الثلاثاء، 24 سبتمبر 2024

- الدرس العاشر - من قوله: ومن علوم القرآن أحوال اليوم الآخر وهو ما يكون بعد الموت…

 🎧 لسماع الدرس

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين والمسلمات. أما بعد..
📖 فيقول الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "ومن علوم القرآن: أحوال اليوم الآخر وهو ما يكون بعد الموت مما أخبر به الله في كتابه، أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم من أحوال الموت والقبر، والموقف، والجنة والنار."
🎙بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأصلح لنا إلهنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أما بعد: هذا السادس من علوم القرآن مما أورده رحمه الله تعالى في هذه المقدمة لتفسيره، وجمع كما عرفنا في هذه المقدمة بعض علوم القرآن وقصد بذلك أن ينبه المعتني والمتأمل والراغب في علم التفسير أن يدرك هذا الأمر أن العلوم التي في القرآن علوم متنوعة وعظيمة للغاية، وحاجة النفوس لها شديدة فجعل توطئة بين يدي تفسيره إبراز بعض علوم القرآن وتوسع في هذه الطريقة كما أشرت في مختصر هذا التفسير الذي هو [تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن] فذاك قسمه على علوم القرآن. وهنا جعل مقدمة ذكر فيها سبعة من علوم القرآن، هذا السادس منها، الذي هو: أحوال اليوم الآخر. والمراد باليوم الآخر: كل ما يكون بعد الموت، مما أخبرت به رسل الله عليهم صلوات الله وسلامه. والموت بداية اليوم الآخر، إذا فارقت الروح الجسد انتهت دار العمل وبدأ الجزاء والحساب على العمل، انقطع العمل بالموت، ويبقى الجزاء على العمل. وكثيرا ما يأتي في نصوص الكتاب والسنة ذكر اليوم الآخر مقرونا بالإيمان بالله وذلك لأن الإيمان بالله هو المقصود سبحانه وتعالى المتقرب إليه بالعبادة والعمل الصالح.
واليوم الآخرهو: دار الجزاء على هذا العمل. فالله هو المقصود بالعمل، واليوم الآخر هو دار الجزاء على هذا العمل. لأن عمل العبد من خير أو شر يحصى عليه، ثم يجزى عليه في اليوم الآخر (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) فاليوم الآخر هو يوم الجزاء والحساب والإيمان به من أركان الإيمان وأصول الدين التي عليها قيام دين الله سبحانه وتعالى (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِير ) ذكر 'المصير' الذي هو الإيمان باليوم الآخر مع أصول الإيمان. قال جل وعلا:  (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)،  (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا) فالإيمان باليوم الآخر من أصول الإيمان، ولما سأل جبريل عليه السلام النبي عليه الصلاة والسلام عن الإيمان قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وأن تؤمن بالقدر خيره وشره. الحاصل أن الإيمان باليوم الآخر أصل عظيم من أصول الإيمان، وركن عظيم من أركان الدين، من الأركان التي عليها قيام دين الله سبحانه وتعالى. والإيمان باليوم الآخر له فوائد كثيرة ومتنوعة تعود على العبد بالخير والبركة. وكعادته في التنبيه على علوم القرآن يذكر العلم ويذكر الفوائد التي تترتب على هذا العلم. فهنا ذكر أن من علوم القرآن أحوال اليوم الآخر، قال: وهو ما يكون بعد الموت مما أخبر به الله في كتابه، أو أخبر به رسوله صل الله عليه وسلم من أحوال الموت، والقبر، والموقف، والجنة، والنار" ثم شرع رحمه الله في ذكر الفوائد المترتبة على هذا العلم العظيم من علوم القرآن. نعم.

📖 قال رحمه الله: "وفي العلم بذلك فوائد كثيرة منها أن الإيمان باليوم الآخر أحد أركان الإيمان الستة التي لا يصح الإيمان بدونها، وكلما ازدادت معرفته بتفاصيله ازداد إيمان العبد به."
🎙هذه الفائدة الأولى من الفوائد المترتبة على العناية بهذا العلم من علوم القرآن الذي هو أحوال اليوم الآخر، ويعني التفاصيل التي جاءت في الكتاب والسنة المتعلقة باليوم الآخر بدءا من الموت ومفارقة الروح الجسد، وطريقة القبض للروح، وإتيان ملك الموت، وإتيان الأعوان مع ملك الموت، وطريقة سلّ الروح من الجسد، وكل ما جاء من تفاصيل في ذلك. ثم القبر وما فيه من فتنة أو عذاب أو نعيم، وأخبر عليه الصلاة والسلام أن القبر أول منازل الآخرة، ثم البعث، والنشور، والحشر، والقيام بين يدي رب العالمين، ومجيء الرب للفصل بين العباد، ثم تطاير الصحف، ونصب الموازين. ثم بعد ذلك المصير إلى الجنة أو النار، ثم التفاصيل التي تتعلق بالجنة، والتفاصيل التي تتعلق بالنار. كل هذه داخلة في هذا الأصل، فمعرفتها والتقوي في معرفتها كله زيادة في الإيمان، وهذا الذي يُنبه عليه الشيخ هنا في هذه الفائدة.
أولا: يقول هو من الأهمية بمكانة عظيمة لأنه ركن من أركان الإيمان الستة التي لا يصح الإيمان بدونها، كلما ازداد العبد معرفة بتفاصيله ازداد إيمانه. فإذن هذه التفاصيل المذكورة في الكتاب والسنة فيها زيادة في الإيمان ولها أثرها على العبد في زيادة الإيمان ورسوخه. ولهذا العلماء قالوا: إن الإيمان باليوم الآخر على درجتين:
 الأولى: درجة الإيمان الجازم -التي لا يصح الإيمان إلا بها، الإيمان الجازم: الذي ينتفي معه الشك لأنه إذا وجد الشك فهذا كفر. فالإيمان الجازم الذي لا يبقى معه شك ولا تردد.
 الدرجة الثانية: درجة الرسوخ في الإيمان باليوم الآخر. هذا الرسوخ هو الذي يكون متعمقا في القلب، مستحضرا له العبد في أحواله، تجده مثلا في عباداته وقربه وطاعاته يذكر اليوم الآخر، ويُحسِّن عمله ابتغاء الثواب في الدار الآخرة } (ومَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)  فهو يريد الآخرة، يصلي يريد الآخرة، يصوم يريد الآخرة، يتصدق يريد الآخرة، كل أعماله يبتغي بها الآخرة لا يبتغي بها الدنيا إنما يعملها لما يرجوه عند الله سبحانه وتعالى في ذلك اليوم، فهو يصاحبه في عباداته. وأيضا يكون زاجرا له، إذا أرادت أن تتفلت نفسه بالمعاصي والذنوب والآثام يأتي هذا الإيمان ويمنعه، انظر ماذا يقول من يؤتى كتابه باليمين (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ) هذا ترتب على ماذا؟ قال  (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ) ظننت يعني اعتقدت، الظن هنا عقيدة يعني كنت في الدنيا على عقيدة جازمة أني سألقى الحساب وسأقف بين يدي الله (إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ۝ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ) فكلما ازداد العبد بمعرفة تفاصيل وأحوال ذلك اليوم كان لذلك الأثر العظيم على نفسه، زكاءً وصلاحا واستقامة على طاعة الله، واستعدادا لذلك اليوم العظيم، نعم.

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن معرفة ذلك حقيقة المعرفة يفتح للإنسان باب الخوف والرجاء الذين إن خلا القلب منهما خرب كل الخراب وإن عُمِر بهما أوجب له الخوف الانكفاف عن المعاصي، والرجاء تيسير الطاعة وتسهيلها، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة تفاصيل الأمور التي يُخاف منها وتُحذر كأحوال القبر وشدته، وأحوال الموقف الهائلة، وصفات النار المفجعة، وبمعرفة تفاصيل الجنة وما فيها من النعيم المقيم، والحبرة والسرور، ونعيم القلب والروح والبدن. فيحدث بسبب ذلك الاشتياق الداعي للاجتهاد في السعي للمحبوب المطلوب بكل ما يقدر عليه."
🎙قال ومنها - يعني الفوائد- فوائد الايمان باليوم الآخر: "أن معرفة ذلك حقيقة المعرفة" هنا ينبه على أثر العلم الراسخ، وفي كتابه (فتح الملك العلام) وهو أيضا يتعلق بعلوم القرآن، أشار إلى هذه الفائدة ونبه عليها بشيء من التوسع، وذكر رحمه الله هناك أن: الإيمان باليوم الآخر على درجتين :
● درجة الإيمان الجازم
● درجة الإيمان الراسخ.
درجة الإيمان الراسخ هي التي يشير إليها بقوله: "عرف ذلك حقيقة المعرفة" حقيقة المعرفة بالعناية بهذا اليوم والاهتمام به، والعناية بالمعرفة بالتفاصيل مثل ما أشار إلى بعض التفاصيل في ثنايا كلامه هنا. فهذه العناية بالمعرفة - معرفة تفاصيل اليوم الآخر- تفتح للإنسان أبوابا عظيمة في صلاح نفسه وزكائها مثل ما قال هنا: "يفتح للإنسان باب الخوف والرجا" لأنك لما تقرأ عن الجنة والنعيم، والثواب والرحمة، والرضوان والفضل، والإكرام يتحرك في قلبك الرجاء والطمع. وعندما يقرأ المرء عن النار، والعذاب، والسخط، والعقوبة، واللعنة، والطرد و...الخ ، يخاف. وهذا مهم جدا أن يكون دائما العبد بين الرجاء والخوف  }يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَه ُ { هذا الرجاء للرحمة والخوف من العذاب، هذا العلم من علوم القرآن الذي هو: 'أحوال اليوم الآخر' يقويه في نفسك، يقوي في نفسك الرجاء والخوف، رجاء الرحمة وخوف العذاب } نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ۝ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ { يحتاج العبد إلى هذا وهذا، يحتاج إلى الخوف والرجاء. قال "يفتح للإنسان باب الخوف والرجا" ما شأن هذين الأمرين؟ قال: "الذين إن خلا القلب منهما خرب كل الخراب" ولهذا الرجاء والخوف مع المحبة هذه الثلاث هي أعظم محركات القلوب للعمل والطاعة، وهي أركان للتعبد والتقرب لله؛ لأن أي تقرب يتقرب به إلى الله يقوم على: الحب لله، والرجاء لثوابه، والخوف من عقابه سبحانه وتعالى. فأحوال اليوم الآخر يفتح للعبد باب الخوف والرجاء. إذا وُجد الرجاء في القلب قاد العبد إلى كل فضيلة، وإذا وُجد الخوف زجره عن كل رذيلة مثل ما قال وهب بن منبه رحمه الله: "الرجاء قائد والخوف سائق، والنفس حرون" ماذا يعني بأن النفس حرون؟ أن فيها تمنع، فيها إباء، تباطؤ عن العمل.  حرون: الدابة إ إذا حرنت بقيت في مكانها يعجز صاحبها عن أن يحركها. لكن المؤمن لا تكون نفسه حرونا إذا كان عنده ماذا؟ رجاء وخوف لأن الرجاء قائد والخوف سائق؛ فما يكون لنفسه هذا الوصف، يسلم من ذلك، بل تكون نفس مقبلة نشيطة، عاملة، جادة، مجتهدة. فهذا كله من فوائد هذا العلم والعناية به، وأن يعمل الإنسان على عمارة القلب بمعرفة هذا العلم العظيم، نعم.

📖 قال رحمه الله: "أوجب له الخوف الانكفاف عن المعاصي، والرجاء تيسير الطاعة وتسهيلها، ولا يتم ذلك إلا بمعرفة تفاصيل الأمور التي يخاف منها وتحذر، كأحوال القبر وشدته، وأحوال الموقف الهائلة، وصفات النار المفجعة، وبمعرفة تفاصيل الجنة وما فيها من النعيم المقيم، والحضرة والسرور، ونعيم القلب والروح والبدن. فيحدث بسبب ذلك الاشتياق الداعي للاجتهاد في السعي للمحبوب المطلوب بكل ما يقدر عليه."
🎙نعم، يقصد الشيخ أن من المهم في هذا الباب أو ما يتعلق بهذا العلم أن يعنى المسلم بمعرفة التفاصيل. معرفة التفاصيل المتعلقة بالجنة والنار، والثواب والعقاب، والسخط والرضا، يعتني بهذه التفاصيل بدءا مما يكون في القبر وانتهاء إلى انقسام الناس إلى فريقين، فريق في الجنة، وفريق في السعير، ويقرأ التفاصيل التي جاءت في ذلك؛ لأن كلما عظمت عنايته بمعرفة هذه التفاصيل ترتب على ذلك الصلاح للقلب، صلاح في أعمال القلوب التي يترتب عليها صلاح أعمال البدن كما في الحديث: (إن في الجسد لمضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) إذا بقي هذا القلب منشغلا بالدنيا لاهيا بها مُكبا عليها هي أكبر همه ومبلغ علمه يخرج من الدنيا وما عنده زاد للآخرة، لكن إذا وُجد هذا العلم وتفاصيله حرك في قلبه الاستعداد والتهيؤ، ودخل على قلبه أنواع من الصلاح مثل الرجاء، ومثل الخوف، ومثل المحبة والطمع، وغير ذلك من الأعمال القلبية التي هي أثر من آثار العناية الواسعة بتفاصيل اليوم الآخر.

📖 قال رحمه الله: "ومنها أن يعرف بذلك فضل الله وعدله في المجازاة على الأعمال الصالحة والسيئة الموجب لكمال حمده، والثناء عليه بما هو أهله وعلى قدر علم العبد بتفاصيل الثواب والعقاب يعرف بذلك فضل الله وعدله وحكمته."
🎙نعم، يعني الحكم الجزائي؛ لأن الدار الآخرة هي دار الحكم الجزائي (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) فهي دار الحكم الجزائي، فهذا الحكم دائر بين الفضل والعدل؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يظلم أحدا، ولا يخاف أحد عنده ظلما ولا هضما، المعرفة بهذه التفاصيل مثل ما أشار، يعرف بذلك فضل الله وعدله في المجازاة، لأن المجازات دائرة بين الفضل والعدل فيعرف بذلك فضل الله وعدله في المجازاة على الأعمال الصالحة والسيئة، وهذا يوجب كمال الحمد لله سبحانه وتعالى } َوتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ ۖ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين َ {هذا الحمد الذي يقال في ذاك الموطن هو حمد على فضل الله عز وجل على من تفضل عليه، وعدله في من سخط عليه وعاقبه سبحانه وتعالى، نعم.

📖 قال رحمه الله: "ومن علوم القرآن مجادلة المبطلين، ودفع شبه الظالمين وإقامة البراهين العقلية الموافقة للأدلة النقلية. وهذا الفن من علوم القرآن من خواص العلماء الربانيين، والجهابذة الراسخين، والعقلاء المستبصرين. وقد اشتمل القرآن من الأدلة العقلية والقواطع البرهانية ما لو جمع ما عند جميع المتكلمين من حق لكان بالنسبة إليه كنقرة عصفور بالنسبة لماء البحر، ذلك بأن القرآن هو الحق."
🎙نعم، هذا أيضا علم من علوم القرآن، وهو العلم السابع مما أورده، وأورد هنا سبعة علوم فقط، وإيراده لها هو تنبيه على غيرها، يعني كأنه ينبه فقط إلى أن القرآن فيه علوم كثيرة وكل علم له فوائده العظيمة. ولما يدخل المرء في علم التفسير وهو مستحضر تنوع علوم القرآن وتنوع الموضوعات، فهذا من أعظم ما يعينه لحسن الفهم وكمال الفائدة، وتحقق المنفعة. من علوم القرآن العظيمة: مجادلة المبطلين، ودفع شبه الظالمين، وإقامة البراهين العقلية الموافقة للأدلة النقلية. هذه من العلوم العظيمة التي اشتمل عليها القرآن؛ لأن القرآن فيه براهين عقلية تحرك العقل وتنيره لإحقاق الحق، وإبطال الباطل، ودحض شبهات المبطلين. لما يعتني المسلم بالمحاجة التي في القرآن لأهل الباطل -وهذا كثير في القرآن- وخاصة في قصص الأنبياء مع أقوامهم، يعني تقرأ في قصص الأنبياء مع أقوامهم محاجة الأنبياء لأقوامهم، وكيف أن الحجة التي يظهرها الأنبياء ويبرزون حجة ظاهرة قوية داحضة للباطل مبطلة له. فلما يعنى المرء بمعرفة الأدلة والبراهين التي هدى إليها القرآن، ودل عليها يكون عنده تمكن عظيم في رد باطل المبطلين، ناهجا في ذلك نهج النبيين وسالكا مسلكهم ومقتفيا أثرهم وتعلم منهم، وهذا أعظم التعلم وأنفعه للعبد. وقد اشتمل القرآن من الأدلة العقلية والقواطع البرهانية ما لو جمع ما عند جميع المتكلين -لأن المتكلمين يزعمون أنهم أرباب العقول، وأنهم عندهم في إقامة الحجج العقلية ما لا عند غيرهم- فيقول: لو جمع ما عند جميع المتكلمين من حق -لأن كثير مما عندهم حجج قائمة على ضلال، وعلى نصر لباطل تلوثت به عقولهم- قال: من حق، لكان بالنسبة إليه -يعني هذا العلم في القرآن-  كنقرة عصفور بالنسبة لماء البحر، ذلك بأن القرآن هو الحق، نعم.

📖 قال رحمه الله: "وقد اشتمل على الحق، والصدق، والعدل، والميزان العادل، والقسط، والصلاح، والفلاح، فإن ذكر التوحيد والشرك فأمر بالأول ونهى عن الثاني، أقام من البراهين القاطعة على صحة التوحيد وحسنه وتعينه طريقا للنجاة، وقبح الشرك وبطلانه وكونه هو الطريق للهلاك، ما يجعل ذلك للبصيرة كالشمس في نحر الظهيرة."
🎙التوحيد هو أهم المطالب، وهو الأصل الذي يقوم عليه الدين، والشرك هو أعظم المهلكات، وأخطر الموبقات، وأكبر الكبائر، وأظلم الظلم. والقرآن في باب الحجة والبرهان، وكشف الشبهة، ودحض زيف المبطلين أقام من الحجج والبراهين في بيان التوحيد وتقريره، وإيراد براهينه وحججه. وكذلك ما يبطل الشرك ويبين زيفه وضلال أهله أقام من البراهين والحجج على ذلك ما لم يذكر مثله في غيره من الأمور؛ وذلك لأن التوحيد هو أهم الأمور. والأمر كلما كانت القلوب إليه أحوج والنفوس إليه أحوج كان الذكر لبراهينه وحججه والدلائل عليه أكثر، وليس هناك أهم من التوحيد ولا أعظم منه، وليس هناك أيضا أهم من التحذير من الشرك وبيان خطره، ولهذا أكثر ما جاء في القرآن في باب الحجة والبرهان ما يتعلق بالتوحيد، حتى الأمثال، مر معنا أن الأمثال المضروبة في القرآن هذا علم من علوم القرآن، أكثر الأمثال المضروبة في القرآن في التوحيد، وتحذير من ضده الشرك بالله عز وجل.

📖 قال رحمه الله: "وإن أمر بالأوامر الشرعية وحث على الآداب، ومكارم الأخلاق، رأيته ينبه العقول النيرة على ما اشتملت عليه من المصالح الضرورية التي يحتاجونها في معاشهم ومعادهم ما يجزم بأنه لا أحسن منها، وأن حكمته تقتضي الأمر بها أشد اقتضاء وإنها عن المحارم والقبائح والخبائث، أخبر بما في ضمنها من الفساد والضرر والشر الحاصل بتناولها. وأن نعمة الله عليهم بتحريمها عليهم وتنزيههم عنها، وتكريمهم، وتعلية أقدارهم عن التلبس بها فوق كل نعمة، فالمأمورات مشتملة على الصلاح، والمحرمات، مشتملة على المفاسد."
🎙نعم، الأوامر بعموم الطاعات والعبادات والأخلاق والأدب كلها خير. لا يأمر الله عز وجل ويدعو عباده إلا إلى خير ومصلحة لهم في دنياهم وأخراهم. ولا ينهى إلا عن كل شر ومضرة على العباد في الدنيا والآخرة. وهذا الجانب أيضا جاء التنبيه عليه،  يقول الشيخ: رأيته ينبه العقول النيرة على ما اشتملت عليه الأوامر من المصالح، وما اشتملت عليه النواهي أو الأمور المنهي عنها من المفاسد، نعم.

📖 قال رحمه الله: "وإن شرع في الحجاج للمبطلين، وتزييف شبه المشبهين، وبطلان مذاهب الضالين، فقل ما شئت من إحقاق حق، ودمغ باطل، وإرشاد ضال، وإقامة الحجة على المعاند، وبيان أن الباطل لا يقوم لأقل شيء من الحق بل هو على اسمه باطل لا حقيقة له، إن هي إلا أسماء يسمون بها الباطل، إذا جردت تبينت هباء منثورا  ورأيته يسوق البراهين العقلية بأوضح عبارة وأوجزها، وأسلمها من الاعتراض والنقض والخفاء فيجمع بين الدليل العقلي والنقلي في كلمة واحدة إيجازا غير مخل بالمطلوب، وتارة يفصل ذلك ويسرد من البراهين ما يكفي بعضه بالبيان، فلله الحمد والشكر."
🎙نعم هذا هو جانب المحاجة للمبطلين، وكشف الشبهات، وبيان زيف باطلهم ودحض شبههم. هذا أيضا جاء في القرآن منه تفاصيل كثيرة في مواطن مثل ما أشار الشيخ، كلمة واحدة أو كلمتين تقضي على شُبه المبطلة كلها، وأحيانا يكون هناك تفاصيل في تفنيد الشبهة من وجوه، وبيان فسادها من وجوه كثيرة. يعني تقرأ في آيات أحيانا تنوع في البراهين، مثلا إنكار البعث -الآيات التي سيمر علينا كلام الشيخ عليها- الآيات التي في أواخر سورة يس وبها ختمت السورة، ذكر جل وعلا أنواع من البراهين في دحض شبهة من ينكر البعث. وهي في الجملة في ذاك الموطن -كما سيأتي معنا عند الشيخ- ستة براهين، فأحيانا تأتي تفاصيل، وأحيانا يذكر جواب واحد في كلمة أو كلمتين ما عليه باطل أهل الباطل. والمقصود هنا أن الشيخ ينبه أن هذا العلم -علم الحجة والبرهان، ودحض شبه أهل الباطل- مصدره المتين هو كتاب الله عز وجل، فالقرآن ينير العقول والبصائر، ويمكن للعبد معرفة البرهان والحجة ودحض باطل المبطلين، فهذا من العلوم العظيمة التي اشتمل عليها القران، نعم.

📖 قال رحمه الله: "فهذه مقدمة نافعة إن شاء الله، ينبغي استقراؤها في كل مواردها."
🎙"ينبغي استقراؤها في كل مواردها" يعني هو الآن يعطيك مفاتيح للعلوم المشتمل عليها القرآن ولما يقرأ ينظرها في مواردها، ومواطن ورودها في كتاب الله عز وجل.

📖 قال رحمه الله: "ينبغي استقراؤها في كل مواردها والتنبيه لكل ما يرد من هذه المطالب على وجه التفصيل. فمن استعملها في كل ما يرد عليه من الآيات انتفع بها نفعا عظيما. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم."

نفعنا الله أجمعين بما علمنا وزادنا علما وتوفيقا، وأصلح لنا شأننا كله، وهدانا إليه صراطا مستقيما...
 سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك اللهم صلِ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.  جزاكم الله خير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق