الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

- الدرس الثامن - من قوله: قلت: وقد اشتمل القرآن على عدة علوم…

🎧  لسماع الدرس

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد: 
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله "قلت وقد اشتمل القرآن على عدة علوم قد ثُنيت فيه وأُعيدت فمنها ضرب الأمثال وقد ذكر ابن القيم رحمه الله فيما تقدم فوائدها". 
🎙بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده رسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: قال رحمه الله تعالى "وقد اشتمل القرآن على عدة علوم قد ثنيت فيه وأعيدت" وذكر رحمه الله تعالى سبعة من علوم القرآن كما سيأتي معنا. وهذا ينبه به رحمه الله تعالى على طريقة نافعة في فهم القرآن، وسلك هذا رحمه الله في كتابه [تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن] لأنه بعد أن انتهى من هذا التفسير الواسع، خشي أن كثيرا من الناس لا يتمكن من قراءته لطوله فألف مختصرا لهذا التفسير بعد فراغه منه، سماه [تيسير لطيف المنان] ورتبه على هذا النحو المختصر هنا، يعني رتبه على علوم القرآن، فيأتي مثلا بعلم التوحيد ويسوق الأدلة ثم يبين المعاني وهكذا. وهذه الطريقة تساعد أيضا على فهم ومعرفة أيضا التنوع في العلوم التي جمعها كتاب الله سبحانه وتعالى. هنا ذكر رحمه الله تعالى سبعة علوم قال عدة علوم وهي الذي اشتمل القرآن على عدة علوم قد ثنيت فيه وأعيدت فمنها" وذكر سبعة علوم هذا الأول الذي هو ضرب الأمثال. قال وقد ذكر ابن القيم رحمه الله فيما تقدم فوائدها أي الأمثال، وتقدم معنا أن الأمثال التي في القرآن وهي كثيرة وأن الله سبحانه وتعالى حث عباده على عقل الأمثال وفهمها (وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون) فحث على عقل المثل إذا مر المرء بمثلٍ في كتاب الله يعقل معناه ويفهم المراد به، ويفهم لم ضرب هذا المثل والغرض منه (يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له)، (ألم ترى كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون) فالقرآن ضُربت فيه أمثال كثيرة وجُلها في التوحيد، جل أمثال القرآن في تقرير التوحيد وبيانه وإبطال الشرك وبيان قبحه (مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتا وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت) فأكثر الأمثال المضروبة في القرآن في التوحيد، الذي هو زبدة دعوة الرسل وخلاصة رسالتهم. والإمام ابن القيم رحمه الله تعالى أفرد أمثال القرآن بالبيان والشرح والإيضاح، أفرده أو ضمّنه بعض كتبه رحمه الله، ضمنه في إعلام الموقعين ضمنه فصلا واسعا في الأمثال -أمثال القرآن- يذكر المثل من كتاب الله ثم يتبعه ببيان معناه. مر معنا كلام ابن في أغراض الأمثال في القرآن ذكر منها: التذكير والوعظ، والحث والزجر، والإعتبار... إلى غير ذلك من الأغراض المقصودة لضرب الأمثال في كتاب الله عز وجل. الحاصل أن ضرب الأمثال في القرآن هذا علم من علوم القرآن التي ينبغي على من قرأ كتاب الله عز وجل أن يتعلمها، تعلم الأمثال التي ضربها الله سبحانه وتعالى في كتابه لأنها عظيمة الفائدة، كبيرة الأثر. نعم. 

📖 قال رحمه الله: "ومنها ذِكر صفات أهل السعادة والشقاوة وفي ذلك فوائد عديدة منها: أن الأوصاف التي يوصف بها أهل الخير تدل على محبة الله ورضاه وأنها محمودة، والصفات التي يوصف بها أهل الشر تدل على بغض الله لها وأنها مذمومة".
🎙قال رحمه الله تعالى: "ومنها" أي علوم القرآن هذا الثاني، "ومنها" أي علوم القرآن: ذكر صفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاء. وهذا كثير في القرآن تجد آيات يذكر الله عز وجل فيها صفات أهل السعادة، أهل الإيمان، عباد الرحمن، وآيات أيضا كثيرة يذكر فيها صفات أهل الشقاء، هذا من علوم القرآن. من علوم القرآن التي ثُنيت فيه وأعيدت ذكر أوصاف أهل السعادة، وذكر أوصاف أهل الشقاء (أفمن يعلم أن ما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى إنما يتذكر أولو الألباب* الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق* والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) ثم بعدها بآيات قال في ذكر صفات الأشقياء قال (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاق ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار) فذكر صفات أهل السعادة، وذكر صفات أهل الشقاء. وهذا الذكر لصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاء له فوائد، فوائد كثيرة جدا:
الفائدة الأولى: أن الأوصاف التي يصف بها أهل الخير، أهل السعادة تدل على محبة الله لهذه الصفات، لأن الله عز وجل لما يذكرها في معرض ثنائه على أهل السعادة، ففيه حب الله لهذه الصفات، وحب من يتحلى بها، فالله عز وجل يحب الإحسان ويحب المحسنين الذين يتحلون بهذه الصفة، ويحب الطهارة ويحب المتطهرين، ويحب الصبر ويحب الصابرين، فهذه الصفات يثني عليها سبحانه وتعالى لحبه لها، و رضي هذه الصفات دينا لعباده، رضاه بهذه الصفات وهذه الأعمال، وكذلك فيما يتعلق بصفات أهل الشقاء هذه يذكرها الله عز وجل ذما لها، وبيانا لبغض الله سبحانه وتعالى لها نعم.

📖 قال رحمه الله: "ومنها ما يكرم الله به أولياءه من الثناء الحسن بين عباده فهو ثواب معجل، ويهين به أعداءه من الأوصاف القبيحة فيكون عقابا معجلا".
🎙نعم، يعني في ضمن الثناء في ضمن الذكر لصفات أهل السعادة يأتي ذكر أو يأتي ثناء على هؤلاء سواء جملة يثني على كل من كان متصفا بهذه الصفات، أو تعيينا، يعني مثلا لما تقرأ في القرآن في قصص الأنبياء ثم يتضمن ذلك القصص الثنا عليهم (نعم العبد) (إنا وجدناه شاكرا) وهكذا، يعني ثناء الله عليه (ولقد آتينا لقمان الحكمة)، فتجد ثناء على أهل هذه الأوصاف. وأيضا الذم الذم لضد هؤلاء بذكرهم على وجه الإهانة الذين هم أهل الشقاء فتقرأ في (تبت يدا أبي لهب) آيات تتلى في تقبيح هذا الرجل، (إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة) الحاصل أن هذا يعني أيضا يأتي في القرآن ما يكرم الله به أولياء من الثناء الحسن بين عباده فهذا الثواب المعجل، الثواب المعجل لأهل الإيمان الذكر الحسن (واجعل لي لسان صدق في الآخرين) هذا الثناء الحسن، وهو من الثواب المعجل أن يُذكر بخير، ويُدعى له بخير. وعلى ضد ذلك الذكر السيء لأهل الشقاء وأهل الفساد في الأرض، والمفسدين في الأرض. نعم

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن فيه حثا للنفوس على الاقتداء بأهل الخير ومنافستهم، وتنشيط العمال على الأعمال ببيان من عملها من أولياء الله، وفيه الترهيب عن أفعال أهل الشر، وتبغيض المعاصي التي أثرت مع عامليها ما أثرت". 
🎙هذا أيضا من فوائد هذا العلم الذي في القرآن صفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاء أن هذا فيه الحث على الاقتداء بهم، لما يقرأ المرء في القرآن صفات أهل السعادة وثناء الله عليهم وذكر ما أعد لهم من الثواب العظيم، والأجر الجزيل، هذا ينشط المرء أن يعمل مثلهم، وأن يدخل في ميدان المنافسة معهم (وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) فهذا يعينه على الجد والنشاط في التحلي بهذه الصفات حتى وإن قلّ في عصره أو في زمانه أو مكانه، قلّ من يعملون بها، لما يقرأ الصفات في القرآن ينشط، ولهذا تجد أحيانا مرء في قرية مثلا أو في مدينة ميزها الله بالعبادة، ميزه الله بأنواع من الطاعة لا يعمل بها من حوله من الناس، أين وجدها؟ في كتاب الله، يقرأ القرآن ويتدبر ويهتدي بهدايات القرآن. ولهذا قال بعض السلف "عليك بطريق الحق ولا تستوحش لقلة السالكين وإياك وطريق الباطل ولا تغتر بكثرة الهالكين" فإذا لما يقرأ المرء في كتاب الله صفات أهل السعادة هذا فيها حث للنفوس على الاقتداء بهم ومنافستهم، وتنشيط العمال على الأعمال ببيان من عملها من أولياء الله.
 وفيه أيضا: الترهيب عن أفعال الشر، وتبغيض المعاصي التي أثرت مع عاملها ما أثرت، فلما يقرأ من تحدث نفسه بمعصية عقوبة الله للعصاة، وما حلّ الله بهم من النكال، وأن تلك العقوبات ليست من الظالمين مثلهم ببعيد، هذا يزجره عن تلك الأعمال. نعم.

📖 قال رحمه الله: "ومنها الاعتبار بصفات أهل الخير والشر، وأن من فعل مثل فعلهم ناله ما نالهم. وقد حث تعالى على الاعتبار في غير موضع من كتابه، وحقيقته العبور من شيء إلى شيء، وقياس الشيء على نظيره". 
🎙حث الله عز وجل على الاعتبار، الاعتبار أخذ العبرة مثل قوله سبحانه وتعالى (فاعتبروا يا أولي الأبصار)، (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)، (إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار). هذا فيه حث للعباد أن يأخذوا العبرة، أن يعتبروا بالقصص، قصص السعداء، وقصص الأشقياء، فيكون هذا معنى الاعتبار مثل ما قال الشيخ "العبور من شيء إلى شيء" تجعل هذه القصص والأخبار لأهل السعادة وأهل الشقاء معبر، طريقا لك تعبر إلى الخيرات، وأيضا تعبر فارا من المهلكات، فأخذ العبرة، أخذ العبرة (لقد كان في قصصهم عبرة) ولهذا قالوا في هذا الباب - باب السعادة والشقاء - قالوا: "السعيد من اتعظ بغيره، والشقي من كان لغيره عبرة" كان من دعاء أحد السلف من التابعين يقول في دعائه وابن عثيمين يثني على هذا الدعاء يقول: "اللهم لا تجعل غيري أسعد بما علمتني مني، ولا تجعلني لغيري عبرة" نعم. 

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن العبد إذا نظر إلى أعمال أهل الخير وعجزه عن القيام بها، أوجب ذلك الإزراء على نفسه واحتقارها، وهذا هو عين صلاحه، كما أن رؤيته نفسه بالإعجاب والتكبر هو عين فساده، إلى غير ذلك من الفوائد". 
🎙هذه آخر فائدة ذكرها في ما يتعلق بذكر الله عز وجل في القرآن لصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاء، فالعبد إذا نظر إلى تلك الصفات التي هي صفات أهل السعادة وأعمالهم العظيمة الكبيرة، ثم إذا نظر إلى نفسه، نظر إلى أعماله وعجزه عن القيام بمثل تلك الأعمال يوجب له ذلك إزراءا لنفسه، احتقارا لنفسه، رؤية التقصير، وهذا مهم جدا في حياة العبد، واستصلاح القلب، أن يرى المرء نفسه مقصرا. المشكلة العظيمة أن يمضي الإنسان على التقصير ونفسه لا تشعر أنها مقصرة في حق الله، هذه مشكلة عظيمة جدا، أن يكون الإنسان مقصر في حقوق الله على عبادة ولا يرى نفسه مقصر، هذه آفة من آفات القلوب دواءها بمثل هذا النظر الذي ذكر، ينظر صفات أهل السعادة وأعمالهم التي رضيها الله لهم، وأحبها منهم ويجد انه عاجز ما ارتقى الى ما ارتقوا اليه، ولم ينشط للعمل الذي عمله فيزري على نفسه ويحتقرها، قال للشيخ "وهذا عين صلاحه" هذا عين صلاحهم، على العكس من ذلك رؤيته نفسه بعين الإعجاب والتكبر هو عين فساد. بعض الناس مضيع لكثير من الفرائض، يغشى كثير من المعاصي والذنوب، ومعجب بنفسه، مغترا، معجبا بنفسه، هذه مصيبة، مهلكة، فإذا هؤلاء دواءهم وشفائهم من هذا بقراءة صفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاء التي ذكرها الله جل وعلا في القرآن. نعم.
 
📖 قال رحمه الله: "ومنها ذكر صفات الله وأسمائه، وأفعاله، وتقديسه عن النقائص، وفي ذلك فوائد عظيمة منها: أن هذا العلم، وهو العلم المتعلق بالله تعالى أشرف العلوم، وأجلّها على الإطلاق، فالاشتغال بفهمه والبحث التام عنه، اشتغال بأعلى المطالب، وحصوله للعبد من أشرف المواهب". 
🎙قال: "منها - أي علوم القرآن- ذكر صفات الله وأسمائه، وأفعاله وتقديسه" أي تنزيهة عن النقائص، هذا من علوم القرآن، قلّ أن تمر بآية من كتاب الله عز وجل إلا وفيها ذكر لصفات الله وأسمائه سبحانه وتعالى، فمن علوم القرآن بل أجلها وأعظمها وأشرفها وأرفعها قدرا التعريف بالله، التعريف بالرب المعبود المقصود الملتجأ إليه سبحانه وتعالى، تعريف بحقوقه على عباده. وهذا العلم الذي هو من علوم القرآن هو أشرف علوم القرآن، وهو أيضا مرتكز دعوة النبيين عليهم صلوات الله وسلامه (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) فالتعريف بالرب بذكر أسمائه الحسنى وصفاته العليا سبحانه وتعالى عظمته وجلاله وكبريائه، وأيضا تنزيه الرب عن النقائص (قالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه) تنزه وتقدس (سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين) (سبحان ربك رب العزة عما يصفون) هذا تنزيه وتقديس لله سبحانه وتعالى. فالقرآن من علومه التعريف بالرب. هذا له فوائد كثيرة عظيمة جدا من فوائده: أن هذا العلم المتعلق بالرب وأسمائه وصفاته أشرف العلوم وأجلها على الإطلاق، فالمشتغل بمعرفة هذا العلم هو مشتغل بماذا؟ بأفضل علم على الإطلاق، أفضل علم، يشتغل بأفضل علم على الإطلاق الذي هم معرفة الرب العظيم بمعرفة أسمائه وصفاته. نعم

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن معرفة الله تعالى تدعو إلى محبته وخشيته، وخوفه، ورجائه، وإخلاص العمل له، وهذا عين سعادة العبد، ولا سبيل إلى معرفة الله إلا بمعرفة أسمائه وصفاته، والتفقه في فهم معانيها، وقد اشتمل القرآن من ذلك على ما لم يشتمل عليه غيره من تفاصيل ذلك وتوضيحها، والتعرف بها إلى عباده وتعريفهم لنفسه كي يعرفوه". 
🎙يقول ابن القيم رحمه الله تعالى "من عرف الله أحبه لا محاله" محبة الله تثمر ثمار كثيرة جدا، تدعو إلى محبته وخشيته وخوفه ورجائه، وإخلاص العمل له كما قيل "من كان بالله أعرف كان منه أخوف، ولعبادته أطلب، وعن معصيته أبعد" والله جل وعلا يقول (إنما يخشى الله من عباده العلماء) أي العلماء بالله بأسمائه وصفاته، قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى الآية: "العلماء بأن الله على كل شيء قدير" الحاصل أن معرفة الله من من فوائدها: أنها تثمر ثمار كثيرة جدا من خشية وإنابة، وخوف، ومحبة، وتعظيم وإجلال لله سبحانه وتعالى. نعم. 

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن الله تعالى خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه وهذا هو الغاية المطلوبة منهم، فالاشتغال بذلك اشتغال بما خُلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خُلق له، وقبيح بعبد لم تزل نعم الله تعالى عليه متواترة، وفضله عليه عظيم من كل وجه أن يكون جاهلا بربه، معرضا عن معرفته". 
🎙"منها" أي فوائد معرفة أسماء الله سبحانه وتعالى وصفاته، منها: أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه، وهذا نوع التوحيد، التوحيد نوعان: توحيد المعرفة، وتوحيد الإرادة والطلب. وإن شئت قلت التوحيد العلمي، والتوحيد العملي. فالله عز وجل خلق العباد لهذين التوحدين التوحيد العلمي والتوحيد العملي.
التوحيد العلمي: أن يعرفوا الله عز وجل المعرفة الصحيحة التي تدعوهم للخضوع والذلة، وإفراده بالعبادة قال الله سبحانه (الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما) خلق لتعلموا.
التوحيد العملي: في سورة الذاريات قال (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) خلق لتعبدوا، إذا خلق لتعلموا، خلق لتعبدوا، توحيدان، توحيد علمي، وتوحيد عملي مثل ما قال الشيخ هنا "خلق الخلق ليعرفوه" كما في آية الطلاق "ويعبدوه" كما في آية الذاريات، وهذان التوحيدان هما مقصود الخلق. مقصود الخلق: أن يُعرف ويُعبد، أن يُعرف الرب سبحانه وتعالى، وأن يُعبد، يُخضع له ويُذل، قال "أن الله خلق الخلق ليعرفوه ويعبدوه" وهذا هو الغاية المطلوبة منهم، إذا الاشتغال بهذا العلم اشتغال بماذا؟ بالغاية المطلوبة من العبادة التي خُلقوا لأجلها، وأوجدوا لتحقيقها، قال "فالاشتغال بذلك اشتغال بما خلق له العبد، وتركه وتضييعه إهمال لما خلق له" ثم تأمل هذا الكلام العظيم يقول "قبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترا، وفضله عليه عظيم من كل وجه أن يكون جاهلا بربه، معرضا عن معرفته" هذا من أقبح ما يكون.

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن أحد أركان الإيمان بل أفضلها وأصلها الإيمان بالله، وليس الإيمان مجرد قوله آمنت بالله من غير معرفة بربه، بل حقيقة الإيمان أن يعرف الرب الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه. فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه وكلما نقص نقص، وأقرب طريق يوصله إلى ذلك، تدبر صفاته وأسمائه من القرآن، والطريق في ذلك إذا مر به اسم من أسماء الله أن يثبت له ذلك المعنى، وكماله وعمومه، وينزهه عما يضاد ذلك".
🎙قال "ومنها أنه أحد أركان الإيمان" يعني الستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره، أحد هذه الأركان الستة التي يقوم عليها دين الله الإيمان بالله. يقول الشيخ بل هو أفضلها وأصلها، أفضل أصول الإيمان الإيمان بالله، وأصلها لأن كل أصول الإيمان ترجع إليه. يعني اقرأ في سورة البقرة في خاتمتها قال الله (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) ماذا؟ هذه كلها تتبع هذا الأصل، إذن الإيمان بالله أصل أصول الإيمان، وأصول الإيمان تتبع الأصل، تتبع هذا الأصل، فهو أفضلها وهو أصلها، ما معنى أصلها؟ يعني أصل أصول الإيمان، إذن الاشتغال به اشتغال بأصل الأصول وأعظمها وأشرفها وأجلها.
ثم ينبه الشيخ على أمر يقول " وليس الإيمان مجرد قول آمنت بالله، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي لكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقته الأعمال، فليس الإيمان مجرد قول آمنت بالله من غير معرفة بربه، من غير معرفة بربه، بل حقيقة الإيمان أن يعرف الرب الذي يؤمن به، ويبذل جهده في معرفة أسمائه وصفاته، حتى يبلغ درجة اليقين. وبحسب معرفته بربه يكون إيمانه، بمعنى أن الإيمان يزيد بمعرفة الرب، كلما ازداد معرفة بربه زاد إيمانه وقوي. ويمكن أن يجعل هذا أيضا فائدة أخرى من فوائد معرفة أسماء الله وصفاته أنه من موجبات زيادة الإيمان. مثل ما قال الشيخ "فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه وكلما نقص -أي معرفة بربه- نقص إيمانه.
ثم شرح طريقة لهذه المعرفة، وتحصيل هذه المعرفة بالله قال: "أقرب طريق يوصل إلى ذلك تدبر صفاته وأسمائه من القرآن" والطريق في ذلك إذا مر بآية إسم من أسماء الله أن يثبت له ذلك المعنى، وكماله وعمومه، وينزهه عما يضاد ذلك. والشيخ رحمه الله من اهتمامه بهذا العلم العظيم، الذي هو أعظم علوم القرآن، سيأتي معنا في هذه المقدمات فصلا خاصا أفرده في شرح اسماء الله الحسنى شرح مختصر وجميل، ونافع لأسماء الله. الحسنى إبرازا لهذا العلم العظيم الذي هو أشرف وأعظم علوم القرآن، نعم. 

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها حتى إن العارف به حقيقة المعرفة يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام بأنه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائر بين العدل والفضل والحكمة، وكذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا على حسب ما اقتضاه حمده، وحكمته، وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره، ونواهيه عدل وحكمة، وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه بوضوحه. وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل".
🎙قال: "ومنها" يعني الفوائد التي يحصلها من يعتني بمعرفة أسماء الله وصفاته: أن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها، أن العلم به تعالى أصل الأشياء كلها حتى إن العارف به حقيقة" يعني بأسمائه وصفاته يستدل بما عرف من صفاته وأفعاله على ما يفعله، وعلى ما يشرعه من الأحكام، لأنه لا يفعل إلا ما هو مقتضى أسمائه وصفاته، وأفعاله دائرة بين العدل والفضل والحكمة، فهذه يعني هذا الفقه في أسماء الله سبحانه وتعالى له هذه الثمرة العظيمة. 
والشيخ له تفصيل فيما يتعلق بهذا الأمر في كتابه القواعد الحسان وذكر قاعدة لها ارتباط بهذا الأصل وهي: أن الآيات القرآنية المختومة بأسماء الله ما ختمت به من أسماء الله له تعلق بالمعنى الذي ذكر بالآية، ولهذا يستنبط أحكام من ختم الآية بهذا الاسم دون غيره من أسماء الله الأخرى، يستنبط من ذلك أحكام لأنه تختم الآية باسم له تعلق. وهذا يوضح لنا هذا الأصل، العلم بالله أصل الأشياء كلها، يساعدك على ضبطه أو معرفة هذا، الأصل عندما تقرأ القرآن تجد الآية ختمت باسم، اعلم أن هذا الإسم الذي ختمت به الآية له تعلق بماذا؟ بموضوع الآية ومن لطائف ما ذكر ابن القيم في هذه المسألة: أن رجلا سمع قارئ، تالي لكتاب الله يقرأ من سورة المائدة (والسارق والسارقة فاقطعوا  أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله غفور رحيم) كذا قرأها كذا قرأها (والله غفور رحيم) فقال -هذا الذي سمع- قال: هذا ليس كلام الله، وجد تنافر بين الموضوع وختم الآية، قال هذا ليس كلام الله، قال تنكر كلام الله؟ قال لا. لا أنكر كلام الله لكن ليس هذا كلام الله، فعاد القارئ لتلاوته، راجع على نفسه وقرأ (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم) قال: نعم عز فعدل، فحكم فقطع، يعني ما يمشي هذا مع موضوع الآية، فهذا كان يعني تجد في كثير من كتب التفسير تستنبط أحكام، استنبط أحكام فقهية من ما ختمت به الآية والشيخ ضرب أمثلة على ذلك في كتابه القواعد الحسان. 

نسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يهدينا إليه اصراطا مستقيما .... سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك. اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد. وآله وصحبه أجمعين. جزاكم الله خيرا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق