الأربعاء، 26 مايو 2021

ثلاث صور للنفس البشرية حين تعيش بعيدة عن هداية الخالق سبحانه وتعالى

  يقول الله تعالى:

/ (لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) سورة فصلت (49)

/ (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ) سورة فصلت (50)

/ (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) سورة فصلت (51)

ثلاث صور للنفس البشرية حين تعيش بعيدة عن هداية الخالق سبحانه وتعالى فهي مضطربة في التصورات والأحكام:

الصورة الأولى في قوله تعالى:
(لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ) سورة فصلت (49)
فالآية تخبر أن الإنسان لا يمل من طلب الخير فهو يبذل كل ما يستطيعه من أسباب ، فهو يطلب من الله أن يهب له ما يحب من الأموال والأولاد والقوة وكلما حصل شيئا من ذلك تمنى الزيادة وطلبها، فإذا ما مسه الشر في أي جانب من جوانب الحياة فتراه يائساً قانطاً من تغير الحال فهي النهاية عنده لا يرجو بعد ذلك خيرا ولا يؤمل في عافية من بلاء.

الصورة الثانية في قوله تعالى: 
(وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى). 
وهذه الآية تبين حال ذلك الشخص في الصورة الأولى في موقف آخر حين يكشف الله الضر عنه مع يأسه وقنوطه وعدم رجاءه انكشاف الضر عنه كيف يحكم على الأمور؟ 
إنه يقول هذا لي أي أنا مستحق لهذا وجدير به ولولا أني أستحق ما أُعطيت هذا ، ثم هو في نفس الوقت لا يؤمن بالآخرة ويظن أن الدنيا هي نهاية المطاف، ثم إنه يقدم تصورا آخر كيف سيكون وضعه فيما لو صح أن هناك بعثا وحسابا وجزاء فإن الجنة ستكون مدخرة له عند ربه، فهو عنده استحقاق آخر مبني على تصوره لسبب النعمة التي هو فيها.

الصورة الثالثة في قوله تعالى:
 (وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ) سورة فصلت (51).
وهذه صورة أخرى من طبيعة النفس البشرية حين لا تهتدي بنور الإيمان فهي تتصرف في النعم التي أنعم الله بها عليها تصرف المعرض المتكبر المغرور بما أعطاه الله، فتجده لا ينسب النعمة إلى مسديها ولا يشكرها ولا يقوم بحق الله فيها، فإذا ما قدر الله وسُلبت من هذه النعمة فتراه حينها يتذكر أن للنعمة واهبا وأنه إذا شاء سلبها وأنه لا يقدر على ردها إلا هو فتراه يتضرع ويدعو ويكثر من الدعاء، إنه صنف لا يعرف الله إلا في الشدة.

وفي كل هذه الصور الثلاث نجد أن الإنسان مضطرب في تصوراته وأحكامه وسلوكه، ولا يمكن تصحيح هذه التصورات والأحكام والسلوكيات إلا من خلال الإيمان حينها يحصل التوازن في النفس البشرية تصورا وأحكاما وسلوكا، ويلخص لنا ذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين يقول: "عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواه مسلم من حديث صهيب رضي الله عنه. 
أي أنها صور متعددة للإنسان البعيد عن الهداية عندما يصيبه سوء:
فالبعض ييأس من تغير الحال وتحسنه ويسيئ الظن بربه ، والبعض يتذلل إلى ربه ويتضرع إليه ويدعوه بكثرة وتكثيف وهو هو نفس الشخص الذي لم يكن يدعو ربه وهو في الرخاء بل كان مغروراً متكبراً بنعيمه.
----------------------------------
أرشيف ملتقى أهل التفسير 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق