الجمعة، 2 ديسمبر 2011

تفسير سورة القارعة / د.محمد بن عبد العزيز الخضيري



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له ، وأشهد ألاّ إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا :
ما زلنا نتفيء ظلال هذه السور الكريمة العظيمة التي ختم الله بها كتابه الكريم ، ولعلك مشاهدي الكريم تقول : ما الحكمة في أن تكون هذه السور القصار في آخر القرآن ؟ من أجل أن تكون ميسرة في حفظها ، قريبة في قطافها لعامة المؤمنين لأنه ليس في وسع كل الناس أن يحفظوا القرآن كله ولا أن يتعلموه جميعه ففي الناس من هو مشغول ، وفي الناس من لا تتيسر له الأمور جعل الله هذه السور في آخر القرآن وجعل فيها هذه المعاني العظيمة والإرشادات الكريمة لتكون قريبة من عامة الناس يحفظونها ويقرؤنها ويتأملونها ويتدبرونها .
اليوم معنا سورة عظيمة من سور هذا المفصل الذي نتلوه ليلا ونهارا ، إنها سورة القارعة .
هذه السورة جاءت بعد سورة العاديات ، في سورة العاديات ذكر الله - عز وجل - أمرا يتصل بالجزاء والحساب وهو أن الإنسان في ذلك اليوم يُحصّل ما في صدره ويُكشف مكنونه ، وبيّن الله - عز وجل - قبل ذلك أن الإنسان بطبعه إن لم يُزكي نفسه بالإيمان ويُرقي نفسه بالعمل الصالح أنه كفور جحود لنِعم الله ، في هذا اليوم يُذكّر الإنسان مرة أخرى بيوم القيامة بذلك اليوم المهول العظيم فيقول الله - جل وعلا - (الْقَارِعَةُ*مَا الْقَارِعَةُ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ*يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ*وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) ثم يُمايز بين العباد ، منهم من يستكثر من الأعمال الصالحة فتثقُل موازينه ، ومنهم من يستقل فتخف موازينه فذلك الذي يُلقى في نار جهنم أمه هاوية (وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ*نَارٌ حَامِيَةٌ) .
دعونا نستمع لهذه الآيات وأحب منكم أن تفتحوا مصاحفكم وتنظروا إلى الآيات بأعينكم فذلك سيجعلكم تتدبرون بشكل أكبر .
(الْقَارِعَةُ*مَا الْقَارِعَةُ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ*يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ*وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ*فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُفَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ*وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ*فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ*نَارٌ حَامِيَةٌ)
هذه السورة تتحدث عن يوم القيامة وعن اختلاف الناس في ذلك اليوم مؤمن وكافر ، بر وفاجر ، مُكثر من الحسنات ومستقل منها يقول الله عز وجل (الْقَارِعَةُ)، " القارعة " اسم من أسماء يوم القيامة ، وسُميت بالقارعة لأنها تقرع الأسماع والقلوب بهولها فهي صرخة عظيمة وفزع شديد ، اقرؤا معي قول الله - عز وجل - (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَن شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ) ويقول الله في سورة الحج (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ *يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) . يالله إنها تقرع القلوب والأسماع لما فيها من الهول الشديد والخطب العظيم والأمر المهول الذي يفزع له كل أحد ، لقد سميت في القرآن بالطامة ، وسميت بالصاخة وسميت بالقيامة ، وسميت بالقارعة وبالحاقة ، وبغير ذلك من الأسماء وكل هذه الأسماء توحي بالقوة والفزع والهول والرهبة ، فهل نحن رهبنا ذلك اليوم وخفناه ؟ أرجو أن يكون ذلك كما أرادت منا هذه السورة .
(الْقَارِعَةُ*مَا الْقَارِعَةُ) أي شيء هذه القارعة ؟ يعني أنها شيء عظيم هذا أسلوب للتهويل والتعظيم والتفخيم . (وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) أي شيء هذه القارعة ؟ إنها شيء عظيم ، إنها شيء مهول ، إنها شيء لا يعلم قدره ولا يعلم حاله ولا يعلم عِظمه وشدة هوله إلا الله - سبحانه وتعالى - يقول النبي صلى الله عليه وسلم - ( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ ) . يقول كيف أتنعم بالدنيا والملك الموكل بالنفخ في الصور قد التقم ذلك الصور ينتظر أن يأمره ربه سبحانه به فيفعل ما أمره الله .
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ) هذا الأسلوب يمرّ بنا كثيرا في هذا الجزء وفي القرآن المكي بشكل خاص ويُراد منه التهويل والتضخيم والتفخيم ، (وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ*الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ*وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ*أَلا يَظُنُّ أُوْلَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ*لِيَوْمٍ عَظِيمٍ*يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ*كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ)
(كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ) أسلوب من أساليب التعجيب والتعظيم والتفخيم حتى يتهيأ الإنسان لتلقي هذه المعاني والعلوم . ثم يقول الله - عز وجل - مُذكرا بما يحصل في ذلك من الهول والتغير العظيم الذي يجب على العباد أن يستحضروه حتى يستعدوا .
(يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) كأنهم جراد منتشر ، ترى الناس منتشرون في الأرض ذاهبون آيبون قد اختلطت أمورهم واضطربت أحوالهم يسعون لا يعلمون ماذا يُراد منهم وعلى أي شيء حالهم (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ*وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ*لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) كل إنسان مشغول بنفسه ، يلاقي الرجل أمه - أعز الناس عليه - فتناديه يابني يابني فينصرف عنها، يفر منها يخاف أن تطالبه بشيء يعينها على ذلك اليوم لأنه مشغول بنفسه ، وتلاقيه زوجه وابنته فلا يلتفت إلى أحد منهم (يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ*وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ*وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْويهِ*وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ) .
يقول الله - عز وجل - (يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ) والفراش هو هذا الذي يقترب من النار ، هذه الحشرات التي تقترب من النار ." المبثوث" أي المنتشر . قال الله - عز وجل - (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) هذه الجبال الشُم الرواسي الضخمة الهائلة القوية التي لو أراد العباد أن يشقوا فيها طريقا لبقوا فترات طويلة وهم يشقون فيه طريقا عرضه أمتار معدودة ، في يوم القيامة يهدها الله هدّا ، ويهُزها هزّا (يَوْمَ تَرْجُفُ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ) ثم تكون هذه الجبال (كَثِيبًا مَّهِيلا) ، (وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا*فَكَانَتْ هَبَاءً مُّنبَثًّا) هذه الجبال تُدك فتكون كثيبا مهيلا ثم يأذن الله - عز وجل - أن تكون كالعهن المنفوش أي كالصوف الذي قد نُفش وبدأ يُفرق بعد أن كان ملتبدا ومجتمعا ثم يأذن الله - عز وجل - لها بأن تذهب وتسير (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ثم تبقى الأرض بلا جبال (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا*فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا*لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا)، يا الله إنه مشهد عظيم إذا كانت هذه الجبال ستكون بهذه المثابة ، الآن لو انفجرت قنبلة بحجم اليد اهتزّ الناس كلهم ورُعبوا وصاحوا وصرخوا والقنبلة بحجم اليد ، في يوم القيامة هذه الجبال كلها تُدكّ دكا وتُهزّ هزا وتُزلزل زلزالا عظيما حتى تكون كالعهن المنفوش تراه شيئا فإذا لمسته لم تجد وراءه شيئا . في ذلك اليوم يخبرنا الله - عز وجل - أن العباد سيُجازون وسيُوزنون فالإنسان يُوزن ببدنه ، ويُوزن بعمله ، وتُوزن صحيفته ولذلك قال هنا (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) ، الموازين كثيرة : ميزان للناس يُوزن به الناس ، لعلكم تذكرون قصة ابن مسعود - رضي الله عنه - عندما صعد شجرة والصحابة في أسفلها فرأوا دقة ساقه فضحكوا فقال : (أتعجبون من دقة ساقه ، والله إنها لأثقل عند الله في الميزان من جبل أُحد) . أنظروا فالعامل يُوزن والعمل أيضا ، الصلاة يؤتى بها فتوزن ، والزكاة يؤتى بها فتُوزن ، والصدقة يؤتى بها فتُوزن ، وصومك في رمضان يؤتى به فيُوزن ، صوم اليوم الأول / صوم اليوم الثاني ، والثالث والرابع والعاشر والثلاثين وهذا العام والذي بعده والذي بعده فيُنظر هل هو صوم ثقيل أم صوم خفيف وتُعطى على قدر عملك . نحن الآن قد لا نتصور كيف يُوزن العمل ولكن ذلك سيقع حقيقة ، في يوم من الأيام كان الناس لا يعرفون المكاييل والموازين إلا في أشياء معدودة والآن أصبح كل شيء يوزن حتى الهواء يُوزن بموازين خاصة موجودة عند العلماء العارفين بهذا الأمر . في يوم القيامة حتى الأعمال صدقك ، كذبك رياؤك ، نفاقك ، تسبيحك ، تهليلك ، حمدك ، شكرك ، صلاتك ، دمعة عينك ، حزنك ، كل ذلك يُوزن ولذلك قال (فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) فجمعه لأنها كثيرة يقول الله - عز وجل - (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) . مثقال حبة من خردل ، تعرف إذا دخلت الشمس الغرفة ورأيت هذه الهباءات التي لا تكاد تُمسكها بيدك ولا تُحس بها ببدنك هذه إن كان مثقال يزنها أو يُعادلها سيُوزن يوم القيامة ولن يضيع عند الله شيء.(وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا) لا يظلم الله - سبحانه وتعالى- أحدا من عباده ، يؤتى بكل عملك ، بكل خير ، بكل شر وإن نسيته ونسيه الناس فإن الله - عز وجل - لاينساه (أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ) .
(فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ) ما حاله يا ربنا ؟ قال (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) أي في جنة عالية ، عيشة وحياة هانئة هادئة طيبة رائعة جميلة ، فيها مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر . هل تأملتم معي ذلك جيدا ؟أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل العيشة الراضية ، عيشة فيها الرضا كله ، يكفي المؤمن أنه لا يريد شيئا غيرها ، الآن أنت في الدنيا مهما وصلت إلى مرحلة فأنت تطمع إلى ما وراءها لأنك ترى أن هناك أشياء ناقصة وأن هناك مجالات للرضا لم تصل إليها أما في الآخرة فإن الأمر يختلف ، إذا وصلت رضيت بكل شيء وأذعنت واطمأنت نفسك وجُلب لك كل ما يسُرك حتر رضوان الله - عز وجل - يُسبغ عليك فلا يسخط الله عليك بعدها ابدا (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) .
(وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ) عندما وُزن وُجد خفيفا لأنه ليس له أعمال ، عندما وزنت أعماله لم يوجد له شيء حتى تسبيحاته وذكره لله كانت لغير الله ، كان لا يُراد بها وجه الله فلا يجد من عمله شيئا (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا) ما قدموا ، ما عملوا ، ما أسلفوا ، ما رحموا الأيتام ، ما أقاموا الصلاة ، ما بذلوا من أموالهم طاعة وقُربة لله ،ما عفروا وجوههم في الأرض طاعة وخضوعا لله ، كانوا يستنكفون ، كانوا يستكبرون ، لم يكن لهم همّ إلا أن تشبع بطونهم وأن تهنأ فروجهم وأن تلتذ أعينهم بملاذ الدنيا وشهواتها فما هو جزاؤهم ؟ قال الله - عز وجل - (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) أي مأواه النار "أمّه" سمى الله النار أمّا لأن الأمّ هي التي يسكن الإنسان إليها ويطمئن إليها ، هؤلاء سيكون مأواهم النار وبئس القرار ،سيأوون إلى النار وسيردونها - نسأل الله السلامة والعافية - (فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) وهي النار ، الأم التي سيسكن إليها ويذهب إليها - والعياذ بالله - هي النار ، أي سكن سيكون في هذه النار التي يرى نفسه فيها وحده ليس معه أحد وسيرى فيها من الهول ما ينتهي عنده كل شيء (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ) تأملوا هذا جيدا عباد الله واستعدوا له لئلا تكون من هؤلاء الذين ذكر الله أنهم قد خفّت موازينهم فأمّ الواحد منهم هاوية ، وقال بعض المفسرين "(فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) أي أنه يُلقى في النار على أم رأسه " ونحن نقول يُلقى في النار على أمّ رأسه ليكون في النار التي تكون مأواه وتكون مثواه ومستقره ومحله .
(وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ) ما هذه الهاوية ، أي شيء هذه الهاوية ، ما هي هذه الهاوية ؟ إنها باختصار حامية ، نار وقد نكّرها من أجل أن يُعظمها ويضخمها في قلبي وقلبك ، ووصف هذه النار بأنها حامية يعني في أشدّ ما تكون من الحرارة ، هذه النار أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى إبيضّت ثم أوقد عليها الف سنة حتى اسودت فهي سوداء مُظلمة ، هذه النار التي نراها في الدنيا جزء من سبعين جزءا من نار جهنم ، قال الصحابة يا رسول الله : والله إنها لكافية ، لو عُذبنا بمثل هذه لكان كافيا ، فقال( إنها فُضلت عليها بسبعين جزءا ) نسأل الله أن يُعيذني وإياكم من ذلك وأن يحرم جسدي وأجسادكم ووالدينا والمسلمين على هذه النار ، وأن يجعلني وإياكم ممن ثُقلت موازينهم فهو في عيشة راضية ، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد ، والسلام عليكم ورحمة الله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق