الجمعة، 22 سبتمبر 2023

دورة قواعد التدبر - موانع تدبر القرآن-

 

بسم الله والحمد لله، وصلى الله وسلم وبارك عليه وسلم على رسول الله
سأتكلم في هذا المقطع عن الموانع التي تمنع التدبر
هذه يذكرها أهل لعلم إذا ذكروا أسباب التدبر يذكرون الموانع، وأن الإنسان عليه أن يحرص على انتفاء الموانع، وهذا يدل على أن هناك موانع تمنع التدبر، ومنع التدبر المقصود به المنع الجزئي، فلا يوجد حاجز بين الإنسان وبين الانتفاع بالقرآن عموما إذا وفقه الله، لكن من ضمن الأشياء التي يتأثر بها التدبر، يتأثر بها القلب أثناء تدبره عدة أشياء:

أولا: الذنوب، فالذنوب تؤثر على التدبر وذلك لأن الإنسان إذا تلطخ بالخطايا والذنوب والإسراف على نفسه سيُعرض عن الآيات، وإذا قُرأت عليه الآيات لم يتأثر، وإذا سمع آية فإنه لا يُنزلها على حاله، ولا يتفاعل معها، وأحد أسباب ذلك هي ما تلطخ به من الخطايا والذنوب. ألا ترون -نسأل الله أن يعمنا جميعا بمغفرته ورحمته- ألا ترون الإنسان الذي يسرف على نفسه مثلا في بعض ال الذنوب يغيب عن ذهنه الآيات التي تكلمت عن معصيته، فمثلا: الآيات التي حرمت الفواحش، الآيات التي حرمت الربا، الآيات التي حرمت العقوق، والأحاديث التي حرمت مثلا قطيعة الرحم، ومع ذلك هو معرض عنها. أحد أسباب إعراضه ما هو فيه من ذنوب وخطايا، وذلك لأن الذنوب تكون طبقة على القلب -ران- على القلب تمنع تأثر القلب، يعني تمنع القلب من كمال تأثره، فعلى الإنسان الذي يريد التدبر وأن يفتح الله عليه بالتدبر، عليه أن يُكثر من الاستغفار حتى ينظف قلبه من الخطايا والذنوب فيكون بعد ذلك لديه الأهلية للنظر لكلام الله، فإن كلام الله عزيز ولا يأتي إلا لعزيز، وبعض أهل العلم يجعل من معاني عزة القرآن (وإنه لكتاب عزيز) يجعل من معاني عزة القرآن أن القرآن لا يأتي لمن لا يستحقه، فإذا كان الإنسان بعيدا عن الله فإن كلام الله لا ينفتح له، والإنسان عموما عليه أن يكثر من التوبة والاستغفار والإنابة لله سبحانه وتعالى.

ثانيا: من ضمن الموانع أيضا انشغال القلب، ونحن قررنا سابقا أن من أسباب ح تدبر القرآن حضور القلب، الآن من الموانع انشغال القلب حينما يكون القلب منشغلا، وكذلك شروط الذهن حينما يكون الذهن شاردا، فإنه بالتأكيد سيتأثر عندنا التدبر، لأن التدبر عبارة عن تأمل، عبارة عن تفكر، عبارة عن. نظر، عبارة عن إعادة التأمل في الآية، وهذا يتطلب أن يكون قلبه مطمئنا هادئا أن لا يشغله شيء، ولهذا يا إخوة كفى بالقرآن شغل لنا، يعني لو انشغلنا نحن بالقرآن والنظر في القرآن والتفكر في القرآن، هذا كافي وفيه غنى لنا عن أن ننشغل بأي شيء آخر، لأن الانشغال بالقرآن له فوائد، له ثمار وهو إيمان، لكن الانشغال بغيره قد يضر القلب أحيانا، والإنسان عليه أن يتخفف من أي شيء يشغل قلبه بحيث أن لا يكون بينه وبين الله شيئا يشغله، فلا يكون هناك في قلبه شيء أكبر من الله، والإنسان المسلم دائما يكرر الله أكبر، الله أكبر، ويفتتح صلاته الله أكبر، ويركع بالتكبير، ويسجد بالتكبير، ويؤذن بالتكبير، ويقيم بالتكبير. لأجل أن يترسخ في قلبه أنه لا يوجد شيء أكبر من الله ينشغل به. وانظر إلى الأشياء التي تشغلنا أحيانا كلها، دون الله، وكلها تحت قدرة الله، وكلها تحت قوة الله، فإذا لا يشغل قلبك شيء عن القرآن. فانشغال القلب يجعل التدبر صعبا، لأن كلما أراد الإنسان أن يتدبر وقلبه منشغل متشتت في أودية الدنيا، وفي هموم بعضها أو كثير منها الله تكفل بها، يعني أنظر كيف تنشغل قلوبنا بقضية الرزق مع أن الله سبحانه تكفل به وضمنه للإنسان، ومع ذلك الإنسان يتعب نفسه في الانشغال بهذه القضية، ويحرم نفسه أحيانا الانشغال بالتدبر.

ثالثا: من الموانع ضعف اللغة العربية، الإنسان المتدبر عليه أن يكون عنده قدر جيد من الإلمام بقواعد اللغة العربية، وذلك لأن القرآن عربي، فكثير من قواعد التدبر هي من قواعد اللغة العربية مثلا: الفعل المضارع يدل على التكرار، الجملة الاسمية تدل على الثبات، إن تفيد التوكيد، صيغة مفعال تدل على صيغة المبالغة، فيكون عنده قدر جيد. وهذا الباب الناس مختلفون فيه، لكن بالنسبة بالذات للمقبلين على القرآن من طلبة العلم كلما تضلع الإنسان من علوم اللغة العربية لم يكن ذلك خسران عليه، سيتأثر بذلك تدبره للقرآن. ولهذا على الإنسان أن يطلع في علوم اللغة العربية، وأن يعني يتضلع منها.

بقي قضية أخرى نختم بها هذه المقدمات، ويكون بذلك يعني اكتمل ان شاء الله مدخل التدبر وهي مفاهيم خاطئة في التدبر.
تنتشر أحيانا بعض المفاهيم الخاطئة آ التي أحيانا تصد عن التدبر، ولهذا ينبغي التنبه إليها، وينبغي نشرها أيضا بين طلبة العلم وبين أهل الخير والصلاح وبين المقبلين على القرآن، فمثلا من المفاهيم الخاطئة:
ربط التدبر بالبكاء: بمعنى أن البكاء هو التدبر وما عداه فليس تدبر، ولهذا يصلي الإنسان خلف إمام ندي الصوت، فإذا ما رأى نفسه قد بكى ولا دمعت عينه فإنه يظن أنه لا يكون متدبرا، أو أنه لم يطبق التدبر الحقيقي لأن عينه لم تدمع، هذا المفهوم لا شك أنه مفهوم خاطئ، وهو من وسوسة الشيطان ليصد الإنسان عن الإقبال على القرآن.
نحن قررنا قديما أن التدبر هوعملية ذهنية يعني التفكر في الآية، التأمل في الآية أن يُعمل الإنسان فكره في هذه الآية، أن يعرض حاله على هذه الآية، هذا هو التدبر، إذا عمل ذلك فقد تدبر دمعت العين أو لم تدمع، هذه قضية أخرى، دمع العين، هذا عبادة أخرى مستقلة. هذا فضل من الله يؤتيه من يشاء، لكن ليست هذه مرتبطة بهذه، بمعنى ليس التدبر هو البكاء وإنما التدبر عمل آخر غير قضية البكاء، فإذا ما دمعت العين ليس معنى ذلك أن التدبر لم يحصل، أحيانا يدمع القلب ولو لم تدمع العين، فأحيانا يقشعر الجلد من بعض الآيات لأن الإنسان فهم معناها وأنزل حاله، أو لأنه رأى أن هذه الآية تخاطبه ولهذا أورثه، أحيانا إذا أورثت الآية الإنسان الحياء، أحيانا إذا أورثت الإنسان تعظيم الله، أحيانا إذا سبح الإنسان مرت به آية تعظيم فعظم الله، هذا تدبر، هذا جزء من التدبر، وفي قضية البكا لا بد أن ننظر لها على أنها عبادة مستقلة، هذا ليس تقليلا من شأن البكاء فإن الإنسان عليه أن يتضرع إلى الله أن يرزقه الله عينا دامعة، وقد استعاذ النبي صلى وسلم من العين التي لا تدمع، لكن أن يربط هذا بالتدبر وأن يُقصر التدبر على البكا لاشك أن هذا من المفاهيم الخاطئة التي ينبغي أن نتحرر منها، ومع ذلك يتدبر الإنسان ويحاول أن يبكي من سماع كلام ربه كما جاء في الحديث في عند ابن ماجه (إذا قرأتم القرآن فابكوا فإن لم تبكوا فتباكوا) يعني أن الإنسان يدرب نفسه، يدرب عينه أنها تدمع إذا سمعت آيات الله لكن الفكرة هي أن الخطأ هو ربط التدبر بالبكاء، بمعنى إنه إذا ما بكى الإنسان فإنه ليس متدبرا لأن التدبر عبادة أخرى، والبكا عبادة مستقلة.

أيضا من المفاهيم الخاطئة: اعتقاد صعوبة التدبر، يعني يظن البعض أن التدبر من المجالات الصعبة وأنه لا يليق إلا بالراسخين من أهل العلم، وهذا المفهوم ليس كله صحيحا، التدبر ليس بهذه الصعوبة، الله خاطب بالتدبر الكافر، وخاطب بالتدبر المنافق، وخاطب بالتدبر المؤمن كما خاطب بالتدبر العالِم، الجميع مطالبون بأن يتدبروا كلام الله لأن فيه الخير كله، وهذا يدل على أن التدبر قريب وممكن خاصة إذا علمنا بأن التدبر مربوط بقضية التأمل والتفكر والنظر هذه مقدورة لدى كثير من الناس أو لدى كل الناس لديهم استعداد، وانظروا إلى خبرة الناس في أمور الدنيا (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) فالإنسان الذي لديه التفكير في أمور الدنيا لديه التفكير في آيات القرآن لو أن الله وفقه واتجه إلى كتاب ربه. فقضية اعتقاد الصعوبة، وأنه لا يمكن وأنه خاص بنوعية من الراسخين في العلم من العلماء والمتخصصين، هذا لا شك إنه أيضا من المفاهيم الخاطئة، بل ينبغي تقريب التدبر للطلاب والكبار والصغار، والذكور والإناث، والعربي والأعجمي، مطالب أن نقرب لهم التدبر، وأن نقرب لهم التفكر في القرآن وأنه واضح وأنه بيّن، وانظر مثلا إلى قوله: (ذلك الكتاب لا ريب فيه) هذه الآية يفهمها أغلب العرب أنه كتاب لاشك فيه، ثم بعد ذلك يبدأ الإنسان يعني يتأمل في هذه الآية فيستنتج أنها دلت على أن القرآن يقين، ودلت على أن القرآن لا يأتيه زيغ، ودلت على أن الله قد حفظ القرآن، ويبدأ يُعمل فكره ونظره في هذه الآية.

أيضا من المفاهيم الخاطئة التي ينبغي أن ننتبه لها: ربط التدبر بقوة الإيمان، بمعنى أن التدبر لا يقوى عليه إلا الكُمّل من المؤمنين، وهذا المفهوم في الواقع أيضا فيه لبس كبير، التدبر أصلا هو من علاجات الخطايا والذنوب، يعني من ابتلي بالخطايا والذنوب فإن من وسائل علاجه أن يتدبر القرآن، وليس التدبر خاص بالكُمّل من أهل الإيمان، بل التدبر علاج أصلا. الخطأ هو أن يظن الإنسان أن التدبر لا يقوى عليه إلا الكُمّل من أهل الإيمان، لا بل إن التدبر حتى المذنب يستطيع أن يتدبر، وهو أولى الناس بالتدبر لأجل أن يزيل آثار ذنوبه التي لابد أن يتأثر القلب بها، والذهن بها، والبدن بها، فهو يتدبر لأجل أن يزيل هذه الآثار ، لا يزيل الذنوب شيء مثل ما يزيله تدبر القرآن، ولا يرفع الإيمان ولا يزيد الإيمان شيء كما يزيده تدبر القرآن، فرُبط الخير كله بالقرآن. فهذه من المسائل التي ينبغي أن ننشرها بين الناس، أنه مهما كان الإنسان في تقصيره أمام الله لديه استعداد أن يتدبر، بل إننا نقول له التدبر لك ضروري وأنت أولى الناس بالتدبر لأجل أن تقترب إلى الله، ولأجل أن يعفو الله عن ما اقترفته من خطايا وذنوب، فإذا يعني ليس التدبر خاصا بأناس دون أناس.

أيضا، كذلك من المفاهيم الخاطئة: اعتقاد أن القرآن لا يقرأ إلا بالتدبر، السلف كان لهم منهج في قضية قراءة القرآن، فأحيانا يقرأون القرآن هذا -يعني سريعا- يحرصون على الختمة لتكثير الحصسنات، وأحيانا يقرأون القرآن بالتدبر، وأحيانا لهم ختمة هنا ولهم ختمة هنا، الشيء الذي لا يتنازل عنه السلف هو فهم المعنى، يعني المعنى ينبغي أن يكون مفهوما سواء كان في القراءة أو كان في التدبر، أما التدبر ممكن أن يتنازل عنه أحيانا ويحرص الإنسان على، يعني الإنسان الذي يختم القرآن في ليلة كما كان بعض السلف، أو يختم القرآن في يوم، أو يختم القرآن ابتداء من صلاة الفجر إلى دخول الخطيب يوم ال الجمعة، أو يختم القرآن في ثلاثة أيام، لاشك أن لديه من السرعة والحرص على الختم أكثر مما لديه تفكير في تدبر الآيات، ومع ذلك بهذا عمل السلف، وبهذا عمل السلف، الخطأ أن تكون كل قراءة الإنسان هذاً، أو أن تكون قراءة الإنسان كلها أيضا تدبر ا بحيث أنه لا يحرص على استغلال بعض المواسم الفاضلة مثل رمضان، فرصة في رمضان أن يزداد الإنسان من الحسنات فيكثر من تدبره القرآن ولو قصر نوعا ما في التدبر في هذا الشهر فإنه ممكن أن يستدرك التدبر في أيام أخرى.
هذه بعض الموانع وبعض المفاهيم الخاطئة التي بها يكتمل مدخل التدبر وننتقل بعد ذلك إن شاء الله إلى قواعد التدبر وتطبيقات عملية على هذه القواعد..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق