام العلم الذي قام في القلب، قال: "واليقين هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك الموجب للعمل" أي عمل؟ العمل الذي يُستعد به لذلك اليوم (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب)" نعم

📖 قال رحمه الله: "(أولئك) أي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة (على هدى من ربهم) أي على هدى عظيم، لأن التنكير للتعظيم، وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة المتضمنة للعقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، وهل الهداية في الحقيقة إلا هدايتهم، وما سواها مما خالفها فهي ضلالة، وأتى بـ (على) في هذا الموضع الدالة على الاستعلاء، وفي الضلالة يأتي بـ (في) كما في قوله (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين) لأن صاحب الهدى مستعلٍ بالهدى مرتفع به، وصاحب الضلال منغمس فيه محتقر"
🎤 قال: "(أولئك) أولئك الإشارة إلى الموصوفين في الآيات والصفات التي في الآيتين قبلها (الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون* والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون* أولئك) أي المتصفون بهذه الصفات وعددها كما تقدم خمس صفات، هذه الصفات انتظمت -كما أشار الشيخ هنا إشارة لطيفة - انتظمت العقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة، انتظمت العقيدة الصحيحة، العقيدة الصحيحة في ثلاث من الصفات المذكورات: الإيمان بالغيب، والإيمان بالكتب، والإيمان باليوم الآخر، والأعمال المستقيمة ذُكر أعظم الأعمال إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، فانتظمت العقيدة الصحيحة والأعمال المستقيمة. الله جل وعلا يقول (أولئك) أي الموصوفون بتلك الصفات الحميدة العظيمة (على هدى من ربهم) أي على هدى عظيم، يستفاد هذا التعظيم من التنكير في قوله (هدى) جاءت هذه اللفظة منكرة والتنكير هنا غرضه التعظيم، يعني على هداية عظيمة لهم من رب العالمين، ولهذا يقول الشيخ "وأي هداية أعظم من تلك الصفات المذكورة أن هداهم لهذا الإيمان وشرح صدورهم له، وجعلهم من أهله، أي هداية أعظم من هذه الهداية، وهل الهداية في الحقيقة إلا هدايتهم وما سواها مما خالفها فهي ضلالة.
ثم أشار إلى معنى لطيف جدا - وأذكر أن هذا المعنى نبه عليه ابن القيم فيبحث عنه في كتبه - أتى بمعنى لطيف وهو: مجيء حرف (على) (على هدى) ما قال في هدى، قل (على هدى)، بينما في الضلالة قالوا (وإنا أو إياكم لعلى هدى، أو في ضلال) في الضلالة جاء بحرف (في)، وفي الهداية قال (على هدى) قال: وأتى بـ (على) في هذا الموضع للدلالة على الاستعلاء، وفي الضلالة يأتي بـ (في) كما في قوله (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال) لأن صاحب الهداية مستعلٍ بالهدى مرتفع بالهداية، الهداية ما هيه؟ الهداية علو وارتفاع، وكلما ازداد العبد هداية ازداد علوا ورفعة، والضلالة ما شأنها؟ سفول، الضلالة سفول وانحطاط وانغماس، ولهذا قال (أو في ضلال) قال: "وصاحب الضلالة منغمس فيه - في ضلاله- محتقر، لأنه في سفول وفي انحطاط (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين.

📖 ثم قال رحمه الله: "ثم قال (وأولئك هم المفلحون) والفلاح هو: الفوز بالمطلوب والنجاة من المرغوب، حصر الفلاح فيهم لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم، وما عدا تلك السبيل فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك. فلهذا لما ذكر صفات المؤمنين حقا ذكر صفات الكفار المظهرين لكفرهم المعاندين للرسول صلى الله عليه وسلم فقال"
🎤 نعم. قال " ثم قال (وأولئك هم المفلحون)، أولئك على هدى من ربهم هداية عظيمة، يعني عظيمة مستفادة كما تقدم من التنكير، لهم هداية عظيمة لما فيه سعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة (وأولئك هم المفلحون). المفلحون المفلح هو: الذي فاز بالمطلوب ونجا من المرهوب، ولهذا قالوا: إن أجمع كلمة قيلت في حيازة الخير هي كلمة الفلاح، فماذا يعني قوله (هم المفلحون) أي الذين حازوا الخير كله في الدنيا والآخرة، فهذا الذي تعنيه هذه اللفظة تعني حيازة الخير في الدنيا والآخرة، (وأولئك هم المفلحون) قال الفلاح هوالفوز بالمطلوب والنجاة من المرهوب.
 وقوله (وأولئك هم المفلحون) هذا حصر للفلاح فيهم لأن هذه الصيغة من صيغ الحصر (وأولئك هم المفلحون) لأنه لا سبيل إلى الفلاح إلا بسلوك سبيلهم، وما عدا تلك السبل لا تُفضي إلى فلاح (وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصا كم به لعلكم تتقون) فهي سبل الشقاء والهلاك والخسار التي تفضي بسالكها إلى الهلاك.
 نسأل الله جل وعلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا لتحقيق هذه الصفات العظيمة، وأن يجعلنا من أهل الهدى وأهل الفلاح، وأن يرزقنا أجمعين سعادة الدنيا والآخرة، اللهم أنفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا شأننا كله، ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين …. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا انت، أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
جزاكم الله خيرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق