الأربعاء، 20 نوفمبر 2024

فوائد الآيات (183- 195 ) من سورة البقرة

الآيات (183 - 186)

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ
 سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ ۚ وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
 (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ
 عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)
 وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186))

 بعدها تأتينا آيات الصيام وآيات الصيام ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من صوّامه وقوامه، وأن يعيننا فيه على شكره (***) عبادته، وأن يصلح قلوبنا وأن يجعلها تتلقى القرآن تلقيا كما يحبه الله عز وجل منا ويرضى.
 🔖 أول حكم يؤخذ من هذه الآيات: مشروعية الصوم وبيان مقاصده، وأهم مقاصد الصيام هو: 
تقوى الله عز وجل، لأنه عبّر عن الفرضية، أولا بالكتابة، والكتابة أقصى درجات التأكيد، ثم قال في نهاية الآية (لعلكم تتقون) فبين المقصد لأن (لعل) للتعليل.

🔖 من فوائد الآية: التشبيه في الفرض فيه تسلية للأمة بهذا التكليف لأنه قال (كما كتب على الذين من قبلكم) وأنت تعرف في الحياة أنك إذا كنت في أمر فيه مشقة ولكن وجدت أن غيرك أيضا مشترك معك في هذه المسألة فيكون الأمر سهل، أما لو كنت منفردا ربما يكون فيه شيء من المشقة. فلما قال الله عز وجل (كما كتب على الذين من قبلكم) بيّنت أن التشبيه في الفرض فيه تسلية للأمة، وهو من وسائل تهوين المشقة على النفس لأجل هذا الغرض.

🔖 بينت الآية فضل التقوى وبيان السُبل الموصلة إليها فعلى العبد أن يتتبع مواضعها ومن مواضعها الصيام، لكن الصيام ليس فقط هو الوحيد الذي تحدث به التقوى، لو تتبعت في موارد التقوى في القرآن الكريم ستجد أعمال كثيرة تُستجلب بها التقوى من بينها القرآن كما حدث في اول السورة في مقصد إنزال القرآن لأجل تقوى الله عز وجل. 

/ بيّنت الآيات بلاغة القرآن في تيسير فريضة الصوم، حيث سمّى مدة التكليف بالأيام المعدودة قال (أياما معدودات) وهي بالفعل اسمها شهر لكن يبدأ اليوم الأول ولا تدري إلا وأنت تهنئ بالعيد. بالفعل أيام تمضي وقصيرة فلا ننظر على أنها 30 يوما، وكم فيها من ساعة، وكم مدة الصيام، وكم بين الفجر وبين المغرب، هي بالفعل كما وصفها الله عز وجل (أيام معدودات)

🔖 بيّنت الآيات جواز الفطر للمريض والمسافر، وهم أهل الأعذار. وجواز الفطر لهاتين الفئتين - أهل المرض وأهل السفر - أُُخذ منها قاعدة فقهية وقاعدة أصولية أن المشقة تجلب التيسير، وطبعا تفصيل الأحكام لكل حالة من هذه الأحوال موجودة في كتب الفروع في الفقه الإسلامي. 

🔖 من محاسن الشريعة الإسلامية التدرج في التشريع. وإذا نظرت إلى بعض أبواب الفقه تجد تشريعه مر بخطوات ومر بمراحل وهذه كلها أفادت سهولة الانقياد، ففي البداية في مشروعية الصوم كان هناك التخيير بين الصيام والإطعام، ثم بعد ذلك تعين الصيام (أياما معدودات فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين) بعدها قال (فمن تطوع خيرا فهو خير له) أفادت فيها التخيير، ثم بعد ذلك (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) إلى أن قال (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) فهنا كان التعيين، إذا أول شيء كان التخيير، ثم كان التعيين، فهذا التدرج في التشريع. وفي الصيام أمور أخرى في التدرج مثل صيام يوم عاشوراء ثم بعد ذلك فُرض رمضان.  

🔖 أفادت الآية وجوب الصيام إذا ثبت دخول الشهر.

🔖 أفادت الآيات فضيلة شهر رمضان ومن فضله نزول القرآن فيه، ونعلم أن القرآن كلام ربنا سبحانه وتعالى فكونه ينزل في هذا الشهر فهذا يعني أن فيه تميز زماني لشهر رمضان من حيث أن القرآن فيه، وذُكر ذلك مع الصيام (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) ثم قال (هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) ولذلك يسمى شهر رمضان بأنه شهر القرآن.

🔖 أفادت الآيات أن القرآن هدى وفرقان بين الحق والباطل.

🔖 أفادت أيضا مشروعية التكبير عند اكتمال شهر رمضان (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم) وهذه منظور فيها مسألة أن العبادات العظيمة يكون يعقبها أمر فيه خضوع وذلة لله سبحانه وتعالى وهذا أدعى لقبول العمل بدل أن يعجب بعمله، أو يدلي به على الله سبحانه وتعالى لا، يبادر نفسه حتى لا تغتر بأن يُكبر، بأن يستغفر، وهذه يمكن أشرنا إليها في أول السورة في أكثر من موضع.

🔖 أفادت الآيات أيضا القيام بالطاعات سبيل لتحقيق الشكر. كيف؟ لأنه قال (ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون) فإذا أنت أيها العبد إذا فعلت الأعمال الصالحة فهي صورة من صور الشكر لله سبحانه وتعالى، والشكر قد يكون باللسان، وقد يكون بالعمل وشاهده (اعملوا آل داوود شكرا) فالعمل في حد ذاته هو شكر لله سبحانه وتعالى، وهذه الآية من الشواهد على هذا الأمر.

🔖 أفادت الآيات أن الصيام مظنة إجابة الدعاء، إذ أن من أعظم الآيات في القرآن حديثا عن الدعاء ورقائق الدعاء قد توسطت آيات الصيام في قوله تعالى (وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) آية مستقلة تماما بالدعاء، ولكن سباقها ولحاقها ما قبلها وما بعدها كان حديثا عن الصوم فبدلالة الاقتران أفادت أن الصيام مظنة إجابة الدعاء. ومن يتحرى أيضا الأوقات داخل الصيام من حيث ساعة الفطر، ومن حيث الثلث الأخير من الليل وغيرها من الأوقات سواء كان في رمضان أو في غير رمضان فإنه هنا يستجمع أحوال بعد أحوال إجابة الدعاء.

🔖 في قوله تعالى (وإذا سألك عبادي) أفادت رحمة الله عز وجل بعباده، وأنه قريب منهم، فهو عليّ فوق السماوات ولكنه قريب من عباده، فمن تقرب إلى الله سبحانه وتعالى فإن الله يعطيه هذا مصداق لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم (وإن تقرب إلي شبرًا تقربت منه ذراعًا، وإن تقرب مني ذراعًا تقربت منه باعًا..) الحديث فبينت مسألة قرب الله عز وجل من العباد عندما يتوجهون له سبحانه وتعالى.

🔖 أفادت الآية أيضا أن من أسباب إجابة الدعاء الإخلاص لله تعالى، قال (إذا دعاني) فهذه أفادت أنه توجه إلى الله سبحانه وتعالى ولم يتوجه لغيره، فهذه حديث عن الإخلاص لله سبحانه وتعالى. 

🔖 أفادت الآية أن الإيمان والإنابة والطاعة سبب لحصول الرشد في قوله تعالى: (فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ولا شك أن مسألة أن تطلب الرشد مسألة عظيمة، وأن تقول اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي هذا أمر محمود جدا في الحياة. فإذا الاستجابة لله عز وجل، الإيمان به يوصلك أن تكون من أهل الرشد.

الآيات (187- 190)

(أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ (188) ۞ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189) وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190))

🔖 بينت الآية التخفيف على الأمة بجواز الأكل والشرب طوال الليل، الأكل والشرب ومباشرة الزوجة طوال الليل مباح (وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل) ويتبين هذا الأمر من حيث قصة سبب النزول، كان الصحابة عندهم أنهم لو دخل في النوم في الليل خلاص يبدأ الصيام عنده. فحدث في أحداث السيرة النبوية أن قيس ابن صرمة الأنصاري كان صائما فلما حضر الإفطار أتى امرأته فقال أعندك طعام؟ قالت لا، ولكن انطلق أطلب لك وكان يومه كله يعمل فغلبته عيناه، في الوقت الذي ذهبت فيه زوجته تجلب له الأكل دخل في النوم فخلاص يعتبر نفسه بدأ في الصوم، فلما رأته قالت خيبة لك، يعني فاتك الأكل ودخلت في الصيام، فلما انتصف النهار غشي عليه فما تحمل، فذُكر ذلك للنبي ﷺ، فنزلت هذه الآية، فهذه من رحمة الله سبحانه وتعالى في الأمور. هذه تعطيك فوائد معرفة أسباب النزول أنها تزيد في الفهم.

🔖 في قوله تعالى (أُحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) أفادت أن المرأة ستر للرجل وهو لها كذلك فليكن كل من الزوجين يحافظ على أسرار الطرف الآخر، ولتكن المشاكل الزوجية داخل بينهم ولا يفشونها لأحد. 

🔖 أفادت الآية في قوله تعالى (علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم) أن الإنسان كما يخون غيره قد يخون نفسه وذلك بفعل المحرم، فإذا أنت أيها العبد فعلت المحرمات فأنت أول من سيتضرر، وأنت الخائن لنفسك بهذا.  

🔖 في قوله تعالى (وأنتم عاكفون في المساجد) مشروعية الاعتكاف وفضله، ويتأكد الاعتكاف في رمضان، فالمتتبع لسيرته ﷺ يتضح له هذا الأمر بشكل أكبر.

بعدها تأتينا آية أكل الأموال بالباطل والتحاكم فيها:
🔖 بينت الآية في قوله تعالى (ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) حرص الشريعة على حفظ الأموال وتحريم أكلها بالباطل.

🔖 بينت تحريم الرشوة في قوله تعالى (وتدلوا بها) أحد معانيها الرشوة للحكام.

🔖 بينت أيضا أن الحاكم يحكم لما ظهر له وبالتالي يعظُم جرم من يقيم بينة كاذبة، لأن القاضي أصلا المعطيات التي سيقضي بها بناء على البيّنات وبناء على القسم الذي سيُقسم به أطراف القضية، البيّنة على المدعي واليمين على من أنكر. فصاحب الباطل إذا تحاكم وحُكم له وهو يعلم أنه على الباطل يدل على أنه يعظم جرمه أكثر. فيقول القرطبي "ومن الأكل بالباطل أن يقضي القاضي لك وأنت تعلم أنك مبطل، فالحرام لا يصير حلالا بقضاء القاضي لأنه إنما يقضي بالظاهر" ويشهد لذلك حديث النبي ﷺ أنه كان يقول للصحابة (لعل بعضكم يكون ألحن بحجته من الآخر فأقضي له فمن قضيت له..) فذكر ترهيبا عظيما، فهذه موعظة لصاحب الباطل ألّا يقيم بينة كاذبة، موعظة للمحامي الذي يمكن أن يحامي وهو يعلم أن موكله هو الذي على الباطل ولكنه يسوق للقاضي ما يبين أن مُوكله على حق وهو على باطل. فهذه الآية جمعت كل هذه الأحوال.

 بعدها تأتي آية الأهلة يقول الله عز وجل (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) هذه الآيات لو لاحظت سيأتي بعدها الحديث عن أحكام الحج. فكثيرا ما ورد في السورة أنه إذا كان فيه موضوع كبير يكون قبله آيات تُمهد لهذا الموضوع فنظرا لارتباط الأهلة بالحج من حيث كونها مواقيت لدخوله وبدء مواعيده فكان الحديث عنها قبل، فكان ذلك من التهيئة إذ أن للحج مواقيت زمانية ومواقيت مكانية، فالمكانية مبسوطة في أماكن أخر التي هي حدود الحرم من كل اتجاه سواء الذي سيأتي من الشمال أو من الجنوب او من الشرق له مواقيت محددة في السنة النبوية، فهذه المواقيت المكانية، والمواقيت الزمانية هي أشهر الحج وتضبط وتُعرف عن طريق الأهلّة، فإذا ولد الهلال وعُرفت الأشهر ابتدأ حساب أوقات الحج.

🏷 في مطلع الآية لقوله تعالى (يسألونك) يؤخذ منها فائدة: حرص الصحابة على العلم وعناية الله عز وجل بهم لما طلبوا العلم، فكان كلما سألوا أجاب الله أو كثير من أسئلتهم كان يجيب عليها سبحانه وتعالى بآيات تنزل بناء على أحوال النزول.

🔖 الحكمة من الأهلة أنها مواقيت للناس كما نصت عليها الآية، واذا تفكرت في الاجابة كانت عبارة عن شقين مواقيت للناس ثم عطف عليها الحج، وهي من عطف الخاص على العام، فهي مواقيت للناس في كل الأحوال إذ أن ضبط الشهور وضبط الأيام بها يترتب عليها كثير أو عدد ليس بالقليل في أحكام الشريعة الإسلامية، بها يُعرف رمضان، بها يُعرف الحجّ، بها تعرف مثلا المطلقة عدتها، آجال الديون تعرف عن طريق الأهلة، فكثير من أمور الشريعة مضبوطة بحساب الأشهر، فهي مواقيت للناس بشكل عام ومن ضمن هذه المواقيت مواقيت الحج، متى يدخل شهر الحج، ومتى يكون يوم الوقوف بعرفة، ومتى ينتهي الحج، هذه كلها عن طريق حساب الزمان عن طريق ولادة الهلال.
 نسق الآية التي بين أيدينا هي شاهد من شواهد أن معرفة أحوال وأسباب النزول دليل لنا، أو شاهد لنا، أو شارح لنا في كيفية فهم الآية، فإن في قوله تعالى (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها) هذه لو يعني أخذناها على ظاهرها دون أن نعرف سبب النزول قد يخفى علينا كثير من معانيها، وإذا تأملنا في حديث البراء الذي أخرجه البخاري (قال: نزلت هذه الآية فينا كانت الأنصار إذا حجوا فجاؤوا لم يدخلوا من قِبل أبواب بيوتهم ولكن من ظهورها، فجاء رجل من الأنصار فدخل من قِبل بابه، فكأنه عُيّر بذلك فنزلت هذه الآية. فإذن إذا عرفنا أسباب النزول عرفنا فهم الآية على وجهها الصحيح.
ولكن إجمالا هذه الحادثة وطريقة نزول الآية في الإجابة على هذه الحادثة فيها من الفوائد:
🔖 أن العادات لا تجعل غير المشروع مشروعا، فهم يفعلون ذلك يأتون البيوت من ظهورها بِرا، يعني يعتقدون أنهم يفعلون عملا صالحا ولما أخذهم لم يفعل ذلك عُيّر بذلك أي أنه لم يفعل البر، فكونك تعتاد بالشيء على أنه طاعة وهو لم يكن شرعا فهذه الأمور العادات لا تغير الشريعة، ومصدر الشريعة يؤخذ من أدلة الكتاب والسنة وليس من عمل الناس أو من عاداتهم.

 ومن الاستنباط في هذه الآية في قوله تعالى (وأتوا البيوت من أبوابها) فيها عدد من الفوائد، من فوائدها التي هي بالمعنى وليس بأحوال النزول، نحن نعرف في دوائر الاستنباط أن هناك شيء مباشر من ناحية السياق وأسباب النزول، وهناك لأدنى علاقة بالآية، فمن بين الفوائد التي هي أدنى علاقة بالآية:
 🔖أنه ينبغي أن تعالج الأمور من أبوابها المنطقية كما هي العادة، يعني كل موضوع له طبيعة معينة، فكونك تريد أن تصلحه أو تعالجه بأمور ليست من طبيعة هذا الموضوع بهذا يكون أتيت بالشيء من غير بابه، فيمثلون على ذلك، مثلا في الأمور التربوية مخاطبة الكبير لها أسلوب، مخاطبة الشاب له أسلوب. وفي أنظمة العمل مخاطبة الرئيس غير مخاطبة المرؤوس، وفي عادات الشعوب والبلدان وما إلى ذلك مخاطبة شعب غير مخاطبة شعب آخر. فإذن من يريد أن يعالج الأمر يدرس الأمر كما هو ويعالجه من طبيعته، هذا في أمور المعاش طبعا.

 في قوله تعالى: ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها ولكن البر من التقى وأتوا البيوت من أبوابها) يؤخذ منها فائدة:
 🔖أن الله سبحانه وتعالى من رحمته إذا نهى عن شيء فتح لعباده من المأذون ما يقوم مقامه، فبعد أن نهاهم وجعل البر ليس هو من كان إتيان البيوت من ظهورها بيّن لهم الطريق المشروع (واتوا البيوت من أبوابها)، ونظيره ما مر علينا في آيات سابقة لما قال (لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا) فأتى بكلمة مشابهة لها في المعنى وتقوم مقامها واستبعد اللفظة التي كانت فيها إشكال، فيؤخذ منها عموما مسالك متعددة في مجالات التربية، في مجالات الدعوة، أنك إذا أردت تستبعد شيء معين لضرر معين أعطِ بدائل في دائرة المباح، فإن هذا أدعى لقبول الدعوة، وأدعى لمعالجة الأوضاع بشكل عام.

🏷 أتى بعد آية الأهلة قوله تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم) واستمرت عندي يمكن حوالي أربع أو خمس آيات عن القتل فتوسطت آيات القتال بين آية الأهلة وآيات الحج، هناك ارتباط وثيق بين الحج والجهاد، وسيمر علينا في سورة الحج نفس الشيء، بعد آيات الحج أتانا مقطع (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) فهناك دلالة اقتران بين الحج والجهاد، وإذا تفكرت بين هاتين الشعيرتين تجد فيه أوجه التشابه منها: المشقة، منها الانتقال المكاني، منها عِظم المقصد، منها أن المشركين صدو المسلمين عن المسجد الحرام. فإذا هناك ارتباط بينهم فلذلك توالوا في الذكر في القرآن في الموضعين.

 بيّنت هذه الآيات في الجهاد من مقاصد الجهاد: رفع الظلم (وقاتلو في سبيل الله الذين يقاتلونكم) إذا رفع الظلم هو أحد مقاصد الجهاد، ونظيرها في سورة الحج لما قال (أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا) فنص على الظلم فهو بالفعل أحد المقاصد الكبرى للجهاد.

الآيات (191- 195)

🏷 لما قال الله عز وجل (وأخرجوهم من حيث أخرجوكم) دلت على أن حب الوطن فطرة والتعدي على الإنسان في وطنه هو صورة من صور الظلم، وهذا الأمر كرر في أكثر من موضع في القرآن هنا، وأتى أيضا في سورة الحج بنفس الطريقة، وسيأتي أيضا في قصة الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت. 

🔖 دلت الآيات في قوله تعالى (والفتنة أشد من القتل) على أن أعظم الفتنة الكفر وصد الناس عن دينهم ونظيره في سورة البروج (إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق) 

🔖 أفادت الآيات تعظيم حرمة المسجد الحرام قال الله عز وجل (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين) 

🔖 دلت الآيات على أن للقتال أحكام حسب الأحوال فمنه ماهو فرض عين، وقد يكون فرض كفاية. عموما تفسير هذه الأحكام في كتب الفقه.  

🔖 دلت الآيات على أن للزمان والمكان حرمة ولكن هذه الحرمة يحددها الشرع، فالمكان كان عند المسجد الحرام  (ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه)، والآية التي تليها بيّنت حرمة الزمان الذي هو الأشهر الحرم (الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص) فهذا بين لك إنه الله سبحانه وتعالى جعل هناك قدسية وحرمة للمكان و للزمن. 

🔖 دلت الآية في قوله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) تحريم الإلقاء باليد إلى التهلكة ويشمل هذا الأمر التفريط في الواجب وفي كل ما فيه هلاك الإنسان في دينه ودنياه. 
-----------------------

https://t.me/fwaidalayat

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق