السبت، 20 ديسمبر 2025

اسم الله [العزيز/ الجبار] من كتاب فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر

وقد ذكر هذان الاسمان معاً في قوله تعالى: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: ٢٣]
 ولم يرد اسم الجبار في القرآن إلا في هذه الآية، وأما العزيز فقد ورد في القرآن ما يقرب من مائة مرة.
و«العزيز» أي: الذي له جميع معاني العزة، كما قال سبحانه: ﴿إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [يونس : ٦٥] ، أي : الذي له العزة بجميع معانيها، وهي ترجع إلى ثلاثة معان كلها ثابتة الله عزوجل على التمام والكمال.
المعنى الأول: عزة القوة، وهي وصفه العظيم الذي لا تنسب إليه قوة المخلوقات وإن عظمت
● قال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ ﴾
 [الذاريات: ٥٨]،
● وقال تعالى: ( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً) [فصلت: ١٥ ] 
● وقال تعالى: ﴿وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: ١٦٥]
● وقال تعالى : (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: ٥٢]
● وقال تعالى : (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)
 [الحج : ٧٤].

المعنى الثاني: عزة الامتناع فإنه الغني بذاته فلا يحتاج إلى أحد، لا يبلغ العباد ضره فيضرونه، ولا نفعه فينفعونه، بل هو الضار النافع المعطي المانع، منزه سبحانه عن مغالبة أحد، وعن أن يقدر عليه، وعن جميع ما لا يليق بعظمته وجلاله من العيوب والنقائص، وعن كل ما ينافي كماله، وعن اتخاذ الأنداد والشركاء
● قال الله تعالى : (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامُ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الصافات: ۱۸۰ - ۱۸۲]،
● وقال تعالى: ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ [الروم: ٢٧]
● وقال تعالى: ﴿ قُلْ أَرُونِي الَّذِينَ أَلْحَقْتُم بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [سبأ: ٢٧].

المعنى الثالث: عزة القهر والغلبة لجميع الكائنات، فهي كلها مقهورة الله خاضعة لعظمته منقادة لإرادته، ونواصي جميع المخلوقات بيده، لا يتحرك منها متحرك، ولا يتصرف متصرف إلا بحوله وقوته وإذنه، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ تُولِجُ الَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَاب ﴾ [آل عمران: ٢٦ - ٢٧].

ومن آثار الإيمان بهذا الاسم:
 أن يكون ذل العبد الله وحده، لا يلتجئ إلا إليه، ولا يحتمي إلا بحماه، ولا يلوذ إلا بجنابه، ولا يطلب عزه إِلَّا مِنه (مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا) [فاطر: ١٠]، وكلما كان العبد أعظم تحقيقا لذلك كان نيله للعزة أمكن (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ، وَلِلْمُؤْمِنِينَ ﴾ [المنافقون: ۸]
والعزة بمعنى القهر هي أحد معاني الجبار، فإن من معاني الجبار أي: أنه القاهر لكل شيء، الذي دان له كل شيء، وخضع له كل شيء، فالعالم العلوي والسفلي بما فيهما من المخلوقات العظيمة كلها قد خضعت في حركتها وسكناتها، وما تأتي وما تذر لمليكها و مدبرها، فليس لها من الأمر شيء، ولا من الحكم شيء، بل الأمر كله لله، والحكم الشرعي والقدري والجزائي كله له ، لا حاكم إلا هو، ولا رب غيره، ولا إله سواه.
وليس معنى هذا أن العبد مجبور على فعل نفسه، بل الأمر كما قال الله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ [الكهف: ۲۹] ، وقال سبحانه: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّنَهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَنَهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا ﴾ [الشمس : ٧ - ١٠].

والجبار له ثلاثة معان:
الأول: بمعنى القهار، كما تقدم.

الثاني: يرجع إلى اللطف الرحمة والرأفة، فهو الذي يجبر الكسير، ويغني الفقير، وييسر العسير، ويجبر المريض والمصاب بتوفيقه للصبر وتيسير المعافاة له، مع تعويضه على مصابه أعظم الأجر، ويجبر جبرًا خاصا قلوب الخاضعين لعظمته وجلاله، وقلوب المحبين له الخاضعين لكماله الراجين لفضله ونواله، بما يفيضه على قلوبهم من المحبة وأنواع المعارف والتوفيق الإلهي، والهداية والرشاد، وقول الداعي : اللهم اجبرني يراد به هذا الجبر الذي حقيقته إصلاح العبد ودفع جميع المكاره والشرور عنه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول بين السجدتين: «اللهم اغفر لي وارحمني واجبرني واهدني وارزقني رواه الترمذي، وابن ماجه (۱).

الثالث من معاني الجبار : أي : العلي على كل شيء، الذي له جميع معاني العلو : علو الذات، وعلو القدر، وعلو القهر.
وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعظم ربه في ركوعه وسجوده بذكر جبروت الله عزوجل الدال عليه اسمه الجبار، ففي المسند»، و«السنن عن عوف بن مالك الأشجعي له قال: «قمتُ مع رسول الله الله ليلةً، فقام فقرأ سورة البقرة، لا يمر بآية رحمة إلا وقف فسأل، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف فتعوذ، قال: ثم ركع بقدر قيامه يقول في رکوعه: سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، ثم سجد بقدر قيامه، ثم قال في سجوده مثل ذلك، ثم قرأ بآل عمران، ثم قرأ سورة سورة» (٢).
والجبروت لله وحده، ومن تجبر من الخلق باء بسخط الله، واستحق وعيده، وقد توعد جل وعلا من كان كذلك بالنكال الشديد والطبع على القلوب ودخول النار يوم القيامة
● قال الله تعالى : (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) [غافر : ٣٥] 
● وقال تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ مِّن وَرَابِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقَى مِن مَّاءٍ صدِيدٍ يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ، وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٌ وَمِن وَرَائهِ، عَذَابٌ غَلِيظٌ ﴾ [إبراهيم: ١٥ - ١٧].
● وروى أحمد والترمذي عن أبي هريرة عنه قال: قال رسول الله : «يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان يبصر بهما، وأذنان يسمع بهما، ولسان ينطق به، فيقول: إني وكلت بثلاثة: بكل جبار عنيد، وبكل من ادعى مع الله إلها آخر، والمصورين» (٣).
نعوذ بالله من النار، ومن سخط الجبار، ونعوذ به سبحانه من منكرات الأخلاق والأهواء والأدواء، إنه تبارك وتعالى سميع الدعاء.
---------------------------------------
(۱) جامع الترمذي رقم: (٢٨٤)، و سنن ابن ماجه (رقم (۸۹۸) من حديث ابن عباس ان عليها . وصححه الألباني.
(٢) رواه الإمام أحمد (٢٤/٦) ، و أبو داود (رقم: (۸۷۳) ، والنسائي (رقم: ۱۱۳۲)، وغيرهم. وصححه الألباني.
(٣) رواه الإمام أحمد (٢/ ٣٣٦) ، والترمذي (رقم : ٢٥٧٤) ، وغيرهما بإسناد صحيح. وصححه الترمذي، والألباني في السلسلة الصحيحة» (رقم : ٥١٢).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق