قوله تعالى: (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير)
قال ابن عطية: قوله تعالى: (بالغيب) يحتمل معنيين:
أحدهما: بالغيب الذي أُخبروا به من الحشر والصراط والميزان والجنة والنار فآمنوا بذلك، وخشوا ربهم فيه. ونحا إلى هذا قتادة رحمه الله.والمعنى الثاني: أنهم يخشون ربهم إذا غابوا عن أعين الناس أي في خلواتهم، ومنه تقول العرب: فلان سالم الغيب، أي: لا يضر، فالمعنى: يعملون بحسب الخشية في صلاتهم وعباداتهم وانفرادهم.
فالاحتمال الأول : مدح بالإخلاص والإيمان،
والثاني : مدح بالأعمال الصالحة في الخلوات، وذلك أحرى أن يعملوها علانية». تفسير ابن عطية (٥/ ٣٤٠).
وقال ابن عاشور: «قدّم المغفرة تطمينا لقلوبهم؛ لأنهم يخشون المؤاخذة على ما فرط منهم من الكفر قبل الإسلام، ومن اللمم ونحوه، ثم أعقبت البشارة بالأجر العظيم، فكان الكلام جاريا على قانون تقديم التخلية على التحلية، أو تقديم دفع الضرّ على جلب النفع».
وقال ابن عاشور: «قدّم المغفرة تطمينا لقلوبهم؛ لأنهم يخشون المؤاخذة على ما فرط منهم من الكفر قبل الإسلام، ومن اللمم ونحوه، ثم أعقبت البشارة بالأجر العظيم، فكان الكلام جاريا على قانون تقديم التخلية على التحلية، أو تقديم دفع الضرّ على جلب النفع».
«التحرير والتنوير» (٢٩/ ٢٩).
قوله تعالى : (وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور)
قال البغوي رحمه الله: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد" فقال الله جلّ ذكره: {ألا يعلم من خلق». تفسير البغوي» (۸/ ۱۷۸).
قال البغوي رحمه الله: قال ابن عباس رضي الله عنهما: "نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيخبره جبريل عليه السلام بما قالوا فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كي لا يسمع إله محمد" فقال الله جلّ ذكره: {ألا يعلم من خلق». تفسير البغوي» (۸/ ۱۷۸).
وقال ابن القيم: «قوله: {إنه عليم بذات الصدور ، ليس المراد به عليم بمجرد الصدور، فإن هذا ليس فيه كبير أمر، وهو بمنزلة أن يقال: عليم بالرؤوس والظهور والأيدي والأرجل. وإنما المراد به: عليم بما
تضمره الصدور من خير وشر، أي: بالأسرار التي في الصدور وصاحبة الصدور، فأضافها إليها بلفظ يعم جميع ما في الصدور من خير وشر. الصواعق المرسلة» (٢/ ٩٦٣).
تضمره الصدور من خير وشر، أي: بالأسرار التي في الصدور وصاحبة الصدور، فأضافها إليها بلفظ يعم جميع ما في الصدور من خير وشر. الصواعق المرسلة» (٢/ ٩٦٣).
قوله تعالى ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)
قال ابن تيمية رحمه الله: «قال تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور * ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير}، وقد استدل طوائف من أهل السنة بهذه الآية على أنه سبحانه خالق أقوال العباد وما في صدورهم. وهذه الآية تدل على كونه عالما بالجزئيات من طرق: أحدها: من جهة كون الخلق يستلزم العلم بالمخلوق. والثاني: من جهة كونه في نفسه لطيفاً خبيراً، وذلك يوجب علمه بدقيق الأشياء وخفيها». «درء تعارض العقل والنقل» (۱۰/ ۱۱۷).
وقال ابن القيم: «وقد اختلف في إعراب (مَن خلق) هل هو الرفع أو النصب؟ فإن كان مرفوعا يعني على كونه فاعلا فهو استدلال على علمه بذلك بخلقه له، والتقدير: إنه يعلم ما تضمنته الصدور، وكيف لا يعلم الخالق ما خلقه. وهذا الاستدلال في غاية الظهور والصحة؛ فإن الخلق يستلزم حياة الخالق وقدرته وعلمه ومشيئته.
وإن كان منصوبا فالمعنى: ألا يعلم مخلوقه، وذكر لفظة (من) تغليبا؛ ليتناول العلم العاقل وصفاته. وعلى التقديرين فالآية دالة على خلق ما في الصدور ، كما هي دالة على علمه سبحانه به». «شفاء العلیل»
.(۱۸۹ /۱)
وقال ابن كثير: «{ألا يعلم من خلق} أي: ألا يعلم الخالق وقيل : معناه ألا يعلم الله مخلوقه، والأول أولى، لقوله: {وهو اللطيف الخبير». «تفسير ابن كثير» (۸/ ۱۷۹).
وقال السعدي: «ومن معاني اللطيف أنه الذي يلطف بعبده ووليه فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويُرقِّيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال، حتى إنه يذيقه المكاره ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة». «تفسير السعدي» ( ص ٨٧٦).
.(۱۸۹ /۱)
وقال ابن كثير: «{ألا يعلم من خلق} أي: ألا يعلم الخالق وقيل : معناه ألا يعلم الله مخلوقه، والأول أولى، لقوله: {وهو اللطيف الخبير». «تفسير ابن كثير» (۸/ ۱۷۹).
وقال السعدي: «ومن معاني اللطيف أنه الذي يلطف بعبده ووليه فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويُرقِّيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال، حتى إنه يذيقه المكاره ليتوصل بها إلى المحاب الجليلة، والمقامات النبيلة». «تفسير السعدي» ( ص ٨٧٦).
قال ابن القيم: «أخبر سبحانه أنه جعل الأرض ذلولا منقادة للوطء عليها وحفرِها وشقها والبناء عليها، ولم يجعلها مستصعبة ممتنعة على من أراد ذلك منها. وأخبر سبحانه أنه جعلها مهادا وفراشا وبساطا وقرارا وكفاتا، وأخبر أنه دحاها وطحاها، وأخرج منها ماءها ومرعاها وثبتها بالجبال، ونهج فيها الفجاج والطرق، وأجرى فيها الأنهار والعيون، وبارك فيها، وقدّر فيها أقواتها. ومن بركتها أن الحيوانات كلها وأرزاقها وأقواتها تخرج منها، ومن بركتها أنك تودع فيها الحب فتخرجه لك أضعاف أضعاف ما كان، ومن بركتها أنها تحمل الأذى على ظهرها، وتخرج لك من بطنها أحسن الأشياء وأنفعها، فتواري منه كل قبيح، وتخرج له كل مليح.
ومن بركتها أنها تستر قبائح العبد وفضلات بدنه وتواريها، وتضمّه وتؤويه، وتخرج له طعامه وشرابه؛ فهي أحمل شيء للأذى وأعوده بالنفع. فلا كان من التراب خير منها وأبعد من الأذى وأقرب إلى الخير.
والمقصود أنه سبحانه جعل لنا الأرض كالجمل الذلول الذي كيفما يُقاد ينقاد. وحسُن التعبير بـ (مناكبها) عن طرقها وفجاجها لما تقدم من وصفها بكونها ذلولا؛ فالماشي عليها يطأ على مناكبها وهي أعلى شيء فيها، ولهذا فسّرت المناكب بالجبال ؛ كمناكب الإنسان، وهي أعاليه، قالوا: وذلك تنبيه على أن المشي في سهولها أيسر.
وقالت طائفة: بل المناكب الجوانب والنواحي، ومنه مناكب الإنسان لجوانبه. والذي يظهر أن المراد بالمناكب الأعالي، وهذا الوجه الذي يمشي عليه الحيوان هو العالي من الأرض دون الوجه المقابل له؛ فإن سطح الكرة أعلاها، والمشي إنما يقع في سطحها، وحسُن التعبير عنه بالمناكب لما تقدّم من وصفها بأنها ذلول. ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها؛ فذللها لهم، ووطأها، وفتق فيها السُبل والطرق التي يمشون فيها، وأودعها رزقهم؛ فذكر تهيئة المسكن للانتفاع والتقلب فيه بالذهاب والمجيء والأكل مما أودع فيه للساكن.
ثم نبه بقوله: {وإليه النشور) على أنا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلناه عابري سبيل؛ فلا يحسُن أن نتخذه وطنا ومستقرا، وإنما دخلناه لنتزود منه إلى دار القرار ؛ فهو منزل عبور لا مستقر حبور، ومعبر وممر لا وطن ومستقر.
فتضمنت الآية الدلالة على ربوبيته ووحدانيته وقدرته وحكمته ولطفه، والتذكير بنعمه وإحسانه، والتحذير من الركون إلى الدنيا، واتخاذها وطنا ومستقرا ، بل نسرع فيها السير إلى داره وجنته.
فلله ما في ضمن هذه الآية من معرفته وتوحيده، والتذكير بنعمه، والحث على السير إليه والاستعداد للقائه والقدوم عليه، والإعلام بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأن لم تكن، وأنه يحيي أهلها بعدما أماتهم، وإليه النشور». «الفوائد» (١/ ٢٣-٢٥).
وقال ابن كثير رحمه الله : «قال: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها} أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: (وكلوا من رزقه) فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا). رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن هبيرة. وقال الترمذي: حسن صحيح. فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق، مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسخّر الميسر المسبب». «تفسير ابن كثير ) (۱۷۹/۸)
والمقصود أنه سبحانه جعل لنا الأرض كالجمل الذلول الذي كيفما يُقاد ينقاد. وحسُن التعبير بـ (مناكبها) عن طرقها وفجاجها لما تقدم من وصفها بكونها ذلولا؛ فالماشي عليها يطأ على مناكبها وهي أعلى شيء فيها، ولهذا فسّرت المناكب بالجبال ؛ كمناكب الإنسان، وهي أعاليه، قالوا: وذلك تنبيه على أن المشي في سهولها أيسر.
وقالت طائفة: بل المناكب الجوانب والنواحي، ومنه مناكب الإنسان لجوانبه. والذي يظهر أن المراد بالمناكب الأعالي، وهذا الوجه الذي يمشي عليه الحيوان هو العالي من الأرض دون الوجه المقابل له؛ فإن سطح الكرة أعلاها، والمشي إنما يقع في سطحها، وحسُن التعبير عنه بالمناكب لما تقدّم من وصفها بأنها ذلول. ثم أمرهم أن يأكلوا من رزقه الذي أودعه فيها؛ فذللها لهم، ووطأها، وفتق فيها السُبل والطرق التي يمشون فيها، وأودعها رزقهم؛ فذكر تهيئة المسكن للانتفاع والتقلب فيه بالذهاب والمجيء والأكل مما أودع فيه للساكن.
ثم نبه بقوله: {وإليه النشور) على أنا في هذا المسكن غير مستوطنين ولا مقيمين، بل دخلناه عابري سبيل؛ فلا يحسُن أن نتخذه وطنا ومستقرا، وإنما دخلناه لنتزود منه إلى دار القرار ؛ فهو منزل عبور لا مستقر حبور، ومعبر وممر لا وطن ومستقر.
فتضمنت الآية الدلالة على ربوبيته ووحدانيته وقدرته وحكمته ولطفه، والتذكير بنعمه وإحسانه، والتحذير من الركون إلى الدنيا، واتخاذها وطنا ومستقرا ، بل نسرع فيها السير إلى داره وجنته.
فلله ما في ضمن هذه الآية من معرفته وتوحيده، والتذكير بنعمه، والحث على السير إليه والاستعداد للقائه والقدوم عليه، والإعلام بأنه سبحانه يطوي هذه الدار كأن لم تكن، وأنه يحيي أهلها بعدما أماتهم، وإليه النشور». «الفوائد» (١/ ٢٣-٢٥).
وقال ابن كثير رحمه الله : «قال: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها} أي: فسافروا حيث شئتم من أقطارها، وتردّدوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات واعلموا أن سعيكم لا يجدي عليكم شيئا إلا أن ييسره الله لكم؛ ولهذا قال: (وكلوا من رزقه) فالسعي في السبب لا ينافي التوكل، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصا وتروح بطانا). رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث ابن هبيرة. وقال الترمذي: حسن صحيح. فأثبت لها رواحا وغدوا لطلب الرزق، مع توكلها على الله عز وجل، وهو المسخّر الميسر المسبب». «تفسير ابن كثير ) (۱۷۹/۸)
قوله تعالى ( أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذیر)
قال البخاري رحمه الله : قال الله: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا) وقال عمران بن حصين رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي: (كم تعبد اليوم إلها؟) قال: سبعة، ستة في الأرض، وواحد في السماء، قال: (فأيهم تُعدّ لرغبتك ولرهبتك؟) قال: الذي في السماء». «خلق أفعال العباد للبخاري» (ص٤٣).
وقال أبو الحسن الأشعري: قال تعالى: (أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض) فالسماوات فوقها العرش، فلما كان العرش فوق السماوات قال: (أأمنتم من في السماء) لأنه مستو على العرش الذي فوق السماوات، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، وليس إذا قال: (أأمنتم من في السماء) يعني السماوات وإنما أراد العرش الذي هو أعلى السماوات. ورأينا المسلمين جميعا يرفعون أيديهم إذا دعوا نحو السماء؛ لأن الله تعالى مستو على العرش الذي هو فوق السماوات، فلولا أن الله عز وجل على العرش لم يرفعوا أيديهم نحو العرش، كما لا يحطونها إذا دعوا إلى الأرض». «الإبانة عن أصول الديانة» (ص ١٠٥-١٠٧).
وقال البيهقي: «قال: {أأمنتم من في السماء وأراد من فوق السماء، كما قال: {ولأصلبنّكم في جذوع النخل} يعني: على جذوع النخل، وقال: {فسيحوا في الأرض} يعني: على الأرض، وكل ما علا فهو سماء، والعرش أعلى السماوات، فمعنى الآية - والله أعلم- أأمنتم من على العرش، كما صرح به في سائر الآيات». «الاعتقاد للبيهقي» (ص۱۱۳).
وقال ابن تيمية: «هذا كتاب الله من أوله إلى آخره، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها، ثم عامة كلام الصحابة والتابعين، ثم كلام سائر الأئمة مملوء بما هو إما نص وإما ظاهر في أن الله سبحانه وتعالى هو العلي الأعلى، وهو فوق كل شيء، وهو على كل شيء، وأنه فوق العرش، وأنه فوق السماء: مثل قوله تعالى: {إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه}، {إني متوفيك ورافعك إلي}، {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض}، {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا}، {بل رفعه الله إليه}، {تعرج الملائكة والروح إليه)، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه}، {يخافون ربهم من فوقهم}، {ثم استوى على العرش} في ستة مواضع، {الرحمن على العرش استوى}، {يا هامان ابن لي صرحا لعلّي أبلغ الأسباب* أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا}، {تنزيل من حكيم حميد}، {منزل من ربك بالحق} إلى أمثال ذلك مما لا يكاد يحصى إلا بكلفة. وفي الأحاديث الصحاح والحسان ما لا يحصى إلا بالكلفة، مثل قصة معراج الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه ونزول الملائكة من عند الله، وصعودها إليه، وقوله في الملائكة الذين يتعاقبون فيكم بالليل والنهار : ( فيخرج الذين باتوا فيكم إلى ربهم فيسألهم وهو أعلم بهم). وفي الصحيح في حديث الخوارج (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء، يأتيني خبر السماء صباحا ومساء}. وفي حديث الرقية الذي رواه أبو داود وغيره قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا اشتكى أحد منكم أو اشتكى أخ له فليقل: ربنا الله الذي في السماء...} وذكره. وقوله في حديث الأوعال: (والعرش فوق ذلك، والله فوق عرشه، وهو يعلم ما أنتم عليه). رواه أحمد وأبوداود وغيرهما.
وقوله في الحديث الصحيح للجارية: (أين الله؟ قالت في السماء، قال: من أنا؟) قالت: أنت رسول الله، قال: (أعتقها، فإنها مؤمنة).
وقوله في الحديث الصحيح: (إن الله لما خلق الخلق كتب في كتاب موضوع عنده فوق العرش: إنّ رحمتي سبقت غضبي).
وقوله في حديث قبض الروح: (حتى يعرج بها إلى السماء التي فيها الله تعالى).
وقول عبد الله بن رواحة الذي أنشده للنبي صلى الله عليه وسلم وأقره عليه: شهدت بأن وعد الله حق ** وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء طاف** وفوق العرش رب العالمينا
وقوله في الحديث الذي في المسند: (إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردّهما صفرا).
وقوله في الحديث: (يمدّ يديه إلى السماء: يا ربّ، يا ربّ).
إلى أمثال ذلك مما لا يحصيه إلا الله، مما هو من أبلغ المتواترات اللفظية والمعنوية التي تورث علما يقينيا من أبلغ العلوم الضرورية أن الرسول صلى الله عليه وسلم المُبلغ عن الله ألقى إلى أمته المدعوّين: أن الله سبحانه على العرش، وأنه فوق السماء، كما فطر الله على ذلك جميع الأمم عربهم وعجمهم في الجاهلية والإسلام، إلا من اجتالته الشياطين عن فطرته.
ثم عن السلف في ذلك من الأقوال ما لو جمع لبلغ مئين أو ألوفا.
وثبت في الصحيح عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خطب خطبته العظيمة يوم عرفات في أعظم مجمع حضره الرسول صلى الله عليه وسلم جعل يقول: (ألا هل بلغت؟)، فيقولون: نعم. فيرفع إصبعه إلى السماء ثم ينكتها إليهم ويقول : (اللهم اشهد) غير مرة. وأمثال ذلك كثيرة». «مجموع الفتاوى».(10-17 /0)
وقال ابن القيم رحمه الله في نونيته في الكلام عن الله سبحانه وتعالى: يا قومنا والله إن لقولنا ** ألفا تدل عليه بل ألفان
عقلا ونقلا مع صريح الفطرة ** الأولى وذوق حلاوة القرآن
كل يدل بأنه سبحانه ** فوق السماء مباين الأكوان
أترون أنا تاركوا ذا كله** لجعاجع التعطيل والهذيان
يا قومِ ما أنتم على شيء إلى** أن ترجعوا للوحي بالإذعان
وتحكموه في الجليل ودقه** تحكيم تسليم مع الرضوان».
«نونية ابن القيم» (ص۹۷).
قوله تعالى (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يُمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير):
قال القرطبي: (أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات...) أي: كما ذلّل الأرض للآدمي ذلّل الهواء للطيور». «تفسير القرطبي» (١٨/ ٢١٧).
يعني بعد أن ذكر تذليل الأرض للآدمي في قوله (هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا)
وقال ابن جُزي: «(أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ) تنبيه على الاعتبار بطيران الطيور في الهواء من غير شيء يُمسكها،
وصافات: جمع صافة، وهي التي تبسط جناحها للطيران.
والقبض: ضمّ الجناحين إلى الجنب.
وعطف يقبض على صافات، لأن الفعل - يقبضن - في معنى الاسم تقديره: قابضات.
فإن قيل : لِمَ لم يقل : "قابضات " على طريقة (صافات)؟
فالجواب: أن بسط الجناحين هو الأصل في الطيران، كما أن مدّ الأطراف هو الأصل في السباحة، فذكر بصيغة اسم الفاعل لدوامه وكثرته، وأما قبض الجناحين فإنما يفعله الطائر قليلا للاستراحة والاستعانة، فذُكر بلفظ الفعل لقلّته». «تفسير ابن جزي» (٢/ ٣٩٦).
وقال السعدي رحمه الله: (ما يمسكهن إلا الرحمن) فإنه الذي سخر لهنّ الجو، وجعل أجسادهن وخلقتهن في حالة مستعدة للطيران، فمن نظر في حالة الطير واعتبر بها دلّته على قدرة الباري، وعنايته الربانية، وأنه الواحد الأحد الذي لا تنبغي العبادة إلا له». تفسير السعدي» (ص۸۷۷).
قوله تعالى (أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور * أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتوّ ونفور)
قال ابن تيمية: «الخلق لو اجتهدوا أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بأمر قد كتبه الله لك، ولو اجتهدوا أن يضروك لم يضروك إلا بأمر قد كتبه الله عليك، فهم لا ينفعونك إلا بإذن الله، ولا يضرونك إلا بإذن الله، فلا تعلّق بهم رجاءك، قال الله تعالى: {أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور* أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتوّ ونفور}، والنصر يتضمن دفع الضرر، والرزق يتضمن حصول المنفعة، قال الله تعالى: {فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف، وقال تعالى: {أولم نمكن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا}، وقال الخليل عليه السلام: {رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات} الآية.
وقال النبي صلى الله عليه ا وسلم: (هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم بدعائهم وصلاتهم وإخلاصهم؟)». «مجموع الفتاوى».(۳۱ /۱)
قوله تعالى: (أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم)
قال الطبري: «قيل: (مُكبّا) لأنه فعل غير واقع -يعني غير مقصود- وإذا لم يكن واقعا أدخلوا فيه الألف، فقالوا: أكبّ فلان على وجهه، فهو مُكِبّ، فإذا كان واقعا حُذفت منه الألف، فقيل : كببت فلانا على وجهه، وكبّه الله على وجهه». «تفسير الطبري» (٢٣/ ٥١٥).
وقال ابن كثير رحمه الله: «{أفمن يمشي مكبًا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم} هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر، فالكافر مثله فيما هو فيه كمثل من يمشي مكبًا على وجهه، أي: يمشي منحنيا لا مستويا على وجهه، أي: لا يدري أين يسلك ولا كيف يذهب؟ بل تائه حائر ضال، أهذا أهدى {أمن يمشي سويا} أي: منتصب القامة {على صراط مستقيم} أي: على طريق واضح بين، وهو في نفسه مستقیم، وطريقه مستقيمة. هذا مثلهم في الدنيا، وكذلك يكونون في الآخرة. فالمؤمن يُحشر يمشي سويا على صراط مستقيم، مفضٍ به إلى الجنة الفيحاء، وأما الكافر فإنه يُحشر يمشي على وجهه إلى نار جهنم {احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون* من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم*وقفوهم إنهم مسئولون* ما لكم لا تناصرون* بل هم اليوم مستسلمون } قيل: يا رسول الله كيف يُحشر الناس على وجوههم؟ فقال: (أليس الذي أمشاهم على أرجلهم قادر على أن يمشيهم على وجوههم؟)، وهذا الحديث مخرج في الصحيحين». «تفسير ابن كثير» (۸/ ۱۸۱).
------------------------------
*د. أبصار الإسلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق