الجمعة، 31 يناير 2025

(قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ) سورة المُلك | التفسير العقدي

 (قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ (23))

كثيرًا ما يرد في القرآن العظيم ذكر هذه الثلاثة: (السمع - والبصر - والأفئدة) لأنها أنفع أعضاء الإنسان وحواسه؛ فالإنسان يتلقى العلم عن طريق السمع والبصر، ثم يهبط إلى الفؤاد، فيكيِّفه، ويتصوره، ويكون منه العلم.


■ قوله: (قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ) أي: ما أقل شكركم! ولو تأمل الإنسان في حاله لوجد أنه لا يؤدي حق اللّٰه بشكره على هذه النعم.

فهل تفكّر الإنسان في:

نعمة السمع..

لو لم تكن تسمع لكنت في هذه الدنيا مغيبًا ولو كنت ترى الأشخاص. وعامة الناس لا يدركون تفاصيل هذه النعمة، وكيف هيَّأ اللّٰه تعالى الأذن الخارجية، والوسطى، والداخلية، والعصب السمعي، لتتولى نقل الأصوات وتحليلها!

فهذه نعمة يجب على الإنسان أن يحقق شكرها. وتحقيق شكرها بأن يصغي إلى كلام اللّٰه تعالى، وكلام رسوله صلىالله عليه وسلم، والموعظة الحسنة والعلم النافع، ونحو ذلك من الكلام الطيب، ويصون سمعه عن الخنا، والفجور، والفسق، والمعازف، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك من اللغو .


وكذلك الحال في :

نعمة البصر! هذه البِلِّورة التي في محجر العين، التي يُسرِّح الإنسان فيها الطَّرْف فيرى الألوان، والأشكال، والأحوال، ويتمتع بالنظر! ماذا لو سُلِبها كما الأعمى، فأمسى يتخبط في الظلمات؟ 

ويؤدي الإنسان شكر هذه النعمة بأن يسخرها في طاعة اللّٰه تعالى؛ بالنظر في ملكوت السموات والأرض، والنظر في كتاب اللّٰه تعالى فيتلوه بعينه، وينتفع بهذا البصر للوصول إلى مراضي اللّٰه تعالى، ويصونه عن النظر إلى ما حرم اللّٰه، والمشاهد المحرمة.


ونعمة الفؤاد الذي جعله اللّٰه بين أضلاعك، فله فائدتان :

الأولى: فائدة علمية.

الثانية: فائدة عضوية.

فالقلب هو سرة البدن، كما قال النبي للفي (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّه، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ) وهذا يشمل الناحية العلمية، والناحية العضوية، فحينما يتعطل القلب يموت صاحبه، وإذا اعتلَّ اعتلَّ البدن. 

وكذلك القلب المعنوي إذا صلح واهتدى، واستنار بنور اللّٰه تعالى، صَلُح حال الإنسان واستقام، وإذا استهوته الشبهات والشهوات، والغفلات، ضلَّ صاحبه.

فالسمع والبصر منفذان إلى القلب، يتعلم المرء من خلالهما، وليس كل سمع ينفع صاحبه، وليس كل بصر ينفع صاحبه كما قال اللّٰه تعالى: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ ٱلِجِنِّ وَٱلْإِنسُّ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَأْ أُوْلَئِكَ كَالْأَنْعَٰمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَيِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) [الأعراف: ١٧٩]

___________________

التفسير العقدي لجزء تبارك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق