(يَأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَتَّكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِمَا فِى الصُّدُورِ وَهُدى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:٥٧]
ـ القرآن موعظة يتعظ بها العبد فهو:
/ موعظة يتعظ بها العبد فيستقيم على أمر اللّٰه ويسير على نهجه وشريعته .
/ وهو شفاء لما في الصدور وهي القلوب شفاء لها من مرض الشك والجحود والاستكبار عن الحق وعلى الخلق، إنه شفاء لما في الصدور من الرياء والنفاق والحسد والغل والحقد والبغضاء والعداوة للمؤمنين، إنه شفاء لما في الصدور من الهم والغم والقلق فلا عيش أطيب من عيش المتعظين بهذا القرآن المهتدين به ولا نعيم أتم من نعيمهم ولهذا قال بعض السلف : " لو يعلم الملوك أبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف " يعنون بذلك ما أعطاهم اللّٰه تعالى من شرح الصدور بالإيمان بالله ورسله والسرور بطاعته وإتباع رسوله – صلى الله عليه وسلم -"(١)
- القرآن شفاء لما في الصدور من مرض الغي والجهل، فإن الجهل مرض شفاؤه العلم والهدى ، والغي شفاؤه الرُشد، وقد نزّه اللّٰه سبحانه نبيه عن هذين الداءين فقال ( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) ووصف رسوله خلفاءهُ بضدهما فقال: ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) وجعل كلامه سبحانه موعظة للناس عامة وهدى ورحمة لمن آمن به خاصة وشفاء تاما لما في الصدور فمن استشفى به صح وبرئ من مرضه.
- (وَهُدى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) فالهدى هو العلم بالحق والعمل به. والرحمة هي ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به، فالهدى أجلّ الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين، وإذا حصل الهدى، وحلّت الرحمة الناشئة عنه حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور، ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال: (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ) الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومِنّة وفضل تفضّل اللّٰه به على عباده (وَبِرَحْمَتِهِ) الدين والإيمان وعبادة اللّٰه ومحبته ومعرفته. ( فَذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ) من متاع الدنيا ولذاتها.
قال ابن القيم : " ففضله (الإسلام والإيمان) ورحمته (العلم والقرآن) وهو يحب من عبده أن يفرح بذلك ويُسر به بل بحب من عبده أن يفرح بالحسنة إذا عملها وأن يُسر بها وهو في الحقيقة فرح بفضل اللّٰه حيث وفقه اللّٰه لها وأعانه عليها ويسرها له ففي الحقيقة إنما يفرح العبد بفضل اللّٰه وبرحمته ."
- الرحمة التي تحصل لمن حصل له الهدى هي بحسب هداه فكلما كان نصيبه من الهدى أتم كان حظه من الرحمة أوفر وهذه هي الرحمة الخاصة بعباده المؤمنين هي غير الرحمة العامة بالبر والفاجر، وقد جمع اللّٰه سبحانه لأهل هدايته بين الهدى والرحمة والصلاة عليهم فقال تعالى ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِن رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ ٱلْمُهْتَدُونَ)
- تنوعت عبارات السلف في تفسير الفضل والرحمة والصحيح : أنهما الهدى والنعمة ففضله هداه ، ورحمته نعمته ، ولذلك يقرِن بين الهدى والنعمة كقوله :
/ في سورة الفاتحة ( إِهْدِنَا الصِّرَطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرْطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ).
/ ومن ذلك قوله لنبيه يذكِّره بنِعمه عليه ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فًاوَىٰ (٦) وَوَجَدَكَ ضَالًا فَهَدَىٰ (٧) وَوَجَدَكَ عَآبِلَا فَأَغْنَىٰ) فجمع له بين هدايته له وإِنعامِه عليه بإيوائه وإغنائه .
/ ومن ذلك قول نوح (يَقَوْمِ أَرَءَيْتُمُ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِن رَبِّى وَءَاتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ ) .
/ وقول شعيب (يَقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِن رَبّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا }
/ وقال عن الخضر ( فَوَجَدَا عَبۡدٗا مِّنۡ عِبَادِنَآ ءَاتَيۡنَٰهُ رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِنَا وَعَلَّمۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّا عِلۡمٗا)
/ وقال لرسوله ( إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحَامُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ ٱللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهدِيَكَ صِرَطًا مُسْتَقِيمًا (٢) وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا )
/ وقال ( وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا)
/ وقال (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَازَكَى مِنكُم مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا) ففضله هدايته ، ورحمته إنعامه وإحسانه إليهم وبره بهم .
/ وقال ( فَإِمَّا يَأْتِينَّكُم مِنّي هُدَى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ) والهدى مَنعة من الضلال، والرحمة منعة من الشقاء وهذا هو الذي ذكره في أول السورة في قوله (طه (١) مَا أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْءَانَ لِتَشْقَى) فجمع له بين إنزال القرآن عليه ونفي الشقاء عنه ، كما قال في آخرها في حق اتباعه (فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ)
فالهدى والفضل والنعمة والرحمة متلازمات لا ينفك بعضها عن بعض ، كما أن الضلال والشقاء متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر قال تعالى ( إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُر ) والسُعر جمع سعير وهو العذاب الذي هو غاية الشقاء .
/أمر اللّٰه تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى، وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم كما قال تعالى عن قوم قارون له : ( لَا تَفْرَحِّ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ ).
/ جاء الفرح في القرآن على نوعين : مطلق ومقيد
فالمطلق جاء في الذم كقوله تعالى ( لَا تَفْرَحّ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْفَرِحِينَ) وقوله : (إِنَّهُ لَفَرِحُ فَخُورُ)
والمقيد نوعان :
- مقيد بالدنيا يُنسي صاحبه فضل اللّٰه ومنته فهو مذموم كقوله (حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُبْلِسُونَ)
- والثاني مقيد بفضل اللّٰه وبرحمته وهو نوعان أيضا :
فضل ورحمة بالسبب كقوله : ( قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
وفضل بالمسبب كقوله: ( فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ )
فالفرح بالله وبرسوله وبالإيمان وبالسنة وبالعلم وبالقرآن من أعلى مقامات العارفين وهو دليل على تعظيمه عند صاحبه ومحبته له وإيثاره له على غيره فإن فرح العبد بالشيء عند حصوله له على قدر محبته له ورغبته فيه فمن ليس له رغبة في الشيء لا يفرحه حصوله له ولا يحزنه فواته، فالفرح تابع للمحبة والرغبة.
- الفرق بين الفرح والاستبشار: أن الفرح بالمحبوب بعد حصوله، والاستبشار يكون به قبل حصوله إذا كان على ثقة من حصوله ولهذا قال تعالى: ( فَرِحِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ وَيَسۡتَبۡشِرُونَ بِٱلَّذِينَ لَمۡ يَلۡحَقُواْ بِهِم مِّنۡ خَلۡفِهِمۡ أَلَّا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ ).
/ (وَمَا تَكُونُ فِي شَأۡنٖ وَمَا تَتۡلُواْ مِنۡهُ مِن قُرۡءَانٖ وَلَا تَعۡمَلُونَ مِنۡ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيۡكُمۡ شُهُودًا إِذۡ تُفِيضُونَ فِيهِۚ وَمَا يَعۡزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثۡقَالِ ذَرَّةٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَآ أَصۡغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَآ أَكۡبَرَ إِلَّا فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٍ) [يونس:٦١]
في هذه الآية دليل على الإحسان "ومفاد هذا الإخبار بجانب ما يقرره من علو اللّٰه تعالى على عباده ذاتاً وصفة وقدراً، وبجانب ما يقرره من شمول علمه تبارك وتعالى، وكمال علمه، و اطلاعه تعالى على عباده، ومراقبته لهم، وهيمنته المطلقة عليهم، مفاده تعليم عباده بأن يستشعروا ذلكم حقيقة، بأن يستشعروا أن اللّٰه تعالى مطّلع على أعمالهم، وحركاتهم، وسكناتهم، وأقوالهم، وأفعالهم، وما يقوم بقلوبهم"(٢)
قال صاحب الظلال: " إن الشعور بالله على النحو الذي تصوره هذه الآية شعور مطمئن ومخيف معا، مؤنس ومرهب معا، وكيف بهذا المخلوق البشري وهو مشغول بشأن من شؤونه يحس أن اللّٰه معه، شاهد أمره وحاضر شأنه. اللّٰه بكل عظمته، وبكل هيبته، وبكل جبروته، وبكل قوته، اللّٰه خالق هذا الكون وهو عليه هين، ومدبر هذا الكون ما جل منه وما هان، اللّٰه مع هذا المخلوق البشري. الذرة التائهة في الفضاء لولا عناية اللّٰه تمسك بها وترعاها! إنه شعور رهيب، ولكنه كذلك شعور مؤنس مطمئن. إن هذه الذرة التائهة ليست متروكة بلا رعاية ولا معونة ولا ولاية، إن اللّٰه معها".
- " مراتب القدر أربعة: العلم ،الكتابة ،المشيئة ،الخلق
/ العلم: أن تؤمن بأن اللّٰه عز وجل قد أحاط بكل شيء علما جملة وتفصيلا والدليل على علمه جملة قوله تعالى ( لِتَعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ وَأَنَّ ٱللَّهَ قَدۡ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عِلۡمَۢا) .
أما آيات التفصيل كثيرة ومنها :
قوله تعالى : (وَعِندَهُ مَفَاتِعُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِ وَٱلْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسِ إِلَّا فِي كِتَبٍ مُمِينٍ ) [الأنعام: ٥٩]
مفاتح الغيب خمس مذكورة في قوله تعالى ( إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ ٱلْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَافِى ٱلْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسُ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَأْ وَمَا تَدْرِي نَفْسُ بِأَىِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) [لقمان: ٣٤]
/ الكتابة : أن تؤمن أن اللّٰه كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة والدليل : (أَلَمۡ تَعۡلَمۡ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِي ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِۚ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَٰبٍۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٞ) [الحجّ: ٧٠] وهذه تصلح دليلا للعلم ودليلا للكتابة. وكذلك لما خلق اللّٰه القلم قال اكتب ، قال ربي وماذا أكتب؟ قال: أكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة.
/ المشيئة : أن كل ما يجري في هذا الكون فهو بمشيئة اللّٰه - سبحان وتعالى - فما شاء اللّٰه كان وما لم يشأ لم يكن ، فلا يخرج عن إرادته الكونية شيء، دليلها ( وَيَفْعَلُ ٱللَّهُ مَا يَشَآءُ)
/ الخلق : أن تؤمن بأن اللّٰه خالق كل شيء (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَٱلْأَمْرُ)"(٣)
/ وفي قوله تعالى : ( مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَبٍ مُبِينٍ } مرتبتان من هذه المراتب كثيرًا ما يقرن اللّٰه بينهما وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث، كقوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَافِى السَّمَاء وَٱلْأَرْضِ إِنَّ ذَٰلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرٌ ).
/ قوله ( وَمَا يَعْزُبُ عَن رَبِّكَ مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِى السَّمَاءِ ) بخلاف قوله في سورة سبأ : (لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) والفرق بين الآيتين:
- جمع السموات في سبأ وأفردها في يونس ، وذلك لأنه في سورة سبأ ذكر قبلها سِعة ملكه سبحانه ومحلُه وهو السموات كلها والأرض ، ولما لم يكن في سورة يونس ما يقتضي أفردها إرادة للجنس .
- تقديم الأرض على السماء في يونس (مِن مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ } وتأخيرها في سبأ ( مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) ذلك أن الترتيب في سبأ وقع في ضمن قول الكفار ( وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَا تَأۡتِينَا ٱلسَّاعَةُۖ قُلۡ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأۡتِيَنَّكُمۡ عَٰلِمِ ٱلۡغَيۡبِۖ لَا يَعۡزُبُ عَنۡهُ مِثۡقَالُ ذَرَّةٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِ) فقدم السموات هنا لأن الساعة إنما تأتي من قِبلها وهي غيب فيها ومن جهتها تبتدئ وتنشأ ولهذا قدّم صعق أهل السموات على أهل الأرض عندها فقال تعالى ( وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ} [الزمر: ٦٨] .
وأما تقديم الأرض على السماء في سورة يونس فإنه لما كان السياق سياق تحذير وتهديد للبشر وإعلامهم أنه سبحانه عالم بأعمالهم دقيقها وجليلها وأنه لا يغيب عنه منها شيء اقتضى ذلك ذكر محلهم وهو الأرض قبل ذكر السماء. فتبارك من أودع كلامه من الحِكم والأسرار والعلوم ما يشهد أنه كلام اللّٰه وأن مخلوقا لا يمكن أن يصدر منه مثل هذا الكلام أبدا.
/ (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [يونس:٦٢]
" (ألا) استفتاحية ، والعرب لها حروف مفردات تستفتح بها الكلام ، ولهذا قال بعض العلماء من المعاصرين وهو المراغي - رحمه الله- قال : "إن حَمل فواتح السور مما عُرف بالحروف المقطعة على أنه استفتاح كديدن العرب في كلامها أولى"، "والحق أن هذا أجمل ما وقفتُ عليه في مثل هذه المسألة والعلم عند اللّٰه" (٤)
لم يترك اللّٰه لأحد أن يُيّن من هم أولياؤه وإنما أجاب عنها في الآية التي تليها فقال: (الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُواْ يَتَّقُونَ) [يونس:٦٣] فأهل الإيمان والتقوى هم أولياء اللّٰه، لكن قطعا أن الناس في الإيمان والتقوى درجات ،ومُحال أن يكونوا بمنزلة واحدة، لكن قال بعض العلماء : "إن لم يكن الفقهاء العاملون هم أولياء اللّٰه فليس لله ولي" ،إذا أعلى منازل الأولياء أن يكون هناك علم شرعي في صدر ذلك الرجل أو تلك المرأة ثم يكون عمل بمقتضى ذلك العلم فيجتمع العلم بالعمل ، وأعظم العلم العلم بالله ، فإذا اجتمع هذا في قلب أحد كان حقا من أولياء اللّٰه، وليس المقصود بالعمل الخالي من التعبد لأن الناس في هذا على أربعة أحوال :
/ رجل عالم لكن ليس له كثير عبادة.
/ رجل قليل علمه لكنه كثير العبادة .
/ رجل لا علم عنده ولا عبادة .
/ رجل لا علم عنده مع كثرة عبادته .
والمقصود أن الغاية الكبرى التي هي أعلى منازل الولاية : العلم مع العمل،وهي التي حازها النبي -صلى الله عليه وسلم- فهو أعلم الناس بالدين كله وهو أعظم الخلق عبادة، عبادته -صلى الله عليه وسلم- هي السنن الحق،وهي المعيار في أن فلانا زاد أو قلّ ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَٱلْيَوْمَ الآخِرَ) [الأحزاب: ٢١]، وحيازة هذا الموئل الكريم مما ينبغي أن تنصرف إليه الهمم ،ومن طرائقه أن يحرص الإنسان على ما أن يتلقى علما يصنعه ولو مرة حتى يشعر أنه لم يأثم في علمه ، كان الإمام أحمد يكتب المسند فمرّ على حديث أن النبي-صلى الله عليه وسلم- احتجم وأعطى الحجام كذا وكذا ، فذهب واحتجم وأعطى الحجام ، حتى لا يكون قد دوّن الحديث وهو لم يعمل به ، ويقع هذا على خطباء الجمعة أكثر،فلو أن الإنسان بيّت أن يقول فضلا ما في جمعة ما، إن استطاع أن يقوم بهذا العمل قبل أن يرقى المنبر كان خيرا له وأعظم أن يتأثر الناس بما قال.(٥)
- هذه الآية فيها بيان جلي وإيضاح لا يحتاج معه إلى خزعبلات الصوفية وترهاتهم في تفسير الولاية، بحيث أضافوا ذلك إلى طائفة من المجاذيب والمجانين والفجرة، وحملوا فجورهم على أنه تقوى وصلاح، وأن هذا الفجور هو فيما يبدو للمحجوبين من الناظرين الذين على أبصارهم الحجب الكثيفة التي تجعلهم يرون الطاعة بهذه الصورة، ولعل من آخر هؤلاء المجاذيب المجانين الذي استهووا خلائق لا يحصيهم إلا اللّٰه عز جل، ما وقع في القرن الماضي، أن أحد هؤلاء كان من قطاع الطرق، فكشف أمره ففر ولجأ إلى مغنية مشهورة في عهد الملك فاروق في مصر، فلجأ إلى مغنية مشهورة، وهو خائف في غاية الخوف، فجاء الناس يبحثون عنه ويطلبونه، فوضعت في يديه ورجليه الحديد، سلسلتا بالحديد، والرجل صار يتصرف على أنه مجنون، فبدأت تضيف إليه كرامات وأنها ترى منه عجائب وغرائب مما يدل على ولايته لله --، وخفي هذا على الناس وصار يأتيه الصغير والكبير حتى الملك فاروق زاره وطلب منه الدعاء، إلى هذا الحد، فأين هذا من الولاية؟!
وآخر توفي قبل سنوات في بعض البلاد، تُنقل عنه خرافات وخزعبلات وأشياء أشبه ما تكون بتصرفات الحيوانات، يزعمون أنه مرض وذهب إلى مصر للعلاج، وعندما قرر الأطباء إجراء العملية قال لهم: أمهلوني إلى الغد، وفي ليلته أتاه النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلي بن أبي طالب وأبو ذر ومجموعة من الصحابة -رضي اللّٰه عنهم- فنظروا في حاله وعملوا له العملية، فقام في الصباح وليس به شيء، أُجريت له التحاليل والفحوصات والأشعة ولكنه قد زال عنه المرض، وغير ذلك من الخزعبلات.
- إن أولياء الرحمن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ،وهم المذكورون في أول سورة البقرة إلى قوله ( هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ )
وفي وسطها في قوله ( وَلَكِنَّ البرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الأَخِرِ) إلى قوله : (أُوْلَئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُوا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ، وفي أول الأنفال إلى قوله ( لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ) ، وفي أول سورة المؤمنين إلى قوله ( هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) ، وفي آخر سورة الفرقان ،وفي قوله (إِنَّ ٱلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَٰاتِ ) إلى آخر الآية . فأولياء الرحمن هم المخلصون لربهم المحكِمون لرسوله في الحرم والحِل الذين يخالفون غيره لسنته ولا يخالفون سنته لغيرها فلا يبتدعون ولا يدعون إلى بدعة ولا يتحيزون إلى فئة غير اللّٰه ورسوله وأصحابه ولا يتخذون دينهم لهوا ولعبا ولا بستحبون سماع الشيطان على سماع القرآن. فأولياء الرحمن المتلبسون بما يحبه وليهم الداعون إليه المحاربون لمن خرج عنه.
- "من كان مؤمناً تقيّاً كان لله وليّاً ، ومَن لم يكن كذلك فليس بولي لله ، وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيءٌ من الولاية.(٦)
- " ( لَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ } مما هو قادم ( وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ } ولا حزن يعتريهم على ما قد مضى ، وهذا إنما يتأتى ويعظُم عند ساعة الاحتضار ،لأن الإنسان في ساعة الاحتضار يكون على يقين أنه سينتقل إلى دار أخرى فيخاف من أهوالها ويقع في قلبه ما كان فيه من حياة سلفت وأيام مضت وزوجة ووالدين وأهل وخلان ،فربما صابه الشيء من الحزن فيحتاج إلى ما يُذهب عنه الحزن على ما قد يفوته ،ويُذهب عنه الخوف مما هو قادم عليه ،ولن يكون هذا إلا بالله وجعل اللّٰه الطريق إلى ذلك عن طريق ملاتكته فقول اللّٰه - جل وعلا - هنا (لَا خَوْفُ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْرَنُونَ ) يُحمل على المعنيين على الدنيا وعلى الآخرة :
/ أما على الدنيا فيكون في ساعة الاحتضار ،قال ربنا : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَبِكَةُ أَلَّا تَخَافُواْ وَلَا تَحْزَنُوا) [فصلت: ٣٠]
/ وأما يوم القيامة فإن دخولهم الجنة كافل بأنهم يعلمون أن الجنة قطعا لا خوف فيها ولا حزن ،قال اللّٰه عن أولياته :
(وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورُ شَكُورٌ) [فاطر : ٣٤] (٧)
- ( لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَوَةِ الدُّنْيَا وَفِي الأَخِرَةِ )
أما البشارة في الدنيا فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، جاء في البخاري عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات قالوا يا رسول اللّٰه وما المبشرات؟ قال الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له) . وما يراه العبد من لطف اللّٰه به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق، وصرفه عن مساوئ الأخلاق. روى الإمام أحمد عن أبي ذر- -أنه قال: يا رسول اللّٰه الرجل يعمل العمل ويحمده الناس عليه ويشنون عليه به، فقال رسول اللّٰه-صلى الله عليه وسلم-: (تلك عاجل بشرى المؤمن ) رواه مسلم.
وأما في الآخرة فأولها البشارة عند قبض أرواحهم ،وفي القبر ما يبشر به من رضا اللّٰه تعالى والنعيم المقيم. وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم.
- قال الشيخ صالح المغامسي : " ( لَهُمُ الْبُشْرَىٰ } بالإيمان والعمل الصالح ،العلماء يحملون قول اللّٰه { لَهُمُ البُشْرَى ) على الرؤيا الصالحة يراها العبد أو تُرى له ، لكن ينبغي ألاّ يتكل الإنسان كثيرا على مثل هذا ، فإن الإنسان لا يُدرى -عياذا بالله- أن يكون ما يراه أو يُرى له نوع من الاستدراج، وكل أحد أعلم بسريرة نفسه ،ولا يغرنك ثناء الناس عليك ،ولا يرهبنك قدح الناس فيك ،لكن العاقل يكون مع الناس على حال سواء مما يُلائم حاله ،فلا يتكلف مفقود ،ولا يرد موجود ،ليس في الإطعام لكن في سائر ما يعتريه ويحرص على أن تكون له سريرة مع ربه إذا خلا بربه ،والله يقول: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ } قال بعض العلماء : "العدل أن تستوي سريرة الإنسان وعلانيته ، والإحسان أن تكون سريرته أعظم من علانيته" ولا ريب أن ذلك مرتقى صعب ."
- (لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَتِ اللّهِ) كلمات اللّٰه تُطلق ويُراد بها أمرين :
/ إما ألفاظ المصحف نفسه ،وإما ما قضاه اللّٰه - جل وعلا- وقدره
فأما ألفاظ المصحف نفسه يقدر أي أحد أن يُبدلها - كأن يقرأ أحدهم على من لا يحفظ القرآن آيات من عنده فيجعل هذه قبل هذه ،وهذه بعد هذه ، لكن ليست المقصودة في الآية، المقصود بالآية ما قضاه اللّٰه - جل وعلا- وحَكمَه ولهذا قال اللّٰه - جل وعلا - ( وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَيِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ) صدقا في أخباره وعدلا في أوامره ونواهيه ، والمعنى: أنه قد قضى اللّٰه أن الصالحين لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة وأنهم مكرمون عند ربهم ، وأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، هذا الذي قضاه اللّٰه - جل وعلا - لا يمكن لأحد أن يُبدله أو يُغيره.
ثم سمّا اللّٰه تعالى هذا فوزا فقال رب العالمين : { ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ } وكل أحد ينشد الفوز ،والفوز العظيم بالإيمان به - جل وعلا- وتقواه ، والإنسان يعيش بين نفختين ، نفخة مَلَكِ غير محدد ، ينفخ فتدب في ذلك الجسد الروح ، ثم يأتي مَلَكٌ مُعين وهو ملك الموت فيقبض تلكم النفخة التي نفخها الملك فدبت الحياة في الجسد ، ولذلك تُنزع الروح من الجسد كله ، فمن النفخة الأولى إلى أن يبلغ لا يجري عليه قلم التكليف ،ومن أن يبلَغ إلى أن يُنزع وتؤخذ الروح يجري عليه قلم التكليف ،وما الأيام والليالي وطيهُن إلا وعاء لكل عمل صالح،
فإذا قُبض الميت تُرد روحه وتخالط جسده مُخالطة غير كاملة فإما أن يقول قدموني قدموني أو يقول يا ويلاه أين يذهبون بي ، ثم تُعطى الروح للجسد بصورة أكبر فيُجيب المَلَكين كلّ بحسب حاله ،ثم تتردد الروح ما بين الجسد ومكانها ،ثم إذا جاءت النفخة الأولى لإسرافيل تُعاد الروح بالكامل ، هذا الاتصال بين الروح والجسد بعد النفخة الثانية هو الاتصال الكامل ،والذي بعده إما إلى جنة - جعلنا اللّٰه وإياكم من أهلها- وإما إلى نار - أعاذنا اللّٰه وإياكم من شرها- هذه النفس ترى ما كان في تلكم الأيام التي ذكرنا زمنيها ،تراه أمام عينيها يوم القيامة ،قال اللّٰه : ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوْءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ ) ثم أعقبها ربنا بقول تطمئن له القلوب قال : ( وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) .
ولولا أن اللّٰه أخبرنا بعظيم رأفته وسعة رحمته لهلكنا قبل أن نصل إليه ،فالمعول كله ،الاتكال كل الاتكال على رحمته مع الإيمان والعمل الصالح. (٨)
- ( وَلا يَحْزُنكَ قَوْلُهُم ) تسلية للنبي لأن الله -عز وجل- قدر ما قدر من الهدى والضلال عن علم وحكمة، وما على الأنبياء إلا البلاغ، وهكذا من جاء بعدهم من الدعاة إلى اللّه -تبارك وتعالى- إنما يبلغون الناس ويدعونهم وليس على أحد هداية الخلق، وإنما ذلك يختص بالله جل جلاله .
- ينبغي على المؤمن وهو يسير في طريقه إلى اللّٰه ألاّ يصل به الحزن إلى اليأس الكامل والقنوط من رحمة اللّٰه .
- قوله (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) لا ينافي قوله: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) [المنافقون: ٨] فالعزة التي تكون للرسول - - وللمؤمنين هي مستمدة من عزة اللّٰه -ع-، فإنما يحصل لهم ذلك بإعزاز اللّٰه لهم، فالعزة لله جميعاً.
- أوردت الآيات نماذج للأشقياء فبدأت بقوم نوح ثم ذكرت الأنموذج الثاني منهم وهو فرعون وملؤه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١-فضائل القرآن / بن عثيمين
٢- مراقبة اللّه للشيخ بن قعود
٣- دروس الحرم المكي / للشيخ بن عثيمين- رحمه اللّه -
٤- الشيخ صالح المغامسي
٥- برنامج مع القرآن (١) / للشيخ صالح المغامسي
٦- الفتاوى المهمة للشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه اللّٰه-
٧- برنامج مع القرآن (١) / للشيخ صالح المغامسي
٨- المرجع السابق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق