الأربعاء، 25 سبتمبر 2024

فوائد الآيات (164 - 182) من سورة البقرة

 /  في قوله تعالى (إن في خلق السماوات والأرض) وما عُطف عليها مشروعية التفكّر في مخلوقات الله سبحانه وتعالى، وهذه من دلائل الربوبية التي ينتج منها دلائل الألوهية، فأولا تتفكر في ربوبية الله عز وجل وملكيته لهذه المخلوقات، ثم تستدل بها على أنه هو المستحق للعبادة وحده لا شريك له. 

/ من لم يتفكّر في هذه المخلوقات فهو مسلوب العقل لأن الله قال في آخر الآية (لآيات لقوم يعقلون) فمن لم يتفكّر فيها فهو مسلوب العقل، بل كما وُصف في آيات أُخر (أولئك كالأنعام بل هم أضل). 

/ في قوله تعالى: (يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله) حب الله سبحانه وتعالى من العبودية، بل هو جزء لا يتجزأ منه، ويحدث مع عبودية المحبة الإقبال على فعل الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل، والشق الآخر من العبودية وهو خشية الله سبحانه وتعالى، لأن العبودية تكون كمال المحبة مع كمال التعظيم، فبكمال المحبة يحدث فعل المأمورات والتقرب إلى الله، ومع كمال التعظيم يحدث اجتناب ما نهى الله سبحانه وتعالى عنه، ونظير هذه الآية في الجمع بين الأمرين قول الله عز وجل في سورة المائدة (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و ابتغوا إليه الوسيلة) فتقوى الله يحدث منها الكف عن المحرمات، (وابتغوا إليه الوسيلة) التقرب إلى الله بفعل المأمورات. 
/ أيضا أفادت (والذين آمنوا أشد حبا لله) أنه كلما ازداد الإيمان زادت محبة العبد لربه، لأن هناك تلازم بين الإيمان والمحبة. 

/ في قوله تعالى: (إذ تبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا) أفادت أن المتبوعون بالباطل لا ينفعون، وما أكثر دعاة الباطل وما أكثر من يتبعهم ويظنون أنهم يكسبون مكاسب، لكنهم إن حصلوا على بعض المكاسب في الحياة الدنيا فلا يُظن أن هذا الأمر مستمر في الآخرة، فهناك يحدث موقف عظيم من مواقف الحساب وهو أن يتبرأ الذين اتُبعوا من الذين اتَبعوا، فهو ليس فقط لا ينفع بل يتعداه إلى البراءة، إلى التباعد، ولا شك أن هذا أشد حسرة. 
/ من مواقف العذاب النفسي يوم القيامة اجتماع الأتباع مع المتبوعين في النار، فإذا تزداد حسرتهم، كل من الطرفين يزداد حسرته برؤية الآخر، ومشهد البراءة تحديدا فيها زيادة حسرة.
/ في المقابل الأسباب، فيه أسباب صالحة وأسباب باطلة، فاتباع رؤساء الضلالة بالباطل هذه تحدث منها البراءة، هل المؤمنون لا ينتفعون بهذه الأسباب؟ لا.. نجد أن الأسباب الصالحة التي هي أن يكون داعيا إلى الخير والناس تقتدي به، هذه علاقة أو سببية تنفع يوم القيامة، ولذلك يقول الله عز وجل في سورة الزخرف (الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين) فإذا إن كان هناك اتباع بالخير فهي علاقة تنفع، إن كانت علاقة اتباع بالباطل فهي لا تنفع، بل يحدث منها براءة، بل يحدث منها حسرة وندامة.

/ إثبات عداوة الشيطان، ونفي الخيرية كاملا عن الشيطان لأن الله وصفه (إنما يأمركم بالسوء والفحشاء).

/ أبانت الآيات أن التقليد فطرة بشرية ولذلك ترتب عليها عدد من الأمور تأملها في قوله تعالى (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون) مسألة إنك تقلد الآخرين هذا أمر جبلي وفطري فلذلك يترتب عليها عدد من الأمور:
 الأمر الأول: إنه هو أحد أسباب انحراف الفطرة، بينتها الآية التي بين أيدينا، وبينتها أيضا آية سورة الأعراف بعد ذكر ميثاق الفطرة لما قال الله عز وجل (أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون) فبين أن أحد أسباب الانحراف عن هذه الفطرة التي أُودعت في ذرية بني آدم أنهم يقلدون الآخرين. لكن هذا التقليد طالما أنه موجود في الفطرة فلا يُظن إن كله سيئ، هناك جزئية ترتبط معه الخير، فما يحدث في انحراف الفطرة هذا إذا كان التقليد لأهل الأهواء أو لأهل الباطل. فماذا لو كانت تقليدا للصالحين فتبين منها أثر القدوة الصالحة في التربية. أيضا مما ينجم عن هذه الصفة التي هي فطرية التقليد تعظيم الأولية ثوابا في الخير ووِزرا في الشر. مر علينا في أول السورة (ولا تكونوا أول كافر به) وأتى في القرآن في مواضع متعددة أن من يكون أول المسلمين أو أول المُتبعين يكون ثوابا، وإذا تفكرت في الأولية هي مرتبطة بموضوع التقليد.
/ أيضا مما يترتب على مسألة فطرية التقليد فضيلة الصحبة الصالحة وأثرها في العصمة من الفتن والثبات على الحق، وهذه يمكن لو تتأملها في قصة أصحاب الكهف تجد لها شواهد عميقة في هذا الباب. 

/ تبيين خطأ مسلك التقليد بالباطل من خلال المثل القرآني قال الله عز وجل بعدها (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون) ومعروف أن الله عز وجل عندما يسوق مثلا فإن هذا الأمر ينبغي أن يقف معه الإنسان لأنه ما سيق له المثل إلا لأهميته. صورة هذا المثل الحقيقة فيها كلام طويل للمفسرين، وكيفية تقسيم أجزاء المثل وهل هي هيئة بهيئة، وإلا صورة بصورة محددة، لكن إجمالا نقول من بين ما ذكره المفسرون في صورة المثل  في هذه الآية: أن الكافر مثله كمثل البهيمة وليس كمثل الناعق، يعني لما تأتيك صورة حسية تنظر ما الذي يقابلها في الصورة المعنوية، فالذي ينعق يقابل ماذا؟ هل هو الكافر أم هو داعي الهدى؟ فالصورة الأولى أو التفسير الأول: أن الكافر مثله كمثل البهيمة وليس هو الناعق، فالتشبيه هيئة بهيئة، فالبهائم لا تفقه من الراعي غير الصوت، فالراعي هو داعي الكفار إلى الهدى والضلال، والكفار هم البهائم المنعوق بهم فلذلك قال في وصفهم (صم بكم عمي) والصورة بهذه الطريقة من فوائدها: 
تسلية النبي ﷺ والدعاة إلى الله عز وجل بوجه عام، فإنه إذا لم يحدث اتباع لهم فالعيب ليس في دعوتهم وليس فيهم وإنما في هؤلاء الذين لا يعقلون هذه الدعوة ومنافعها.
● وممكن أن ينظر للمثل بطريقة أخرى: أن الكافر هو الناعق والمنعوق به هو الصنم، فإنه يدعوه ويقدم له ولاء ومحبة، ويقدم له عبودية ولكن هذا الصنم لا يفهم ولا يدري لأنه جماد فلا يستجيب له. فهذه حالة من أحوال عبادة غير الله عز وجل يدعو فلا يُستجاب له، وإن كانت الصورة الأولى هي الأرجح عنده المفسرين.

/ أفادت الآيات في قوله: (إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير) انحصار الحرام في معدود قليل مِنّة عظيمة من الله عز وجل، لأن (إنما) أداة حصر، فكأن الأصل في الأشياء كلها الإباحة إلا ما خصّه الله عز وجل في التحريم، فكون التحريم معدود والجميع حلال يدل على قلة الحرام وكثرة المُباح والطيب وهذه نعمة من الله سبحانه وتعالى حيث وسّع الحلال وضيّق الحرام.
 ويؤخذ من هذا الأمر في سياقها هذا يعني عرضها المحرم بهذه الطريقة التي هي طريقة الحصر، يؤخذ منها أنه ينبغي على الدعاة في الخطاب -في خطاب الناس- في دعوتهم الناس أن يعرضوا الحلال أكثر مما يعرضوا الحرام، فلا يكون تركيزهم في الدعوة على بيان المحرم والسكوت عن الحلال، فيحدث من ذلك التنفير، بل ينبغي أن يكون عرضهم للحلال أكثر من عرضهم للحرام. هذا بشكل عام، لكن إن كان في سياق سؤال عن حرام فيُقدر الأمر بقدره وتبين الأمور كما وضحتها الشريعة فلا يخلط بين الأمرين.

/ في قوله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد) الضرورة تبيح المحظورات ولكن بشرطين ذكرا في هذه الآية: (غير  باغٍ) أي غير طالب لها مقبلا عليها، (ولا عادٍ) أي متجاوز الحد في الأكل منها توسعا، فبهذين الشرطين تباح المحظورات.

بعدها تأتينا آية البر وعموما سيبتدئ الآن بالأحكام والتشريعات التي هي طويلة في هذه السورة. أول آيات التشريعات كانت في آية البر. آية البر لو أخذناها كمناسبة مع سياق سابق واستقبال بدء الحديث عن التشريعات نجد أنها بالفعل واسطة العقد، فمناسبتها لما قبلها: أنها ختام المحاجّة في حادثة تحويل القبلة بإنهاء الشقاق في ذلك وأن البر حقيقته ليس في الجهة وإنما في تزكية النفس، فالجهة كانت وسيلة أما  فعل البر من حيث الأعمال المذكورة فهي مقصد. فهذه ينبغي أن تُقدر الأمور بقدرها فلا يكثر اللغط في مسألة تحويل القبلة لأنها اتجاه وهي وسيلة، أما العمل حقيقة الذي يحدث به التزكية فهو فعل المأمور نفسه وليس في قضية الاتجاه فقُدِّرت الأمور بقدرها. وفي عرض المسألة، عرض أمور البر بهذه الطريقة دعوة للتركيز على المقاصد وترتيب الأولويات، طبعا هذا من غير الإقلال بكون أن الاتجاه للقبلة شرع ووجوب وتؤخذ بقدرها، لكن ترتيب مسارات الموضوعات بهذه الطريقة تكون تربية لنا في ترتيب الأولويات وما الذي ينبغي أن يكون مقدما على الآخر، وما الذي يكون له دور في حدوث مقاصد القرآن، وما الذي هو وسائل للوصول إلى هذه الأمور. هذه الآية من أوسع الآيات في القرآن حتى أنها تُسمى أجمع آية في القرآن عند بعض المفسرين نظرا لتوزيعها لأبواب الطاعات، لكن هذا التوزيع واختلاف أنواع الطاعات المذكورة في هذه الآية في حد ذاته هي نعمة ومِنّة من الله سبحانه وتعالى حيث لم يحصر البر في زاوية واحدة لم يجعلها كلها صياما، لم يجعلها كلها إنفاقا، لم يجعلها كلها صلاة، وإنما وزعها لاختلاف الناس فيما ينشطون فيه.
وإذا تفكرت وأرسلت بصرك إلى أحوال الصالحين -مثلا- تجدهم مختلفين في قضية الاستباق في الطاعات طبعا مع عدم الإخلال بمستوى الوجوب، لكن المسارعة والنشاط في طاعة معينة غالبا ترتبط كثيرا بما تنشط فيه النفس، يعني -مثلا- الكريم سينشط في باب الإنفاق أكثر من البخيل أو من هو أقل منه كرما. مثلا هناك الذي عنده زهد في مسألة الأكل والشرب ربما ينشط في باب الصيام أكثر من غيره. هناك أناس يُفتح لهم في الصلاة والقيام والتهجد أكثر من غيرهم، فالنفوس تختلف في مسألة النشاط، فتنويع البر في كل هذه الأمور نتفق على أن الحد الأدنى هو القيام بالواجب و اجتناب المنهي لكن الاستزادة في هذه الأمور مفتوحة ومن الحكمة أنك لا تفوت باب أنت تنشط فيه وتحاول تُلزم نفسك أن تكون مثل غيرك في باب بصعوبة أنك أنت تنشط فيه. نعم أضرب بسهم في كل الأمور، لكن الذي تجد نفسك تنشط فيها سابق وسارع واستبق فإنه ربما يكون أسهل بكثير، ونسبة إنجازك فيها ونسبة اكتسابك للأجور أعظم بكثير من أبواب أخرى تجاهد نفسك فيها لكنك ما تمشي إلا بطيئا في ذلك.
/ في ختام الآية في قوله (أولئك الذين صدقوا) بيّنت إن اسم البِر يصدق على كل هذه الأمور، وبينت أنه من الإيمان لأنك إذا ربطت بين الصدق وبين مسمى الإيمان أيضا تدخل فيها هذه الأمور.
/ المذكور في هذه الآية من أبواب البر يمكن تقسيمه إلى عدد من الأبواب: 
هناك باب يمس جانب الاعتقاد في قوله تعالى (ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين) هذا جانب الاعتقاد
 ثم جانب الإحسان إلى الخلق (وآتى المال على حبه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب) ثم في جانب العبادات (وأقام الصلاة وآتى الزكاة)، ثم باب الوفاء بالعهود (والموفون بعهدهم إذا عاهدوا) ، ثم الصبر، والصبر يرجع إلى كل ما ذكر، بالإضافة إلى الصبر على مقادير الله (والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس) ويدخل فيها (حين البأس) مسألة الجهاد في سبيل الله. من يقوم بهذه الأفعال صدق مع الله سبحانه وتعالى وهو دليل على تحقيق التقوى (أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون) 

 / بعدها تأتينا آية القصاص، والقصاص هذه تكون في القتل العمد، فبينت مشروعية تنفيذ أحكام القصاص، وفي مشروعية تنفيذ هذا الحكم لوحظ فيه التماثل لأن الله عز وجل قال (الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) وفي ذلك تفصيل طويل في كتب الفقه. 
هل يفهم منها الضد؟ يعني بحيث لو قتل الذكر الأنثى هل يفهم منها أنهم ما يقتصون؟ 
لا، الأمر ليس كذلك. الآية أثبتت التماثل ولم تثبت تثبت الضد، وعموما كما ذكرنا لها تفصيل أفضل بكثير في كتب الفروع في كتب الفقه الإسلامي. 
/ الآية أثبتت جواز العفو في القصاص إلى الدية (فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) مع الترغيب في ذلك، الترغيب في العفو في القصاص لأنه سماه أخا (فمن عفي له من أخيه) فلما سماه أخا كان ذلك يعني تحضيض على العفو.
عند العفو هناك آداب فعلى ورثة المقتول تجاه القاتل قول الله عز وجل (فاتباع بالمعروف) ما معنى (فاتباع بالمعروف)؟
 أي المقصود أن يكون العفو بدون منّ عليه، بدون أذى، بدون ثأر بالقتل بعد ذلك، يعني هناك أحيانا يعفون ويستلمون الدية وبعدها يثأرون لمقتولهم ويقتلون. فهذا لا يكون عفوا باتباع بالمعروف. ثم على القاتل إذا عفا عنه أهل القتيل (أداء إليه بإحسان) فيؤدي الدية وافية بدون مماطلة. 
/ أفادت الآية مشروعية الدية في قتل العمد إذا حصل العفو.
/ أفادت أيضا أن فاعل الكبيرة لا يخرج عن الإيمان لأنه سماه أخا. 
/ أفادت الآية أن من مقاصد مشروعية القصاص أنها حياة ليتعظ المجتمع، لأنه قال بعدها (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) وهذه تكلم فيها البلغاء حديثا طويلا، كيف بكلمتين أو بجملة واحدة اختصرت ما يمكن أن يكتب في مجلدات في تأثير إقامة الحدود على المجتمعات، وكيف إن المجتمع لو يُقصّر في إقامة الحدود كيف سيكون حال المجتمع. 

/ الآية في قوله تعالى (ولكم في القصاص حياة) لما قال (يا أولي الألباب لعلكم تتقون) أفادت دعوة للمخاطبين للتفكر في مقاصد الشريعة. فكونك تتأمل لماذا قتل العمد يكون حكمه بهذه الطريقة هذه تفكّر في مقاصد الشريعة، ثم تفكّر في محاسنها، ثم اتباع وإيمان بها، فهذه من فوائد هذه الآية.
/ هذه الآية بينت حكم القصاص في قتل العمد، أما قتل الخطأ فبيّنته سورة النساء الذي هو الدية فقط وليس القتل، الدية طبعا مع تحرير رقبة على تفصيل مذكور في آية سورة  النساء.
/ من التفكر في أحكام القصاص التفكر في التخفيف على هذه الأمة لما أبيح لهم العفو، فينبغي إبراز محاسن الشريعة الإسلامية حيث تنقل حكم القصاص بين أحوال ثلاثة: إما القصاص.. إما الدية.. إما العفو لا دية ولا قصاص. وهذه التي تسمى صدقة..
لأنه لو أخذناها من آية قتل الخطأ سماها صدقة، فهنا قال (فمن عُفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان) قال (ذلك تخفيف من ربكم ورحمة) والمفسرون في هذه الآية يقارنون بين حكم القتل بينه وبين الأديان السابقة فكان ذلك تخفيف على هذه الأمة أن جعل الخيار بين هذه الاحوال الثلاثة. فقالوا إنه جمع بين العدل والرحمة والتأديب، مقاصد إقامة الحد بهذه الطريقة جمعت بين العدل وبين الرحمة وبين التأديب. 

 بعدها من الأحكام أتانا أحكام الوصية
 وأفادت الآية مشروعية الوصية لأنه قال (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين) وإذا قلنا مشروعية فإنها تتنقل بين أحكام تكليفية متعددة مفصلة في كتب الفروع، ومنها أنها تكون واجبة لمن عليه دين، أو عنده وديعة لأحد. 
/ في قوله (للوالدين والأقربين بالمعروف) حثّ على صلة الأرحام. 
/ في قوله في الآية التي بعدها (فمن بدّله بعدما سمعه فإنما إثمه..) إلى آخر السياق، أعطتنا أحوال في تغيير الوصية، فأولا الحكم الأولي تحريم تغيير الوصية. يعني الوصية عندما يكتبها الميت لا يستطيع أن يدافع بعد ذلك خلاص غادر الدنيا فتحرم تغيير الوصية. ولكن قد ينشأ أحوال في هذه الوصية فُصلت في هذه الآية، فأحيانا يسطو على هذه الوصية أحد ويغير فيها. فلنفرض أن هذا الميت أوصى بأبواب بر وما إلى ذلك، فأجره ماضي فمن فعل الخير ثم بُدل بعده الوصية فقد حصل له ما أراد وثبت له الأجر لأن الله عز وجل قال (فإنما إثمه على الذين يبدلونه) فلا يضر الميت ذلك التبديل.
 لكن لو نقلنا الصورة العكس: الميت في حد ذاته قبل أن يموت وصى بوصية فيها إخلال فيها، فيها أمور يحدث بها المشاحنة، أو أمور من الظلم للآخرين، فهنا يأتي دور الأطراف الذين يتلقون هذه الوصية وهو في قوله تعالى (فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه) (جنفا) أي خطأ بغير قصد، و (إثما) أي بقصد، يعني بمعنى أن الميت قد يوصي وصية سيئة ولا يقصد الإساءة، وقد يكون قاصد الإساءة، أيا ما كان، طالما أنها حصل فيها إثم فإن الورثة لو بدلوا في هذه الوصية فإنه جائز، بل في بعض الأحوال واجب أن يبدلونها سواء كان هذا قبل مغادرة الدنيا، قبل أن يموت الميت بأن يطّلعوا على هذه الوصية ويعظونه ويقولون أنها لا تصلح. لأن الإنسان لا يكتب وصيته في آخر حياته فقط، ربما يكتبها مبكرا، وهذا مشروع بل المطلوب أن الإنسان يكتب وصيته لأنه لا يدري متى يغادر الدنيا. فإذا اطُّلع عليها فإما أن تُصلح وهو في حياته، أو حتى لو كان بعد مماته طالما أنها مقصود بها الإصلاح وليس مجرد التبديل فإنه جائز.
/ من مقاصد الإصلاح عدم المشاحنة والبغضاء بين الورثة.  
/ تغيير وصية لأجل الإصلاح جائز بل واجب كما ذكرنا في التفاصيل.

-----------------------

https://t.me/fwaidalayat

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق