الاثنين، 16 ديسمبر 2024

الدرس الرابع والعشرون | تفسير سورة الفاتحة -١-

تفسير سورة الفاتحة


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "تفسير سورة الفاتحة، وهي مكية، بسم الله الرحمن الرحيم (الحمد لله رب العالمين *الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين* إياك نعبد وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".
🎤 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين. أما بعد: شرع المصنف رحمه الله تعالى في تفسير القرآن الكريم، مبتدئا بفاتحة الكتاب قال: "تفسير سورة الفاتحة" وهي السورة التي افتُتح بها كتاب الله عز وجل، وهي أعظم سور القرآن وأجلّها وأفضلها كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد إبن المعُلى رضي الله عنه وأرضاه قال: قال لي رسول الله صلي الله عليه وسلم: (لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد) وهذا كما لا يخفى أسلوب تشويق، لم يقل له عليه الصلاة والسلام مباشرة أفضل أو أعظم سورة في القرآن هي سورة كذا، جعله متشوقا ثم بعد ذلك أخبره، قال (لأعلمنك سورة هي أعظم سورة في القرآن قبل أن تخرج من المسجد) ثم أخذ صلى الله عليه وسلم بيدي، فلما أراد أن يخرج من المسجد قلت له: يا رسول الله ألم تقل لأعلمك سورة هي أعظم سورة في القرآن) هو الآن في غاية الشوق لمعرفة هذه السورة  وأوشك النبي عليه الصلاة والسلام أن يخرج من المسجد، فقال له عليه الصلاة والسلام: (الحمد لله رب العالمين) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) فأفاد هذا الحديث أن هذه السورة - سورة الفاتحة - هي أعظم سور القرآن الكريم.  قال المصنف رحمه الله: "تفسير سورة الفاتحة، وهي مكية" ونقف أولا مع هذه الألفاظ: فقوله "تفسير" 
التفسير في اللغة: الكشف والبيان. فَسَرَ عن الشيء أي كشف عنه.
وتفسير القرآن الكريم في الاصطلاح: هو علم يُعرف به معاني كتاب الله وحِكمه وأحكامه، وتارة يكون تفسيرٌ للقرآن بالقرآن نفسه، وتارة يكون بحديث الرسول عليه الصلاة والسلام، وتارة بالمروي عن الصحابة الكرام الذين شهدوا التنزيل رضي الله عنهم وأرضاهم.
قال: "تفسير سورة الفاتحة" سورة:هذا اسم لمجموعة محددة من آيات القرآن. وهي تسمية شرعية جاء بها القرآن، مثل قوله سبحانه وتعالى (سورة أنزلناها وفرضنا) وقوله (يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة)، ومثل قوله (ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة)
السورة: هي إطلاق على المجموعة من الآيات، مجموعة من آيات كتاب الله جل وعلا، والقرآن فيه سُوَر كثيرة عددها مئة وأربع عشرة سورة افتتحت بأم القرآن فاتحة الكتاب، واختتمت بسورة الناس. يقال سميت سورة في معناها اللغوي أو مدلولها اللغوي لشرفها وارتفاعها كما يقال لِما ارتفع من الأرض سُور، وتجُمع على سُوَر، وسُورَات و سُوَرات.
وقوله: "الفاتحة" هذا اسم من أسماء هذه السورة العظيمة فهي تسمى الفاتحة بالتعريف بأل، وتسمى فاتحة الكتاب تعريف بالإضافة، أو فاتحة القرآن لأنها افتتح بها كتاب الله جل وعلا، وتسمى - كما تقدم معنا في حديث أبي سعيد ابن المعلى - تسمى السبع المثاني، السبع لأن آياتها سبع، والمثاني لأنها تثنى في كل صلاة ويؤتى بها في كل ركعة من كل صلاة، و كما صح في الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)، وقال عليه الصلاة والسلام في حديث سعيد بن المعلى: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أُوتيته) هذا فيه شرف هذه السورة وعظيم مكانتها وأنها اشتملت إجمالا وحوت إجمالا ما حواه القرآن تفصيلا، ولهذا يقال لها أم القرآن، ويقال لها ام الكتاب لأنها تضمنت إجمالا ما تضمنه الكتاب تفصيلا، فهي أم القرآن لرجوع معاني القرآن كلها إلى ما تضمنته هذه السورة. فسورة فاتحة أجملت والقرآن فصّل.
وتسمى هذه السورة الصلاة، سمّاها الله عز وجل بذلك في الحديث القدسي، (قال جل وعلا قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) قال الله حمدني عبدي، إذا قال (الرحمن الرحيم) قال الرب: أثنى علي عبدي، إذا قال (مالك يوم الدين) قال مجدني عبدي، فإذا قال (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي، وإذا قال (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ومعنى (قسمت الصلاة) أي قسمت الفاتحة فسماها صلاة، وهذا يدل على عِظم شأنها، وأنها من أركان الصلاة العظيمة فلا صلاة لمن لم يقرأ بها، مثل قوله في الحديث (الحج عرفة) وصف عرف بأنه الحج فيدل ذلك على أن عرفة ركن الحج الأعظم. هنا قال: (قسمت الصلاة) الصلاة مجموعة أعمال منها قراءة الفاتحة. قال:(قسمت الصلاة) أي قسمت الفاتحة، (بيني وبين عبدي نصفين) كم عدد آيات سورة الفاتحة؟ سبع (السبع المثاني)، إذا كانت مقسومة نصفين فمعنى ذلك ثلاث آيات ونصف للرب، وثلاث آيات ونصف للعبد، من قوله (الحمد لله رب العالمين) إلى قوله (إياك نعبد) هذا للرب، هذا النصف الأول للرب سبحانه وتعالى ثناء وحمد وتمجيد وتوحيد للرب سبحانه، والنصف الأخير من قوله (وإياك نستعين* اهدنا الصراط المستقيم) هذا للعبد، (إياك نستعين) هذا طلب عون، (اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخر السورة هذا طلب هداية وسلامة، هداية للصراط، والسلامة من الطرق والسبل المنحرفة الضالة المجانبة لصراط الله المستقيم. وهذا الحديث من أعظم ما يستعان به على تفسير سورة الفاتحة كما نبه على ذلك شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه السورة .

وتسمى أيضا هذه السورة الرقية والشفاء كما في قصة أبي سعيد رضي الله عنه لما مروا بقوم ولدغ سيدهم فلحقوهم وسألوهم هل عندكم علاج؟ فقال أحدهم عندي وذهب ورقاه بالفاتحة فشُفي (كأنما نشط من عقال) كما جاء في الحديث، ولما رجعوا إلى النبي عليه الصلاة والسلام قال له عليه الصلاة والسلام: (وما يدريك انها رقية) أقرّ عليه الصلاة والسلام أنها رقية، فالفاتحة رقية وشفاء ولها خصائص كثيرة وفضائل عظيمة اختصت بها هذه السورة العظيمة المباركة، التي هي أعظم سور القرآن الكريم.
وقوله رحمه الله تعالى: "وهي مكية" والقرآن سُوَرُه إما مكية أو مدنية، وبعض السور يكون بعضها مدني وبعضها مكي. وسورة الفاتحة اختلف هل هي مكية أو مدنية، فقيل: هي مكية وقيل هي مدنية، وقيل بعضهم مكي وبعضها مدني. لكن الصحيح أن هذه السورة مكية، يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله تعالى: "وفاتحة الكتاب نزلت بمكة بلا ريب" كما دل عليه قوله تعالى (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) وقد ثبت في الصحيح عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: (هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته) قال: "وسورة الحَجر مكية بلا ريب" واضح وجه الاستدلال؟ لأن الله عز وجل قال في سورة الحجر - وهي مكية بلا ريب - قال (ولقد أتيناك سبعا من المثاني) والنبي عليه الصلاة والسلام مثل ما تقدم معنا في حديث أبي سعيد صح أنه قال: "(الحمد لله رب العالمين) هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته" وسورة ال الحِجر مكية بلا ريب، إذن هذا يفيد قطعا أن سورة الفاتحة مكية وليست مدنية.

شرع الشيخ في التفسير وبدأ أولا بالبسملة، لكن جرت عادة عدد من المفسرين قبل البسملة يوضحون ما يتعلق بالاستعاذة التي تكون بين يدي القراءة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) وهذه اللفظة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ليست آية من القرآن بخلاف البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه آية من القرآن، آية مستقلة تُفتتح بها السور، نزلت آية تفتتح بها السور، ولهذا الصحيح أن (بسم الله الرحمن الرحيم) ليست من الفاتحة. والدليل تقدم معنا، قال ربنا جل وعلا: (قسمت الصلاة) يعني الفاتحة (بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد (الحمد لله)، ما قال جل وعلا فإذا قال العبد بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فإذا قال العبد (الحمد لله رب العالمين) فالفاتحة تبدأ من الحمد لله. والبسملة آية تفتتح بها كل سور القرآن عد سورة براءة التي نزلت بالسيف، وهي آية من سورة النمل (وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) فـ (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه آية من سورة النمل، وآية مستقلة تفتتح بها كل سورة من سور القرآن، عدا سورة براءة.
أما (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هذه اللفظة (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ليست آية من القرآن ولكن يشرع لكل تالي استحبابا، يُشرع لكل تالي للقرآن استحبابا أن يبدأ قراءته للقرآن بالتعوذ عملا بقول الله سبحانه وتعالى في سورة النحل (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) استعذ بالله من الشيطان الرجيم هذا أمر من الله، العمل بهذا الأمر أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) فعل هذا الأمر الذي أمر الله به أن تقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. ومعنى قوله: (فإذا قرأت القرآن) أي إذا أردت أن تقرأ القرآن، مثل قول الله جل وعلا (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم)، (قمتم إلى الصلاة) أي أردتم القيام للصلاة، أردتم القيام إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم. فيشرع للمسلم بين يدي تلاوة القرآن سواء قرأه في صلاته أو في غير الصلاة أن يبدأ بالاستعاذة. ولهذا في الصلاة أول ما يبدأ بالتكبير، ثم الدعاء الاستفتاح، ثم التعوذ، ثم البسملة، ثم قراءة الفاتحة. ثم إذا أراد أن يقرأ الفاتحة في الركعة الثانية والثالثة لا يتعوذ، يبسمل فقط، وإنما التعوذ يكون فيه في أول الصلاة.
وشُرع التعوذ بين يدي التلاوة سواء في الصلاة أو خارجها لطرد وسوسة الشيطان وإبعاده عن الإنسان، لأنه إذا حضر شغله عن القرآن وفهمه وتدبره وعقل معانيه، فهي مشروعة لدفع الوسواس، (إذا قرأت القرآن) أي إذا أردت القراءة. وهذا يوضحه فعل النبي عليه الصلاة والسلام، هذا جاء في حديث كثيرة يتعوذ ثم يبسمل ثم يقرأ الفاتحة في صلاته، صلى الله عليه وسلم.

ذهب طائفة من القراء إلى أن التعوذ يؤتى به بعد القراءة، بعد الفراغ من القراءة، أخذا من ظاهر الآية (فإذا قرأت القرآن) أخذا من ظاهرها (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) يجعلونها بعد القراءة اعتمادا على ظاهر السياق، و يقولون: وهذا من فائدته طرد العجب عن النفس بالتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لكن الصحيح في معنى الآية هو ما تقدم وهي أنه يؤتى بها بين يدي القراءة لفعله عليه الصلاة والسلام والسنة مفسرة للقرآن، ولم يُنقل أنه كان يتعوذ إذا فرغ من القراءة وإنما كل ما نقل من فعله عليه الصلاة والسلام أنه يتعوذ ثم يقرأ، وفعله مفسر، فعله عليه الصلاة والسلام مُفسر للقرآن.
والتعوذ الالتجاء إلى الله واعتصام به سبحانه وتعالى، التعوذ فرار من شيء يخافه الإنسان إلى من يجيره و ينجيه منه، ولا مفر إلا إلى الله (ففروا إلى الله) لا مفر إلا إلى الله سبحانه وتعالى، فالتعوذ التجاء إلى الله واعتصام به سبحانه وتعالى، ولهذا الاستعاذة تقوم على أركان:
صيغة الاستعاذة وأفضل ما يكون هذه الصيغة التي هي الموافقة للمأمور به في القرآن (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم).
 ومستعاذ به: وهو الله، ولا يستعاذ إلا بالله جل وعلا، والاستعاذة بغيره شرك.
ومستعاذ منه: وهو الشيطان هنا دفعا لوساوسه، ولهذا في بعض صيغ الاستعادة الواردة (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه، ونفخه ونفثه) المقصود طرد وإبعاد هذه الأمور عن الإنسان بالتعوذ بالله، الهمز، والنفخ، والنفث.
(بسم الله الرحمن الرحيم) -هذه كما تقدم- ليست آية -على الصحيح- من سورة الفاتحة وإنما هي آية مستقلة تفتتح بها كل سورة من كتاب الله جل وعلا.

📖 قال الشيخ رحمه الله: "بسم الله، أي ابتدئ بكل اسم لله تعالى، لأن لفظ اسم مفرد مضاف فيعم جميع الأسماء الحسنى، الله هو المألوه المعبود، المستحق لإفراده بالعبادة لما اتصف به من صفات الألوهية، وهي الصفات الكمال".
🎤 أيضا فيما يتعلق بالاستعاذة كنت أشرت إلى أنها ليست آية (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) ليست آية من القرآن، أما البسملة (بسم الله الرحمن الرحيم) هذه آية من كتاب الله جل وعلا، يقول شيخ الإسلام إبن تيمية رحمه الله: "الاستعاذة ليست بقرآن" يقصد بالاستعاذة قول (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) هذه اللفظة ليست بقرآن "ولم تكتب في المصاحف" يعني تجد في أول سورة في المصاحف عدا براءة (بسم الله) لكن لا تجد حتى في أول القرآن (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم)، قال: "ولم تكتب في المصاحف وإنما فيه -أي القرآن- الأمر بالاستعاذة وهذا قرآن"ما هو القرآن؟ (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله) هذا قرآن، أمر الله بالاستعاذة، لكن لفظة الاستعاذة، صيغة الاستعاذة: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، هذه الصيغة ليست آية من القرآن.
ثم شرع الشيخ بتفسير البسملة والفاتحة..
ويكتفى بهذا القدر. نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما … سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا إنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق