تفسير سورة الفاتحة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات أما بعد:
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ثم قال تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) أي دلنا وأرشدنا ووفقنا إلى الصراط المستقيم وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته، وهو معرفة الحق والعمل به، فاهدنا إلى الصراط واهدنا في الصراط، فالهداية إلى الصراط لزوم دين الإسلام وترك ما سواه من الأديان، والهداية في الصراط تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا، فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك، وهذا الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعمت عليهم."
🎤بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علما، وأصلح لنا شأننا كله، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم يا ربنا فقهنا أجمعين في الدين، وعلمنا التأويل يا رب العالمين، أما بعد: قوله سبحانه وتعالى (اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم* غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذه ثلاث آيات كلها للعبد، والثلاث الآيات الأول من السورة كلها للرب، والآية التي بينها هي بين العبد وبين الرب، وقد مرّ معنا الحديث العظيم الحديث القدسي، وقد عدّه أهل العلم مُفسِّرا لسورة الفاتحة، قول الله جل وعلا (قسمت الصلاة – الفاتحة - بيني وبين عبدي نصفين) إذا كانت سبع آيات فالمعنى ثلاث آيات ونصف للرب، وثلاث آيات ونصف للعبد، (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال العبد: (الحمد لله رب العالمين) قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله: أثنى علي عبدي، فإذا قال: (مالك يوم الدين) قال الله مجدني عبدي، فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) - هذه الآية في الوسط قبلها ثلاث وبعدها ثلاث - إذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله: هذا بيني وبين عبدي) ولما تتأمل هذه الآية تجدها تتكون من جملتين: الجملة الأولى للرب، والثانية للعبد، (إياك نعبد) هذا للرب، (وإياك نستعين) هذا للعبد، ثم بعدها ثلاث آيات: (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين) قال الله عز وجل هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، هذه الجملة (هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) مفسرة لقوله (اهدنا الصراط المستقيم) إلى تمام السورة، وأن هذا سؤال وطلب ودعاء (اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخر السورة هذا كل دعاء للعبد (قال الله هذا لعبدي) يعني هذا السؤال حاجة للعبد، مطلوب للعبد يريده من الرب سبحانه وتعالى، هذا لعبدي، ووعد الله سبحانه وتعالى عبده بالإجابة قال: ولعبدي ما سأل، يعني دعوة مستجابة. وهذه الدعوة هي أعظم الدعوات المشروعة المأمور بها على الإطلاق، أعظم الدعوات والدليل على ذلك أن الله عز وجل افترض علينا كل يوم سبع عشرة مرة أن ندعو بهذه الدعوة، وهذا لم يحصل في أي دعاء آخر، كل يوم السبع عشرة مرة ندعو الله (اهدنا الصراط المستقيم) في عدد ركعات الصلوات المكتوبة ولا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب، يعني في كل ركعة من ركعات الصلاة، وعدد ركعات الصلاة المكتوبة سبع عشرة ركعة، فإذا افترض الله علينا أن ندعوه كل يوم سبع عشرة مرة بهذا الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم) هذا يدل على أنها أعظم الأدعية وأنفعها وأجلها.
ومما نبه عليه العلماء أنه ينبغي على أهل العلم وطلاب العلم أن ينبهوا العوام أن هذا دعاء، الكثير من الناس يقرأ الفاتحة كل يوم، لكن ما يستشعر أنه دعاء يدعو الله سبحانه وتعالى به، الحاصل أن قوله (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذا دعاء، بل هو أعظم الدعاء وأجله، ثم في السورة قبل مجيء هذا الدعاء جاء بين يديه توسلات هي أعظم التوسلات، وهي من أعظم موجبات إجابة هذا الدعاء، فأنت قبل أن تدعو اهدنا الصراط المستقيم ماذا فعلت؟ حمدت الله واثنيت عليه، ومجدته ووحّدته، وأخلصت الاستعانة له، ثم قلت اهدنا الصراط المستقيم، هذه كلها بين يدي دعائك وسائل تتوسل الله بها حمد وثناء، وتمجيد وتوحيد واستعانة، ثم (اهدنا الصراط المستقيم)، (اهدنا الصراط المستقيم) هذا مطلوب العبد يسأل ربه تبارك وتعالى أن يهديه الصراط المستقيم، ما هو الصراط المستقيم؟ هو الإسلام، الصراط المستقيم هو الإسلام، هو دين الله الذي رضيه لعباده ولا يرضى لهم دين سواه (إن الدين عند الله الإسلام) قال جل وعلا (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا)، قال جل وعلا (ومن يبتغِ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه)، فالصراط المستقيم هو الإسلام، قال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: "هو الإسلام، وهو أوسع مما بين السماء والأرض" واسع هذا، لكن من يدخل هذا الطريق الواسع إلا الذي شرح الله صدره وهداه، وهذا ينبهك إلى أمر مهم أن هذا الصراط المستقيم لا سبيل لك لولوجه والدخول فيه والصيرورة من أهله والثبات فيه، إلا اذا هداك الله، وهذا فيه تنبيه عظيم في السورة ألا وهو فقرك أيها العبد لله عز وجل أن يهديك، ولهذا تلح عليه كل يوم إلحاح متواصل أن يهديك، هو طريق واسع - مثل ما قال جابر- "أوسع مما بين السماء والأرض" لكن مع سعته وعظمته وكماله ووفائه ما يدخله إلا من شرح الله صدره (فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام) فهذا ينبه العبد الفقر الشديد، فقر العبد إلى الله أن يهديه، يشرح صدره، ولا يمكن أن يكون من أهل هذا الصراط إلا إذا هداه الله -كما سيأتي معنا- إلى الصراط، وفي الصراط، إلا إذا هداه الله إلى الصراط ليدخله ويسلكه ويكون من أهله، وفي الصراط حتى يستفيد من كل التفاصيل العظيمة التي في هذا الصراط، فهذا يحتاج أيضا الى هداية، كما أنه محتاج إلى هداية الى الصراط فهو محتاج إلى هداية في الصراط يعني إذا سلكه، فالصراط هو الإسلام.
ابن مسعود رضي الله عنه سئل عن الصراط المستقيم ما هو؟ قال كلام عظيم أيضا، سئل عن الصراط المستقيم ما هو؟ قال: "تركنا محمد صلى الله عليه وسلم في أدناه وطرفه في الجنة" ماذا يعني شيء بينه لنا النبي عليه الصلاة والسلام وأرشدنا إليه وأوضحه لنا وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك وطرفه في الجنة" يعني من أمسك بهذا الطريق وتمسك بهذا السبب والسبيل أوصله إلى جنات النعيم، ولهذا العلماء رحمهم الله يقولون الصراط نوعان: معنوي وحسي، المعنوي في الدنيا الذي هو الإسلام، والحسي الذي ينصب يوم القيامة على متن جهنم، صراط مستقيم ينصب على متن جهنم أدق من الشعرة وأحد من السيف، والله جل وعلا يقول (وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا)، والمراد المرور على الصراط، فبحسب حظ العبد ونصيبه من الصراط المعنوي الذي هو الإسلام الذي هو في الدنيا يكون حظه ونصيبه من العبور، ولهذا عبور الناس - كما جاء في الحديث - يمرون على قدر أعمالهم - الذي هو الصراط المستقيم في الدنيا- على قدر أعمالهم ولهذا منهم من يمر كالبرق، ومنهم من يمر كركاب الإبل وكالخيل، ومنهم من يمشي مشيا، ومنهم من يزحف زحفا، على قدر سيرهم في الصراط المستقيم في هذه الحياة الدنيا.
قال: (اهدنا الصراط المستقيم) وأيضا قُرأت (السراط) بالسين.
وجمهور القراء بالصاد (الصراط) ومعناهما واحد السراط، والصراط معناهما واحد أي الطريق، والمستقيم صفة للصراط إي لا عوج فيه (دينا قيما) أين لا عوج فيه، ولا انحراف، (اهدنا الصراط المستقيم) أي: دلنا وأرشدناووفقنا إلى الصراط المستقيم.
قال: "وهو الطريق الواضح الموصل إلى الله وإلى جنته" هذا الكلام مستفاد من قول ابن مسعود في تفسير الصراط قال: "تركنا في أدناه وطرفه الآخر في الجنة" فهو طريق واضح موصل إلى الله عز وجل وإلى جنته.
قال: "وهو" أي الصراط: معرفة الحق والعمل به. هذه خلاصة مهمة في معرفة الصراط لأنها تتعلق بما سيأتي بعدها (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)..
الصراط المستقيم ينتظم أمرين: علم وعمل، علم نافع، وعمل صالح كما قال الله عز وجل (هو الذي أرسل رسوله بالهدى) أي العلم النافع (ودين الحق) أي العمل الصالح (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق)، فالصراط المستقيم علم نافع وعمل صالح، فمن كان عنده علم نافع لا يعمل به ليس من أهل الصراط، ومن كان يعمل بدون علم ليس من أهل الصراط، أهل الصراط من هم؟ الذين جمعوا بين العلم النافع والعمل الصالح، وهذا معنى قوله: "ومعرفة الحق والعمل به" فاهدنا إلى الصراط، واهدنا في الصراط، ذكر الأمرين، فاهدنا إلى الصراط أي لنسلكه ونكون من أهله، واهدنا في الصراط لنحقق تفاصيله، لأنك إذا دخلت صراط الله المستقيم أمامك تفاصيل كثيرة هي من الصراط فتحتاج إلى هداية أخرى، وتحتاج هداية أيضا إلى الثبات على هذا الصراط إلى الممات.
فالهداية الى الصراط: لزوم دين الإسلام وترك ما سواه من الأديان.
والهداية في الصراط: تشمل الهداية لجميع التفاصيل الدينية علما وعملا.
إذ نقول اهدنا الصراط المستقيم تنتظم هدايتان: هداية إلى الصراط. وهداية في الصراط.
قال: "فهذا الدعاء من أجمع الأدعية وأنفعها للعبد ولهذا وجب على الإنسان أن يدعو الله به في كل ركعة من صلاته لضرورته إلى ذلك، مضطر العبد لهذا، ضرورته لذلك أن يهديه الله سبحانه وتعالى صراطه المستقيم.
مر معنا الآن أمور ثلاثة: (إياك نعبد) (وإياك نستعين) (اهدنا الصراط المستقيم) ثلاث أشياء، هذه الثلاث لها التعلق بالأسماء الحسنى التي تقدمت في السورة: (الله، الرب، الرحمن) فلها تعلق بتلك الآيات، يُعبد بألوهيته (الله) أي: المعبود، ويستعان بربوبيته (الرب) هو الذي بيده الأمر يعطي ويمنع، يخفض ويرفع، يعزويُذل، يهدي ويُضل، هو الرب يدبر الأمر يُستعان بربوبيته، ويُهدى إلى الصراط المستقيم بماذا؟ برحمته، من رحمه الله هداه سبحانه وتعالى إلى صراطه المستقيم. نعم.
📖 قال رحمه الله: "وهذا الصراط المستقيم هو صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين غير صراط المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم، وغير صراط الضالين الذين تركوا الحق على جهل وضلال كالنصارى ونحوهم"
🎤قال: "صراط الذين أنعمت عليهم)" هذه الآية السادسة في السورة، (أنعمت عليهم) هذا فيه تعريف بأهل هذا الصراط من هم، وهذا فيه تحفيز للعبد ليدخل الصراط، وأيضا ليثبت على الصراط، كأنه يقال له لا تستوحش هذا صراط المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، أنت في خير عظيم إذا دخلت هذا الصراط، صراط الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. قال ابن عباس رضي الله عنهما:"(صراط الذين أنعمت عليهم) طريق من أنعمت عليهم من الملائكة والنبيين والصديقين والشهداء والصالحين الذين أطاعوك وعبدوك" رواه ابن جرير وابن أبي حاتم. هؤلاء المنعم عليهم أنعمت عليهم يا الله، وهذا فيه تأكيد لما سبق أن الهداية بيد الله ونعمة يمُن بها على من يشاء، هذا الذي دخل الصراط وصار من أهله هذه نعمة الله عليه (ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون) ماذا؟ (فضلا من الله ونعمة والله عليم حكيم) فضل ونعمة من الله، قال (أنعمت عليهم) أي مننت وتفضلت عليهم (وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم) فهذه نعمة الله عليهم.
والمُنعم عليهم هم الذين جمعوا بين ماذا وماذا؟ - تقدم معنا- العلم والعمل، العلم النافع والعمل الصالح، هؤلاء هم المُنعم عليهم جمعوا بين العلم والعمل، من عنده علم يعرف يعلم لكن لا يعمل هذا من القسم الآتي مغضوب عليهم، والذي عنده عبادات يعبد الله بها لكنها على غير هُدى، على غير بصيرة، بدع وأهواء وضلالات، هذا ظالم. فذكر الأقسام الثلاثة: المنعم عليهم، والمغضوب عليهم والضالين،
/ المُنعم عليهم الذين جمعوا بين العلم والعمل.
/ المغضوب عليهم الذين عندهم علم لا يعملون به.
/ والضالون الذين عندهم عمل بلا علم.
المنعم عليهم أهل الإسلام، أهل الصراط المستقيم.
المغضوب عليهم هم من وُجد عندهم العلم ولا يعملون به، مثل ما قال الله عن اليهود (مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها) أي لم يعملوا بها (كمثل الحمار يحمل أسفارا) مثلهم كمثل الحمار، الحمار لو كان فوق ظهره كتب من أنفس الكتب الحمار أيستفيد منها أو ينتفع بها؟ هذا مثل لليهود، ومثل لمن عنده علم لا يعمل به، وتوحيد الله، دين الله، صراط الله المستقيم وهو معرض عنه لا يعمل به، قال سفيان بن عيينه رحمه الله تعالى: "من فسد من عُبّادنا ففيه شبه من النصارى" النصارى هم الضُلال لأنهم عندهم عبادة بلا علم، قال: "ومن فسد من علمائنا ففيه شبه من اليهود" فيه شبه من اليهود من جهة ماذا؟ أنهم عندهم علم لكن لا يعملون به.
قال: (صراط الذين أنعمت عليهم) أي من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. (غير المغضوب) (غير) أي غير صراط المغضوب عليهم الذين عرفوا الحق وتركوه كاليهود ونحوهم. (ولا الضالين) أي وغير صراط الضالين الذين تركوا الحق على جهل وضلال كالنصارى ونحوهم. ولهذا من فسد من العلماء عنده علم لا يعمل به فيه شبه من اليهود، ومن فسد من العُبّاد يعمل بالبدع والضلالات هذا فيه شبه من النصارى، ذاك سبيل المغضوب عليهم، وهذا السبيل الضُلال، أما صراط الله المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم هذا علم وعمل، علم نافع وعمل صالح. أنهى بهذا الشيخ يعني تفسيره المختصر للسورة، وبدأ يذكر منبها ومبينا بعض الفوائد التي انتظمتها هذه السورة واشتملت عليها مع وجازتها. نعم.
📖 قال رحمه الله: "فهذه السورة على إيجازها قد احتوت على ما لم تحتوي عليه سورة من سور القرآن"
🎤 نعم ولا غرابة، أم القرآن وأم الكتاب لأنها حوت إجمالا ما حواه الكتاب تفصيلا.نعم.
📖 قال رحمه الله: "فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة".
🎤 يمكن أن تُرقم، هو سيذكر أعداد هذا واحد، فتضمنت هذا الأول، نعم.
📖 أحسن إليكم، "فتضمنت أنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية يؤخذ من قوله (رب العالمين)، توحيد الإلهية وهو إفراد الله تعالى بالعبادة يؤخذ من لفظ الله، ومن قوله إياك نعبد وإياك نستعين) وتوحيد الأسماء والصفات وهو إثبات صفات الكمال لله تعالى التي أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه وقد دل على ذلك لفظ الحمد كما تقدم."
🎤 لفظ الحمد أي (الحمد لله رب العالمين) في أول السورة هذا في الأسماء والصفات والثناء على الله ثناء على الله بأسمائه وصفاته وكماله وجلاله، وأيضا يؤخذ هذا التوحيد الأسماء والصفات من الأسماء المذكورة في السورة، ذكر اسم الله، واسمه الرب، واسمه الرحمن والرحيم، ومالك يوم الدين هذا يؤخذ منه توحيدا الأسماء والصفات.
إذن مما انتظمته هذه السورة أقسام التوحيد الثلاثة، ما هي أقسام التوحيد الثلاثة؟ هي أركان الإيمان بالله، لأن الإيمان بالله هو الإيمان بوحدانية الله، وحدانية في ماذا؟ في هذه الثلاث؟ بروبويته وألوهيته، وأسمائه وصفاته. وسمي دين الإسلام توحيدا لأن مبناه على الإيمان بوحدانية الله، فالربوبية رب العالمين، والألوهية ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين، والأسماء والصفات بإثباتها لله كما أثبتها لنفسه وكما أثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تعطيل ولا تمثيل ولا تشبيه. نعم.
📖 قال رحمه الله: "وتضمنت إثبات النبوة في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة".
🎤هذا الأمر الثاني مما اشتملت عليه هذه السورة إثبات النبوة، وهذا في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) ومعنى (اهدنا الصراط المستقيم) أي دلنا، ولأجل هذه الدلالة بعث الله الرسل ولهذا قال قال سبحانه وتعالى عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم* صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور) تهدي إلى الصراط، فإذن الهداية إلى الصراط يحتاج فيها العباد إلى هداة يهدون الناس، مرشدون يرشدونهم إلى صراط الله المستقيم، إذا قوله (اهدنا الصراط المستقيم) فيه الإيمان بالنبوة، وجه ذلك قال: لأن ذلك ممتنع بدون الرسالة، فبعث الله عز عز وجل المرسلين هداة للخلق ودعاة للحق. نعم.
📖 قال رحمه الله: " وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله (مالك يوم الدين) وان الجزاء يكون بالعدل، لأن الدين معناه الجزاء بالعدل".
🎤هذا الأمر الثالث: إثبات الجزاء على الأعمال في قوله (مالك يوم الدين) هذا الأمر الثالث مما انتظمته هذه السورة وهو الإيمان باليوم الآخر، وهذا ركن من أركان الإيمان. فانتظمت هذه السورة هذا الركن العظيم من أركان الإيمان وهو الإيمان باليوم الآخر في قوله (مالك يوم الدين) وعرفنا فيما سبق أن يوم الدين هو اليوم الآخر، يوم الجزاء والحساب، فهذا فيه الإيمان باليوم الآخر، وفيه الإيمان بالجزاء والعقاب والثواب (مالك يوم الدين) ويفسر هذه الآية الآية التي فيه سورة الانفطار في آخرها (وما أدراك ما يوم الدين* ثم ما أدراك ما يوم الدين* يوم لا تملك نفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله)، قال الشيخ: "وإثبات الجزاء على الأعمال في قوله (مالك يوم الدين) وأن الجزاء يكون بالعدل، لأن الدين معناه الجزاء" الدين يقصد ماذا؟ في قوله (مالك يوم الدين) الدين هنا المراد به الجزاء على الأعمال، ومر معنا أن من أسماء ربنا سبحانه وتعالى الديان (أنا الملك، أنا الديان، والديان أي المجازي المحاسب الذي يجازي العباد ويحاسبهم على أعمالهم. قال: "لأن الدين معناه الجزاء بالعدل، هذا هو الدين، ومعنى الديان أي المجازي بالعدل" هذا معنى اسم الله عز وجل الديان أي المجازي بالعدل.
📖 قال رحمه الله: "وتضمنت إثبات القدر، وأن العبد فاعل حقيقة، خلافا للقدرية والجبرية".
🎤هذا أمر رابع مما انتظمته هذه السورة إثبات القدر، ومعلوم أن القدر والإيمان به ركن من أركان الإيمان. قال: "وتضمنت إثبات القدر" وإثبات القدر في السورة في مواطن منها:
(رب العالمين) أي المدبر المتصرف والخلق كلهم طوع تدبيره، فهذا فيه الإيمان بالقدر (رب العالمين).
و(اهدنا الصراط المستقيم) فيها الإيمان بالقدر لأن هذا فيه تسليم العبد واستسلامه وإيمانه بأن الأمور بقدر له والهداية بيد الله سبحانه وتعالى.
تضمنت إثبات القدر وأن العبد فاعل حقيقة خلافا للقدرية والجبرية، القدرية والجبرية فرقتان متضادتان، القدرية نفاة للقدر يقولون ما فيه قدر، ويقولون العبد هو الذي يخلق فعل نفسه، الجبرية على ضد هؤلاء يقولون العبد ليس له مشيئة، أولئك يقولون العبد هو الخالق لفعل نفسه، وهؤلاء يقولون العبد أصلا ليس له مشيئة وهو كالورقة في مهب الريح ما له اختيار، ولا له مشيئة، ولا له إرادة، وهؤلاء ضلال وهؤلاء ضلال، والسورة فيها رد على الطائفتين لأنها أثبتت المشيئة للرب وأن الأمور كلها بتدبير الله رب العالمين وأثبتت الفعل للعبد أين فعل العبد؟ نعبد ونستعين هذه أفعال للعبد يعبد الله يستعين بالله هذه أفعال يقوم بها العبد. ففي قوله (رب العالمين) رد على القدرية، وقوله (إياك نعبد وإياك نستعين) رد على الجبرية. نعم.
📖 قال رحمه الله: "بل تضمنت الرد على جميع أهل البدع والضلال في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) لأنه معرفة الحق والعمل به، وكل مبتدع و ضال فهو مخالف لذلك."
🎤 يقول بل تضمنت الرد على جميع البدع، لأن البدع ماذا قال عنها النبي عليه الصلاة والسلام؟
قال: (وكل بدعة ضلالة) وفي قوله (اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم * غير المغضوب عليهم ولا الضالين) هذا فيه رد على جميع أهل البدع والضلال، أي في قوله (اهدنا الصراط المستقيم) إلى تمام السورة لأنه أي الصراط المستقيم معرفة الحق والعمل به، وكل مبتدع وضال فهو مخالف لذلك. نعم.
📖 قال رحمه الله: "وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى عبادة واستعانة في قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) فالحمد لله رب العالمين".
🎤هذا كم الآن؟
السادس: وتضمنت إخلاص الدين لله تعالى عبادة واستعانة في قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) وعرفنا فيما سبق أن هذا هو دين الله، دين الله عبادة واستعانة (فاعبده وتوكل عليه) فانتظمت إخلاص الدين لله عبادة واستعانة في قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) والإخلاص مستفاد من هذين الجملتين في أسلوب الحصر الواضح في تقديم المعمول على العامل - كما تقدم -.
هذه ست فوائد يعني اشتملت عليها هذه السورة.
نزيدها قليلا نكملها إلى عشر فوائد:
● فأيضا انتظمت السورة أركان التعبد القلبية. لأن كل عبادة تتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى قائمة على ثلاث أركان: المحبة، والخوف، والرجاء. وهذه الأركان الثلاثة موجودة في الفاتحة - كما نبه على ذلك الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في تفسيره للفاتحة -
● ففي قوله (الحمد لله رب العالمين) المحبة لأن الحمد هو الثناء مع الحب للمحمود ففيها المحبة. لما تقول (الحمد لله) يتحرك في قلبك حب للذي تحمده على أسمائه وصفاته وعظمته ونعمه وآلائه ومِننه، يتحرك في قلبك الحب.
●ثم إذا قرأتها بعدها (الرحمن الرحيم) أي شيء يتحرك في قلبك (يرجون رحمته) فإذا قال (الرحمن الرحيم) يتحرك في قلبه الرجاء.
●إذا قرأت (مالك يوم الدين) والله يقول (وما أدراك ما يوم الدين* ثم ما أدراك ما يوم الدين* يوم لا تملك لنفس لنفس شيئا والأمر يومئذ لله) أي شيء يوجد في قلبك؟ خوف تحرك في قلبك الخوف.
فإذا قرأت (الحمد لله رب العالمين) تحرك الحب، إذا قرأتها بتدبر وتعقل تحرك الحب.
إذا قرأت (الرحمن الرحيم) تحرك الرجاء.
إذا قرأت (مالك يوم الدين) تحرك الخوف.
● ثم يأتي (إياك نعبد) أي نعبدك يا الله بالحب الذي دل عليه (الحمد لله رب العالمين)، والرجاء الذي دل عليه (الرحمن الرحيم)، والخوف الذي دل عليه (مالك يوم الدين). فلم تُذكر العبادة (إياك نعبد) إلا بعد أن أُرسيت أركانها في السورة، لم تُذكر العبادة إلا بعد أن أُرسيت أركانها الثلاثة: الحب، والخوف، الرجاء.
● أيضا انتظمت السورة شروط قبول العمل، فإن الأعمال المتقرب بها إلى الله سبحانه وتعالى لا تُقبل من عاملها إلا بشرطين: إخلاص للمعبود، ومتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم.
والإخلاص مستفاد من قوله (إياك نعبد وإياك نستعين) ففيها الإخلاص.
والمتابعة مستفادة من قوله (اهدنا الصراط المستقيم) دُلنا على الصراط المستقيم الذي هو اتباع المرسلين والسير على نهجهم القويم.
●انتظمت السورة أيضا أهمية الدعاء، وضرورة العبد إليه وحاجته الشديدة إليه وخاصة سؤال الله الهداية. ولهذا افترض علينا هذا الدعاء في اليوم والليلة سبع عشرة مرة بعدد ركعات الصلوات المكتوبة.
● وتضمنت أيضا آداب الدعاء، وأن الداعي من أدبه في دعائه أن يقدم بين يدي دعائه ثناء على ربه، وتمجيد وتوحيد. وهذا كله الذي في أول السورة جاء وسائل بين يدي هذا الدعاء العظيم (الحمد لله رب العالمين* الرحمن الرحيم* مالك يوم الدين* إياك نعبد وإياك نستعين)، توسل بالحمد، وتوسل بالثناء، وتوسل بالتمجيد، وتوسل بالتوحيد، وتوسل بالتوكل والاستعانة، ثم جاء الدعاء (اهدنا الصراط المستقيم).
●أيضا مما اشتملت عليه معرفة العبد ربه، هذه السورة من أنفع ما يكون وأعظم ما يكون في باب التعريف بالرب، التعريف بالرب هذا مقصود، بل من الركائز التي تدور عليها نبوة الأنبياء، التعريف بالرب المعبود من هو، فأنت تعرف ربك، تُعرِّفك هذه السورة بربك أنه سبحانه وتعالى الإله ذو الألوهيه والخلق والعبودية على خلقه أجمعين، وأنه رب العالمين مدبر الكون المتصرف فيه، وأنه الرحمن الرحيم المتصف بالرحمة التي وسعت كل شيء، ولأهل الإيمان منها شيء خاص ونصيب خاص (وكان بالمؤمنين رحيما)، وأنه مالك يوم الدين الجزاء والحساب، وأنه الدّيان المجازي سيجازي العباد بأعمالهم، تعرف ربك بذلك، وأنه سبحانه وتعالى المعبود المقصود بالعبادة وحده تُخلص له (إياك نعبد)، وأنه وحده المستعان الذي يُطلب منه العون، ويلجأ إليه ويتوكل عليه، وأنه سبحانه وتعالى الهادي إلى الصراط المستقيم، وأن الهداية بيده. ففي هذا الباب باب المعرفة بالله سبحانه وتعالى انتظمت هذه السورة جوانب عظيمة مهمة في باب المعرفة، معرفة العبد بربه سبحانه.
● وأيضا في السورة معرفة العبد نفسه، لما تقرأ هذه السورة بتأمل تُعرّفك من أنت. الآن لما تقرأ (الحمد لله رب العالمين) أنظر للعالم الفسيح وما فيه من خلق، مخلوقات وكائنات، من تكون أنت؟ أنت من تكون؟ تُعرفك أنت واحد من هذا العالم الذي هو طوع تدبير خالقه وربه، أنت واحد، أنت ذرة في هذا العالم. ولهذا -سبحان الله- من يقرأ (الحمد لله رب العالمين) يعرف نفسه إن كان في قلبه كِبر يسقط، من أنت؟ أنت واحد من هذا العالم الذي أوجده رب العالمين سبحانه وتعالى.
ولما تقرأ (لله) اسم الله تبارك وتعالى (الله) يعرفك بحقه عليك أن تكون عبدا له، هو الإله المعبود وأنت عبد له.
ولما تقرأ (الرحمن الرحيم) تستشعر فقرك وحاجتك إلى رحمة ربك، وأنك فقير إلى رحمة الله. ولما تقرأ (مالك يوم الدين) تستشعر انك في دار امتحان، وانك ستجازى على أعمالك وتحاسب، يُعرفك بأنك خلقت للعمل وستحاسب إن فرطت وتعاقب على ذلك.
وإذا قرأت (إياك نعبد وإياك نستعين) يعرفك بنفسك أنك الواجب أن تكون عبدا لله، مخلصا دينك لله، مستعينا في أمورك كلها بالله سبحانه وتعالى.
وإذا قرأت (اهدنا الصراط المستقيم) تشعر بالضعف الشديد، الضعف التام الكامل والفقر إلى الله أن يدلك ويهديك، ويشرح صدرك، وييسر لك سلوك هذا الصراط المستقيم، ففيها تعريف العبد بنفسه، السورة تعرفك أيها العدد من أنت. فهذا بعض ما انتظمته هذه السورة العظيمة المباركة.
ونسأل الله الكريم أن ينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله. وأن يهدينا إليه الصراط المستقيم. سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله الا انت استغفرك وأتوب إليك. اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق