الثلاثاء، 7 يناير 2025

الدرس السادس والعشرون / | تفسير سورة الفاتحة -3-

 

تفسير سورة الفاتحة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "(مالك يوم الدين) المالك هو من اتصف بصفة المُلك التي من آثارها انه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بممالكه بجميع أنواع التصرفات، وأضاف المُلك ليوم الدين وهو يوم القيامة، يوم يدان الناس فيه بأعمالهم خيرها وشرها لأن في ذلك اليوم يظهر للخلق تماما الظهور تمام ملكه وعدله وحكمته، وانقطاع أملاك الخلائق حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا، والعبيد والأحرار، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاته، راجون ثوابه، خائفون من عقابه فلذلك خصّه بالذكر، وإلا فهو المالك ليوم الدين وغيره من الأيام"
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله، ولاتكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: قال رحمه الله تعالى: "(مالك يوم الدين)" قبل هذه الآية آية لم يذكر الشيخ رحمه الله شيء في تفسيرها، واهي الآية التي قبل هذه الآية (الرحمن الرحيم)، (الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم) اكتفاء بتفسيره لها في البسملة، وهذا تفسير للفاتحة فالأولى ألا يُترك شيء لأن حتى من طريقة الشيخ إذا تكررت آية في القرآن أعاد تفسيرها ولو بشيء من الاختصار، ولهذا الأولى أن يثبت هنا (الرحمن الرحيم) وأقل تقديرا أن يُقال: وقد تقدم تفسيرها، أو يُشار إلى معنى مختصر ولا يُفصل اكتفاء بما تقدم. هذا هو الأولى والله تعالي أعلم. ولا سيما أن المعنى، معنى الاسم بعد (الحمد لله رب العالمين) وقبل (مالك يوم الدين) فيه هدايات ربما يأتي الإشارة إلى شيء منها.
 قال: (مالك يوم الدين) المالك هو من اتصف بصفة الملك، وهنا أضيف الملك إلى يوم الدين (مالك يوم الدين) والله عز وجل مالك يوم الدين ومالكٌ الدنيا وما فيها ومالك لكل شيء، لكن هذا التخصيص له معنى (مالك يوم الدين) وفي تنبيه أيضا على أمر عظيم، والدِّين هو يوم الحساب، الدين الجزاء، ومن أسماء ربنا تبارك وتعالى الديّان، يقول جل وعلا كما في حديث عبد الله بن أنيس (يقول الله جل وعلا انا الملك، أن الديّان) لاحظ (مالك يوم الدين) يقول أنا الملك أنا الديّان، والديّان معناه المجازي المحاسب، يجازي عباده ويحاسبهم على أعمالهم، كما قال الله جل وعلا (ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى) وفي ذلك اليوم يظهر هذا الملك العظيم لكل الخلائق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجر (ما لك يوم الدين)، وهذا أيضا فيها تنبيه على التخويف من ذلك اليوم (مالك يوم الدين) يقول الله جل وعلا في سورة الانفطار (وما أدراك ما يوم الدين* ثم ما أدراك ما يوم الدين* يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) هذا يُحرك خوف من ذلك اليوم، ويُولد أيضا استعداد لذلك اليوم العظيم، قال: "المالك هو من اتصف بصفة الملك التي من آثارها أنه يأمر وينهى، ويثيب ويعاقب، ويتصرف بمماليكه بجميع أنواع التصرفات ومن ذلك ما جاء في قوله سبحانه وتعالى (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير* تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) هذا كله من المعاني المرتبطة بالملك، فالمالك هو الذي يأمر وينهى، يثيب ويعاقب، يتصرف  كيفما شاء، يحي ويميت، يُعز ويُذل، يرزق من يشاء، يعزمن يشاء، يذل من يشاء، الملك ملكه سبحانه وتعالى، والخلق عبيده طوع تدبيره سبحانه وتعالى.
قال: "وأضاف الملك ليوم الدين" هذا من أسماء يوم القيامة، القيامة لها أسماء كثيرة، جاء كثير منها في القرآن مثل: القيامة، واليوم الآخر، ويوم التغابن، ويوم التناد، أسماء كثيرة منها يوم الدين، فتكون سورة الفاتحة مما اشتملت عليه الإيمان بهذا الأصل العظيم من أصول الإيمان، والركن العظيم من أركان الإيمان الذي هو الإيمان باليوم الآخر، يوم الجزاء والحساب (يوم الدين) يعني يوم الجزاء والحساب الذي هو اليوم الآخر.
أضاف المُلك ليوم الدين قال: "وهو يوم القيامة" يسمى يوم القيامة لأن الناس يقومون (يوم يقوم الناس لرب العالمين)، ويسمى يوم الدين لأن كل إنسان يُدان بعمله، بمعنى يجازى ويحاسب على على عمله، ويسمى يوم التناد لأن يكون فيه التناد مثل ما في الآيات التي في سورة الأعراف (ونادى أصحاب الجنة)، (ونادى أصحاب الأعراف)، (ونادى أصحاب النار)، هذا كله من التناد، (ويوم يناديهم)
قال: "وهو يوم القيامة يوم يدان الناس فيه بأعمالهم خيرها وشرها" مثل ما قال الله جل وعلا في سورة النجم (ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى)، مثل ما قال الله جل وعلا (لتجزى كل نفس بما تسعى) أي بما قدمت من أعمال. قال: "لأن في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور" يعني هذا وجه التخصيص، تخصيص المُلك بيوم الدين مع أنه المالك لكل شيء سبحانه وتعالى، لكن التخصيص لأن في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور، كل الخلق مسلمهم وكافرهم، برهم وفاجرهم، يظهر لهم ذلك، وفي ذلك اليوم يقول: أنا الملك أين ملوك الأرض؟ ويقول جل وعلا: (أنا الملك أنا الديان)، قال: "لأن في ذلك اليوم يظهر للخلق تمام الظهور كمال ملكه، وكمال عدله، وكمان حكمته" وانقطاع أملاك الخلائق، ولهذا مهما كان عند المرء في هذه الدنيا من ملك ومن مال فإنه يأتي يوم القيامة وليس معه شيء من الدنيا مثلما جاء في حديث عبد الله بن أنيس قال: قال صلى الله عليه وسلم: (يحشر العباد يوم القيامة حفاة عراة بُهما، قالوا: وما بهما يا رسول الله؟ قال أي ليس معهم من الدنيا شيء، فيناديهم الله جل وعلا بصوت يسمعه من بعُد كما يسمعه من قرُب أنا الملك، أنا الديّان لا ينبغي - يقول الله جل وعلا- لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولأحد من أهل النار عليه مظلمة حتى أقتصها منه، ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولأحد من أهل الجنة عليه مظلمة حتى أقتصها منه، قال حتى اللطمة، قالوا يا رسول الله وكيف ذاك وهم إنما جاءوا بُهما - وعرفوا معنى بهما يعني ليس معهم شيء- قال بالحسنات والسيئات) القصاص ليس بالدرهم والدينار، الدراهم والدنانير والأموال انتهت في الدنيا لا يكون مع الإنسان منها شيء مهما كانت، بم القصاص؟ قال بالحسنات و السيئات، قوله (بالحسنات والسيئات) هذا يفسره حديث المفلس (تدرون من المفلس) -الحديث المعروف في صحيح مسلم.
 قال: "وانقطاع أملاك الخلائق حتى إنه يستوي في ذلك اليوم الملوك والرعايا، والعبيد والأحرار" يقفون موقف متساوي حفاة كلهم، عرات كلهم، يقفون في موقف واحد على أرض مستوية لا ارتفاع فيها ولا انخفاض، يقفون في يوم مقداره خمسين ألف سنة، انتظار المجيء، مجيء الرب للفصل بين العباد، والقضاء بين الناس (وجاء ربك والملك صفا صفا* وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى* يقول يا ليتني قدمت لحياتي) يدرك ذاك الحين أن الحياة الحقيقية، الحياة الكاملة هي هذه (يا ليتني قدمت لحياتي)، قال: "كلهم" يعني الملوك والرعايا، والعبيد والأحرار، الصغار والكبار، والذكور والإناث، كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته كما قال في سورة طه (وعنت الوجوه للحي القيوم وقد خاب من حمل ظلما* ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما) كلهم مذعنون لعظمته، خاضعون لعزته، منتظرون لمجازاتهم لأنهم في ذاك الموقف ينتظرون، ولهذا الخلائق كلهم يفزعون إلى الأنبياء يطلبون منهم أن يشفعوا لهم عند الله في أن يبدأ في الفصل بين العباد، هذا معنى قوله "منتظرون لمجازاته" أي لمجيئه لمجزاة العباد (فهل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة). قال: "منتظرون لمجازاته راجون ثوابه، خائفون من عقابه"، قال: "فلذلك خُصّ بالذكر، ما معنى خُصّ بالذكر؟ قال: "يوم الدين (مالك يوم الدين) فلذلك خُصّ بالذكر وإلا فهو المالك ليوم الدين وغيره من الأيام".
 وقوله: (مالك يوم الدين) قرئ (مالك يوم الدين) وقرئ (ملك يوم الدين) وكلاهما قراءة عشرية (مالك يوم الدين) وقرئ (ملك يوم الدين) بحذف الألف.
وقيل إن (ملك) أعم وأبلغ من (مالك)، قالوا فكل ملِك مالك وليس كل مالك ملِك. وهذا قيل في الفرق بين الاسمين المالك والملِك. وذكر ابن عطية في تفسيره وغيره" أن هذا ليس بلازم، والملك والمالك وكذلك المليك في قوله (في مقعد صدق عند مليك مقتدر) كلها تدل على اتصاف الله بصفة الملك سبحانه وتعالى. نعم
📖 قال رحمه الله: "وقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) أي نخصّك وحدك بالعبادة، والاستعانة لأن تقديم المعمول يفيد الحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه فكأنه يقول نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك، وتقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص واهتماما بتقديم حقه تعالى على حق عبده، والعبادة اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال الظاهرة والباطنة،والاستعانة هي الاعتماد على الله تعالى في جلب المنافع، ودفع المضار مع الثقة به في تحصيل ذلك، والقيام بعبادة الله تعالى والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود بها وجه الله، فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيه لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يُعنه الله عز وجل لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي".
🎤 ثم ذكر ما يتعلق بتفسير قول الله جل وعلا (إياك نعبد وإياك نستعين)
(إياك نعبد وإياك نستعين) هذه آية جاءت في الوسط تماما، لأن عرفنا أن الفاتحة سبع آيات كما قال سبحانه (ولقد أتيناك سبعا من المثاني) السبع المثاني آياتها سبع فجاءت هذه في المنتصف، ما معنى في المنتصف؟ يعني في الوسط، يعني قبلها ثلاث آيات وبعدها ثلاث آيات، وعرفنا على الصحيح من كلام أهل العلم أن البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) ليست آية من سورة الفاتحة وإنما آية مستقلة نزلت للفصل بين السور، وثبت في سنن أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرف فصل السورة حتى تنزل عليه (بسم الله الرحمن الرحيم) إذن هي آية مستقلة للفصل بين السور، فهي آية لابتداء السور نزلت للفصل بين السور بعضها من بعض، والأدلة على هذا واضحة، ومن الأدلة ما تقدم في الحديث الذي  تقدم، الحديث القدسي الذي يقول الله عز وجل فيه (قسمت الصلاة - يعني الفاتحة المقصود بالصلاة الفاتحة - قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال..) الآن، إذا تسمع قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، يعني قسمت الفاتحة بيني وبين عبدي نصفين. كم آيات الفاتحة؟ سبع، القسمة كيف تكون؟ ثلاث ونصف للرب، وثلاث ونصف للعبد، (قال فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين) بدأ هكذا (قال فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين) لو كانت البسملة آية من الفاتحة كيف يكون الحديث؟ نعم، فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قال الله، لكن الحديث القدسي هكذا (قال الله عز وجل فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين)، مثله تماما ما مر معنا حديث أبي سعيد ابن المعلى لما قال له النبي عليه الصلاة والسلام لأخبركن بأعظم سورة في القرآن) ثم لما أراد أن يخرج المسجد أخبره، ماذا قال لنا؟ (الحمد لله رب العالمين) لو كان بدايتها بسم الله الرحمن الرحيم، قال بسم الله الرحمن الرحيم، هذه بدايتها لو كانت البسملة أول آية في سورة الفاتحة، فالصحيح أنها آية مستقلة، وعندما تُرقم الفاتحة يعطى الرقم الأول لقوله (الحمد لله رب العالمين)، رقم واحد (الحمد لله رب العالمين) هذه الآية الأولى، قال: (إذا قال (الحمد لله رب العالمين) قال الله حمدني عبدي، إذا قال (الرحمن الرحيم) قال الله أثنى علي عبدي، إذا قال (مالك يوم الدين) قال الله مجدني عبدي، فإذا قال العبد (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله: هذا بيني وبين عبدي - هذه الآية في الوسط - قال هذا بيني وبين عبدي، فإذا قال (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل).
 (اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم* غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذه كم آية؟ ثلاث، ثلاث من عدّ البسملة آية من الفاتحة عدّهذه آيتين (اهدنا الصراط المستقيم) آية (صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) آية، وألفاظ آيات الفاتحة متقاربة، متقاربة في ألفاظها، عددها، حجم الآية، فيه تقارب، لكن على جعل البسملة آية من الفاتحة تكون الآية الأخيرة طويلة أطول من بقية الآيات، فقوله (اهدنا الصراط المستقيم) إلى تمام السورة هذه ثلاث آيات، (اهدنا الصراط المستقيم) آية، (صراط الذين أنعمت عليهم) آية، (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) آية، هذه ثلاث آيات للعبد، وقبل (إياك نعبد وإياك نستعين) ثلاث آيات للرب، وقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) هذه الآية التي في الوسط هذه مقسومة أولها للرب وآخرها للعبد، (إياك نعبد) هذا للرب، (وإياك نستعين) هذا طلب، طلب من العبد أن يعينه الله ولهذا قالوا العبادة غاية والاستعانة وسيلة، وسيلة لتحقيق هذه الغاية.
قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) أي نخصّك وحدك بالعبادة والاستعانة، لأن تقديم المعمول يفيد الحصر، ما معنى الحصر؟ قال إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه. الحكم المذكور نعبدك، نستعين بك، إثبات هذا الحكم، ونفي ما عداه، أي ولا نعبد غيرك، ولا نستعين بغيرك، فتفيد (إياك نعبد) نفي وإثبات، إثبات الحكم للمذكور ونفي ماعداه، (إياك نعبد) تفيد نفي وإثبات، والتوحيد ما هو؟ نفي وإثبات، لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، و(إياك نعبد) هي تحقيق لـ لا إله إلا الله، و(إياك نستعين) هي تحقيق لـ لا حول ولا قوة إلا بالله، (إياك نعبد) تبرؤ من الشرك، و(إياك نستعين) تبرؤ من الحول والقوة، (إياك نعبد) تبرؤ من الشرك، (إياك نعبد) أي نعبدك ولا نعبد غيرك، لا نتخذ معك شريكا ولا ندا، و(إياك نستعين) تبرؤ من الحول والقوة، لا حول ولا قوة لي إلا بك يا الله، بك أستعين أي وحدك. قال: "لأن تقديم المعمول يفيد الحصر" كيف تقديم المعمول؟
أصل الجملة نعبدك، (نعبد) هذا فعل مضارع، والفاعل ضمير مستتر تقديره نحن، والكاف كاف الخطاب المفعول، نعبدك ياالله، فقُدم المعمول على العامل فصارت الجملة (إياك نعبد) فأفادت بهذه الطريقة، بهذا التقديم أفادت الحصر، حصر العبادة بالله عز وجل وحده، ومثلها (وإياك نستعين) هذا من أساليب الحصر، قال: "لأن تقديم المعمول يفيد الحصر وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه" فكأنه يقول نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك. فإذا (إياك نعبد) تفيد ماذا؟ النفي والإثبات، و(إياك نستعين) تفيد النفي والإثبات، قال: "نعبدك ولا نعبد غيرك، ونستعين بك ولا نستعين بغيرك، وتقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص" تقديم العام على الخاص: الآن الاستعانة بالله ودعاء الله والتوكل على الله، تفويض الأمور إلى الله، هذه الأعمال أليست من العبادة؟ هي عبادة لله، هذه من العبادة فيكون قوله (إياك نعبد) عام، و(إياك نستعين) خاص، الذي هو عبادة الله بالاستعانة به وحده. فهذا من تقديم العبادة، وتقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص، هذا أمر.
أمر آخر
قال: "واهتمام بتقديم حقه على حق عباده" ولهذا قالوا هذا التقديم فيه الأدب مع الله سبحانه وتعالى بتقديم المعبود نعبدك على المستعان الذي هو في فعلهم طلب العون من الله، الذي هو قسم العبد، يعني قدم حق الرب على مطلوب العبد، مطلوب العبد الذي في الحديث قال (بيني وبين عبدي) لعبدي أي مطلوب للعبد، فقدم حق الرب على مطلوب العبد، قال: "والعبادة اسم جامع" (إياك نعبد) (نعبد) الآن هذه من فهمها لا بد أن يفهم معنى العبادة، ما معنى نعبد، العبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، هذه العبادة. والاستعانة: هي الاعتماد على الله وتفويض الأمر إليه في جلب المنافع ودفع المضار مع الثقة به سبحانه وتعالى. إذا حقق العبد (إياك نعبد) فإنها تطرد عن قلبه طردا قويا الرياء، وإذا حقق (إياك نستعين) تطرد عن قلبه الكِبر، لأن (إياك نستعين) لا حول لي ولا قوة ولا قدرة على شيء، يعلن العبد ضعفه وعجزه وفقره، تطرد عنه الكبر، (وإياك نستعين) يعني أبرأ من حولي، وأبرأ من قوتي لا حول لي ولا قوة إلا بك.
القلب يصيبه أدواء والفاتحة شفاء ومن أسمائها الشفاء، فيها شفا عظيم لأدواء القلوب ولكن لا يتحقق الاستشفاء بها إلا بالتدبر والعمل بالهدايات، هناك ثلاثة أدواء خطيرة جدا تصيب الناس شفاؤهم منها بهذه السورة، الرياء وما شاكله يطرده (إياك نعبد)، والكِبر وما شاكله من العجب وغير ذلك يطرده (وإياك نستعين)، والأمر الثالث ضلال القلب وزيغه وهذا يذهب بـ (اهدنا الصراط المستقيم)، وهذه الثلاث مستفادة من (إياك نعبد وإياك نستعين اهدنا الصراط المستقيم) لها ارتباط بالأسماء الثلاثة المذكورة في أول السورة: (الله ،الرب ، الرحمن) (الحمد لله رب العالمين)، (الرحمن الرحيم)، (إياك نعبد) تعلقها بأسماء الله، و(وإياك نستعين) تعلقها بالربوبية الذي بيده الأمر يدبر ويتصرف، و (اهدنا الصراط المستقيم) هذه الرحمة، طلب الرحمة من الله عز وجل برحمته يهديهم - سبحانه وتعالى- إلى صراطه المستقيم.

📖 قال رحمه الله: "والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية، والنجاة من جميع الشرور، فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام به ما، وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصود بها وجه الله، فبهذين الأمرين تكون عبادة، وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عباداته إلى الاستعانة بالله تعالى، فإنه إن لم يعنه الله عز وجل لم يحصل له ما يريده من فعل الأوامر واجتناب النواهي"

🎤 نعم، (إياك نعبد وإياك نستعين) فيها قيام بعبادة، وفيها طلب إعانة من الله عز وجل، فـ (إياك نعبد وإياك نستعين) جمعت بين عبادة وتوكل (فاعبده وتوكل عليه)، (احرص على ما ينفعك واستعن بالله)، (اعقلها وتوكل)، جمعت بين بذل السبب والاستعانة بالرب، عدم الاعتماد على السبب وإنما الاستعانة على فعله بالرب سبحانه وتعالى.
فقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) تقتضي عبادته بإفراده وحده بالعبادة والتوكل عليه، وهذا هو الدين، الدين هو هذا، الدين كله هو هذا، ولهذا قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) هذه جمعت الدين كله، أن الدين إفراد الله بالعبادة، وصدق التوكل عليه جل وعلا في تحقيق هذه العبادة. يُعبد تبارك وتعالى اتباعاً للأمر، ويُستعان به وحده إيماننا بالقدر والقضاء إن الأمور بتدبير الله سبحانه وتعالى، ولهذا من هدايات السورة الإيمان بالقدر يستفاد من قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) ومن قوله (رب العالمين)، ومن قوله (اهدنا الصراط المستقيم) هذه كلها فيها إثبات الإيمان بالقدر، وأن الأمور كلها بتدبير الله، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وأنه سبحانه وتعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، الأمر أمره والخلق خلقه، والعبيد عبيده طوع تدبير وتسخيره سبحانه وتعالى.
 قال: "والقيام بعبادة الله والاستعانة به هو الوسيلة للسعادة الأبدية والنجاة من جميع الشرور" لأن هذا هو الدين، فالدين عباده واستعانة. فلا سبيل إلى النجاة إلا بالقيام بهما، أي بالعبادة والاستعانة.
قال: "وإنما تكون العبادة عبادة إذا كانت مأخوذة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مقصودا بها وجه الله" بهذين الأمرين تكون عبادة، أي يجمع فيها بين الإخلاص والمتابعة، الإخلاص للمعبود، والمتابعة للرسول، ولا تكون عبادة إلا بذلك لأنها إن خرجت عن الإخلاص صارت شركا، وإن خرجت عن الاتباع صارت بدعا وضلالات، فلا تكون عبادة إلا بالإخلاص والاتباع، الإخلاص للمعبود والاتباع للرسول عليه الصلاة والسلام وهذا مقتضى الشهادتين شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
قال: "وذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها - أي الاستعانة - فيها -أي العبادة-" وهذا يوضح كلام الشيخ فيما سبق عندما قال "تقديم العبادة على الاستعانة من باب تقديم العام على الخاص" ذكر الاستعانة بعد العبادة مع دخولها فيها، العبادة عام يدخل فيه الاستعانة طلب العون هذا عبادة "مع دخولها فيها لاحتياج العبد في جميع عبادته إلى الاستعانة بالله فإن لم يُعنه الله لم يحصل له ما يريد من فعل الأوامر واجتناب النواهي" فجُمع في قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) بين أعظم الغايات وأجلّ الوسائل، أعظم الغايات العبادة، وأجلّ الوسائل الاستعانة بالله سبحانه وتعالى. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه (يا معاذ إني أحبك فلا تدعن دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعني) هذا (إياك نستعين) (على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) هذا (إياك نعبد)، جُمع في هذا الدعاء بين ما دل عليه قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، هذا أمر عظيم جدا (إني أحبك) وهداه إلى أمر عظيم دُبر كل صلاة، إذا وفقك الله عز وجل وصليت استشعر أنك إنما صليت بعون الله لك، لولا الله ما صليت، لولا الله ما اهتدينا ولا صمنا ولا صلينا، فاستشعر أن هذه الصلاة معونة من لله لك، لا تنظر إلى نفسك وأني دقيق في وضع المنبه وأني فطن، وأني كذا.. إلى آخره، اترك هذا، أنت ما صليت إلا بعون من الله لك أمدك جل وعلا بعون منه، ويسر لك ذلك، كم من الناس منهم أشد منك فطنة وعندهم حرص وعندهم.. إلى آخره، ولا يُعان، الإعانة هذه أمر عظيم جدا، ومطلب جليل، ولا يمكن للعبد أن تحصل منه العبادة إلا إذا أعانه الله، قال: (لا تدعن دبر كل صلاة) هنا سر عندما تنتهي من صلاتك تفرغ من صلاتك تذكر أن هذا الذي حصل بمعونة الله ثم جدد طلب المعونة، حصل بمعونة الله جدد بعده طلب المعونة من الله سبحانه وتعالى (اللهم عني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) الصلاة القادمة داخلة في قولك ماذا؟ (اللهم عني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) والصلاة جامعة لهذه الأمور الثلاثة الذكر، والشكر، وحسن العبادة. جامعة لهذه الأمور الثلاثة. الحاصل: أن هذين الأمرين هما الدين كله (إياك نعبد وإياك نستعين) أعبده وتوكل عليه، هذا هو دين الله، دين الله جل وعلا وتحققه للعبد هو هذا، إفراد لله سبحانه وتعالى بالعبادة وصدق في طلب المعونة منه، مع الثقة به جلّ في علاه.
 نفعنا الله أجمعين، بما علمنا، وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما…. سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك، اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق