(وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)) الكهف
●المبشر به هنا قوله: (أن لهم أجرا حسنا) هذا هو المبشر به لهؤلاء المؤمنين.
المبشر به في سورة الإسراء في قوله تعالى (أن هذا يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا )■فلماذا في سورة الإسراء (أجرا كبيرا) وهنا في الكهف (أجرا حسنا)؟ وهل هناك فرق بين الأجر الحسن والأجر الكبير؟
ج: كل بشارة بأجر في الآخرة تكون الجنة، يعني الأجر الحسن المراد به الجنة، والأجر الكبير أيضا الجنة، والأجر الكريم أيضا الجنة. والله تبارك وتعالى يسميه أجرا كأنه عقد مقابل عمل مع أنه ليس كذلك.
● مع أن العباد سيدخلون الجنة برحمة الله جل وعلا فلماذا يسميه أجرا؟ ليجعل العباد يُقبلون على العمل لأن الأجر يكون مُستَحقا عن عمل، والأجير يعلم أنه في نهاية العمل سيحصل على أجره لا محالة، فلكي يؤكد الله تبارك وتعالى أن هذا الأجر سيكون لكم ولهؤلاء المؤمنين يسميه الله تبارك وتعالى أجرا، ولأن الأجر في الدنيا يأخذه الإنسان.
بيّن الله أن الأجر الذي يأخذه في الآخرة هو توفيت أجره، يعني أنتم تأخذون أجرا في الدنيا لكنه أقل من حقكم لكن في الآخرة (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) فالتوفية للأجر ستكون في الآخرة ترغيبا في هذا الأجر.
● لماذا قال في الإسراء (أجرا كبيرا) وهنا في الكهف (أجرا حسنا)؟
الجنة درجات وكل هذه الأجور يستحقها المؤمن في الآخرة في الجنة إن شاء الله، لكن كما نعلم أن الفردوس الأعلى هو أعلى درجات الجنة ولذلك الأجر الكريم هو أعلى الدرجات وهو قمة الأجور ولذلك تقرأونه دائما في إقراض الله قرضا حسنا، والمتصدق الذي يتصدق ويقرض الله قرضا حسنا (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم) (إن المصَدقين والمصَدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم) الأجر الكريم يأتي مع إقراض الله جل وعلا، أي الإخلاص في الصدقة، المؤمن الذي يتصدق ويخلص في صدقته ولذلك في سورة الحديد قال الله (فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير) هؤلاء آمنوا وأنفقوا فقط، لم يقرضوا الله فأجرهم كبير، بينما الذين أقرضوا الله قرضا حسنا أجرهم كريم. إذن الأجر الكريم هو القمة لأن كلمة كريم دائما تستعمل للقمة. حتى في القول لم يأمرنا الله بالقول الكريم إلا مع الوالدين (وقل لهما قولا كريما)، مع العباد المسلم وغير المسلم (وقولوا للناس حسنا)، مع المؤمن (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ) والقول المعروف أيضا بين العباد، والقول الميسور بينك وبين الأقارب، والقول السديد هو في عموم القول أن يقول الإنسان القول السديد في كلامه وفي حكمه وفي إبداء رأيه، في كل هذا يكون قوله قولا سديدا. لكن القول الكريم لم يستعمل إلا مع الوالدين.
إذا الأجر الكريم رقم واحد، رقم إثنين الأجر الكبير، لأن الكبير من الكِبَر، الكبر في الحجم. لكن الكريم في مكانة أعلى، والأجر العظيم بعد الأجر الكبير، ثم بعد ذلك الأجر الحسن. هذه الأجور كلها في الجنة ومن أهل الجنة.
إذا الأجر الكبير أعظم من الأجر الحسن، يعني هو في مرتبة أعلى، لماذا؟ نجد أن في الإسراء وصف الله القرآن بأنه يهدي للتي هي أقوم، وطالما أنه يهدي للتي هي أقوم يبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات، ويبشره ببشريين:
البشرى الأولى: أن لهم أجرا كبيرا
والبشرى الثانية: أن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما.
هذه من بشريات المؤمن، أنه يعلم أنه فاز بالأجر الكبير. بينما الذي لم يؤمن وترك الإيمان وترك هداية القرآن التي يهدي بها للتي هي أقوم هذا الذي أعد الله لهم عذابا أليما.
إذا في الإسراء ذكر أن القرآن يهدي للتي هي أقوم فمن يتبع هداية القرآن للتي هي أقوم يفوز بالبشريين، يفوز بأنه له أجرا كبيرا وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذابا أليما فكان هنا الأجر الكبير.
إنما معنا في سورة الكهف لم يذكر الله أن القرآن يهدي للتي هي أقوم. بشرى للمؤمن عندما يعلم أن الذي لم يسر في طريق الإيمان معه أعد الله له عذابا أليما فهي بشرى للمؤمن. كما يقول الإنسان لابنه إذا اجتهدت وبذلت مجهودا فأنت تتفوق في الاختبار، بينما الذي لم يفعل ذلك سيرسب ويتعثر في الاختبار، فهو يعلم أنه فاز وأنه ابتعد عن طريق الرسوب والتعثر ، كما قال الله تعالى: (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة) يعني دخول الجنة نعمتان وليس نعمة واحدة، فليست القضية في دخول الجنة فقط، إنما الفوز الأكبر في النجاة من النار. إذن الذي يحقق الفوز هو الذي يتحقق معه البشريين أنه يدخل الجنة وأنه ينجو من النار، لأن هناك أصحاب معاصي سيدخلون النار أولا حتى يؤدوا ما عليهم ثم يخرجون من النار إلى الجنة، وهناك من سيكون على الأعراف من أهل الأعراف، فيكون الفائز هو الذي يدخل الجنة وينجو من النار. إذن الذي يدخل الجنة حصل على النعمتين (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز).
فهنا عندما بشر الله المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا، لماذا أجر كبير؟
لأن سياق الآية أن القرآن يهدي للتي هي أقوم فمن اتبع هداية القرآن واهتدى للتي هي أقوم يبشره القرآن بهاتين البشريين:
● البشرى الأولى: أن لهم أجرا كبيرا.
● البشرى الثانية: أن الله أعد للذين لا يؤمنون عذابا أليما.
يعني أن الأصل اتباع هداية القرآن، وهداية القرآن يهدي للتي هي أقوم.
●(أقوم) أفعل تفضيل، وأفعل التفضيل يحتاج مفضلا عليه، يعني جار ومجرور بعد أفعل التفضيل، فالقرآن يهدي للتي هي أقوم من ماذا؟ حُذف المفضل عليه هنا حتى يكون القرآن هاديا للتي هي أقوم من كل طرق يدعي أصحابها الهداية، برامج، طرق، محاور، ....الخ، فهو يهدي للتي هي أقوم. كلما أتوا بطريق وادعوا أن فيه هداية نقول لهم القرآن يهدي للتي هي أقوم، أقوم من كل شيء، لا يوجد هناك هداية في الكون كله أقوم، ولا أبلغ، ولا أعظم من هداية القرآن. فهنا أتى الأجر الكبير.
إنما عندنا في سورة الكهف (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) لماذا أجرا حسنا وليس كبيرا؟
لأن رب العباد لم يذكر هاهنا هداية القرآن للتي هي أقوم.
ستقولون هو ذكر أن القرآن قيم في قوله (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا* قيما)
أقول لكم القرآن قيم بمعنى أنه صالح للانتفاع به لمن أراد الانتفاع لأن القرآن هنا وصف بوصفين:
● الوصف الأول: (ولم يجعل له عوجاء) هذا يدل على كمال القرآن في ذاته. بمعنى أن القرآن لا تناقض فيه، ولا تضاد فيه، لا نجد تناقضا بين آية وآية أخرى إطلاقا.
● وكلمة (قيما) أي أنه صالح للانتفاع به لمن أراد الانتفاع.
وهذا وصف للقرآن في إنزاله (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب) فمن انتفع بالقرآن واهتدى بالقرآن هو الذي اهتدى بطرق هداية القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم، فإذا (يهدي للتي هي أقوم) التنفيذ الفعلي لمفهوم قيما. يعني القرآن قيم قبل أن ينتفع به العباد، انتفعوا به فهم بذلك اتبعوا القرآن الذي يهدي للتي هي أقوم. فهل (قيما) تكون هي (يهدي للتي هي أقوم)؟
هنا لم يذكر الله أن القرآن يهدي للتي هي أقوم، ولم يذكر على البشارة بأن لهم أجرا حسنا إلا أن جعل المقابل إنذار آخر للذين قالوا اتخذ الله ولدا، لكنه لم يذكر أن الله أعدّ عذابا أليما لمن لا يؤمن بالآخرة كما هناك. فإذا هنا أجرا حسنا.
● بعد ذلك قال الله (مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا)
( ماكثين) المكث هو: الاستقرار في مكان، يعني فلان ماكث في المكان الفلاني يعني مستقر فيه.
● كلمة (أبدا) جاءت تأكيد لـ(ماكثين) يعني ماكثين أبدا فيه. فمعنى ذلك مجموع (ماكثين) مع (أبدا) أعطتني دلالة الإحاطة والدوام، يعني هؤلاء الذين بشّرهم الله بأن لهم الأجر الحسن سيكونون مستقرين في هذا المكان وهو الجنة، الأجر الحسن هو الجنة، والأجر الحسن محيط بهم لا يفارقهم، يعني كلمة (أبدا) أكدت المكث والإحاطة والدوام هذا معنى (ماكثين فيه أبدا).
● وهنا يُشبّه الله تبارك وتعالى ما لأهل الجنة من اللذة والنعيم بالظرف الذي يُستقر فيه حال الإنسان، فالظرف الذي يُستقر فيه حال الإنسان ويكون محيطا بالإنسان ودائما ومستمرا وهو الأجر الحسن الذي أعده الله لأهل الجنة.
نفس معنى (ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) ورد في أول سورة يونس (أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم) القدم الصدق هو: الأجر الحسن في الجنة.
● قدم الصدق بمعنى أنهم كانوا صادقين في إيمانهم، صادقين في أقوالهم، صادقين في أفعالهم، فهم صادقون في كل شيء. وهذا هو الذي يقال له قدم صدق، يعني كأنهم في كل تصرفاتهم وفي كل أفعالهم وفي كل أقوالهم هم صادقون فاستحقوا الأجر الحسن في الجنة والمكث فيه أبدأ. هذا معنى (ماكثين فيه أبدأ) وإفادتها الإحاطة والدوام.
● (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4))
س: ألم يذكر الله الإنذار في أول الآية؟
ذكر الله الإنذار في أول الآية لكن هناك المُنذر به البأس الشديد من لدنه، البأس الشديد من لدنه كان علة لمن لم يتبع القرآن، لمن لم يهتدِ بالقرآن. فالذي لم يهتد بالقرآن جعل الله القرآن وتبليغ القرآن له إنذار من الله جل وعلا ببأس شديد يعيشه ويحياه.
● البأس الشديد قد يكون في الدنيا والبعض قصره على الدنيا فقط وجعل السبب في ذلك أن الله قال بعد ذلك في الآخرة (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) فهناك إنذار آخر، وإنذار معطوف على التبشير (ويبشر المؤمنين).
طيب الإنذار بالبأس الشديد في الدنيا قد يقال: كيف ينذرهم الله بالبأس الشديد في الدنيا وهم أصحاب الأموال وأصحاب الممتلكات، وأصحاب الاختراعات و..و..الخ؟
البأس الشديد هو البأس المعنوي، يعني أنهم ليس لهم رب يلجأون إليه، فهم يعيشون حياة كحياة الأموات، وعندهم القلق الدائم والخوف الدائم، والتخوف من كل شيء. أما المؤمن فهو متوكل على ربه جل وعلا.
وهذا يماثله قول الله تعالى (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) ، كيف (معيشة ضنكا) وهم يعيشون معيشة المترفين،أو معيشة الترف؟
ج: أيضا هنا الضنك المعنوي، الضيق المعنوي الضيق الداخلي.
ولذلك (لقد خلقنا الإنسان في كبد) الكبد هو المشقة، وقالوا الإنسان هنا جنس الانسان يعني يشمل الكافر والمؤمن، لكن الكبد الذي يعانيه المؤمن كبد جسدي، مشقة في العمل، سعي واجتهاد في الحصول على رزقه، هذا هو الكبد الذي يعيشه المؤمن.
أما الكبد الذي يعيشه الكافر فهو الكبد المعنوي وهو أشد من الكبد الجسدي، الكبد الجسدي لو نام الإنسان بضع ساعات يرتاح، لكن الكبد المعنوي -وأنتم بالتأكيد- جربتم القلق والتوتر عندما تصابون بشيء ما. هل الذي يصاب بالكَبَد المعنوي يستطيع النوم مرتاحا؟ إطلاقا.
يعني إذا أصاب المؤمن الكبد المعنوي، ولم يُحسن التوكل على الله جل وعلا، وحتى لو أحسن التوكل على الله فعنده النسبة البشرية التي أحيانا، أو في بعض الأحيان يصور له الشيطان هذه الأمور بما يجعله يعيش في قلق لكن عندما يتذكر أن له ربا وأن الله قادر على كل شيء يرتاح.
● إذا البأس الشديد إن كان في الدنيا سيكون الإنذار بقوله (وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا) في الآخرة ليكون مقابلا لبشرى المؤمنين الذين يعملون الصالحات (أن لهم أجرا حسنا).
وهناك من المفسرين من قال: الإنذار الأول هو إنذار في الدنيا وفي الآخرة لأن الإنذار بالبأس الشديد في الدنيا ناشئ عن إعراضه عن القرآن، وطالما كذلك فإذا مات فسيستمر معه البأس الشديد وهو العذاب. فلو قلنا بأن البأس الشديد في الدنيا وفي الآخرة تكون (وينذر) الثانية تأكيد ل (لينذر) الأولى.
● (وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4))
(اتخذ) تستعمل لعلتين أو لأمرين:
●الذي يتخذ الشيء فإنه يجعله لفائدة عاجلة يحتاج لها، يعني الإنسان إذا اتخذ بيتا، اتخذ بيتا لماذا؟ للسُكنى فيه، ليؤجره ويكون مثلا مصدر دخل له، المهم أنه اتخذ الشيء لفائدة ما.
● والمعنى الثاني: أنه يريد الاستئثار بهذا الشيء ليكون هو المنتفع به الوحيد.
يعني إما أن يتخذه لفائدة، وإما أن يستأثر به ليكون هو وحده المستفيد منه.
فهذان المعنيان هنا:
هل رب العباد يحتاج لفائدة حتى يتخذ ولدا؟
هل يحتاج أن يستأثر بالشيء؟
هل هو في حاجة لأن يكون له ولد؟
● إذا هم زعموا هذا القول أن الله جل وعلا اتخذ ولدا.
هل الإنذار هنا للمشركين الذين قالو اتخذ الله ولدا ولمن قال اتخذ الله ولدا؟
● نقول: لا. هنا لكل كافرا بالله جل وعلا، والله ذكر قمة الكفر وهم الذين قالو اتخذ الله ولدا، فهؤلاء يريدون إبراز النقص في حق الله جل وعلا، والله يريد أن يُبين مساوءهم ويبين شناعة قولهم وفظاعته، فهم بقولهم اتخذ الله ولدا ارتكبوا جُرما شنيعا.
لكن الإنذار هنا يشمل كل كافرا بدليل مقابلة المؤمن، يعني هناك (ويبشر المؤمنين) يقابلها (وينذر الكافرين) يعني هنا دلالة على أن المراد بهؤلاء هم الكافرون. وذكر الله جل وعلا قمة هذا الكفر وهم الذين قالوا اتخذ الله ولدا لأن الكفر فُهم من مقابلة المؤمنين. انظروا إلى المقابلة: القرآن يبشر المؤمنين، وينذر الكافرين. فبتلك المقابلة نعلم أن المراد من هذا الإنذار هم الكافرون، وذكر الله قمة هذا الكفر تحذيرا من الشرك وأهله. أيضا وتقابل (ويبشر المؤمنين) أي مع (لينذر بأسا شديدا) أي: لينذر الكافر بأسا شديدا ويبشر المؤمنين، بقرينة المؤمنين. لكن سيكون الإنذار بالبأس الشديد إما في الدنيا فقط وإما في الدنيا والآخرة. فإذا كان في الدنيا يكون الإنذار الثاني للآخرة قولا واحدا. وإذا كان الإنذار الأول في الدنيا والآخرة سيكون تكرار (وينذر) من باب التأكيد.
الآية التي ستأتي بعد ذلك ستبين السر في ذكر قولهم (اتخذ الله ولدا) بينما المراد هم الكافرون بدليل المقابلة.
●أول دليل على شناعة كلامهم (ما لهم به) علام يعود الضمير (به)؟
يعود على قولهم الشنيع الذي زعموه وهو قولهم (اتخذ الله ولدا). هذا أول دليل على شناعة قولهم أنهم يقولون كلاما لا يجاوز ألسنتهم ولذلك قال بعدها(كبرت كلمة تخرج من أفواههم) هذه الكلمة التي قالوها وهي زعمهم أن الله اتخذ ولدا، هذا قول شنيع. و(كبُر) في قوله (كبرت كلمة) للدلالة على هذا القول الشنيع وضخامة هذا القول. فهو استعمال في التعجيب من كِبر هذه الكلمة في الشناعة، يعني ربنا هنا يتعجب من كِبر هذه الكلمة في القبح والشناعة، يعني كيف قالوها!!
كما -مثلا- تخطئ فيكِ أخت فاضلة كانت بالنسبة لكِ صديقة وكذا، وقالت كلمة كبيرة، ماذا تقولين لها؟ نقول لها: كيف نطقتي هذه الكلمة؟! كيف خرجت هذه الكلمة من لسانك؟!
فالله يقول (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) يعني هذه الكلمة الشنيعة هي خرجت من أفواههم فقط لكنها تدل على اعتقاد في قلوبهم لكن في الواقع ليس لها واقع، يعني هي خرجت من أفواههم وليس لها واقع في الوجود.
ثم قال بعد ذلك(إن يقولون إلا كذبا) هؤلاء الذين قالوا اتخذ الله ولدا ما يقولون إلا الكذب. إذا الزعم الكاذب لأن هناك أناسا يتخذون من هذا الزعم دليلا على مزاحهم وكلامهم فهؤلاء نعلم أنهم كاذبون في كل أقوالهم وأفعالهم، يعني من كذب مرة فهو كاذب (إن يقولون إلا كذبا)
المعنى الإجمالي للآية..
لكن التقط (كبرت كلمة) هم قالوا كلمة واحدة؟
ولماذا عطف عليهم (ولا لآبائهم)؟
●الكلمة في اللغة تطلق ويراد بها الكلام الكثير
وتطلق ويراد بها الكلمة المفردة المعروفة.
نحن نقول ألقى فلان كلمة، هل ألقى كلمة واحدة أم خطابا وجملة من الكلام؟ ألقى جملة من الكلام.
بل جاءت في القرآن في قوله تعالى(حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها) هو لم يقل كلمة واحدة والقرآن قال عنها كلمة واحدة.
وقوله تعالى (وألزمهم كلمة التقوى) كلمة التقوى هي: لا إله إلا الله محمد رسول الله.
إذا هنا من باب إطلاق الكلمة على القول وهذا شيء مستعمل. وإن شاء الله أُبين لكم الدلالة أكثر.
أما ذكر (ولا لآبائهم) -على سبيل الإجمال- ليقطع عليهم الحجة وذلك أنهم سيقولون: وجدنا آباءنا ومن حقنا أن نقلد آباءنا، فقال الله لهم: ليس لكم حجة في ذلك، أنتم تقولونها وليس لكم علم بها، وآباؤكم لو كانوا قالوها فإنهم يقولونها وليس لهم علم بها.
--------------------
https://t.me/tadaborsoratalkahf/17
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق