الاثنين، 3 يوليو 2023

توجيه القراءات وأثرها في تدبر المعنى القرآني -1- / د. محمود شمس (تفريغ نصي)



الحمد لله رب العالمين وأشهد ألّا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا رب العالمين وبعد: فإني أحييكم بتحية الإسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وإني لأسأل الله تبارك وتعالى أن يشرح صدورنا، وأن ينير قلوبنا بفهم كتابه وتدبره والعمل بما فيه.
وها نحن نلتقي في لقائنا هذا وبداية دورة جديدة في توجيه القراءات من خلال كتاب حجة القراءات لابن زنجلة. وإني لأشكر قناة الذكر الحكيم والأخ الفاضل فضيلة الشيخ عوض والإخوة القائمين على هذه الأكاديمية المباركة وأسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعني وإياكم بما نبين ونوضح. وأن يجعلني وإياكم من أهل القرآن الكريم الذين هم أهل الله وخاصته. 
وبين يدي توجيه القراءات أتوقف أولا مع هذا التمهيد الذي لا بد منه لكي نفهم توجيه القراءات وما ستكون عليه دراستنا في هذه الدورة المباركة. لأن توجيه القراءات ليس كما يظن البعض أنها عبارة عن بيان القراءة في اللغة أو في المعنى، أو هي عبارة عن (***) وخطاب وفقط. لا.. توجيه القراءات لابد أن نوضح فيه أثر القراءة في المعنى، ودلالة هذه القراءة في المعنى، ولذلك آثرت أن أبدأ معكم بهذا التمهيد وهو مدخل إلى توجيه القراءات.

 لا بد أن نعلم أن الله تبارك وتعالى ما أنزل القراءة الأخرى عبثا، ولا أنزلها ليتمكن كل صاحب لغة من أن يقرأ بلغته كما يظن البعض، وإنما كل قراءة تنزلت لها دلالة في المعنى. قال ابن الجزري في كتابه النشر في القراءات العشر وهو يتحدث عن فوائد القراءات، ذكر من الفوائد: "أن كل قراءة بمثابة آية" ومعنى ذلك أن كل قراءة لها دلالة في المعنى، فبدلا من أن يُنزل الله الآية مرتين أنزل القراءة لتدل على المعنى المراد في هذا الموضع.

فالقاعدة الأولى التي لا بد أن نعلمها: أن القراءة لا ترِد إلا حيث يُراد المعنى والدليل على ذلك من القراءات ذاتها. فمثلا هناك كلمات كثيرة ورد فيها قراءتان في موضع دون مواضع أخرى. 
مثال ذلك:  كلمة (المحصَنات) -بفتح الصاد- هذه الكلمة قرأها الكِسائي في كل المواضع في القرآن بكسر الصاد ما عدا الموضع الأول الذي في سورة النساء: (والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم) لماذا لم يقرأ الكسائي الموضع الأول بكسر الصاد مثل باقي المواضع؟
 نتعرف أولا على الفرق بين قراءة كسر الصاد في كلمة (المحصَنات) وفتح الصاد:
/ (المُحصِنات) بالكسر تكون الكلمة اسم فاعل ومعنى اسم الفاعل أن المحصِنة هي المتعففة الملتزمة المحتشمة التي أحصنت نفسها. إذن قراءة الكسر في (المحصِنات) تعني المتعففة الملتزمة المحتشمة التي أحصنت نفسها.

/ أما (المُحصَنات) بفتح الصاد فهي التي أحصنها غيرها، لأن (المُحصَنات) تكون اسم مفعول، ومعنى اسم المفعول أنها وقع عليها الإحصان من الغير، يعني هناك من أحصنها ألا وهو زوجها. فمعنى (المُحصَنات) بالفتح أي المتزوجات.
فلماذا قرأ الكسائي الموضع الأول – في سورة النساء- (والمحصَنات) بفتح الصاد ولم يقرأ بالكسر (والمحصِنات)؟
الجواب:  لأن (والمحصَنات) بفتح الصاد هنا أي المتزوجات، لأنها معطوفة على المُحرَمات اللائي يحرم على الرجل أن يتزوج بهن من أول قوله تعالى: (حُرمت عليكم أمهاتكم...) و(المحصَنات) كذلك. إذن (والمحصَنات) المراد بهن هنا المتزوجات، أي التي أحصنها زوجها. فلو قرأ الكسائي (والمحصِنات) بكسر الصاد وتكون معطوفة على المُحرَمات لكان المعنى أن الله يحرم على الرجل أن يتزوج بالمرأة المتعففة التي أحصنت نفسها يعني (والمحصِنات) أي المتعففات، فلو قُرأت بالكسر لكان المعنى أن الله يُحرم على الرجل أن يتزوج بالمرأة المتعففة، بالمرأة التي أحصنت نفسها.وهل هذا المعنى يصح؟ طبعا لا يصح.
إذا الخلاصة: أن القراءة لا ترِد إلا حيث يُراد المعنى. فلو أن المعنى لا يتطلب تلك القراءة، أو أن القراءة تؤثر في المعنى خللا لا ترِد القراءة. إذا لماذا لم ترِد القراءة في هذا الموضع، نكون على عِلم بذلك.

  أيضا في قول الله تعالى (ما لك يوم الدين) في سورة الفاتحة ورد فيها قراءتان (مالك - ملك) (يوم الدين) إثبات الألف وحذف الألف.
س: ما الفرق بين (مالك) و(ملك)؟
● (مالك) بإثبات الألف بمعنى المِلك وهو مِلكُ الأشياء المحسوسة مِلكا. 
● و(ملِك) من المُلك وهو الذي يملك الأمر والنهي والتصرف والتدبير.
ولذلك نجد في سورة الناس (قل أعوذ برب الناس* ملك الناس) هل وردت قراءة في (ملك الناس) قراءة أخرى (مالك الناس)؟ لم ترِد. لماذا؟ لأنها بالتأكيد المعنى لا يتطلبها.
طيب في قول الله تعالى: (قل اللهم مالك الملك) هل وردت قراءة أخرى؟ ملك الملك؟ لم ترِد. إذن علينا أن نفكر، يعني أهل القراءات ينبغي أن يفكروا لماذا لم ترد القراءتان في كلمة (مالك) و(ملك) في القرآن كله؟ ولماذا لم ترد في كلمة المحصنات في القرآن كله؟
 
س: لماذا وردت قراءتان في (مالك يوم الدين) (ما لك) و(ملك)؟
● لأن يوم الدين هو اليوم الآخر وهو يوم الحساب والجزاء. الله تبارك وتعالى يعلم أن للناس في الدنيا مُلوكا ومُلاكا، يعني فيه في الدنيا ملوك، وفيه في الدنيا مُلاك. فربما يظن البعض أن مُلوك الدنيا سيكونون مُلوكا في الآخرة، وأن المُلاك في الدنيا -أصحاب المِلك- سيكونون أصحاب مِلك في الآخرة، فأراد الله أن يثبت أنه لا مِلك لأحد ولا مُلك لأحد في يوم الدين، يعني في يوم الدين المِلك لله والمُلك لله. حتى يؤكد الله أنه لا يوجد في الآخرة ما ترونه في الدنيا من مُلوك ومُلاك. ولذلك الله تبارك وتعالى جعل فرعون قائدا لقومه إلى النار يوم القيامة (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد* يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار) لماذا جعل الله فرعون يقدم قومه يوم القيامة؟
 لأن فرعون قال لهم (أنا ربكم الأعلى) وقال لهم (ما علمت لكم من إله غيري) فلو لم يكن يقدمهم يوم القيامة إلى أن يدخل النار معهم  لظنوا أنهم سيجدون فرعون هناك وينجيهم. فعندما يُقادون إلى النار سيظنون أن فرعون ينتظرهم هناك لأنه إلاههم وسيُنجيهم، فأراد الله أن يقطع عنهم هذا الرجاء وهذا الأمل، وهذا من العذاب المعنوي. فكان لا بد من ورود قراءتي (مالك يوم الدين) و(ملك يوم الدين) حتى يؤكد الله هذا المعنى. 
يعني الخلاصة: أن القراءة لا ترِد في الموضع إلا حيث يُراد المعنى. لا يُراد المعنى، لا ترِد القراءة الأخرى.

 طيب لماذا لم ترِد في سورة الناس؟
لأن سورة الناس قال الله فيها (قل أعوذ برب الناس) ورب الناس مالكهم وخالقهم، إذن معنى المِلك موجود في رب الناس فبقي معنى المُلك وورد في (ملك الناس) فلا حاجة للقراءة الأخرى هنا. (رب الناس) أي مالكهم، وطالما مالكهم فهذا هو معنى المِلك، و(ملك الناس) هذه من المُلك، إذا المعنيان هنا.
طيب.. وفي مالك الملك (قل اللهم مالك الملك) لاحظوا معي (مالك الملك) مالك هنا مضافة إلى المُلك فلو وردت قراءة (ملِك) لكان هناك خلل في المعنى، لأن المُلك موجود يتبقى المِلك، إذن (مالك الملك) تمام. إذن قراءة المُلك أصلا موجودة فلا حاجة لورود القراءة.

 لكن في الكلام الذي قلته هذا يتطلب أن تسألوني سؤالا؟ ها ماهو السؤال. تشوف من المنتبه؟ فيه سؤال لا بد أن يسأل في خلال كلامي في (مالك يوم الدين) إلى آخره ولماذا لم ترد في الناس؟ ولماذا؟ لم ترد في آل عمران؟

 أسأل أنا.. القراءات توقيفية قولا واحدا، وحي منزل من عند الله لا دخل للبشر فيه، حتى محمد صلى الله عليه وسلم لم يتدخل فيها، يعني محمد صلى الله عليه وسلم لم يتدخل في القراءة. خلاص، وسنأتي بأدلة. بس المهم خلوا هذا الأصل عندكم.
 السؤال إذن: قلنا إن (رب الناس) بمعنى مالكهم فلم ترد القراءة الأخرى (مالك الناس)، طيب في سورة الفاتحة (الحمد لله رب العالمين) أليست (رب العالمين) بمعنى مالك العالم؟ والعالم كمان أوسع وأشمل من الناس، يعني الناس جزء من العالم لكن العالمين أوسع وأشمل؟
 أقول نعم، لكن عندما نتأمل (الحمد لله رب العالمين) مُراد بها في الدنيا وفي الآخرة ومُراد برب العالمين (الحمد لله رب العالمين) رب العالمين في الدنيا وفي الآخرة أيضا رب العالمين، لكن (مالك يوم الدين) يريدها الله للآخرة قولا واحدا فأنزل القراءتين حتى يكون المعنى واضح. الدليل (يوم الدين) (مالك يوم الدين) ما يوم الدين؟ يوم الدين هو يوم الحساب، ويوم الجزاء. ماشي. إذا وردت القراءتان هنا لتفيد هذه الدلالة. والله أعلم.

عندنا كلمة (سراجا) وردت في أكثر من موضع (وسراجا منيرا) في الأحزاب، و(جعلنا سراجا وهاجا) في النبأ، (وجعل الشمس سراجا) في نوح، (تبارك الذي جعل في السماء بروجا وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا).

 في موضع سورة الفرقان الوحيد ورد فيه قراءة أخرى (وجعل فيها سُرُجا) بالجمع. لماذا هذا الموضع الوحيد الذي ورد فيه (سُرجا)؟ ولماذا لم يُقرأ غيره بالجمع؟ 
لأن كلمة (سُرجا) تعني النجوم والكواكب، وكلمة (سراجا) إشارة إلى النجم في السماء فبالطبع هنا ما يستلزم معنى الجمع اللي هي النجوم والكواكب.
لكن قوله تعالى: (وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) هذا وصف للنبي صلى الله عليه وسلم، هل معنى الجمع مراد؟ بالطبع لا
وهناك في النبأ (وجعلنا فيها سراجا وهاجا) أيضا ليس مرادا لأن السراج الوهاج هو الشمس يعني الجمع غير مراد، (وجعل الشمس سراجا) في نوح أيضا الجمع غير مراد.
يعني خلاصة ما أريد أن أغرسه فيكم قبل أن نبدأ الكلام في توجيه القراءات: أن نعلم أن القراءة لا ترِد إلا حيث يراد المعنى.

مثلا في قول الله تعالى (وجعل كلمةَ الذين كفروا السفلى وكلمةُ الله هي العليا) (كلمةُ الله) هنا على قراءة الرفع هذه هي (لا إله إلا الله محمد رسول الله) - كلمة التوحيد – ولذلك ما عطف (كلمةُ الله هي العليا) على (كلمةَ الذين كفروا السفلى) حتى لا تشترك معها في الجعل فتكون كلمة التوحيد معرضة للتحول والانتقال أن الله تبارك وتعالى أحيانا يجعلها هي العليا وأحيانا لا، فتكون معرضة للتحول والانتقال، وإنما (وكلمةُ) بالرفع تكون الواو للاستئناف، (وكلمةُ الله) هي كلمة التوحيد فهي العليا قولا واحدا ودائما، أبدا ولا تكون غير ذلك.

طيب.. تعالوا نتأمل في قراءة يعقوب وهي قراءة متواترة ووردت بالنصب ما الحل فيها إذا؟ 
عندما بدأ العلماء في بيان توجيه قراءة النصب فقالوا: إن كلمة الله في القرآن الكريم تعني كلمة التوحيد، وتعني شرع الله بأكمله. يعني (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) هل كلمة ربك هنا هي كلمة التوحيد؟ طبعا لا، لأنها (وتمت) طالما (وتمت كلمة ربك) أي شرع الله، أو دين الله.
أقول مرة أخرى: كلمة الله قد تكون كلمة التوحيد وقد تكون شرع الله جل وعلا الذي شرعه لعباده. فقالوا إذا قراءة النصب تكون عطفا على (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا) ولا يمنع أن تكون كلمة الله هنا التي بمعنى شرع الله التي بمعنى دين الله هو الذي يتعرض للتحول كما قال الله تعالى: (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) تمام. إذن قراءة النصب تجعل (كلمة الله هي العليا) شرع الله ودين الله ولا تعني كلمة التوحيد. بالضم كلمة التوحيد، بالنصب شرع الله ودين الله. لماذا؟ لأنها ستكون معطوفة على (كلمة الأولى) فيكون المعنى: وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وجعل كلمة الله هي العليا، أي جعل دين الله، وجعل شرع الله هي العليا. إذن هذه القراءة نقول إنها أضافت معنى جديدا مع القراءة الأخرى، يعني قراءة الرفع جعلت (وكلمةُ الله) كلمة التوحيد، وقراءة النصب جعلت (كلمة الله) شرع الله ودين الله. إذن هذه القراءة أضافت معنى جديدا للقراءة الأخرى. واضح؟ نعم.

في قول الله تعالى: (وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا فلا جناح عليهما أن يُصلحا بينهما) والقراءة الأخرى (فلا جناح عليهما أن يصّالحا بينهما صلحا)، (يصَّالحا) من (التصالح)، و(يُصلحا) من الإصلاح، هنا قراءة ترتبت على قراءة.
 أي القراءتين ترتبت على الأخرى؟
الإصلاح ترتب على التصالح، يعني يصّالحا أولا فيصلحا بينهما صُلحا بسبب التصالح.
 فالله تبارك وتعالى من خلال هاتين القراءتين يريد أن يعلمنا درسا ألا وهو: أنه طالما رأت الزوجة من زوجها نشوزا أو إعراض فلا بد من التصالح حتى يتم الإصلاح، التصالح يعني الاتفاق تتنازل له عن أمر، تتنازل له عن شيء المهم التصالح يأتي بالإصلاح وليس العكس. فالقراءة تان ترتبت إحداهما على الأخرى.

أيضا القراءة التي وردت قد تزيل إشكالا في القراءة الأولى: يعني في قول الله تعالى (إذ قال الحواريون يا عيسى بن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء) والقراءة الأخرى: (هل تستطيع ربَك أن ينزل علينا مائدة من السماء) القراءة الأولى وهي بالياء (هل يستطيع ربُك) ورفع كلمة (ربُك) أسندت الاستطاعة إلى رب العباد (هل يستطيع ربك) وهذا السؤال بإسناد الاستطاعة لا يليق بالحواريين لأنهم آمنوا ومؤمنون، الحواريون مؤمنون وهذا السؤال سؤال شاكٍ في دين الله
وقالوا: بأن الإنسان قد يسأل عن الاستطاعة وهو يعلم أن المسؤول مستطيع، يعني عندما أقول مثلا لأخي الفاضل هل تستطيع أن تكلمني الآن؟ وأنا أعلم أنه يستطيع، وأنت تقولين لأختك هل تستطيعين زيارتي الآن؟ وهي تستطيع. إذن قد يُسأل المسؤول عن استطاعته فعل أمر وهو يستطيع، ولذلك طبعا الله أكد ذلك وقال (اتقوا الله إن كنتم مؤمنين* قالوا نريد أن كل منها وتطمئن قلوبنا..) إلخ. جاءت قراءة (هل تستطيع ربَك) (تستطيع) بالتاء، (ربَك) بالنصب (هل تستطيع ربَك) فقراءة تاء خطاب هنا أسندت الاستطاعة لمن؟ أسندت الاستطاعة لعيسى عليه السلام وأبعدت إسناد الاستطاعة لله جل وعلا. طيب (ربَك) ما الذي نصبها؟ الذي نصبها أنها إما مفعول لفعل محذوف لأن التقدير (هل تستطيع أن تسأل ربك) أو أنها منصوبة على نزع الخافض (هل تستطيع سؤال ربك) هنا كلمة سؤال وحذفت سؤال وبقيت (ربك) مضافة فهنا يلزم أن تُنصب وتكون منصوبة على نزع الخافض. فقراءة الكسائي أزالت إشكالا في القراءة الأخرى.
إذن الخلاصة التي نخرج بها اليوم: أن القراءة لا ترِد إلا حيث يُراد المعنى. 
والخلاصة الثانية: أن القراءة لها علاقة بالقراءة الأولى التي كانت في الكلمة.
 إذن القراءة لم تنزل عبثا، هذا يتطلب الإجابة على عدة أسئلة، وأنا تعلمت إذن إني أنا أسأل نفسي وأجيب وخلاص.

السؤال الأول: ما مفهوم التيسير في القراءة؟ لأن العلماء يقولون إن الغرض من نزول القراءات التيسير في القراءة، بمعنى أن كل واحد أو كل إنسان يقرأ بما يتفق مع لهجته أو مع لغته أليس كذلك؟ نعم الناس يقولون هذا نزلت لكي يتمكن كل واحد. طيب أنتم بالتأكيد درستم قراءات وأنتم من أهل القراءات، هل كل القراءات التي درستموها ترونها أنزلت لكي يتمكن كل واحد من القراءة بلهجته معقول؟ يعني هل هناك لهجة تقرأ مالكِ ولهجة تقرأ ملك؟ بالطبع لا، مفهوم تيسير القراءات لا بد أن نفهمه.

 تيسير القراءات أنا أجعله على نوعين: 
تيسير في الأصول: من يُبدل، ومن يُسهل، ومن يصل ميم الجمع، ومن يضم الهاء، ومن يكسر الهاء، ومن يُميل ومن يُقلل ومن يفتح، ومن.. ومن ...الخ هذا كله تيسير ليتناسب مع كل واحد فيما يتفق مع لهجته لكن مشروطة بشرط أن يتفق مع ما أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم ونقله لنا القُراء لا وفق لهجته كما يشاء. يعني مثلا الذين يقرؤون القاف جيم في لهجتهم هل يقرؤون القرآن بالجيم في القاف؟ لقد خلجنا الإنسان في أحسن تجويم؟ يقولون هكذا؟ لا، إذن هو يتخير من الروايات ما يتناسب معه لا مانع، إنما تكون القراءة قد تنزّلت. وحتى نكون على وعي من قضية أن القراءة نزلت لتتفق مع لهجاتهم أقول لكم: عمر ابن الخطاب الذي اختلف مع هشام ابن حكيم، أشهر اختلاف مدون في السنة حديث صحيح وكلكم تعرفونه. طيب هشام وعمر كلاهما قرشيان؟ طيب أما كان ينبغي أن يتفقا في لهجة واحدة؟ إذن لماذا اختلفا؟ إذا، قضية أن كل واحد يقرأ وفق لهجته مقيدة بقيود.

 ثانيا: من مفهوم تيسير القراءة: أن الله تبارك وتعالى أنزل القراءتين بدلا من جعل آيتين، يعني بدلا من أن يقول في سورة الفاتحة مثلا (مالك يوم الدين)، (ملك يوم الدين) فإنها ستنزل آيتين، فنزول الآيتين يجعل عددا الآيات في القرآن كثيرا فأنزل الله القراءة الأخرى، وهذا من مفهوم التيسير.
 إذن مفهوم التيسير الآن على نوعين: تيسير يتفق مع اللهجة ويكون وفق ما أُنزل وما نقله لنا الأئمة، وتيسير بورود القراءة بدلا من أن يكرر الله الآية مرتين.
 السؤال التالي: هل كل القراءات وردت لتدل على معنى آخر على الإطلاق أم ماذا؟
 لكني أتوقف ها هنا الليلة وإن شاء الله أجيب على هذا السؤال في بداية المحاضرة القادمة بحول الله وقوته. وكان لا بد من هذا التمهيد وهذه الأسس التي لا بد أن يعلمها أهل القراءات، يعني أهل القراءات بالذات لا بد أن يعلموها.
 اللقاء القادم مثل اليوم يعني الأحد القادم إن شاء الله في نفس التوقيت وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين والحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
_________________________________

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق