الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

- الدرس التاسع - من قوله: ومنها ذكر الأنبياء والمرسلين وما أرسلوا به…

🎧 لسماع الدرس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات، أما بعد: 
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ومنها ذكر الأنبياء والمرسلين وما أرسلوا به، وما جرى لهم مع أممهم، وفي ذلك عدة فوائد". 
🎙️بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: قوله رحمه الله "ومنها" أي علوم القرآن، القرآن اشتمل على علوم كثيرة متنوعة عظيمة منها ما يتعلق بالأنبياء والرسل عليهم صلاة الله وسلامه في براهين رسالتهم وصدق ما جاؤوا به، وقصصهم وأخبارهم مع أممهم واجتماعهم على الدعوة إلى توحيد الله وإخلاص الدين له  فكلهم دعاة إلى الله، ودعاة إلى توحيده (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) ، (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون) فكلمتهم واحدة، ودينهم واحد، ودعوتهم واحدة إلى توحيد الله وعبادته وإخلاص الدين له، ونبذ الشرك والبراءة منه ومن أهله. هذه دعوة النبيين، والقرآن اشتمل على بيان ما يتعلق بنبوة الأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه وجاء بقصصهم وأخبارهم، وأيضا ما دار بينهم وبين أممهم، جاءت تفاصيل كثيرة في كتاب الله عز وجل فهذا من علوم القرآن، وهذا العلم له فوائد، هذا العلم الذي هو العلم بما يتعلق بالرسل والأنبياء، عليهم صلوات الله. وسلامه هذا له فوائد عظيمة لأنه يتعلق بركن من أركان الإيمان، فإن الإيمان يقوم على أركان والله يقول (ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والنبيين) قال جل وعلا (كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله) فهو من أركان الإيمان العظيمة التي يقوم عليها دين الله سبحانه وتعالى، فالانشغال بهذا العلم هو انشغال بركن من أركان الدين وهذا يعني أن انشغال المرء بهذا العلم قوة في في دينه، وقوة في إيمانه، وقوة في صلته بربه سبحانه وتعالى، لأن الرسل هم الهداة إلى الله والدعاة إلى دينه سبحانه وتعالى. الحاصل أن هذا العلم هو ما يتعلق بالأنبياء والمرسلين وما أرسلوا به وما جرى بينهم وبين أممهم وأقوامهم فيه منافع كثيرة وفوائد عديدة يعدد الآن الشيخ رحمه الله تعالى بعضها. 

 📖 قال رحمه الله: "منها أن من تمام الإيمان بهم معرفتهم بصفاتهم وسيرهم وأحوالهم وكلما كان المؤمن بذلك أعرف كان أعظم إيماناً بهم، ومحبةً لهم، وتعظيماً لهم، وتعزيراً وتوقيراً"
🎙️ من تمام الإيمان بالنبيين أن تُعرف سيرهم، أن تُعرف أخبارهم،ُ أن تعرف قصصهم وما دار بينهم وبين أقوامهم، وهذا كله جاءت فيه تفاصيل كثيرة في كتاب الله تعالى، جاء فيه قصص كثيرة في كتاب الله عز وجل، بل إن بعض سور القرآن بأسماء الأنبياء يونس وهود ويوسف، وسورة محمد صلى الله عليه وسلم، وسورة الأنبياء، هذا من تمام الإيمان بالنبيين الذي هو ركن من أركان الإيمان أن تُعرف أخبارهم التي فُصّلت وبُيّنت في كتاب الله عز وجل، وكلما كان بذلك أعرف كان أعظم إيماناً بهم وهذي فائدة عظيمة جداً، كلما قرأ المرء في سير النبيين عليهم صلاة الله وسلامه، ازداد حباً لهم وتأسيا بنهجهم وسلوكاً لسبيلهم، وتعظيماً لهم، وتعزيراً وتوقيراً .

 📖 قال رحمه الله: "ومنها أن من بعض حقوقهم علينا خصوصاً النبي محمداً صلى الله عليه وسلم معرفتهم ومحبتهم، محبةً صادقةً ولا سبيل لذلك إلا بمعرفةٍ أحوالهم"
🎙️وهذا من بعض حقوقهم علينا أن نعرفهم ونعرف أخبارهم مما يزيدنا حباً لهم، وهذا مطلوب بل أوثق على عُرى الإيمان الحب في الله والأنبياء هم صفوة عباد الله فمعرفتهم ومعرفة أخبارهم، وسيرهم يزيد المرء حباً لهم وإذا إزداد حبا لهم عظُمَت عنايته بالتأسي بهم والسير على منهاجهم القويم. 
 
📖 قال رحمه الله: "ومنها أن معرفة الأنبياء موجبة لشكر الله تعالى على ما منّ به على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا ًمنهم يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة بعد أن كانوا في ضلال مبين"
🎙️بعثة الأنبياء هي من مِنن الله العظيمة، بل من أعظم منن الله سبحانه وتعالى على عباده (لقد منّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين) بعثتهم من أعظم المنن، وأجل العطايا فإذا قرأ المرء سيرهم وأخبارهم، ودعوتهم وجهادهم، ونصحهم وتعليمهم ازداد شكرا لله سبحانه وتعالى على هذه النعمة، لأنه يستحضر بقراءة سيرهم عظم نعمة الله على الناس ببعثة النبيين.

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن الرسل هم المربون للمؤمنين، الذين ما نال المؤمنون مثقال ذرة من الخير ولا اندفع عنهم مثقال ذرة من الشر إلا على أيديهم وبسببهم، فقبيح بالمؤمن أن يجهل حالة مُربيه، ومُزكيه ومعلمه، وإذا كان من المُستنكر جهل الإنسان بحال أبويه ومباعدته لذلك فكيف بحالة الرسول الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم وهو أبوهم الحقيقي الذي حقه مقدم على سائر الحقوق بعد حق الله تعالى"
🎙️الأنبياء عليهم صلوات الله وسلامه قد بعثهم الله جل وعلا يربون الأمم ويؤدبونهم، ويعلمونهم، ويهدونهم إلى الحق وإلى صراط الله المستقيم، من حقوقهم على من أكرمه الله سبحانه وتعالى باتباعهم، والسير على منهاجهم، من حقوقهم أن يعرِفهم من رَبوه وعلموه وأدبوه، أن يعرف أخبارهم لأن لهم حقوق عليه ولا يليق أن يكون المرء لاهمة عنده في معرفة سيرة من رباه وأخبار من أدبه، والشيخ يضرب مثال يقول هل يليق برجل أكرمه الله عز وجل بأبٍ اعتنى بتربيته وتأديبه ولا يعرف شيئا عن أخبار والده؟ والأنبياء هم الذين أبوتهم للناس الأبوة العظيمة مثل ما قال عليه الصلاة والسلام (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد) والأنبياء آباء لأممهم الأنبياء، آباء لأممهم من هذه الجهة، الأبوة التي هي الدينية لأن الأبوة نوعان دينية وطينية، فالأنبياء أباء لأممهم أي الأبوة الدينية، هم الذين ربوا الأمم على الدين وعلى طاعة الله، لم يصل إلى الناس مثقال ذرة من خير إلا من طريق الأنبياء، ولا اندفع عنهم الشر إلا من طريق الأنبياء بما هدوهم إليه، ودلوهم عليه من دين الله ، قال عليه الصلاة والسلام (ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته إلى خير ما يعلمه لهم، وأن يحذرهم من شر ما يعلمه لهم) يقول الشيخ قبيح بالمؤمن أن يجهل حالة مربيه ومزكيه ومعلمه، ما يليق بالمؤمن أن يعيش هكذا جاهلا بسيرة من رباه، يعني هو الآن هداه الله للدين تعلم الصلاة، وتعلم العبادة، وتعلم الدين، أيليق أن يمضي حياته ولا يعرف سيرة من جاءهُ هذا الخير من طريقه، وهُديَ إلى هذا الخير من طريقه؟ قبيحٌ بالمؤمن أن يجهل حالة مربيه، ومزكيه ومعلمه.
 📖 قال رحمه الله: "ومنها أن في معرفة ما جرى لهم، وجرى عليهم تحصل للمؤمنين الأسوة والقدوة ويخف عنهم كثير من المقلقات والمزعجات، لأنها مهما بلغت من الثقل والشدة فلا تصل إلى بعض ما جرى على الأنبياء قال تعالى (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) ومن أعظم الاقتداء بهم الاقتداء بتعليماتهم وكيفية إلقاء العلم على حسب مراتب الخلق، والصبر على التعليم، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، وبهذا وأمثاله كان العلماء ورثة الأنبياء"
🎙️قال: "ومنها" يعني معرفة فوائد هذا العلم الذي يتعلق بالأنبياء وسيرهم وما جرى لهم منها:
• أن معرفة ذلك والعناية به يُوجِد في قلب المعتني التأسي. وهذا مطلوب، بل هذا هو المقصود، الله جل وعلا يقول بعد أن ذكر في سورة الأنعام أسماء عدد من الأنبياء قال (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)، وقال (قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم)، وقال جل وعلا (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) فهم قدوة الأمم وأسوة عباد الله، الدراسة لسيرهم وقصصهم وأخبارهم يحقق هذا المطلب، هذ مطلب عظيم الذي هو الاقتداء بالنبيين.
أيضاً لما ينظر في منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، وهذا أشار إليه الشيخ وهو أهم ما يكون في باب منهج الأنبياء في الدعوة إلى الله، ما هي الأسس التي قامت عليها دعوة الأنبياء، وما الركائز التي قامت عليها دعوة الأنبياء، وما أيضا الصفات التي تحلى بها الأنبياء من الرفق والحلم والأناة وغير ذلك، فيقرأ في سيرهم حتى يتعلم كيف يدعو الله كما دعا الأنبياء إلى الله (قل هذه سبيلي) يعني سبيل الأنبياء (أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني) كيف تكون دعوة الإنسان على بصيرة وهو لا يعرف نهج النبيين في الدعوة إلى الله؟ ولهذا وجد مناهج منحرفة ضالة بعيدة عن الحق والصواب تحمل راية الدعوة وهي مناهج ضاله منحرفة، بعيدة عن صراط الله، وبعيدة عن سبيله وهي تحمل الدعوة، شعارها الدعوة إلى الله لكن حقيقتها فاسدة لأنهم  يشتغلون في دعوة منفكة عن نهج النبيين، وهذا سبب الخلل ولهذا فإن من أهم ما يكون في فوائد معرفة سير الأنبياء أن ينهج نهجهم في الدعوة ويسلك سبيلهم في الدعوة، ويترسم خطاهم، حتى في إقامة الحجج على المدعوين والبراهين تجد  تفاصيل في القرآن في طريقة إقامة الحجة على المدعو وإبانت الحق وإزالت الشبهة العالقة بذهنه، فمن لا يقرأ  سير الأنبياء لا يمكن أن يكون مؤهلاً لأن يكون داعياً إلى الله وداعياً إلى دين الله سبحانه وتعالى، فمن فوائد دراسة سير الأنبياء وأخبارهم أن يعرف طريقتهم في الدعوة إلى الله، طريقتهم في التعليم، طريقتهم في  التربية وتأديب الناس، مراعاتهم الأولويات،  تجد الآن في  دعوة  النبيين كلهم أول ما يبداؤون به  التوحيد لأنه الأساس الذي يقوم عليه دين الله أول ما يقرع سمع الأقوام من الأنبياء (أعبدوا الله ما لكم من إله غيره) هذا هو الأصل الذي يقوم عليه دين الله سبحانه وتعالى.
 أيضاً كيف كان صبرهم على الدعوة والتعليم وحكمتهم وأسلوبهم وطريقتهم فإذا كان المرء – انتبه لفائدة نبّه عليها – إذا كان المرء معتني عناية دقيقة بهذا الجانب قراءة سير الأنبياء عليهم صلاة الله وسلامه يكون بذلك من ورثة الأنبياء، أما شخص يخترع أشياء من عنده ويأتي بأشياء يحدثها في دين الله هذا ليس من ورثة الأنبياء، هذا من ورثة الأهواء والضلالات، لا يكون من ورثة الأنبياء إلا بهذه الطريقة يقرأ القرآن ويقرأ أخبار الأنبياء في القرآن ويعرف هديهم ومنهجهم ومسلكهم وطريقتهم ودعوتهم إلى الله ثم يجاهد نفسه على التأسي بهم. حينئذ يكون من ورثة الأنبياء. الأنبياء كما قال عليه الصلاة والسلام (لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر) نعم.

 📖 قال رحمه الله: "ومن فوائد معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة الآيات القرآنية المنزلة عليه، وفَهمُ المعنى والمراد منها موقوف على معرفة أحوال الرسول وسيرته مع قومه وأصحابه وغيرهم من الناس، فإن الأزمنة والأمكنة والأشخاص تختلف اختلافاً كثيراً، فلو أراد الإنسان أن يصرف همه لمعرفة معاني القرآن من دون معرفةٍ منه لذلك لحصل من الغلط على الله وعلى رسوله، وعلى مراد الله من كلامه شيء كثير، وهذا إنما يعرفه من عرف كيف كثُر حمل مراد الله ورسوله على العرُف الحادث فوقع الخلل الكثير".
🎙️نعم هذه مسألة مهمة في باب تفسير القرآن وفهم معانيه، والشيخ رحمه الله كما تذكرون في أول تقديمه لهذا الكتاب أشار إلى هذه المسألة قال في طرق التفسير: "ومما يعين على صحة التفسير وسلامته النظر لسياق الآيات مع العلم بأحوال الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته مع أصحابه وأعدائه وقت نزوله" يعني الوحي، ومن أعظم ما يعين على معرفته وفهم المراد منه، هذا الذي هو المعرفة بسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأخباره من بدء الدعوة إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، هذا كله يعين على فهم القرآن، ومما يؤكد هذا المعنى الذي أشار إليه الشيخ هنا حديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنه في صحيح مسلم مسند الإمام أحمد (لما سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت كان خلقه القرآن) والمعنى أن جميع ما دعا الله إليه وأمر به ورغّب عباده فيه فعله عليه الصلاة والسلام على أتم الأحوال وأكملها، وليس هناك أدب ولا أمر رُغِّب فيه في القرآن إلا ونبينا عليه الصلاة والسلام له منه الحظ الأعلى والنصيب الأوفر ولهذا كان قدوة للعباد، فكل باب من أبواب الخير (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). قال الشيخ "لو أراد الإنسان أن يصرف همه لمعرفة معاني القرآن من دون معرفة لذلك" يعني من دون معرفة منه لسيرة الرسول عليه الصلاة والسلام وأخباره يقع في أخطاء، والعناية بسيرته وأخباره تعين على حُسن الفهم لكلام الله عز وجل، يقول رحمه الله "وهذا إنما يعرف من عرف كيف كثُر حمل مراد الله ورسوله على العُرف الحادث فوقع الخلل الكثير" الأصل أنه عندما يفسر القرآن ينظر إلى أحوال من نزل عليه القرآن، ولهذا يقول الشيخ "وقع في خلل" ونبه في النسخة الأخرى من التفسير في هذا الموطن رحمه الله قال: "إنما يعرفه من عرف ما في أكثر التفاسير من الأغلاط" يعني فيه أغلاط بهذا السبب، فهذا كله قصد به الشيخ أن يؤكد على أهمية دراسة السيرة النبوية ومعرفة أخبار النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، وأخبار جميع الأنبياء، لأن هذه المعرفة تعتبر - بإذن الله سبحانه وتعالى- أعظم معين يحقق للعبد سلامة المنهج والمسلك والطريقة في الدعوة في العبادة والدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. نعم. قال رحمه الله: "وغير ذلك من الفوائد المفيدة والنتائج السديدة"

📖 قال رحمه الله: "ومن علوم القرآن الأمر والنهي الموجه لهذه الأمة وغيرها، وهذا هو المقصود منهم وفي معرفة ذلك عدة فوائد".
🎙️هذا أيضا من علوم القرآن الأمر والنهي، القرآن فيه أوامر كثيرة وأعظم ما أمر الله سبحانه وتعالى به التوحيد، وفيه نواهي أيضا كثيرة وأعظم ما نهى الله عنه الشرك بالله، وأول أمر في القرآن (يا أيها الناس اعبدوا ربكم) وأول نهي (فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون) ولما تقرأ في الأوامر في القرآن، لما تُبدأ الأوامر في القرآن تُبدأ بالأمر بالتوحيد والنهي عن الشرك (قل تعالوا أتلو ماحرم ربكم عليكم ألا تشركو به شيئا) ثم ذُكر جملة من النواهي، (وقضى ربك ألا تعبد إلا إياه وبالوالدين إحسانا) ثم ذُكر جملة من الأوامر، (وأعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وماملكت أيمانكم)  بُدأت كل هذه الحقوق والواجبات بأعظم الحقوق الذي هو التوحيد، توحيد الله عز وجل.
 الحاصل أن القرآن من العلوم العظيمة التي اشتمل عليها القرآن الكريم الأوامر والنواهي. يقول ابن عباس رضي الله عنه إمام المفسرين يقول: "إذا إذا سمعت الله يقول (يا أيها الذين آمنوا) (يا أيها الناس) فأرعها سمعك فإنه إما خير تؤمر به أو شر تنهى عنه" هذا علم من علوم القرآن العظيمة يعرف المرء ما أمره الله سبحانه وتعالى به، ويعرف ما نهاه الله سبحانه وتعالى عنه.

دعوني أذكر لكم قصة لما فيها من فائدة : كنت قديماً قبل أكثر من ثلاثين سنة أو أكثر من ذلك، أدرس في المرحلة المتوسطة. فجاءني طالب في السنة الثانية من المتوسط معه مجموع بحجم قرابة الستمائة صفحة أعطاني إياه، قال أريد أن تنظر فيه، قلت ما هذا؟ قال لي هذا الأوامر والنواهي في القرآن، قال أنا أحفظ القرآن ويمر بي أوامر ونواهي ، قلت له انتظر الآن ما هو وقت التأليف، قال لا، أنا لا أؤلف، هذه أوامر الله يأمرني بها، ونواهي ينهاني عنها وأنا أحفظ القرآن كاملا فأردت أنا أعرف هذه الأوامر، وأعرف هذه النواهي، يقول وكل أمر أرجع إلى تفسير ابن سعدي وأنقل كلامه، وأرجع إلى تفسير بن كثير وأنقل كلامه يقول هذين الكتابين فقط أنقل منهما فيما يتعلق بهذا الأمر حتى أفهم الذي أمرني الله به وأفهم الذي نهاني عنه. انظر هذه الهمة في ذاك السن قال أنا ما أؤلف ما قصدت أن أُؤلف وأنشر، وإنما أنا أحفظ القرآن وأريد أن أعرف هذا الذي أمرني الله به، وهذا الذي نهاني الله سبحانه وتعالى عنه. الحاصل أن هذا من علوم القرآن العظيمة ينبغي أن تتجه إليه همة المسلم إذا قرأت (يا أيها الذين آمنوا) أرعها سمعك كما قال ابن عباس لأنه إما خير تؤمر به، أو شر تنهى عنه.
من علوم القرآن الأمر والنهي الموجه لهذه الأمة وغيرها، وهذا هو المقصود، الحسن البصري رحمه الله يقول: "إنما أنزل القرآن ليعمل به" المقصود أن نعرف ماذا أراد الله منا بما أمرنا وعما نهانا لنمتثل ونستسلم ونطيع، وننقاد لأمره جل في علاه. قال: وفي معرفة ذلك عدة فوائد. 

📖 قال رحمه الله: "منها أن الله تعالى حث على معرفة حدود ما أنزل على رسوله وذم لم يعرف ذلك، ومن أعظم ما يجب معرفة حدوده الأوامر والنواهي التي كلفنا بها، وألزمنا بالقيام بها، وتعلمها، وتعليمها، ولا سبيل إلى امتثالها أو اجتنابها إلا بمعرفتها ليتأتى فعلها أو تركها، وذلك أن المكلف إذا أُمر بأمر وجب عليه أولا معرفة ما هو الذي أمر به، وما يدخل به وما لا يدخل، فإذا عرف ذلك استعان بالله واجتهد في امتثاله بحسب القدرة والإمكان، وكذلك إذا نُهي عن أمر من الأمور وجب عليه معرفة ذلك المنهي وحقيقته، ثم يبذل جهده مستعينا بربه على تركه امتثالاً لأمر الله واجتنابا لنهيه، وامتثال الأمر واجتناب النهي كل منهما واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فعرفت أن العلم بها قبل العمل ومتقدم عليه" 
🎙️نعم هذه الأوامر والنواهي مطلوب من العباد أن يمتثلوا بفعل الأمر وترك النهي، والعلم مقدم قبل القول والعمل لا بد أن يتعلم الأوامر ليعمل بها، ولا بد أن يعرف النواهي لينتهي عنها، السلف قديماً قالوا "كيف يتقي من لا يدري ما يتقي" إذا كان ما تعلم كيف يتقي ما نهى الله عنه؟ الآن فيه بعض الناس يبين له حكم وأنه ما يجوز، تجده كبير سن ويقال له هذا ما يجوز قال الله تعالى ويُذكر له الدليل، فيقول: والله ما علمت بهذا، أول مره أعرف أن هذا حرام، مضى عمره وما عرف، يقول ما علمت أن هذا حرام، وهو في القرآن والنص واضح. ما يجعل الإنسان حياته هكذا تمضي وعنده كتاب الهداية القرآن الكريم فيه الأوامر وفيه النواهي، ويقرأ القرآن مرات لكن ما يقف عند الأوامر ولا يتأمل، ما يعمل بوصية ابن عباس "أرعها سمعك" هذا مطلب عظيم معرفة هذا العلم الذي هو حدود الله والأوامر والنواهي لأن حدود الله عز وجل هي هذه الأوامر والنواهي (تلك حدود الله فلا تقربوها)، (تلك حدود الله فلا تعتدوها) الأوامر حدود الله، والنواهي حدود الله، فحدود الله التي هي الأوامر تُمتثل وينقاد المرء، وحدود الله التي هي النواهي تُجتنب ويحذر من الوقوع فيها حتى لا يخرج الإنسان عن الصراط وعن السبيل القويم، يوضح هذا المعنى المثل العظيم الذي ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن الله عز وجل ضربه لعباده قال عليه الصلاة والسلام كما في المسند بسند ثابت (إن الله ضرب مثلاً صراطاً مستقيماً وعلى جنبتي الصراط سوران وفي السورين أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاه وداعٍ من أول الصراط يقول يا عباد الله، أدخلوا الصراط ولا تعوجو -لا تنحرفوا- وداعٍ من جوف الصراط يقول يا عبد الله لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه) إذا فتح هذه الستارة التي على طريقه ودخل خرج عن الصراط، قال (أما الصراط فدين الله الإسلام وأما السوران حدود الله، وأما الأبواب التي عليها ستور مرخات محارم الله -ما نهى الله عنه- وأما الداعي من أول الصراط -الذي يقول يا عباد الله أدخلوا الصراط، ولا تعُوجُوا- قال القرآن كتاب الله، وأما الداعي من جوف الصراط -الذي يقول لا تفتح الباب فإنك إن فتحته تلجه- قال واعظ الله في قلب كل مسلم).

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن حصولها وتحصيلها إلا بعد معرفة الخير ليدعو له، ومعرفة المعروف ليأمر به، ومعرفة المنكر لينهى عنه، والقرآن مشتمل على ذلك أعظم اشتمال، ومتضمن له أكمل تضمن"
🎙️الفائدة التي قبل هذه تتعلق بالإنسان في نفسه أن يتعلم ليعمل امتثالاً للأمر واجتناباً للمنهي، فمن فائدة معرفة الأوامر والنواهي أن يعمل بها ويلتزم الأوامر فعلا لها ويتجنب النواهي، وهنا الفائدة أن يوصل هذا الخير إلى الآخرين، ويعلمه الآخرين فالدعوة إلى الله على بصيرة هي فرع عن علم بما يُدعى إليه وعمل به، أول ما يقوم به المرء يصلح نفسه بالعلم والعمل ثم يعمل على إصلاح الآخرين "منها أن الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يمكن حصولها وتحصيلها إلا بعد معرفة الخير ليدعو إليه ومعرفة المعروف ليأمر به ومعرفة المنكر لينهى عنه والقرآن مشتملٌ على ذلك أعظم، اشتمال، ومتضمن له أكمل تضمن".

 نسأل الله الكريم أن ينفعنا أجمعين بما علمنا، وأن يزيدنا علما وتوفيقا، وأن يصلح لنا شأننا كله، وأن يهدينا إليه صراطا مستقيما… سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.  جزاكم الله خير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق