الحمد لله رب العالمين وصلى الله
وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا
ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد: فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه
الله:
ن/ "قوله (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية
فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم وسنزيد
المحسنين* فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا
من السماء بما كانوا يفسقون) وهذا أيضا من نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه فأمرهم
بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا ويحصل لهم فيها الرزق والرغد، وأن يكون
دخولهم على وجه خاضعين لله تعالى فيه بالفعل وهو دخول الباب سجدا أي خاضعين ذليلين،
وبالقول وهو أن يقولوا حطة أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته، (نغفر لكم
خطاياكم) بسؤالكم المغفرة (وسنزيد المحسنين) بأعمالهم أي جزاء عاجلا وأجلا، (فبدل
الذين ظلموا منهم) ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا قولا غير الذي قيل
لهم فقالوا بدل حطة حبة في حنطة استهانة بأمر الله تعالى واستهزاء، وإذا بدلوا
القول مع خفته فتبديلهم للفعل من باب أولى وأحرى ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم، ولما
كان هذا الطغيان أكبر سبب لوقوع عقوبة الله تعالى بهم قال: (فأنزلنا على الذين
ظلموا) أي منهم (رجزا رجزا) أي عذابا من السماء بسبب فسقهم وبغيهم".
ت/ بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله
رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده
ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا
بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا الهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين،
اللهم فقهنا في الدين وعلمنا التأويل أما بعد: قول الله جل وعلا (وإذ قلنا
ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث شئتم رغدا) العطف هنا في قوله (وإذ) هو على
ما سبق بدءا من قوله (اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم) بعدها جاءت هذه المعطوفات
مثل (وإذ نجيناكم)، (وإذ واعدنا)، (وإذ قال موسى)، (وإذ قلتم)، كلها تقدمت (وإذ
قلنا) وسيأتي أيضا معطوفات كلها معطوفة على قوله (اذكروا نعمتي)، وعرفنا أن قوله (إذ)
هذا ظرف بمعنى حين، وهو مفعول لفعل محذوف مقدر تقديره: "واذكروا إذ قلنا"
"واذكروا حين قلنا"، وهذا كله في سياق تعداد النعم. لأنها معطوفة كلها
على قول (اذكروا نعمتي).
وقوله (قلنا) هذا القول الذي سمعوه من خوطبوا
بهذا الخطاب من بني اسرائيل (ادخلوا هذه القرية) سمعوه من موسى عليه السلام، فقوله
جل وعلا (وإذ قلنا) اي لبني إسرائيل على لسان موسى لأن موسى عليه السلام مبلغ عن
الله فالذي يقوله لهم هو بلاغ عن الله، فالقائل هو الله وموسى عليه السلام المبلغ
لكلام الله جل وعلا.
قال: (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية) القرية
هذا الاسم يُطلق على المدينة المعمورة بالبيوت والمنازل والسكان يقال لها قرية،
ويفرق بين إذا كانت كبيرة أو صغيرة في الغالب، فيقال للصغيرة قرية والكبيرة مدينة،
بيوت البوادي التي تصنع من الشعر وفيها التنقل والترحل هذه لا تسمى منازلهم، لا
تسمى قرى، القرية هي المدينة أو المحلة التي بنيت، بني فيها المساكن التي السكنى
فيها مستمرة ليس فيها ارتحال، والمراد بالقرية هنا في قول جمهور المفسرين أنها
بيت المقدس، هناك أقوال أخرى لكن جمهور المفسرين وبه قال ابن عباس والسدي
والربيع بن أنس وقتادة وغير واحد، وقال الحافظ ابن كثير: "وهو الصحيح"
أن المراد بالقرية بيت المقدس.
قال (وإذ قلنا ادخلوا هذه القرية فكلوا منها حيث
شئتم رغدا)
(كلوا منها) أي من طيباتها وما جعل فيها سبحانه
وتعالى من أنواع الأرزاق، (كلوا منها) أي من طيباتها، والأمر هنا (كلوا) للإباحة (فكلوا
منها حيث شئتم) أي من حيث شئتم من أرزاقها وطيباتها، (رغدا) أي واسعا هنيئا موسعا
عليكم، (فكلوا منها حيث شئتم رغدا وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة) الآن هم بصدد
حصول نعمة عظيمة جدا لهم وهي سكنى بيت المقدس وأيضا التمتع بما فيه من الطيبات
والأرزاق، فأمرهم جل وعلا أن يدخلوا على هذه الصفة (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة)
يعني أمروا بقول وفعل،
القول: أن يقولوا حطة، والفعل: أن يكون
الدخول سجدا، وقيل (سجدا) أن هذا فعل يُفعل أثناء الدخول مع الباب، والمقصود بالباب باب القرية الذي يدخل منه إليها
فأمروا بهذه الصفة في الدخول سجدا قائلين حطة، ولهذا جماعة المفسرين قالوا: المراد
بالسجود (سجدا) أي راكعين، فأمروا أن يدخلوا على هذه الصفة يعني مطأطئين خاضعين، هيئة
خضوع وذل لله سبحانه وتعالى، نبينا عليه الصلاة والسلام لما دخل مكة فاتحا طأطا رأسه
خضوعا لله، وهذا فيها عدم رؤية النفس استشعار النعمة - نعمة الرب سبحانه وتعالى
- وفي مثل هذا المقام طأطأت الرأس وخفضه فيه خضوع لله، وفيه انكسار، وفيه التواضع
والذل لله سبحانه وتعالى، فأمروا أن يفعلوا ذلك، أن يدخلوا راكعين، خاضعين
متذللين، مستشعرين نعمة الله سبحانه وتعالى عليهم، وأن يجمعوا مع هذا الفعل طلب المغفرة،
أن يجمعوا مع هذا الفعل الذي هو تواضع وخضوع وذل يجمعوا معه طلب المغفرة في قولهم حطة،
معنى حطة أي أُحطط عنا خطايانا، حُط عنا خطايانا. وقال (وادخلوا الباب سجدا وقولوا
حطة) حطة هي خبر لمبتدأ محذوف وتقديره مسألتنا حطة، مطلوبنا حطة، دعوتنا حطة،
مرادنا حطة، قولوا حطة يعني نسألك، نريد منك يا الله أن تحُط عنا خطايانا. وُعِدوا إذا فعلوا ذلك بماذا؟ إذا دخلوا سجدا
وقالوا حطة وهم يدخلون، وُعدوا بغفران الذنوب وزيادة الحسنات قال (نغفر لكم) نغفر
أي إذا فعلتم ما أُمرتم به، (ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة نغفر لكم) نغفر
هنا واقعة في جواب الشرط، فاذا انتفى الشرط انتفى المشروط، فـ (نغفر لكم خطاياكم) الخطايا:
الذنوب، وغفرانها بسترها والتجاوز عنها (نغفر لكم خطاياكم) في قراءة عشرية (تُغفر
لكم خطاياكم)، ويكتب أحيانا في تفسير هذه اللفظة يقولون تُغفر مبني للمجهول
وهذا كلام باطل لا يجوز، لا يجوز أن يقال مبني للمجهول، وعموما يعني هذه الصيغة
في البناء عموما في إطلاقات الناس بعيدا عن مثل هذا الموضع الذي يتعلق بمقام الرب
عز وجل، هذا البناء الذي هو بناء لما لم يسمى فاعله هل أغراض الناس - من يبني هذا
البناء - هل غرضه أنه يجهل الفاعل؟ الآن مثلا لما شخص يعني يضرب آخر ويريد إنسان
أن يستر عليه يخبر بالضرب الذي حصل ولا يفصح عن المضروب ليس عن جهالة به ماذا يصنع؟
يقول ضُرب فلان، هو يعرف، ليس مجهولا عنده الضارب، أو مثلا كسر طفل كأسا ويسأل رب
البيت من كسره حتى يشدد عليه ويعنف فيقولون كُسر، هم يعرفونه، فهناك أغراض ل
البناء لما لم يسمى فاعله كثيرة جدا ليست كلها عن جهل، نعم قد يقول الإنسان فُعل
كذا لجهله بمن فعله في حالات، لكن هناك حالات كثيرة لهذا البناء لا يكون عن جهل بالفاعل
الذي لم يسمى، لكن المقام هنا مقام أيضا عظيم جدا مقام أدب مع الله سبحانه وتعالى، فلما يأتي إلى (تُغفر
لكم) يقول: فعل المضارع مبني للمجهول، أي كلام هذا؟! أيليق في باب الأدب، في
أعظم المعارف وأجل المعلومات أن يقال مبني للمجهول؟! والمقصود المجهول الرب،
هذا المقصود به، يقول قائل: لا، نحن نقصد الإعراب، نقول: حتى في الإعراب لابد من
الأدب في اللفظ مع رب العالمين سبحانه وتعالى، فإذا قال إذا ماذا نقول؟ يقال قل
كما كان يقول العلماء المتقدمين، كانوا يقولون: مبني لما لم يسمى فاعله، لم
يُذكر فاعله، كلمة لطيفة وجميلة ومحققة للمقصود، وهذه مبني المجهول، هذه إنما جاءت
عند المتأخرين من النحاة، عند المتقدمين ما كانت هذه اللفظة مستعملة، فهذا أمر يُنتبه
له. مثلها أيضا في إعراب (خُلق الإنسان ضعيفا)
يعربون (الإنسان) نائب فاعل، أيضا هذا نفس الخطأ في مقام مراعاة الأدب مع الله
نائب فاعل، الفعل ما هو؟ الخلق، والإنسان ما هو نائب فاعل في ماذا؟ في الخلق، يقول
لا نقصد ذلك، يقال لو كنت تقصد ذلك فالأمر من أشد العظائم، لكن الكلام الآن فيمن
لا يقصد ذلك، يقال له لابد من مراعاة الألفاظ الصحيحة السليمة في مقام الأدب مع
الله سبحانه وتعالى.
قال (وقولوا حطة نغفر لكم خطاياكم)، (تُغفر لكم
خطاياكم/ يُغفر لكم خطاياكم)، أيضا (وسنزيد المحسنين) جمع لهم بين أمرين إن
فعلوا ما أُمروا به غفران الذنوب وزيادة الحسنات. (نغفر لكم خطاياكم وسنزيد
المحسنين)، أي شيء فعل هؤلاء؟ قال: (فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم) ماذا
صنعوا؟ في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن نبينا صلى الله عليه وسلم قال: (قيل
لبني اسرائيل ادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة فبدلوا) وبيّن عليه الصلاة والسلام أي
شيء صنعوا (فبدلوا فدخلوا يزحفون على استاههم) يعني معطين الباب ظهورهم وجلسوا على
مقاعدهم (استاههم) أي مقاعدهم ودخلوا القهقرة على الوراء، المطلوب يدخل راكع متذلل
خاضع لله، فدخلوا مع الباب على هذه الصفة يزحفون على استاههم وقالوا حبة في شعرة،
قالوا حنطة حبة، فالقول بدلوه والفعل بدلوه، الفعل الذي هو التواضع، الخضوع،
الركوع، التذلل، بدلوه، وهذا من السخرية والاستهزاء بما أُمروا به.
قال (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء)
قال: (على الذين ظلموا) يعني العقوبة نزلت على الظالم الذي فعل هذا الظلم لأن هذا
الذي فعلوه هذا ظلم، من أنواع الظلم العظيمة ومن الاستهزاء بأمر الله وشرعه فبدلوا
ودخلوا يزحفون على الوراء ويقول حبة حنطة، حبة شعير، مستهزئين وهم في مقام نعمة
عظيمه جدا أكرمهم الله سبحانه وتعالى بها وتفضل عليهم بها.
قال (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا
من السماء) (رجزا) أي عذابا، رجزا من السماء عذابا من السماء قال بعض المفسرين: "هو
الطاعون" (رجزا من السماء) أي عذابا، قد أخرج ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كل شيء في كتاب الله عن الرجز يُعنى به
العذاب" - وبالمناسبة ابن عباس في المروي عنه في التفسير بعض الآثار عبارة عن
قواعد ومر معنا وسيأتي عنه كلمات قواعد جامعة من فهمه لكلام الله سبحانه وتعالى،
ولهذا هذه القواعد المأثورة عن ابن عباس أو حتى المأثورة عنه وعن الصحابة جمعها
ودراستها نافع جدا.
قال: (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء) أي
عذابا من السماء، (بما كانوا يفسقون) الفسوق هو: الخروج عن طاعة الله عز
وجل، وهؤلاء كان فعلهم وقولهم استهزاء بالدين، استهزاء وسخرية، وقولهم حطة ودخولهم
على استاههم هذا كله من الاستهزاء وغاية المخالفة للشرع والمعاندة له، وهذا من أشد
الفسق وأعظمه قال (بما كانوا يفسقون) قال الشيخ رحمه الله: "وهذا أيضا من
نعمته عليهم بعد معصيتهم إياه فأمرهم بدخول قرية تكون لهم عزا ووطنا ومسكنا"
وقد قيل أن هذا كان بعد التيه الذي ضُرب عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض بعده أكرموا
بهذه النعمة فتعاملوا معها هذا التعامل، وقال: "فأمرهم بدخول قرية تكون لهم
عزا ووطنا ومسكنا ويحصل فيها الرزق الرغد - يعني الواسع- وأن يكون دخولهم على وجه
خاضعين لله فيه بالفعل وهو دخول الباب سجدا أي خاضعين ذليلين، وبالقول وهو أن
يقولوا حطة أي أن يحط عنهم خطاياهم بسؤالهم إياه مغفرته" هذا الذي طُلب منهم
هو نوعان من الخضوع، خضوع بالقول وخضوع بالفعل، الخضوع بالقول الدخول سجدا،
والخضوع بالقول دخول مع طلب المغفرة، يدخل وهو يستشعر أنه مُقصر في حق الله
مذنب ويطلب من الله أن يغفر له فهذا خضوع بالقول، حطة أي: أن يحط عنهم خطاياهم
بسؤالهم إياه مغفرته، (نغفر لكم خطاياكم) بسؤالكم المغفرة، سؤالكم المغفرة في ماذا؟
في قولهم (حطة) وهذا مُفسر لما قبله (نغفر لكم) هذا مُفسر أن حطة يعني: حط عنا
الخطايا، قولوا حطة نغفر، استغفروا نغفر، هي بمعناها بسؤالكم المغفرة (وسنزيد
المحسنين) بأعمالهم أي جزاء عاجلا وآجلا، ماذا صنعوا؟ قال (فبدل الذين ظلموا منهم)
ولم يقل فبدلوا لأنه ليس هذا فعل الجميع، هذا يفيد أن هذا ليس فعل الجميع، ولهذا تأتي
العقوبة على من؟ ليست على الجميع قال: (فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا)، (فبدل
الذين ظلموا) أي منهم ولم يقل فبدلوا لأنهم لم يكونوا كلهم بدلوا، فيهم من بدل
وفيهم من التزم بما أٌمر به بدلوا قولا غير الذي قيل لهم فقالوا بدل حطة حبة في
حنطة استهانه بأمر الله واستهزاء، وإذا بدلوا القول مع خفته ويسره فتبديلهم للفعل
من باب أولى وأحرى ولهذا دخلوا يزحفون على أدبارهم، ولما كان هذا الطغيان أكبر سبب
لوقوع عقوبة الله بهم قال (فأنزلنا على الذين ظلموا) أي منهم (رجزا) أي عذابا من
السماء، (بما كانوا يفسقون) أي بسبب فسقهم وبغيهم والفسوق: هو الخروج عن
الطاعة. تارة يذكر في النصوص يراد به الأكبر، وتارة يراد به ما دون ذلك.
من استعماله في الأكبر (فمن كفر بعد
ذلك فأولئك هم الفاسقون) هذا من استعماله في الأكبر، وفي الحجرات (وكره اليكم
الكفر والفسوق والعصيان)، مثل أيضا قوله قبلها (إن جاءكم فاسق بنبأ) فالفسق
تارة يُراد به الأكبر وهو ناقل من الملة، وتارة يراد به ما دون ذلك، وفسق هؤلاء
كفر، هذا فيه استهزاء وسخرية بدين الله ومعاندة لشرع الله وإمعان في المخالفة لأمر
الله سبحانه وتعالى نعم.
ن/ قال رحمه الله: "قوله (وإذ
استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل
أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) استسقى أي طلب
لهم ماء يشربون منه، (فقلنا اضرب بعصاك الحجر) إما حجر مخصوص معلوم عنده، وإما اسم
جنس، (فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) وقبائل بني إسرائيل اثنتا عشرة قبيلة، (قد علم
كل أناس) أي منهم، (مشربهم) أي محلهم الذي يشربون عليه من هذه الأعين فلا يزاحم
بعضهم بعضا، بل يشربون متهنئين لا متكدرين ولهذا قال (كلوا واشربوا من رزق الله)
أي الذي أتاكم من غير سعي ولا تعب، (ولا تعثوا في الأرض) أي تخربوا على وجه
الإفساد".
ت/ قال سبحانه وتعالى (وإذا استسقى
موسى لقومه) المعنى في قوله (وإذ) كما تقدم أي: واذكروا يا بني إسرائيل (إذ) أي
حين استسقى موسى لقومه، اذكروا هذه النعمة، هذا كله في سياق وصايا لبني إسرائيل
وتذكير لهم بالنعم، ذُكروا بها أولا إجمالا ثم ذُكروا بتفاصيل لنعم حصلت
لأسلافهم لآبائهم لأوليهم قال (وإذ استسقى) أي واذكروا يا بني إسرائيل (إذ) أي حين
(استسقى موسى لقومه) (استسقى) أي طلب من الله السقيا السين هنا للطلب
استسقى أي طلب السقيا لقومه، كانوا في أشد ما يكونون من العطش ويقال أن هذا
كان في الفترة التي كانوا فيها في التيه فاشتد بهما العطش والحاجة إلى الماء فاستسقى
موسى ربه، طلب من الله أن يسقيهم الماء، (إذ استسقى موسى لقومه فقلنا اضرب بعصاك
الحجر) ومن يتتبع قصه موسى في القرآن يجد أن العصا آيه في مواطن عديدة مر معنا
أمره أن يضرب بها البحر (فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم)، (وإذ فرقنا بكم البحر)
مر الكلام هناك فرق البحر كان بآية يسرها الله على يد موسى ضرب بعصاه البحر فوقف
الماء وقوف الجبال وصارت بين الجبال -جبال الماء- أرض يابسة في لحظة واحدة حين ضرب
حصل ذلك، وهذه آية أخرى في العصا قال (قلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت منه
اثنتا عشرة عينا) وفي سورة الأعراف قال (فانبجست منه)، قال (فانفجرت منه اثنتا عشرة
عينا) قيل بعدد قبائلهم وكانوا اثنا عشر الذين هم أبناء الأسباط، أبناء يعقوب
ذرياتهم، (فانفجرت منه اثنتا عشرة) يعني انفجرت من الحجر اثنتا عشرة عينا على عدد
قبائل هؤلاء. (قد علم كل أناس مشربهم) يعني أُعلمت
كل قبيلة بالمشرب الخاص بها، هذا لكم يا قبيلة كذا، وهذا لكم يا قبيلة كذا، كل
قبيلة عرفت المشرب الذي لها، ما معنى المشرب؟ المكان الذي تشرب منه، المكان
الخاص بها، العين الخاصة بها، النبع الخاص بها من الحجر، من أجل ماذا؟ ألا
يكون بينهم تنازع، لا يكون بين القبائل تنازع، كلٌ له مشرب خاص.
قال (قد علم كل أناس مشربهم كلوا واشربوا من رزق
الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين) هذا ذُكّروا به، ذُكّروا بالنعمة العظيمة وقيل
لهم (كلوا واشربوا) والأمر هنا للإباحة (كلوا واشربوا من رزق الله ولا تعثوا في الأرض
مفسدين) لا تعيشوا في الأرض عثاه مفسدين في الأرض. قال:" استسقى أي طلب لهم ماء يشربون منه"
هذا معنى الاستسقاء طلب السقياء.
(فقلنا اضرب بعصاك الحجر) قال الشيخ:
"إما حجر مخصوص معلوم عنده -يعني عند موسى- وإما اسم جنس" يعني (ال) في
قوله (الحجر) إما أن تكون للعهد أو تكون للجنس، إن كانت للعهد فهو حجر
معهود مخصوص معين عند موسى يعرفه موسى عليه السلام أُمر بضرب ذلك الحجر المعين، وإذا
كانت للجنس ما المراد؟ أي حجر ليس حجرا معين، أي حجر، (فقلنا اضرب بعصاك
الحجر) قال: "إما حجر مخصوص معلوم عنده وإما اسم جنس".
(فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا) قال: "وقبائل
بني إسرائيل اثنا عشرة قبيلة على عدد قبائلهم" حتى لا يكون بينهم خصومات
وتنازع، (قد علم كل أناس منهم) "أي منهم (مشربهم) أي محلهم الذي يشربون عليه
من هذه الأعين فلا يزاحم بعضهم بعضا بل يشربون متهنئين لا متكدرين" ما يكون
بينهم خصومات وتنازع الى آخره ولهذا قال: "(كلوا واشربوا من رزق الله) أي
الذي أتاكم من غير سعي ولا تعب، (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) أي تخربوا فيها على
وجه الإفساد" نعم
ن/ قال رحمه الله: "قوله (وإذ قلتم يا موسى لن نصبر على طعام واحد فادع لنا ربك يخرج لنا مما تنبت الأرض من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها قال أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير اهبطوا مصرا فإن لكم ما سألتم وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)
نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا
علما وتوفيقا وأصلح لنا شأننا كله وهدانا إليه صراطا مستقيما..
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا
أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
جزاكم الله خيرا
_______________________________________
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق