الأربعاء، 5 يوليو 2023

في قول الله عز وجل: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} كيف يخدع الله المنافقين؟

س: في قول الله عز وجل: {إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم} كيف يخدع الله المنافقين؟

الجواب:
قول الله عز وجل: {وهو خادعهم} هذا أسلوب وعيد مؤكّد، أي: قضى الله أنه سيخدعهم فلا محالة من وقوع هذا الوعيد عليهم.
 والعرب تأتي بهذا الأسلوب لما تعزم على إيقاعه من غير تردد ولا عجز، كما لو قلت لشخص تقدر عليه: إني ضاربُك، ولما يُصبه منك ضرب وقت التكلّم، لكنّك تُبلغه بأنّك ستضربه، وأنّ هذا الضرب مؤكّد إيقاعه لا تتردد فيه.
ولهذا الأسلوب أمثلة كثيرة في القرآن الكريم:
منها: قول الله تعالى: {إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء بما كانوا يفسقون}  أي: سننزلها، وهي لم تنزل وقت الخطاب، لكن لما كان هذا الأمر حتماً مقضياً صحّ الإخبار عنه باسم الفاعل تأكيداً لوقوعه.
 
ومنها: قول الله تعالى: {إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك} أي: سننجيك نجاة لا ينبغي أن يداخلك فيها شكّ ولا ارتياب.
 
ومنها: قوله تعالى: {إني جاعل في الأرض خليفة}، أي: سأجعل في الأرض خليفة.
 
ومنها: قوله تعالى: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ} أي: سأتوفاك وأرفعك.

فقول الله عز وجل: {إن المنافقين يُخادعون الله وهو خادعهم} أي: سيخدعهم. فأخبر عن فعلهم بأنه مخادعة أي محاولة منهم ليخدعوا الله؛ وذلك بإظهارهم خلاف ما يبطنون، لكنّ هذه المحاولة لا تنتج لهم ما أرادوه من إتمام الخديعة.
 وقد قرأها جميع القراء {يخادعون} ، وكذلك في سورة البقرة {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم} قرأ جميع القراء: {يُخادعون الله} ، بضم الياء، وألفٍ بعد الخاء، وأما قوله تعالى: {وما يخدعون} فقرأها نافع وابن كثير وأبو عمرو: [ وما يُخادعون ] بضمّ الياء وفتح الخاء، وقرأ الباقون بفتح الياء وإسكان الخاء {وما يَخْدعون} ؛ فهم خادعوا أنفسهم فخدعوها، وخادعوا الله فخدعهم الله.
فأخبر الله عزّ وجلّ عن فعلهم بأنه مخادعة، وأخبر عن فعله بهم بأنه هو خادعهم، أي: سيخدعهم خَدْعاً لا ريب في وقوعه، ولا مناص لهم منه، وهذه العقوبة جزاءٌ لهم على أعمالهم.

إذا تبيّن ذلك نأتي إلى جواب السؤال: كيف يخدع الله المنافقين؟ 
فالجواب: أن خَدْعهم يتحقق بأمور:
منها: استدراجهم وتزيين أعمالهم لهم، وصرف قلوبهم عن الهدى، حتى يزدادوا إثماً واستحقاقاً لمزيد من العذاب.
 
ومنها: أن تُقيض لهم شياطين تضلهم عن الصراط المستقيم حتى يتوهّموا أنّهم مهتدون، كما قال الله عز وجل: {ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون} وهذا لا شك أنه من المكر بهم، والمنافقون لهم من هذه العقوبة نصيب وافر.

ومنها: أنه إذا كان يوم القيامة وكشف الله عز وجل عن ساقه سجد له كل مؤمن ومؤمنة؛ فيريد المنافق أن يسجد فلا يستطيع، بل يكون ظهره طبقة واحدة، فهذا من خَدْعهم؛ وأثره عليهم شديد؛ لأنهم لما كانوا في الدنيا يزعمون أنهم يصلون لله، ولم تكن الصلاة من شأنهم، وإنما كانوا يصلون رياءً وخوفاً على أنفسهم، كانوا يشابهون المؤمنين ظاهراً، ويخالفونهم باطناً، فلذلك شابهوهم ظاهراً في الموقف العظيم يوم القيامة، وتوجّه لهم الخطاب جميعاً، لكنهم لما أرادوا أن يسجدوا حيل بينهم وبين السجود، فتميزوا عن المسلمين وتبيّن لأهل الموقف نفاقهم، كما في حديث محمد بن إسحاق قال: أخبرني سعيد بن يسار، قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : (( إذا جمع الله العباد في صعيد واحد نادى منادٍ ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون فيلحق كل قوم بما كانوا يعبدون ويبقى الناس على حالهم فيأتيهم فيقول: ما بال الناس ذهبوا وأنتم ها هنا فيقولون ننتظر إلهنا.
فيقول: هل تعرفونه.
فيقولون: إذا تعرّف إلينا عرفناه.
فيكشف لهم عن ساقه فيقعون سجوداً وذلك قول الله تعالى: { يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون } ويبقى كل منافق فلا يستطيع أن يسجد، ثم يقودهم إلى الجنة)).  رواه الدارمي في سننه، وابن أبي عاصم في كتاب السنة، وله شاهد من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
 
ومنها: أنهم عند العبور على الصراط يعطون نوراً في ظاهره مثل نور المؤمنين، لكنهم إذا ساروا على الصراط أنطفأ نور المنافقين أشد ما كانوا احتياجاً إليه، وهذا خدعٌ عظيم لهم، خدعهم الله عز وجل بذلك النور الظاهر الذي أعطوه لأنهم في الدنيا تكلموا بكلام ظاهره الإسلام، وهم في حقيقة أمرهم لم يكونوا مسلمين لله عز وجل.
فهذه من أوجه خدع الله عز وجل للمنافقين. نسأل الله عز وجل السلامة من النفاق.
-----------------------------------------------
عبد العزيز بن داخل المطيري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق