● قوله تعالى : (مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5))
(مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ)
● قوله: (من عِلم) (من) هذه إذا دخلت على اسم (ما) النافية، لأن الجملة أصلها (ما لهم به علم) فـ(من علم) أي مالهم به من بداية ما يُطلق عليه علم. فهي هنا تدل على الابتداء، يعني من بداية ما يطلق عليه علم وهو الحد الأدنى للعلم، مثلما مثلا أقول: "ما عندي من مال"، "ما عندي مال"،●(ما عندي مال) تعني يعني ما عندي مال كثير، لكن لا تنفي أن يكون عندي بعض المال.
لكن لو قلت (ما عندي من مال) يعني من بداية ما يطلق عليه مال.
فالله تبارك وتعالى في قوله (مالهم به) الضمير يعود على قولهم (اتخذ الله ولدا) مالهم بهذا من علم، وفي نفس الوقت ولا لآبائهم، لأنهم دائما يتمسحون في الآباء، يعني يقولون إنا وجدنا آباءنا، فالله ينفي أن يكون لديهم علم بأن الله قد اتخذ ولدا ولا عند آبائهم من علم.
ثم وبخهم بقوله: (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إن يقولون إلا كذبا)
● (كَبُرَتْ كَلِمَةً) هذا يُخبر به عن شيء ضخم وشيء كبير عظيم ولذلك هو يستعمل في الشدة وفي القوة دائما (كبر مقتا عند الله) ، (كبرت كلمة تخرج من أفواههم).
هذه الكلمة التي خرجت من أفواههم وهي قولهم (اتخذ الله ولدا).
● قوله (من أفواههم) يريد بها أنهم كيف تجرؤا على نطق هذه الكلمة يعني كيف تجرؤ على هذا؟ وذلك يدل على وقاحتهم، ففيهم وقاحة أن يزعموا أن الله قد اتخذ ولدا (وما لهم به من علم ولا لآبائهم) من قبلهم فمن أين أتوا بهذا القول؟!
(إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)
ختم الله الآية الكريمة بقوله (إن يقولون إلا كذبا) بأسلوب الحصر والقصر، (إن) هنا نافية، فهنا حصر وقصر بطريق النفي والإثبات، الإثبات في (إلا).
● ويأتي بقوله (يقولون) مضارع دال على التجدد والحدوث، يعني لم يقل (إن قالوا إلا كذبا) حتى يحصر الكذب في قولهم (اتخذ الله ولدا) فقط، لا. هم في طبيعتهم لا يقولون إلا كذبا أي قول يصدر منهم، يعني ليس هذا القول فقط إنما هم لا يقولون إلا كذبا.
ولفظاعة هذا القول أتى الله بالمضارع أي أنهم لا يقولون أبدا إلا كذبا. والكذب هو: الإخبار بغير الواقع.
● ثم يفرع الله على ذلك (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا (6))
●(لعل) حرف رجاء، والمراد به هنا: تحذير للنبي صلى الله عليه وسلم، يعني كما نقول: لعلك تفعل، فكأني أحذر الذي أخاطبه بأن يفعل، فقال الله (فلعلك باخع نفسك).
●(باخع) البخع قيل: إنه عِرق في قفا الحيوان وهو يدل على تمام ذبحه لكنه يتطلب غلظة وقوة في الذبح، فالله يقول لنبيه: فلعللك قاتل نفسك أو مُهلك نفسك على أثر هؤلاء، لماذا؟ إن لم يؤمنوا.
وأتى بقوله (يؤمنوا) بالمضارع للدلالة على وقوع الإيمان في المستقبل، يعني هم إن لم يؤمنوا الآن، أو إن لم يؤمنوا في المستقبل أنت تهلك نفسك لأجلهم وهم لا يستحقون هذا.
●إذن: فلعلك مُهلك نفسك لأجل إعراضهم عنك إن استمروا على عدم إيمانهم.
الآثار جمع أثر والأثر هو: ما يؤثره الإنسان، أو ما يكون أثرا له، يعني هم أعرضوا فإعراضهم له أثر في الأرض، فأنت تُهلك نفسك على هذه الآثار لأنهم أعرضوا عنك؟ لا ينبغي أن تهلك نفسك.
إذن: (فلعلك باخع نفسك على آثارهم) أي آثار خطواتهم في إعراضهم عنك.
أثر الإنسان هو أثره في الأرض وهو ماشي في الأرض الرمل، يعني الإنسان وهو ماشي على الأرض الرمل رجله تؤثر في الأرض، ولذلك كان زمان هناك عِلم اسمه علم الاقتفاء، اقتفاء الأثر، يعني كان فيه ناس تعرف هذا القدم قدم مَن، قدم فلان وإلا فلان، يعني عندما يرون قدمه في الحقيقة ويرون أثرها في الأرض يستطيعون أن يجمعوا بين الأمرين أن هذا الأثر أثر قدمه وإلا ليس أثرا لقدمه.
● آثار ما قدموا من أعمال أعم من الأثر بالنسبة للخطوات، إنما الله تبارك وتعالى يكتب ما قدمنا من عمل وأثر هذا العمل.
● يعني مثلا: واحد قال كلمة طيبة فكان أثر تلك الكلمة على من سمعها أنه اهتدى بها، وأنه أقبل على الله بسبب هذه الكلمة الطيبة، فهذا أثر للكلمة التي قالها فلان، ومثلها الكلمة الخبيثة، قال كلمة خبيثة فرددها الناس واتبعوه فيها.
ومن آثار الإنسان: تربيته لأبنائه، فأبناؤك أثر لك لأنهم يدلون على حسن تربيتك لهم. فيحرص الإنسان على أن يكون له أثر، طلابك أثر من آثارك. يعني أنتم الآن وأنتم تستمعون لتلك المحاضرة أثر من آثاري أسأل الله أن يجعلكم أثرا صالحا لي وأن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والفعل والعمل.
إذا يعني أنت تقتل نفسك لأجل هؤلاء وعلى أثر هؤلاء، ولأجل أنهم لم يؤمنوا، طيب وإذا لم يؤمنوا في المستقبل، هل ستظل على ذلك؟
هذا معنى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)
●(أسفا) مفعول لأجله لـ (باخع) يعني باخع نفسك لأجل شدة الحزن الذي هو الأسف.
●الأسف هو: شدة الحزن، يعني لعلك تهلك نفسك حزنا على هؤلاء.فالله تبارك وتعالى يحذر رسوله صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل.
ثم ينتقل الله تبارك وتعالى بنا إلى قضية أخرى:
(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7))
هذه الآية الكريمة تحير المفسرون في مناسبة ورودها هنا.
■ ما مناسبة ورود هذه الآية هنا بعد قوله (فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا)؟ والله أعلم إما لأن
● بعض المفسرين إما أنه توقف عن الكلام في هذه المناسبة، وإما أنه يعني أراد أن يجد مناسبة فلم يجد ...الخ
لكن -والله أعلم- أن هؤلاء الكافرين كانوا أكثر الناس مالا وملِكا في الدنيا وهم إلى اليوم كذلك، فأراد الله أن يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم لا تنظر إلى ما لديهم من متاع الدنيا، ولا تنظر إلى أن الله تبارك وتعالى أعطاهم من نِعم الدنيا لأنا جعلنا ما على الأرض زينة لها، فكل ما على الأرض زينة، والزينة منتهية، فأي زينة لا تبقى لأن الزينة وقت معين وتنتهي. فبالطبع كل ما على الأرض زينة للأرض، وإنما كانت بين أيديهم لأنه ابتلاء لهم، والله تبارك وتعالى من ابتلائه الفتنة، أن يفتنك الله تبارك وتعالى فيعطيك من نِعم الدنيا الكثير والكثير.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkahf/31
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق