كنا قد قلنا أننا سنتحدث عن أهل الأعراف .
قال ربنا - وهو أصدق القائلين - (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) : (بينهما) أي بين أصحاب الجنة وأصحاب النار .
(حجاب) أي شيء ساتر ، هذا معنى الحجاب في اللغة .
(وَعَلَى الأَعْرَافِ) كلمة "على" تأتي أحيانا بالعلو المعنوي وأحيانا تأتي بالعلو المحسوس . فالله - جل وعلا - عندما يقول (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) هذا علو محسوس . هنا الحرف "على" (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ) كلمة "أعراف" مأخوذة من العرف ، والعرف في اللغة : الشيء العالي ولهذا يقال لما علا على الديك من شيء يقال له عُرف .
العلو هنا يجمع العلو الحسي والمعنوي . (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) فقول ربنا "رجال" لا يُقبل معه قول من قال من المفسرين إنهم ملائكة لأن الملائكة لا يوصفون بذكورية ولا بأنوثية .
(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) هؤلاء الرجال (يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) "كلا" هنا جاءت منونه وهذا التنوين يدل على أن هناك محذوف ، فهذه التنوين عوض عن محذوف وهو : يعرفون كلا من أصحاب الجنة وأصحاب النار . (يَعْرِفُونَ كُلاًّ) بأي شيء يعرفونهم ؟ (بسيماهم) السما العلامة ، والله جعل أهل النار عيونهم زرق (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) ، قال الله - جل وعلا - (يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) ثم جاء التفصيل :
/ (وَنَادَوْا) المنادي أصحاب الأعراف والمنادى أصحاب الجنة .
(وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) أي أن أهل الأعراف نادوا أصحاب الجنة (أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إلى هنا انتهى النداء . فكل الذي وقع من أصحاب الأعراف إلى أصحاب الجنة أنهم سلموا عليهم (أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ) .
/ (لَمْ يَدْخُلُوهَا) هذا وصف لحال أصحاب أهل الأعراف . "لم" نافية لكن الله قال (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) يطمعون في دخولها ، هذا الطمع الذي جُعل في قلوبهم لابد أن يكون له سبب وإلا لا يمكن أن ينشأ الطمع في القلب من غير ما سبب . السبب: أن النور الذي بيدهم بقي ولم يطفأ لأنهم يرون أن المنافقين والكفار قد ذهب نورهم ، فالكفار ذهب نورهم ابتداء ، وأما المنافقون فيأتون الصراط فإذا أتوا على الصراط ذهب النور فينادون المؤمنين (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) فهؤلاء أصحاب الأعراف بقي النور عندهم فعلموا أن هذا يورثهم الطمع أن يدخلوا الجنة قال ربنا (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) .
/ ثم قال أصدق القائلين (وَإِذَا صُرِفَتْ) هذا بناء لما لم يسمى فاعله - الذي يقول عنه النحاة البناء للمجهول - أي أنهم هم لا يصرفون النظر والبصر باختيارهم . (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ) ماذا يقع لهم ؟ يقع منهم وحشة في القلب فينجم عنها قول باللسان (قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فالإنسان أول ما يرى أصحاب معاصي يسأل الله أن يعافيه منها ، وقد تضطرك أحوالك - كما يوجد من كثير من فئام المسلمين - في بلاد الغرب أو في بعض البلاد المفتونة أو في غيرها طبيعة الحياة تجبره أن يرى ما يرى فلسان حاله ومقاله يقول (رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) كما قال الله عن أصحاب الأعراف (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
/ ثم قال ربنا (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أين ما كنتم تزعمونه في الدنيا وتدّعونه واستكباركم وجمعكم (أَهَؤُلاء) لم يبين الله هنا من المشار إليه لكن ظاهر القرآن يدل على أنهم الضعفاء في الدنيا ، المغلوبين على أمرهم المتمسكين بدينهم (أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ) أي يقال لهم ادخلوا الجنة (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) وهذه الأقوال من أصحاب الأعرف إلى أصحاب النار تزيد أهل النار حسرة فيقطع أصحاب النار الحديث مع أصحاب الأعراف لأنهم يرون أن في كلامهم قسوة عليهم وقد أصابهم العطش فينادون أصحاب الجنة . قال الله (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) فيكون الجواب (قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) تحريم منع أو تحريم شرع ؟ تحريم منع لأن تحريم الشرع في الشيء الذي لك سبيل إليه فتُكلف بأنك لا تصل إليه فتبتلى لكن تحريم المنع منعهم الله أن يُسقوا ، والماء يقال عنه في التاريخ و الثقافة العربية "أعز مفقود وأذل موجود" فلو إن إنسانا ملك أشياء كثر منها الماء أكثر شيء يفرط فيه الماء ، وإذا فقد الأشياء كلها لا شيء من المحسوسات يريده مقدم على الماء فهو أعز مفقود وأذل موجود .
الذي يعنينا هنا : (قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) ثم بينوا من هم الكافرون ؟
(الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) ثم بين الله الأصل العظيم الذي يجب أن يُعتد به قال (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ*هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) فلما يقول رب العالمين هذا يصيب المسلم وجل ، يصيب المسلم خوف ، يصيب المسلم شيء من البحث ومناشدة شيء ينقذه فتأتي الآيات التي يعظم الله فيها نفسه وذاته العلية يقول الله بعدها (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) لا يترك الله أحدا يجيب ، يجيب ذاته بذاته (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) قال الله بعدها (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) فلما بيّن أنه رب العالمين ولا أحد يخلق ولا أحد يرزق ولا أحد يهدي إلا هو دعا الخلق إلى أن يدعوه فقال (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) .
ثم قال (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)
أدركنا شيخنا الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في المدينة ، كان يفسر بعد صلاة المغرب فجاء يوما يفسر قول الله (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) فبكى ولم يقدر يكمل حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء .
القرآن كلٌ يقرؤه لكن من ذا الذي يوفق للاتعاظ به ؟! جعلني الله وإياكم ممن يتعظ بكتابه ، ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . هذا والله أعلم وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .
قال ربنا - وهو أصدق القائلين - (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ) : (بينهما) أي بين أصحاب الجنة وأصحاب النار .
(حجاب) أي شيء ساتر ، هذا معنى الحجاب في اللغة .
(وَعَلَى الأَعْرَافِ) كلمة "على" تأتي أحيانا بالعلو المعنوي وأحيانا تأتي بالعلو المحسوس . فالله - جل وعلا - عندما يقول (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) هذا علو محسوس . هنا الحرف "على" (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ) كلمة "أعراف" مأخوذة من العرف ، والعرف في اللغة : الشيء العالي ولهذا يقال لما علا على الديك من شيء يقال له عُرف .
العلو هنا يجمع العلو الحسي والمعنوي . (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) فقول ربنا "رجال" لا يُقبل معه قول من قال من المفسرين إنهم ملائكة لأن الملائكة لا يوصفون بذكورية ولا بأنوثية .
(وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الأَعْرَافِ رِجَالٌ) هؤلاء الرجال (يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) "كلا" هنا جاءت منونه وهذا التنوين يدل على أن هناك محذوف ، فهذه التنوين عوض عن محذوف وهو : يعرفون كلا من أصحاب الجنة وأصحاب النار . (يَعْرِفُونَ كُلاًّ) بأي شيء يعرفونهم ؟ (بسيماهم) السما العلامة ، والله جعل أهل النار عيونهم زرق (وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا) ، قال الله - جل وعلا - (يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيمَاهُمْ) ثم جاء التفصيل :
/ (وَنَادَوْا) المنادي أصحاب الأعراف والمنادى أصحاب الجنة .
(وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ) أي أن أهل الأعراف نادوا أصحاب الجنة (أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ) إلى هنا انتهى النداء . فكل الذي وقع من أصحاب الأعراف إلى أصحاب الجنة أنهم سلموا عليهم (أَن سَلامٌ عَلَيْكُمْ) .
/ (لَمْ يَدْخُلُوهَا) هذا وصف لحال أصحاب أهل الأعراف . "لم" نافية لكن الله قال (وَهُمْ يَطْمَعُونَ) يطمعون في دخولها ، هذا الطمع الذي جُعل في قلوبهم لابد أن يكون له سبب وإلا لا يمكن أن ينشأ الطمع في القلب من غير ما سبب . السبب: أن النور الذي بيدهم بقي ولم يطفأ لأنهم يرون أن المنافقين والكفار قد ذهب نورهم ، فالكفار ذهب نورهم ابتداء ، وأما المنافقون فيأتون الصراط فإذا أتوا على الصراط ذهب النور فينادون المؤمنين (انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ) فهؤلاء أصحاب الأعراف بقي النور عندهم فعلموا أن هذا يورثهم الطمع أن يدخلوا الجنة قال ربنا (لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ) .
/ ثم قال أصدق القائلين (وَإِذَا صُرِفَتْ) هذا بناء لما لم يسمى فاعله - الذي يقول عنه النحاة البناء للمجهول - أي أنهم هم لا يصرفون النظر والبصر باختيارهم . (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ) ماذا يقع لهم ؟ يقع منهم وحشة في القلب فينجم عنها قول باللسان (قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) فالإنسان أول ما يرى أصحاب معاصي يسأل الله أن يعافيه منها ، وقد تضطرك أحوالك - كما يوجد من كثير من فئام المسلمين - في بلاد الغرب أو في بعض البلاد المفتونة أو في غيرها طبيعة الحياة تجبره أن يرى ما يرى فلسان حاله ومقاله يقول (رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) كما قال الله عن أصحاب الأعراف (وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاء أَصْحَابِ النَّارِ قَالُواْ رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) .
/ ثم قال ربنا (وَنَادَى أَصْحَابُ الأَعْرَافِ رِجَالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ قَالُواْ مَا أَغْنَى عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ) أين ما كنتم تزعمونه في الدنيا وتدّعونه واستكباركم وجمعكم (أَهَؤُلاء) لم يبين الله هنا من المشار إليه لكن ظاهر القرآن يدل على أنهم الضعفاء في الدنيا ، المغلوبين على أمرهم المتمسكين بدينهم (أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لاَ يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ) أي يقال لهم ادخلوا الجنة (ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ لاَ خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَنتُمْ تَحْزَنُونَ) وهذه الأقوال من أصحاب الأعرف إلى أصحاب النار تزيد أهل النار حسرة فيقطع أصحاب النار الحديث مع أصحاب الأعراف لأنهم يرون أن في كلامهم قسوة عليهم وقد أصابهم العطش فينادون أصحاب الجنة . قال الله (وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ) فيكون الجواب (قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) تحريم منع أو تحريم شرع ؟ تحريم منع لأن تحريم الشرع في الشيء الذي لك سبيل إليه فتُكلف بأنك لا تصل إليه فتبتلى لكن تحريم المنع منعهم الله أن يُسقوا ، والماء يقال عنه في التاريخ و الثقافة العربية "أعز مفقود وأذل موجود" فلو إن إنسانا ملك أشياء كثر منها الماء أكثر شيء يفرط فيه الماء ، وإذا فقد الأشياء كلها لا شيء من المحسوسات يريده مقدم على الماء فهو أعز مفقود وأذل موجود .
الذي يعنينا هنا : (قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ) ثم بينوا من هم الكافرون ؟
(الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) ثم بين الله الأصل العظيم الذي يجب أن يُعتد به قال (وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ*هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ) فلما يقول رب العالمين هذا يصيب المسلم وجل ، يصيب المسلم خوف ، يصيب المسلم شيء من البحث ومناشدة شيء ينقذه فتأتي الآيات التي يعظم الله فيها نفسه وذاته العلية يقول الله بعدها (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) لا يترك الله أحدا يجيب ، يجيب ذاته بذاته (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) قال الله بعدها (تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) فلما بيّن أنه رب العالمين ولا أحد يخلق ولا أحد يرزق ولا أحد يهدي إلا هو دعا الخلق إلى أن يدعوه فقال (ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) .
ثم قال (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ)
أدركنا شيخنا الأمين الشنقيطي - رحمه الله - في المدينة ، كان يفسر بعد صلاة المغرب فجاء يوما يفسر قول الله (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا) فبكى ولم يقدر يكمل حتى أذن المؤذن لصلاة العشاء .
القرآن كلٌ يقرؤه لكن من ذا الذي يوفق للاتعاظ به ؟! جعلني الله وإياكم ممن يتعظ بكتابه ، ممن يستمع القول فيتبع أحسنه . هذا والله أعلم وصلى الله على محمد وآله والحمد لله رب العالمين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق