بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. أجمعين.. توقفنا في اللقاء السابق عند قول الله تبارك وتعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم) وفي قوله تبارك وتعالى (وكذلك أعثرنا عليهم) هذا التشبيه وهو وجود الكاف في قوله (وكذلك) واسم الإشارة أيضا في قوله (وكذلك) علام يعود؟ وأين المشبه به؟ هو يعود على ما عاد عليه (وكذلك بعثناهم) ويكون المعنى: وكما زدناهم هدى وربطنا على قلوبهم وأنمناهم وقلبناهم ذات اليمين وذات الشمال وبعثناهم فكذلك أعثرنا عليهم، يعني كما فعلنا بهم ما سبق كذلك أعثرنا عليهم.
الثلاثاء، 19 نوفمبر 2024
تدبر سورة الكهف / د. محمود شمس / المحاضرة الثالثة عشر
● الفعل (أعثر) أصله من عثَر، وعثر هو الحصول على الشيء بعد غفلة أو بعد فوات مدة. هذا هو معنى عثر. أما أعثر فالهمزة للتعدية، ومعنى للتعدية أن هناك من جعل القوم يعثرون عليهم، ولذلك ها هنا في قوله (أعثرنا) المفعول محذوف، أي أعثرنا القوم أو أعثرنا أهل المدينة التي كانوا بها، ومن هنا يتبين أن بعثهم في قوله (وكذلك بعثناهم) كان لحكمة، وتلك الحكمة أن يعلم أهل المدينة التي يرونهم أن وعد الله حق في إحياء الموتى بعد مماتهم، وأن الله تبارك وتعالى قادر على أن يبعث من في القبور، وأن الساعة لا ريب فيها. فمعنى (أعثرنا) أي: جعلنا أهل المدينة يعثرون عليهم، فعندما أقول: عثرت على الشيء الفلاني فأنا الذي عثرت عليه ووجدته، إنما عندما أقول أعثرتك الشيء الفلاني، أعثرتك يعني: جعلتك تستطيع العثور عليه بعد أن كنت لا تعثر عليه. فقوله (أعثرنا) الله تبارك وتعالى يبين أنه أعثر أهل المدينة أصحاب الكهف لأن تلك غاية.
وفي قوله (ليعلموا) أنا قلت سابقا أن التعليل باللام يختلف عن التعليل بـ (لعل)، لعل معناها أن ما بعدها وهو المُعلل لن يقع من الكل، بل الاحتمال الأكبر أنه لن يحدث، أما التعليل باللام فمعناها أن المعلل وهو ما بعد اللام يقع ويحدث.
طيب هنا (ليعلموا أن وعد الله حق) هل أهل المدينة علموا فعلا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها؟
نعم. لأن الغالب الأعم من المفسرين أن الملك الذي كان موجودا آنذاك يوم أن بعث الله أصحاب الكهف قيل كان مسلما لكنه كان ممن يؤمن أن البعث سيكون بالأرواح لكن الأجساد ستأكلها الأرض، كانت هذه فكرتهم وقتها في قضية البعث، وقيل: هو لم يكن مؤمنا بل كان كافرا لكنه كان منصفا ويبحث عن الحقيقة وإذا وجد الحقيقة يتبعها فقالوا: كان دائما يتطلع إلى أن يريه الله آية ليعلم أن الله تبارك وتعالى سيبعث من في القبور وأن الساعة لا ريب فيها، وبناء على هذين القولين يكون قوله (ليعلموا أن وعد الله حق) قد تحققت في هذا الملك وبالطبع الناس على دين ملوكهم، فإذا كان هو قد آمن بهؤلاء وكان يسمع عنهم فيما مضى إلا أنه رآهم رأي العين وهذا هو معنى (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا) وكان التعليل بلام التعليل إفادة على أن العلم بأن وعد الله حق واقع وحاصل لأنهم كانوا يبحثون عن الحقيقة، يعني هذا الملك قيل كان يبحث عن الحقيقة ويسأل الله أن يريه آية تجعله يتحقق من ذلك.
أما كيفية أن الله تبارك وتعالى أعثرهم عليهم، أنهم عندما أرسلوا أحدهم بورقهم، الورِق هي العملة التي كانت موجودة قبل أن ينيمهم الله تبارك وتعالى، فلما ذهب إلى السوق وأراد أن يشتري الطعام وأعطى البائع من هذا الورِق فالبائع لا يعرف هذا الورِق فقال له: من أين أتيت بهذا الورق، هذا الورِق كان منذ زمن قديم، فمن أين أتيت به؟ أنت بالتأكيد وجدت كنزا. فأخذوه وذهبوا به إلى الملك فسأله الملك من أين أتيت بهذا الورِق؟ فقال: أنا بعت بالأمس بعضا من التمر لكن الملك دقيا نوس - الملك الذي هربوا منه - فررنا منه بديننا وبالطبع، هو كان بالنسبة له هو وأصحاب الكهف أن الموضوع كان بالأمس، لأنهم قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم وهي المدة التي يعني أقصى مدة ينامها الإنسان، فهنا فهم الملك وقال له قصّ عليّ حكايتكم، فقصّ عليه وقال له الحكاية، فقال: وأين إخوانك الآن؟ قال هم في الكهف، فقام الملك وذهب معه إلى الكهف، قيل لما وصلوا الكهف استأذن الأخ الذي هو من أصحاب الكهف وقال سأدخل على إخواني وأخبرهم أنكم هاهنا وتريدون معرفتهم، فدخل عليهم فقيل - والله أعلم - أنه وجدهم قد ماتوا، أو لما علموا أن الملك أتى قد ماتوا خوفا، لأنهم قالوا قبل ذلك (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا)، وقيل هم خرجوا وقابلوا الملك وكلموه وكلمهم إلا أن الله أماتهم بعد ذلك.
هذه الأقوال كلها، بالطبع أقوال محتملة، القرآن الكريم لا يذكر في القصة إلا ما يكون فيه الفائدة، فإذا لم يكن فيه فائدة لا يذكره الله تبارك وتعالى، فهو قال (أعثرنا عليهم ليعلموا) أي ليعلم الذين أعثروا عليهم وهو الملك ومن معه (ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) وهنا آمن الملك بهذا وأن وعد الله حق، وأن الساعة لا ريب فيها، أو تيقن إن كان مسلما قبل ذلك.
يقصّ الله علينا (إذ يتنازعون بينهم أمرهم) فيمَ كانوا يتنازعون؟
● قيل: كانوا يتنازعون في كيفية الحفاظ عليهم وأن يسدوا عليهم باب الكهف حتى لا يدخل أحد عليهم ويؤذيهم.
● وقيل: إن التنازع كان في عددهم، الذين لم يروهم تنازعوا في عددهم وفي أسمائهم. المهم أن الذين تنازعوا قيل لهم المسؤولون من أهل المدينة – يعني كبار الناس -.
(إذ يتنازعون بينهم أمرهم) تقديم الظرف الذي هو (بينهم) على (أمرهم) ليشير أن التنازع أصله كان بينهم ولم يكن في أمرهم بقدر ما كان بينهم، لأن أمرهم لم يكن يدعو إلى التنازع فكأنهم هم الذين أنشأوا هذا التنازع. يعني عندما أقول: حدث تنازع بين القوم على كذا، تنازعهم هذا لم يكن له داعٍ إنما هو نشأ بينهم وكأنهم اتخذوا هذا الأمر حجة. هذا معنى (إذ يتنازعون بينهم أمرهم).
(فقالوا ابنوا عليهم بنيانا) مطلق بنيان. فكان الاقتراح الأول أن يبنوا عليهم بنيانا ثم قالوا (ربهم أعلم بهم) يعني ربهم أعلم بحالهم فأرجعوا الأمر إلى الله تبارك وتعالى لكن قالوا نبني بنيانا على باب الكهف حتى يحفظهم من أن يأتي الناس لزيارة المكان أو لمعرفة شؤونهم أو لمعرفة أمورهم. لأن من عادة الناس أنها عندما تسمع عن شيء عجيب غريب. يذهبون دائما للتفتيش ولمعرفة الأمر. هذا (فقالوا بنوا عليهم بنيانا) البنيان المقصود منه المحافظة على أجساد هؤلاء من الناس.
■ (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا) لأن من التنازع: الكافرون كانوا يقولون هم كافرون على ملتنا فنبني عليهم بنيانا، والمسلمون قالوا: لا، هم مسلمون فنبني عليهم مسجدا فكان الاقتراح إما بنيان عام ليس كمسجد، وإما أن يقام مسجد مكان يسجدون فيه لله تبارك وتعالى. وبالطبع نقول: إن الله تبارك وتعالى ذكر هذا الأمر لماذا؟ لماذا قال (لنتخذن عليهم مسجدا)؟ وهل يجوز أن يبنى المسجد على الأولياء أو على من يعرفون الله معرفة حقيقية؟ بالطبع لا، لكن الله تبارك وتعالى يقصّ علينا مكانة أصحاب الكهف عند أهل المدينة عندما عثروا عليهم، يعني يقصّ علينا مكانتهم عندهم، وهم أرادوا أن يحافظوا على هؤلاء، فمنهم من قال نبني بنيانا، ومنهم من قال نبني مسجدا. فإذا كان في دين النصارى وقتها أن أمر بناء المسجد على الأولياء أو على من هم أقرب إلى الله هذا الأمر جائز عندهم، فقد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم وبيّنه القرآن، وأن هذا الأمر غير جائز في ديننا. لأن حتى لو قلنا إنه كان في شريعتهم. فإن شريعة من قبلنا شريعة لنا ما لم يرد لها ناسخ، ما لم تُنسخ، يعني لا نأخذ كل شريعتهم بالنسبة لنا لأن هذا الأمر فيه خطورة كما نعلم، وخطورة الناس معروفة في قضية البناء على ما يسمونهم بالأولياء. ولذلك قيل إن رجلا كان لا يملك في الدنيا إلا حمارا يذهب فيجمع عليه الحطب ليبيعه ويعيش منه هو وأولاده، ولا يملك في الدنيا شيئا سوى هذا الحمار يذهب به صباحا ويجمع الحطب ثم يأتي ليبيعه، وهذا هو مصدر رزقه و مصدر حياته، هو وأولاده. فذات صباح وجد الحمار قد مات، فلما وجد الحمار قد مات أدرك الرجل أنه لن يستطيع أن يحضر رزقه ولا رزق أولاده إلى آخره. فهو نظرا لمكانة الحمار عنده تراءى له أن يحفر له حفرة أمام البيت ويدفنه فيها. وفعل ذلك، ثم فكر ثانية في أن يقيم سورا حول هذا المكان حتى يعرف الناس المكان الذي دفن فيه الحمار فيعلمون ذلك فيمتنعون عن السير فوقه. المهم أنه لما بنى السور فالناس عندما رأته بنى السور هكذا لا يدري هو من الذي أطلق هذه الشائعة أن في هذا المكان، وليّ، وهذا الولي يعرف كذا وكذا. ومن كان عنده مرض كذا فليذهب إلى هذا الولي، ومن كان ومن كان، وانقلب الناس عليه من كل حدب وصوب، والناس يدفعون الكثير من الأموال، والكثير من الأطعمة ومن الأشربة إكراما للشيخ.
انتبهوا: لأن في هذه القصة فائدة غير قضية أن الناس تجري وراء ذلك، وأن هذا شرك، فهذا كلام يعني لا غبار عليه ولا نتكلم فيه، معروف، لكن من الذي يعلم جيدا أن الذي في هذا الضريح حمار؟ من اللي يعرف جيدا هذا الأمر؟ لكن هل يستطيع أن يعلن ذلك؟ يعني هل يستطيع أن يقول للناس إن المدفون في هذا المكان حمار؟ والمنفعة، والمنفعة التي جاءته من وراء هذا الحمار، لقد أصبح من أغنياء القوم. ولذلك دائما نجد أصحاب المنافع يدافعون عن مصدر منفعتهم حتى لو كان الأمر مخالفا لدين الله ولشرع الله، لأنه صاحب منفعة. هو لو كان ينظر إلى الحلال والحرام من البداية كان قد قبِل ذلك من الناس؟ وإلا كان أول ما جاء الناس ويظنون أن في هذا المكان وليّ أما كان يقول لهم هذا حمار؟ هو لم يقل، سكت لأنه وجد ما قد أتاه من أموال ومن ذهب، ومن...الخ فوجد أمورا كثيرة. فهكذا الناس يجرون وراء هذا الأمر. الشاهد ليس ارتباطها بقصة أصحاب الكهف، إنما ارتباطها بأن ديننا حرّم هذا لأنه لا ينبغي أن يُعبد إلا الله تبارك وتعالى في هذا الكون، والناس عندما يرون ذلك، الناس لا يستطيع أحد أن يصدهم.
تعلمون أن المسلمين في حبهم للنبي صلى الله عليه وسلم لا يوصف، ولذلك كان هناك مبنى أمام الحرم المكي الشريف، أمام باب السلام بعد الساحة هو مكتبه الآن، فقيل إن المكتبة هذه مكان البيت الذي ولد فيه النبي صلى عليه وسلم، ما كانوا يستطيعون أن يمنعوا الناس من التبرك بجدران المكتبة، يعني التبرك بجدران المكتبة طب هل النبي صلى الله عليه وسلم عاصر هذه الجدران؟ ما عاصرها، يعني حتى لو كان الكلام صحيحا فلنقف هكذا ونتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم وطئت قدماه مكانا من هذه الأماكن، ما هو في المدينة بالتأكيد أن النبي صلى الله عليه وسلم ربما والإنسان يسير في الحرم النبوي أو الحرم المكي يصادف مكانا وطئت فيه قدم النبي صلى الله عليه وسلم هذا المكان. فالآن المهم أن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة، والقرآن الكريم، يعني القرآن الكريم في قوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح بن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا) فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية ذات مرة وكان موجودا عدي ابن حاتم، وعدي كان نصرانيا قبل أن يسلم، فعدي قال: يا رسول الله هم لم يعبدوهم، لم يعبدوا الأحبار أو الرهبان، فقال (إنما هم أطاعوهم) يعني أطاعوهم فيما يقولون، فسمى الله مجرد طاعتهم كأنهم عبدوهم واتخذوهم أربابا من دون الله إلى آخر الآية الكريمة. إذن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة تحدث عن قضية اتخاذ القبور مساجد وبناء المسجد فوق القبر وخطورة ذلك، فروى الصحيحان عن عائشة أم المؤمنين وعبد الله بن عباس قالا: (لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفاها عن وجهه، فقال وهو كذلك يعني - وهو كاشف الخميصة عن وجهه - لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) فهو يحذر ما صنعوا بأوليائهم وما فعلوه. وطبعا أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هو ما ينطق عن الهوى، وهي تدل على أن النصارى فعلا كانوا يفعلون ذلك، واليهود كذلك. هذا قوله (قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا).
انتقل بنا القرآن الكريم ليبين ما سيقوله أهل الكتاب في عدد أصحاب الكهف فبدأ بقوله تعالى: (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ذم الله تبارك وتعالى هذين القولين بقوله (رجما بالغيب) ما معنى رجما بالغيب؟
الرجم: أصله الرمي بحجر ، ثم نُقل هذا الاستعمال لمن يرمي الكلام من غير روية ولا تثبت، فكل من يتكلم كلمة من غير روية ولا تثبت فهو رجم بالغيب. يعني يشبه الله تبارك وتعالى الذي يتكلم كلاما دون روية ولا تثبت. يشبهه بأنه رجم إنسانا بحجر، رجم شيئا ما بحجر، طب هل هو رجم بحجر؟ هو لم يرجم بحجر، فلماذا سماه رجما؟ ولم يقل ظنا؟ إشارة إلى أن هذا الأمر الذي يتكلم فيه وخاصة إذا كان يتكلم كلاما دون روية، أو تثبت، وهذا الكلام يطلق أيضا على كل من يرمي أخاه أو أخته بكلام وهو لا يدري عن هذا الكلام شيئا، وخاصة من يتكلمون بالكلام العام. ونحن وللأسف نسير وراءهم في هذا الكلام الذي لا أصل له. فالله تبارك وتعالى عندما رمى هذين القولين وذمهم وقال هذان القولان (رجما بالغيب) إذا أبطل الله تبارك وتعالى هذين القولين.
فبقي القول الثالث (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) لماذا أتى هنا بالواو في قوله (وثامنهم)؟ في الأقوال السابقة قال: (ثلاثة رابعهم كلبهم) (خمسة سادسهم كلبهم) لكن هنا قال (سبعة وثامنهم كلبهم).
عندنا من أول (سيقولون ثلاثة) (ثلاثة) خبر لمبتدأ محذوف تقديره (هم) يعني: سيقولون هم ثلاثة رابعهم كلبهم، ويقولون هم خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب، ويقولون هم سبعة وثامنهم كلبهم. يعني العدد هنا لأن (سيقولون) جملة تحتاج إلى مقول القول، ومقول القول لا بد أن يكون جملة تامة (ثلاثة رابعهم كلبهم) ثلاثة خبر لمبتدأ محذوف تقديره: هم ثلاثة رابعهم كلبهم، وكذلك في قوله (ويقولون سبعة) على تقدير :هم سبعة وثامنهم كلبهم. طيب على ذلك ما موقع الواو؟ وعلام تدل؟
العلماء في الواو هذه على فريقين رئيسان:
القول الأول: أن جملة (وثامنهم كلبهم) صفة للموصوف الذي هو (سبعة) لكن هنا إشكال: أن قوله (سبعة) نكرة والجملة بعد النكرة تكون صفة. إذا ها هنا في قوله (وثامنهم كلبهم) الجملة هنا صفة للموصوف الذي هو (سبعة)، كما تدخل على الجملة الحالية إذا كان قبلها معرفة، يعني الواو تدخل على الجملة الحالية إذا كان قبلها معرفة، يعني ممكن أقول: رأيت الرجل وهو يقرأ القرآن، فتكون جملة: وهو يقرأ القرآن جملة حالية. فهم قاسوا الواو التي دخلت على جملة الصفة هاهنا بالواو التي دخلت على الجملة الحالية.
طيب ما فائدة الصفة؟ يقولون هي هنا تؤكد ثبوت الصفة للموصوف، يعني أن العدد هم سبعة وثامنهم كلبهم فعلا، وأن هذا العدد ثابت ومستقر.
القول الثاني: يقولون لا، في قوله تبارك وتعالى (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) عليها احتجاج كبير باعتبار أن الجملة التي وقعت صفة لا تدخل عليها الواو في الأصل، فإذا كانت الواو قد دخلت عليها فهي ليست جملة صفة. طيب وعلام تدل؟ قالوا هذه تكون دخلت على جملة حالية يعني (وثامنهم كلبهم) حال. طيب الحال قبله نكرة، والجملة الحالية ينبغي أن يكون قبلها معرفة؟ فقالوا الحال هنا من المبتدأ المحذوف الذي هو: هم سبعة، على اعتبار أن (هم) سيكون معرفة لأنه ضمير، سيكون الحال من المبتدأ المحذوف: هم سبعة.
أو لا مانع من أن تكون الجملة الحالية حال من (سبعة) حتى لو كانت نكرة لأن من المعلوم أن الجملة تأتي حالا من النكرة وهذا من مواضع جواز ذلك. يعني إذا في قوله (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم)
● اذا كانت صفة فهي تؤكد ثبوت الصفة للموصوف..
● واذا كانت حالا - يعني جملة حالية - فهي تبين أن الحال أنهم سبعة وثامنهم كلبهم)
لأن من مسوغات مجيء الحال من النكرة عندما يقترن بالواو، فعندما تقترن الجملة الحالية بالواو لا مانع من أن تكون من نكرة حتى لو لم نقل أنها من الضمير (هم). إذن على هذين القولين يكون العدد بالنسبة لأصحاب الكهف أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لكن ليس على سبيل الجزم. لكنه هو الأرجح، الأرجح نظرا لأن الله ذم القولين السابقين (سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب) ولم يذم هذا القول وأتى بالواو في هذا القول لتدل على أنها دخلت على جملة حالية، أو دخلت على جملة هي صفة، فتُبين أن العدد سبعة وثامنهم كلبهم.
وقول الله (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل) معنى ذلك أنكم لا تفكروا ولا تحاولوا أن تبحثوا عن عدد أصحاب الكهف، لماذا؟ لأن هذا من العلم الذي لا ينفع، ومن الجهل الذي لا يضر.
الله تبارك وتعالى عندما يقص علينا القصص يريد منا أن نعتبر وأن نثبت فؤادنا كما ذكر الله في كتابه الكريم ونأخذ العبرة من هذا القصص، والله تبارك وتعالى لم يذكر أسماء في القصص، بل يخفي دائما الأسماء، ويخفي دائما وغالبا الأعداد، يعني عندما قال الله ضرب الله مثلا (للذين كفروا امرأة نوح وامرأة الوط) لم يسم الله امرأة نوح، ولم يسم امرأة لوط، ثم أشار إلى ما فعلتا (كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما) خلاص.
أيضا عندما ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون لم يسمها وإنما ذكر قولها (إذ قالت ربي ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين) طيب، عندما أتى إلى مريم ذكر اسمها وذكر اسم أبيها (ومريم بنت عمران) لأن في ذكر اسمها وفي ذكر اسم أبيها فائدة وعبرة، لأن الله تبارك وتعالى أجرى كمال قدرته على هذه السيدة فقد أنجبت عيسى بلا أب و دون أن يمسها بشر، فسماها. إذا (ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم) صحيح هو أرجح الأقوال لكن هل نجزم بذلك؟ لا، لا نجزم بذلك لأن الجزم بذلك لن يفيدنا في شيء. ماذا سيفيدنا أن نعرف عدد أصحاب الكهف؟ أو لا نعرف ماذا يضرنا؟ لا ينفع ولا يضر، والله قال (قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل). نعم ابن عباس قال أنا من القليل، وأظن علي ابن أبي طالب قال وأنا من القليل.
ثم قال الله بعد ذلك (فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا) ما المراء؟ المراء: قيل إنه نوع من الجدال، لكن هناك فرق دقيق بين المراء وبين الجدال. سنعمل مقارنة بين الحوار والجدل والمراء.
●الحوار: مراجعة الكلام بين طرفين. يعني أجري حوارا معك فأنت تقول وأنا أقول ويكون الغرض من الحوار الوصول إلى الحق والصواب. إذا لم يكن هناك غرض في الحوار للوصول إلى الحق والصواب فلا يكون حوار. يعني إذا أراد كل واحد الانتصار لنفسه فهذا ليس بحوار.
● الجدل: أن يدفع المرء الخصم - الخصم الذي يكلمه - عن إفساد قوله بحجة أو بشبهة. يعني واحد يقول قولا وأنا أجادله حتى ألزمه بأن يتراجع عن قوله بدليل أنا قدمته له.
لكن الجدال في الغالب يكون مذموما لأنه يكون جدالا بالباطل، إنما لو كان جدالا بالحق، واحد ينصر مذهبا أو عقيدة وأنا أناقشه بطريقة عقلية حتى اثبت بالحجة وبالدليل فساد ما ذهب إليه فيُسلم لي. هذا الجدال المعروف، وبالطبع لكي أجعله يتراجع عن قوله قد يكون في الكلام شدة، قد يكون في الكلام، رفع صوت ولو قليل. لكن هو منهي عنه لماذا؟ منهي عنه لأن الغالب من استعمال الناس أنهم يجادلون بالباطل، فالجدال مذموم ويؤدي إلى عداوة وإلى خصومة. يعني الجدال بالباطل هو المشكلة، والجدال للانتصار للنفس هو المشكلة. إنما لو كان جدالا بحق أنت صاحب قول، وأنا صاحب قول، ومعي حجتي، ومعي أدلتي وأنت معك حجتك ومعك أدلتك، فأنا أجادلك بحججي وبأدلتي، حتى ألزمك بالرجوع عن قولك. لكن التطبيق فيه مشكلة بين الناس لأن الناس ترغب دائما في الانتصار للحق والانتصار للذات، وإذا بدأ الإنسان في الانتصار لذاته وصلنا إلى البطلان. هذا الجدال وهذا الحوار. ولذلك ذهب بعض العلماء إلى أن الجدال والحوار شيء واحد واستدلوا بقوله تبارك وتعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما) فيقولون الموضوع واحد وذكر الله الجدال وذكر الحوار فمعنى ذلك أن الحوار والجدال شيء واحد. لكن نقول لا، الآية واضحة في التفرقة بينهما، والله تبارك وتعالى أسند الحوار إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى المرأة التي هي خولة، والله يسمع تحاوركما، يعني كان الحوار من الجانبين، المراجعة في الكلام كانت من الجانبين لكنها كانت يعني تشتدّ في الأسلوب أحيانا وتحاول أن تثبت وتبرهن على أن عودتها للحياة أولى وأفضل لمصلحة الأولاد، لأنها تقول إن الأولاد إذا ضممتهم إليه ضاعوا، وإذا ضمنتهم إليّ جاعوا، يعني إذا ضممتهم إليّ لأربيهم سيجوعون لأني لا أملك ما أطعمهم به، وإذا ضممتهم إلى أبيهم ضاعوا في التربية لأنه لن يكون عنده وقت لتربيتهم، سيأكلون ويشربون لكنهم سيضيعون، فهذا الجدال ذكره الله تبارك وتعالى أنه من جانبها فقط (قد سمع الله قول التي تجادلك) لم يُسند الله الجدال للنبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر أن النبي بادلها الجدال، إنما بادلها الحوار، كانت إذا هدأت في الحوار يتحاور معها وكان يقول ما أراك إلا بنتي منه.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يرزقني وإياكم الفهم والتدبر والتطبيق العملي، وأن يبارك الله لي ولكم في وقتنا ووقتكم. ونحن متوقفون عند الحوار والجدال والمراء، يعني سنعقد مقارنة بين الثلاثة مرة أخرى في المحاضرة القادمة بحول الله وقوته.
--------------------
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق