الخميس، 13 فبراير 2014

: تفسير سورة لقمان من الآية (17-1) / من دورة الأترجة

د. محمد بن عبدالله الخضيري


المجلس الأول
{الم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ﴿٢﴾ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ ﴿٣﴾ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ﴿٤﴾ أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿٥﴾}
 بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واقتفى أثره وسار على نهجه إلى يوم الدين.
 اللهم أنفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وعملاً يا أرحم الراحمين، اللهم اجعل ما تعلّمناه وما نقوله وما نسمعه دائماً وأبدا حجّة لنا لا علينا.
أحييكم في مستهل هذا اللقاء بتحية الإسلام، فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته وأسأل الله عز وجل أن يجزي الإخوة القائمين على مثل هذه الدورات العلمية المتميزة خير الجزاء ويجزيهم على المتابعة والمواصلة والاتصال، وجزى الله خيراً الإخوة الحاضرين والسامعين والمشاهدين ونسأل الله عز وجل أن يجعل المسموع حُجّة لنا لا علينا وأن يجعلنا الله عز وجل ممن أراد الله بهم خيراً ففقههم في الدين وعلّمهم التأويل.
 نحن اليوم مع سورة لقمان تلك السورة العظيمة التي سميت بهذا الرجل الصالح الحكيم لقمان. والعجيب أيه الأحبة أن هذه السورة دارت كلها على مسألة الحكمة سواءً ما جاء في أكثرها في وصايا لقمان الحكيم، أو ما جاء في ثناياها، وافتتحت أيضاً هذه السورة بالحروف المقطعة ولن أقف طويلاً مع الحروف والافتتاح بهذه الحروف جاء في القرآن أحادياً وثنائياً وثلاثياً ورباعياً وخماسياً فحسب. وجاء في غالب السور بعد الافتتاح بهذه الحروف المقطعة جاء في غالبها الثناءُ على القرآن إلا ما كان من سورتي مريم والقلم. وأيضاً جاء في سور القرآن كما في هذه السورة وصف الكتاب (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) كما قلنا هي سورة "الحكمة" وجاء وصف القرآن بالحكيم في أربع مواضع من القرآن "ذكرٌ حكيم" و"قرآن حكيم" "كتابٌ حكيم" وإن جاء الأكثر في وصف القرآن أنه مبين جاء وصفه بالبيان وجاء وصفه بالإحكام. وكما قلت دارت هذه السورة على الحكمة من مطلعها وفي ثناياها وفي ختامها.
 / افتتحت بالكتاب الحكيم، ثم بعد ذلك بيان حال الحكماء من المحسنين الذين قال الله -عز وجل- فيهم كما تلاحظون في الآية الثالثة (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) .
/ ثم ذكر -وأرجو أن نلتفت إلى ذلك- ذُكر في سورة الحكمة سورة لقمان صنف من الناس ضل ضلالاً بعيداً ذاك الصنف الذي يشتري لهو الحديث "ليُضل" وفي قراءة "ليَضل" عن سبيل الله فهذا أيضاً صنفٌ ممن أبتعد كل البعد عن الحكمة.
/ ثم ذكرت الآيات بعضاً من عجيب صنع الله لا يدركه إلا الحكماء وكان الأمر بالنظر في حكمة خلق السموات والأرض وقد جاء خلق السموات والأرض في مواضع كثير زادت أو اقتربت من أربعين موضعاً لكن من أدقها والتي أُمر بالتأمل فيها هذا الخلق العجيب في خلق السموات والأرض بلا عمد فهذا كأنه لفت نظرٍ للحكمة العجيبة في هذا الخلق.
/ ثم جاءت ثماني آيات شكّلت ربع السورة -وجهاً كاملاً- من السورة في وصايا الحكيم لقمان لابنه ولمن يقتدي بهذه الوصايا.
/ ثم ذكرت -وأرجو أن نلتفت إلى ذلك- ذكرت صنفاً من الناس من البعداء عن الحكمة وهم من يجادل لكن بغير هدى ولا كتاب منير، بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ليس معه من أدوات ولا مراتب الحكمة شيء ومع ذلك يجادل.
/ ثم بيّنت الآيات في ثناياها ذاك الصنف الحكيم كل الإحكام وهو من يُسلِم وجهه لله وهو محسن يُسلم وجهه لله أخلص لله وحده لكن لا يكفي الإخلاص لوحده لا بد من إخلاص ولا بد من إحسان، والإحسان كل الإحسان هو في الإتباع وترك الابتداع.
 إذاً الحكيم هو: من يُسلم وهو محسن لا يُحسِن بلا إسلام ولا يُسلِم بلا إحسان فلا بد منهما ذُكرت في هذه السورة .
/ ثم ختمت الآيات بعد ذلك بذكر سعة كلمات الله وكثرتها وهذا يدلنا أيضاً على سعة حكمة الله سبحانه وتعالى.
إذاً هذه السورة هي سورة الحكمة وكما ذكرت في بدايتها الافتتاح بالكتاب الحكيم ثم قصة الحكيم ثم قبله من يشتري لهو الحديث هذا بعيدٌ عن الحكمة ثم من يُسلِم وهو من أقرب الناس إلى الحكمة ثم كلمات الله العظيمة وما فيها من الحِكَم.
 والحكمة أيها الأحبة ذكرت في القرآن في عشرين موضعاً ذكرت الحكمة، وذُكِر أن من أهداف الرسالات تعليم الكتاب والحكمة ولذلك قد يقول قائل ما المراد بالحكمة؟
الحكمة من معانيها:
- قيل من معانيها وضع الشيء في موضعه
- وكذلك من معانيها -ولعل هذه السورة تؤكد عليه- من معانيها أن الحكيم ينظر للأشياء على حقائقها الناس قد ينظروا للأشياء بظواهرها والحكيم ينظر للأشياء على حقيقتها
- ومن الحكمة كذلك -كما جاء- أن الكتاب هو القرآن والحكمة هي السُنّة
 وقيل أيضاً -وكل المعاني مراده- أن الحكمة المراد بها العمل، المراد بالحكمة العمل لأن الذي عنده حكمة لا يعمل بها هو أبعد الناس عن الحكمة لأنه ليس حكيماً.
 والعجيب أيضاً أن هذه السورة ولعل إتماماً للفائدة نتحدث أيضاً عن صفة الحكمة لله -عز وجل- نحن قلنا إنها سورة الحكمة ووصايا لقمان الحكيم وكذلك دعوة الأنبياء بالحكمة فأيضاً تأملوا في صفات الله -عز وجل- صفة الحكيم وهذه من أسماء الله التي تكررت كثيراً يعني عندنا من أسماء الله الحسنى مئة اسم لكن الذي تكرّر منها كثيراً عشرة أسماء بل من أكثرها الحكيم. طبعاً أكثر هذه الأسماء على الإطلاق (العليم) وبعده (الرحيم), (العليم) جاء في ما يقارب 152 موضع, وجاء (الرحيم) في 114 موضعا, وجاء (الحكيم) فيما يقارب 90 موضعا. إذا جاءت الحكمة في ما يقارب تسعين موضعاً مما يدل على أهمية الحكمة، والله -عز وجل- الحكيم بل أحكم الحاكمين سبحانه وتعالى. والعجيب أن هذه الصفة صفة الحكيم دائماً تقترن بصفتين ، أكثر اقترانها بصفتين لعل بعضكم يستعرض الآيات في ذهنه الآن ويجد أن القرآن وصفة الله -عز وجل- واسم الله الحكيم يقترن بصفتين في غالب القرآن بل قد أقول في تسعين في المئة مع صفتين في القرآن وهما العزة والعلم لأن العزة أكثر قليلا يعني اقتران الحكمة بالعزّة واقتران العلم بالحكمة.
 والعجيب أيضاً إذا تأملت في القرآن وجدت أن آيات الأحكام في الغالب يأتي العليم الحكيم وعند بيان الخلق وعظمته وعصيان من عصاه تأتي العزة والحِكمة لأن في الأحكام الذي يُملي عليك هذه الأحكام ويفرض عليك هذه الأحكام سبحانه هو له العلم المطلق وله الحكمة المطلقة، يعني الآن في حياتنا قد نجد بعض الناس عندهم شيء من الحكمة لكن عنده قليل من العلم أو عنده كثير من العلم لكن عنده قليل من الحكمة، لكن الله -عز وجل- له صفات الكمال والجمال سبحانه له كامل العلم والحكمة ولذلك إذا جاءت الأحكام من العليم الحكيم نقول سمعنا وأطعنا ونعلم ونوقن أنها حقٌ لا مرية فيها.
 وكذلك بالنسبة للعزّة مع الحكمة قد يقول قائل لم الله -عز وجل- لم يعذّب هؤلاء بعد أن بيّن عصيانهم وعظمة الخلق قال عزيز لكنه حكيم يُؤخِّر يُعجِّل حكيم سبحانه وتعالى إذاً أرجو أن نلتفت إذا وردت العزة قلنا كم وردت الحكمة ؟ في تسعين موضعاً جاءت مع العزة في 46، وجاء معها العلم في 37 ،يعني 82 موضعاً من التسعين جاءت بين هاتين الصفتين، جاءت مع الخبير في ثلاث مواضع ومع التواب مرة ومع العليّ ومع الواسع. ننتقل بعد ذلك إلى المعاني الجزئية في الآيات ولعل كما قلت لكم في بداية الحديث عن هذا الحرف المقطع، هذه إلمامة شاملة عامة بهذه السورة لأن الكثير من الناس يتصور أن سورة لقمان الحكمة فيها جاءت في وجه واحد وجاءت في رُبعِها لا بل جاءت في كل السورة وبالمناسبة -يا أخوان- وأرجو أن تلتفتوا لذلك دائماً استحضار مقدمة السورة والآيات الأولى دائماً في السور تنبئ كأنها إجمال، الآيتين الأولى أوالثلاث الأولى كأنها إجمالٌ للتفصيل الوارد في السورة كما سيأتينا مثلاً في سورة الأحزاب وكما سيأتينا في غيرها من السور أنه كلما قُدم بمقدمة تجد أن هذه المقدمة كانت هي التي تدور عليها وحولها السورة.
 إذا قلنا مع أن السور التي افتتحت بالحروف المقطعة كثيرة لكن وأثني على الكتاب بالبيان وغيرها من الثناء لكن هنا أُثني على الكتاب بالحكيم لمناسبة ما جاء من الحكمة في أثناء ووسط وآخر هذه السورة.
 (الم ﴿١﴾ تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) هنا الإشارة بهذا البُعد دلالة على عظمة الكتاب (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) قال الله -عز وجل- (هُدًى وَرَحْمَةً) ولعلّنا نجد أن بعض السور ذكر الله -عز وجل- الهدى بدون الرحمة والهدى تأتي أكثر، وعندما تقترن بالرحمة فهذا لصنف خاص من الناس كثيري الرهبة كثيري الخشية كثيري الإحسان، إذا قد يأتي الهدى لكن عندما يقول الله -عز وجل- (هُدًى وَرَحْمَةً) هذا فيه معنى زائد وفيه فضل زائد هدى ورحمة لكن الرحمة قريب من المحسنين ولذلك قال (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) من هم؟ (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) وقلت نأتي إلى أيضاً الكتاب يوصف هنا قلنا بالحكيم ووصِف كما ذكرت لكم مثلاً طبعاً في يونس وصف بالحكيم وفي يس وصف بالحكيم وفي فصلت أحكمت كذلك آياته ووصف بالمبين في سور كما في يوسف والشعراء والقصص وغيرها من السور.
 (تِلْكَ آَيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) إما الحكيم من الحكمة أو من الإحكام أو منهما والحكمة تأتي من هذين.
 (هُدًى) قلنا إذا أنه جاء في القرآن أكثر (هُدًۭى لِلنَّاس) وجاء (هدى ورحمة ) ولذلك نسأل الله عز وجل أن يجعلنا ممن هُديَ ورُحم ونتعرض لرحمات الله وهدايات الله مع الإحسان لأن المسألة مراتب فإن الله -عز وجل- قال في بداية سورة البقرة (هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ) وقال أيضاً في آية أخرى (هُدًۭى لِلنَّاس) لكن الهدى والرحمة خُصّ به أهل الرهبة والإحسان. طبعاً عندما قال (هُدًۭى لِّلْمُتَّقِينَ) (هُدًى وَرَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ) أيهما أعلى مرتبة الإحسان أم التقوى؟ الإحسان، أعلى الإحسان حتى في حديث جبريل في التقسيم الإسلام والإيمان والإحسان فهي مراتب, ولذلك الإحسان "أن تعبد الله كأنك تراه" ولذلك مقام أفضل. (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) ثم لو تأملنا في الآية (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) ،(يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) دائماً تتكرر كثيراً إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة ولاحظوا إقامة وإيتاء ولم تنفرد الزكاة عن الصلاة بهذا اللفظ إقامة الصلاة إلا في موضع واحد وإلا في 25 موضع في القرآن تترابط ولذلك يذكر ابن القيم وغيره أن كثيراً ما يرد في القرآن الصلاة مع الزكاة، يعني عبادة لله وأيضاً نفعٌ لعباد الله إيتاء الزكاة.
 ولاحظوا أيضاً قال الله (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ) دلالة الإقامة أيضاً الإقامة الإتيان بها تامة قائمة كاملة ما قال يؤدّون الصلاة أو يفعلون الصلاة، تأملوا يمكن بعضكم لو تتبع القرآن قد يحرجني في بعض الآيات يقول لي الآية الفلانية (وَإِذَا قَامُوٓا۟ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ قَامُوا۟ كُسَالَىٰ) [النساء:142] هذه في المنافقين، طيب (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلَوٰةِ) [المائدة:6] المراد القيام وليس الصلاة (فَٱغْسِلُوا۟) فلا يحتج أحد. وإلا تتبعها في القرآن لا تجد أن الصلاة عندما يؤمر بها إلا ويؤمر بإقامتها لأن المقصود من أقمتها أداءها بكامل حقها وأركانها وشروطها.
(وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) اليقين هذه من صفات العلم وفوق المعرفة ولذلك نقول أكثر من المعرفة وحتى في الدراية يقال علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين.
 (أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ماذا قال الله عز وجل؟ ما قال "وأولئك المفلحون" بل قال (وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وكأن الفلاح اختص بهم مع أن الفلاح يأتي لأصناف كثيرة من الناس (فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [المؤمنون:102] ،(حِزْبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ﴾ [المجادلة:22] وغير ذلك من المتبعين للرسول صلى الله عليه وسلم.
 قال الله سبحانه وتعالى بعد أن بيّن هذا الصنف الفالح وهذا الصنف الحكيم كل الإحكام والإحسان أعطانا مثلاً آخر (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) [لقمان:6] وأرجو أن لا نخص هذه الآية بتفسير جزئي صح عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كابن مسعود لا نقصره على هذا المعنى لأن القرآن أعظم وأوسع يعني سياق الآيات كون الصحابي أو التابعي فسرها بمعنى جزئي لا يعني أنه لما فسّر بهذا المعنى الجزئي أنه يقول أن هذا المعنى الجزئي هو المراد كله لا، قال إن هذا المعنى من باب أولى أن يدخل لكن لا يمنع من دخول أمر أوسع في معنى هذه الآية (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) والعجيب أيها الإخوان (وَمِنَ ٱلنَّاسِ) أكثرها وردت في الذمّ وإن وردت في موضعين في المدح (ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضات الله)، لكن اثنا عشرة موضع عشرة مواضع في الذمّ. وأيضاً لنا فائدة هنا : لم الله يبيّن من هم الناس لأن ليس  الأصل بيان الناس ولا فضح الناس ولا التشهير بالناس الأصل أن يُذكَر الفعل للتنفير منه لا من شخص الفاعل، شخص الفاعل لا يهمنا الذي يهمنا الفعل فمع أن يقول (وَمِنَ ٱلنَّاسِ) في عشر مواضع في الذم وموضعين في المدح ومع ذلك يجعلها الله عز وجل عامة (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى) لاحظوا (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى) إذا هنا فيه رغبة في الشراء ولذلك (فَمَا رَبِحَت تِّجَـٰرَتُهُمْ) [البقرة:16] يشتري لهو الحديث والله نزل أحسن الحديث وأحسن القصص لكن نسأل الله عز وجل الهداية وعدم الضلال. (يَشْتَرِى) -كما يقول الشيخ السعدي -رحمة الله- : "يشتري بوقته، بماله، بجهده، يشتري بكل هذا حتى بوقتك يشتري لهو الحديث". طبعاً ومن الناس درجات منهم من يشتري عبثاً ومنهم من يشتري ليضل ومنهم من يشتري ليضل ويستهزئ. وتأملوا في الآية (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) إذاً -طبعاً كما قلت لكم- قال الله عز وجل (فَمَا رَبِحَت تِّجَـٰرَتُهُمْ) يعني هذا الذي يشتري ما ربحت تجارته بهذا الشراء وإلا قيل بعض المفسرات جزئية للهو الحديث ما المراد؟ قيل: الغناء وأقسم على ذلك ابن مسعود أنه قال" والذي لا إله إلا هو أنه الغناء ثلاث مرات" ويقصد بهذا عندما قال الغناء أن هذا يدخل دخولًا أولياً أو من المعاني المهمة أنه من يشتري لهو الحديث ويترك القرآن يستمع لهذه الدندنات وهذه الطنطنات ويترك الذكر الحكيم.
 وقيل: أنه الطبل
 وقيل: شراء المغنّيات، وقيل: الباطل، وقيل: الشرك وغير ذلك.
 ولا يمنع أن يكون كل هذه، لكن يهمنا وإن كان قال بعض المفسرين قالوا الآية كلها بمجموعها نازلة في الكفار يعني عودوا وتأملوا في الآية، شدة الآية تدل على ماذا؟ (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وفي قراءة "ليَضل عن سبيل الله" (بِغَيْرِ عِلْمٍۢ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ﴾ [لقمان:6] ابن عطية -رحمة الله- في كتابه الماتع "المحرر الوجيز" يقول: "يرجع سبب شدة هذه الألفاظ إلى أنها نازلة في أهل الكفر أنها نازلة بكُلِّها في أهل الكفر" وهذه نزلت كما يقول في سبب نزولها في النضر بن الحارث والنضر بن الحارث هذا لما سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يُذكِّر بالقرآن ويقصّ قصص الغابرين قصة ثمود وهود قال -وكان يذهب للتجارة مع الفرس-كان يأتي ببعض القصص ويجمع هؤلاء من كفار قريش ويبدأ يقصّ عليهم ويقول أنا أحسن من محمد فيأتي بقصة رستم وقصة بهرمان وغيرها من قصص ملوك الفرس ليصرف الناس، وقيل أنه يشتري بعض المغنيات ويغني حتى يصرف الناس عن سماع القرآن. (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى) وأنا قلت نعود إلى مسألة الشراء وأن هذا الشاري كلمة يشتري كناية عن الاغتباط والعناية - إذا هو يشتري رغبة ويبذل من ماله في هذا الضلال.
جاء في قوله (لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) وبالمناسبة اللهو: الشيء الذي يُلهي وليس وراءه فائدة لتقطيع الوقت ولتجزئته ولذلك الله -عز وجل- وصف الحياة الدنيا (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) [العنكبوت:64] أو (لعب ولهو)؟ الأكثر اللعب (لعب ولهو) ثلاث مرات لأن اللعب أقل رداءة كأنه من احتقار الدنيا يعني اللعب أقل أهمية من اللهو فاللعب ماله أي ثمره لكن قد يلتهي بأمور أخرى وأما في السورة التي قدم فيها فقال الله عز وجل (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ) حقّرها قال (هذه ) فلما حقرها بدأ باللهو فلمّا لم يحقرها قال (لعب ولهو) إذا (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَشْتَرِى) قلنا لما حقرها بدأ باللهو ولما لم يحقرها بدأ باللعب قال (لعب ولهو) إذا اللعب ... في قلة الجدوى من اللهو.
المراد بلهو الأحاديث: ما يلهي القلب وكما قلت لكم (الله نزل أحسن الحديث) قال الله عز وجل {أَفَمِنْ هَـٰذَا ٱلْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ ﴿59﴾ وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ ﴿60﴾} [النجم] ومع الأسف (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليَضل) يضلّ إما بنفسه أو يُضل غيره كذلك (ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل بغير علم).
 وأيضاً جمع بين هذا اللهو التمجيد للباطل يعني يستهزئ بالحق وأقول: يُخشى أن من يشتري بوقته وجهده وخاصة من يفعل بعض الأفاعيل ليصرف الناس في شهر رمضان بهذه الملهيات وهذه المغريات يُخشى أن يكون ممن تشمله هذه الآية (يَشْتَرِى لَهْوَ ٱلْحَدِيثِ) والشراء إما البيع أو الشراء لأن الشراء من الأضداد قد حتى يبيع، يؤلف هذه المؤلفات كتب ومسرحيات والتمثيليات وفي وقت انشغال الناس بالقرآن والعبادة يُضل الناس لم يضل هو فقط -والعياذ بالله- بعد وأضل وقلت لكم الآية تفرق وتتفاوت ربما يُضل هو ولا يُضل وربما يُضل ويستهزئ والناس في ذلك درجات.
 قال الله (أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ﴾ [لقمان:6] لماذا مهين وليس (أليم)؟ إذا جاء استهزاء يأتي بعدها مهين قال (ويتخذها هزواً) قال الله عز وجل فيهم (عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ﴾ والجزاء من جنس العمل وكما جاء في سورة الجاثية (وَإِذَا عَلِمَ مِنْ ءَايَـٰتِنَا شَيْـًٔا ٱتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُو۟لَـٰٓئِكَ لَهُمْ عَذَابٌۭ مُّهِينٌۭ﴾ لما استهزأ كان الجزاء من جنس عمله عياذاً بالله.
 (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا) أيضاً هو يشتري بهذه الرغبة هذا المضل المبتعد عن الفتنة ثم إذا تُلي عليه الحق فتح باب الشر على نفسه لكن أغلق باب الخير على نفسه فهذا بعيد كل البعد عن الحكمة (وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ءَايَـٰتُنَا وَلَّىٰ مُسْتَكْبِرًۭا كَأَن لَّمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِىٓ أُذُنَيْهِ وَقْرًۭا) عياذاً بالله لذلك قال الله (فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ).
/ نأتي بعد ذلك الى قول الله عز وجل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ) بيّن الله عز وجل بعد هذا البيان -كعادة القرآن- في بيان حال الفريقين وأطلق الجنات لأن الجنات في القرآن أكثر من سبع جنات في القرآن جنات عدن، والفردوس، وعليين، والمأوى وغيرها من الجنات، وذكر الخلود أيضاً هنا زيادة في نعيم أولئك الذين اتبعوا الحكمة وأتبعوا أمر الله عز وجل آمنوا ولم يؤمنوا فقط وعملوا الصالحات لهم الجنات تلك الجنات المتنوعات فوعدهم الله عز وجل بتلك الجنات.
 خُتمت بعد ذلك قال الله عز وجل (خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۖ) أي في الجنة والعجيب أن الخلود في الجنة ورد في كثير من الآيات وإذا جاء الخلود يأتي بعدها (وهو الفوز العظيم) يعني خلود في جنة فوز منتهى الفوز لكن هنا في الآية التاسعة التي أمامكم (خَـٰلِدِينَ فِيهَا ۖ وَعْدَ ٱللَّهِ حَقًّۭا ۚ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ) ما علاقة العزيز بالحكيم ؟ يعني الحكيم واضحة علاقتها لأنها سورة الحكمة لكن العزيز؟ يعني أن الله عز وجل هذا الذي يُضل يشتري لماذا لم يهلكه الله؟ الله عزيز لكنه سبحانه حكيم اتفقنا مع الغضب يأتي العزة ومن رحمته أن جاءت معها الحكمة.
بعد ذلك جاءت الآيات في خلق السموات، وقلت أن خلق السموات والأرض جاءت في آيات كثيرة جاء أكثر أو ما يقارب بالضبط 35 آية في (خلق السموات) كما أن في (ملك السموات) الله عز وجل امتنّ بخلق السموات، وامتنّ بخلق السموات، وامتنّ بأن له ما في السموات، وأن له من في السموات، فله ما في السموات والأرض وما بينهما، فلله عز وجل الخلق والملك وما بينهما سبحانه وتعالى.
/ (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ)  الله عز وجل خلق السموات خلق هذا السقف العظيم بهذه الأجرام الهائلة بلا عمد، بعض المفسرين -وهم قلة- قالوا أن العمد موجودة لكن لا تُرى بالعكس الصحيح كما قال ابن عباس وغيرهم أن الله جل وعلا خلق السموات بغير عمد وهذا في غاية الحكمة وغاية العجب والله عز وجل لفت نظر هؤلاء إلى هذا الخلق العجيب. طبعاً كما قلت لكم في خلق السموات والأرض جاءت هذه الآيات وأنا عندما أشير الى ذلك ألفت النظر إلى كلام بعض المفسرين إن الله له الخلق وله الملك وله ما فيها ومن فيها يعني يقصد أن يجمع ما في هذه الآيات ومن أكثر ما ورد في القرآن في النظر في مخلوقات الله النظر في السموات والأرض بل زاد على المئات قد تصل إلى في 300 في الأرض وكذلك في السماء.
ثم قال (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ) وألقى لاحظُ هذا الخلق العجيب وهذه السماء بهذه الضخامة نحن في هذا المكان فيها كم من الأعمدة في هذا السقف اليسير؟ الكثير من الأعمدة، خلق الله هذه القبة بهذه العظمة بغير عمد ثم أيضاً ألقى هذه الجبال والإلقاء كأن فيه سهولة، هذا الخلق العظيم للجبال ألقاه إلقاءً ليثبت ويرسي به هذه الأرض (وَأَلْقَىٰ فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ)  (والجبال أوتادا) تُمسك بالأرض كما قيل في الاكتشافات العلمية الحديثة أن الذي يبدو من الجبل فقط الآن هذا الخلق العظيم هو ثلثه وثلثيه في الأرض ضائعة يعني هذا العظمة  وهذا الارتفاعات الشاهقة مثلاً أعلى قمة وهي إفرست أو الهملايا تصل إلى أكثر من 8 آلاف متر بل تزيد 8 ألف و 884 متر هذه الارتفاع 9 كيلو وأكثر أو ما يقرب من عشرين كيلو في داخل الأرض، ولذلك قال الله عز وجل (هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ). وقبل ذلك أيضاً قال (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) يعني هذا الخلق المخلوق يحتاج إلى رعي وأكل ولذلك بعد هذا الخلق وإرساء الجبال أنزل من السماء ماءً فقال الله عز وجل يقول -وهذه كما قلنا سورة الحكمة- (هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِۦ). ثم قال بعد ذلك في ختامها قال (بَلِ ٱلظَّـٰلِمُونَ فِى ضَلَـٰلٍۢ مُّبِينٍۢ) وانتبهوا إلى الضلال عجيب القرآن وأنصح نفسي وإخواني الذين يأتون لمثل هذه الدورات العلمية ويدرسون أنصح مع استفادتكم من الجانب العلمي استفيدوا من الطريقة في العرض العلمي يعني ربما يأتيكم شارح يشرح فيركز على المُفردات وربما يأتي آخر يركز على أسباب النزول وربما ثالث يركز على الأسرار وآخر يركز لكن هناك قضية يغفل عنها كثير ممن يتعرض للتفسير وهي قضية تفسير القرآن بالقرآن وجمع الآيات المتشابهة -وبحمد الله- الآن الكتب موجودة وحتى أجهزة التقنية موجودة لكن على الإنسان أن يجمع وينظر ويتأمل فإذا نظر في القرآن ككل وفسر هذه الآية بهذه وجد أمراً وغريباً عجيباً وجد وحدة موضوعية وتناسب وتكامل في الآيات يحل له كثير من الإشكالات التي قد تعرض عليه. الضلال: جاء في القرآن الضلال المبين والضلال البعيد وكان أكثر شيء يوصف الضلال بالإبانة أي أنهم في ضلال واضح (في ضلال مبين).
عندنا ضلال مبين، وضلال بعيد لكن البعيد لو تأملته ورد في 3 آيات مع أن الضلال في 30 آية لكن وُصِف بالمبين والبعيد وغيرها من الصفات لكن يهمنا الصفتين التي تكررت معهم. تجدون عندما يقول بعيد في الغالب أنهم الذين كفروا وصدوا يعني كافر ومعاند ، أما الكافر لوحده يوصف ضلاله بالمبين، والكافر والمعاند وجاحد وجدنا أنه في الغالب يوصف ضلاله أنه ضلال بعيد. رأيتم دقة القرآن تأملوا وكأنه يقول أن الآية المراد منها من كانت هذه حاله يعني أنا لوجئت أدعو شخصاً ضلاله مبين أو بعيد من أحسن شيء أدعو من ضلاله مبين أو الذي ضلاله بعيد؟ مبين، أسهل من البعيد بعيد عني ترى القرآن، دقة حتى لما يأتي يقول الله (صم بكم عمي) للمنافقين (لا يرجعون) وللكافرين (لا يعقلون) يعني ممكن أن يرجع الكافرين أما المنافقين صعب، لا يتكلفون شيئاً، لا يرجعون صعب يرجعون دلالة الآية ما تكلفنا شيئاً لا يرجعون يقول القرآن لا يرجعون المنافقين لا يرجون ووالذي فيه ضلال مبين صعب يرجعون لكن من  في ضلال مبين يمكن نوضح له لكن ذاك بعيد فمادام واحد عندنا عنده غبش وظلمة شديدة وعندنا واحد بعيد نقترب من هذا الذي في الضلال المبين. ولعلنا نرجئ بقية الحديث عن لقمان في للقاء التالي. نسأل الله عز وجل أن ينفعنا بما نقول ونسمع وبالله التوفيق وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
المجلس الثاني
 {وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ﴿١٢﴾ وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴿١٣﴾}
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. لا زال الحديث موصولاً ومتصلاً بما سبق في هذه السورة العظيمة، سورة الحكمة أو سورة لقمان الحكيم. ولذلك لاحظوا العطف (وَلَقَدْ آَتَيْنَا) إذاً قصة لقمان مرتبطة بما سبق، فهي معطوفة على أيّ شيء؟ (وَلَقَدْ آَتَيْنَا) معطوفة على (وَمِنَ النَّاسِ) على قصة النضر بن الحارث الذي يأتي ويتصور ويأتي ببعض خزعبلاته وقصصه ويزعم أنها حِكْمة ليُضلَّ الناس أو يَضِلّ هو أيضاً، إذاً الواو عاطفة على (وَمِنَ النَّاسِ). وأيضاً جاء التأكيد في قصة لقمان الحكيم فقال الله عز وجل (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ)، (وَلَقَدْ آَتَيْنَا) التوكيد هنا أن هذه الحكمة لها شأنها، ثم لاحظوا (آَتَيْنَا) وهذه مِنّة من الله سبحانه وتعالى فالله عز وجل هو المؤتي وهو المُعطي. وقد جاء الامتنان في الإيتاء بقوله (وَلَقَدْ آَتَيْنَا) في خمسة عشر موضعاً في القرآن لكن جُلّها لموسى في المِنّة عليه بإيتاء الكتاب، جاءت في عشر مواضع لموسى، وجاءت لداوود ولإبراهيم ولسليمان وللقمان. (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) إذاً هذه الآيات كما ذكرت جاءت في قصة أو هذه المواعظ أو الإيتاء جاء مع هؤلاء الأنبياء ثم جاء مع هذا الرجل الصالح.
 طبعاً وقع خلاف هل هو نبي أو رجلٌ حكيم صالح؟ والصحيح: أنه رجلٌ حكيم صالح وجاء في بعض الآثار -لكن لم أقف على سندها- حديث ابن عمر لكني لم أقف على سنده أنه ليس بنبي والقول الكثرة الكاثرة من السلف أنه ليس نبياً، وإن كان رُويَ عن عكرمة أنه ذكر أنه نبي لكن لم أقف، وأيضاً عن الشعبي لكن لم أجد من قال بقولهم من علماء السلف. كما قلت لكم -وهنا أحب ملاحظة بعض الصوفية يبنون على مسألة الحِكمة هنا ويقولون نعم، يثبتون أنه ليس نبياً فيقولون: إذاً بعض الحكماء والأولياء أفضل من الأنبياء مثل ما قالوا في قصة الخَضِر، قالوا: وليّ لكن تبعه نبي ولذلك عند غلاة الصوفية، غُلاتهم يرون أن الولي أفضل من النبي يقول قائلهم: مقام النبوة في برزخ فويق الرسول ودون الوليّ، عندهم الوليّ أعظم، ولذلك بعض مشايخهم عندما يكونون جهالاً، جاهل يقول أوتي الحكمة أعطي حكمة وآتيناه من لدنا علماً فيستدل وهذه من ضلالات بعض الفرق الضالة عندما تأخذ بمعنى المشتبه وتترك الآيات الواضحة وتسلك سبيل الشبهات فليس هذا حجة! الله عز وجل قال لا بد من علم وحكمة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا) ولذلك أيضاً كان قاضياً ، هو كان قاضياً كان عبداً حبشياً وكان يُباع ويُشترى ولكن الله عز وجل رفعه بهذه الحكمة.
 قال الله عز وجل (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) وكما قلت لكم الحكمة فُسِّرت بالعلم النافع والعمل الصالح. قال الله في الآية تأملوا فيها (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ) فكأن الشكر هناك ارتباط بين الحكمة والشُكر ولذلك قال الله عز وجل (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) فمن أوتي حظاً من العلم ومن الحكمة ينبغي أن يكون من أكثر الناس شكراً لله وحمداً وثناءً عليه، ينبغي أن تكون هذه حاله من محمدة الله سبحانه وتعالى.
 (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ) وكما قلنا بل قيل: الشكر رأس الحكمة، كما أن رأس الحكمة مخافة الله فكذلك الشكر مرتبة عالية، الذي يخاف الله وما يشكر هذا لا بد، الذي يخاف حقيقة يشكر الله عز وجل ويتضح هذا الشكر، قال الله (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ) لأن عائدة الشكر هذه قد يقول قائل كيف إذا شكرت يرجع لي؟! نعم، تجدون الشاكرين الحامدين عندهم طمأنينة والمتذمرين الكافرين بالنعمة تجدهم في مقت دائم، تجد بعض الناس في نفسه تفاؤل، وفي نفسه شكر، وفي نفسه قناعة، وإذا أُعطي أقل شيء الحمد لله اللهم لك الحمد، فتجد هذا مرتاح نفسياً، فكأن عائدة الشكر عليه، لماذا؟ لأنه حكيم ينظر أن هذه الحياة بُلْغة وأن ما جاء فيها يكفي، ينظر حقيقة لكنه هو ينظر للحياة الحقيقية، الحياة الحقيقية هناك، البقاء هناك، الخلود هناك، النعيم الذي لا ينفد هناك، أما هذا فأيّ بُلْغَة يحمد الله عز وجل عليها، فيحمد الله، ولذلك حتى لو كان عنده ضيق في ذات اليد فشكر كأنه ملك، ولذلك بعض الناس يملك وهو لا يملك، وبعض الناس ما يملك لكنه يملك، الطمأنينة، وألفت نظر لفتة كفائدة: خطب الشيخ صالح بن حميد حفظه الله خطبة عيد رمضان فتكلم كلاماً جميلاً أريد بعضكم يرجع له لما قال: من الناس من يملك أفخر الساعات لكن ما يملك وقتاً، ومن الناس من يملك أفخم الأمكنة للمنام لكن لا ينام ما يأتيه نوم، والآخر يملك أقلّ مكان لكن ينام، أيهما المراد المكان وإلا النوم؟ كل الناس تبحث عن النوم هو ما حسّن المكان إلا لأجل ينام لكن ما ينام! إذاً كن عندك قناعة للنظر في حقيقة الأشياء، والنظر -كما قلنا- في حقيقة الأشياء هي الحكمة ولذلك من أوتي الحكمة شكر ومن مُنِع من الحكمة كفر فاسأل الله عز وجل دائماً والإنسان قد يقترب منها كل ما شكر (وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ) كثير ما تتكرر صفة الغنى مع الحمد مرتبطة الغنى والحمد لله سبحانه وتعالى (وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ) ولذلك سليمان (وَمَنْ شَكَرَ) قال (فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).
 ثم بعد هذه المقدمة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) قال الله عز وجل (وَإِذْ قَالَ) بدأت الوصايا وبدأت الحِكم تخرج من هذا الحكيم ولنتأمل في هذه الحِكم والله عز وجل هو المؤتي يؤتي من يشاء سبحانه آتاه الله عز وجل هذه الحكمة. وأعظم حكمة بدأ بها ونريد أن نتمثل بها في أنفسنا وفي حالنا مع أهلنا وفي دعوتنا أنه قال لابنه بهذا التلطف والتودد (يَا بُنَيَّ) ناداه بهذا التصغير والتحبيب ويكرر النداء (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ما هو ظلم عادي، هناك ظلم قد يكون معتاداً لكن هذا ظلم عظيم (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ولذلك كما في حديث ابن مسعود في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في قوله (الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) شقّ ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ) يعني من لبس إيمانه بظلم ليس له أمن، فشقّ على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ففسّر الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن بالقرآن فقال: ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح عندما قال (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)؟ إن الشرك لظلم وليس ظلماً عادياً بل هو أظلم الظلم وأشدّ الظلم، ولذلك ترى في القرآن ظُلم وأظلم، فهو من أشد الظلم ومن أعظم الظلم وخاصة أنه وُصِف هذا الظلم بالعظمة. (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) هنا أيضاً (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ) والوعظ هو: الكلام الذي فيه تذكير لكن معه تخويف، فيه تذكير وتخويف بدليل أنه قال (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ). والحكيم حقيقة هو الذي يبثّ أهمّ الأشياء في أهمّ المواقف يعني بعض المواقف تحتمل فعندما جاء مع ابنه ومع أخصّ الناس به حذّره وإن كان قيل إنه كان عنده شيء من الانحراف في هذا الباب لكن لا يهم، إبراهيم قال في دعائه (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) ففي الخوف من الشرك ينبغي أن يكون حاضراً في أذهاننا وفي تربيتنا لأبنائنا وفي دعوتنا بل يكون أساس دعوتنا البدء به والتحذير منه ولا نقول للناس نحن في قرن متقدم وابتعِدوا عن الناس، لا، يقع الناس وللشرك أشكال وللشيطان أشكال ولذلك ينبغي دائماً أن نحذر منه.
 إذاً (وَهُوَ يَعِظُهُ) إذاً يلزم من ذلك الذي يبدأ بغير دعوة التوحيد وبغير النهي عن الشرك أنه ما هو حكيم وإن كان يدعو لكن ليس حكيماً، هناك دعاة حكماء في دعوتهم وهناك دعاة غير حكماء أو تنقصهم قليل أو كثير من الحكمة. فالحكيم كلّ الحكمة أن يبدأ بهذا الظلم ويُبعِد من يحب عن هذا الظلم العظيم لأن الله لا يغفر أن يُشرك به لكن يغفر لما دون ذلك لمن يشاء، ما نبدأ في دعوتنا بفضائل الأعمال وببعض الأمور والأمور لا زالت عندنا كثير من الانحرافات لا، لا بد من البدء بالرأس وبالأهم، ثم بعد ذلك تأتي وكما يقال التخلية قبل التحلية، تُحلّي والمسألة فاسدة فمهما حليت يبقى أن هذا ما تضعه من خير في هذا الإناء المتسخ ما تبدو ثمرته لكن خلِّ ثم بعد ذلك حلّ. إذاً مهمة الدعاة أن يكون من الحكمة أن يبدأوا بهذا الأمر ويبدأوا كذلك بالأقربين لأنها هذا أيضاً بدأ بذاك القريب. وأصل فساد من ضلّ إنما جاء من باب إما الدهرية أو من باب الشِرك، إما الدهريين الذين ينكرون وجود الله عز وجل أو من باب الشرك، فهذا أساس ينبغي وخاصة عندما نكون في بلاد الإسلام ربما يقع عند كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام قليل أو كثير من هذا الانحراف فنجتهد جهدنا في تصفيته وبيان الحق.
 (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ظلمٌ، هذا الظلم اتضح في أيّ شيء؟ ظلم للخالق لأنك ظلمت الخالق فشكرت غير الخالق وأدّيت العبادة لغير الخالق، وظلم لنفسك لأنك خفضت من نفسك بدل أن ترتفع إلى السماء هبطت إلى الأرض، بدل أن تقول يا الله قلت يا فلان، بدل أن ترتفع بوجهك وتسجد للواحد الأحد سجدت لحجر أو لشجر أو لبقر أو لغير ذلك، وكذلك ظلم للحقائق هذا الكون بهذا الخلق العظيم لمن؟ ما شأن فلان الوليّ؟ الوليّ راح بولايته بأعماله وبخيره لكن أنت ما شأنك وإياه؟ اتّجه إلى رب هذا الوليّ الذي رفع هذا الوليّ وأعزّه، إذاً ينبغي أن نلتفت إلى ذلك وأن يكون لنا في ذلك نصيب بل أنصبة.
 بعد ذلك هنا في الوصايا بعد أن وصّى (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) بعد ذلك تأتي آية الإيصاء وهي الآية الرابعة عشر قال الله عز وجل (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ) لاحظوا (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا) الآية هذه أولاً هذا الإيصاء الذي جاء في الآية، يعني لاحظوا آيات الوالدين جاءت في الأحقاف، وفي العنكبوت، وفي هذه السورة، كل هذه بلفظ الوصية، والوصية أشدّ من الأمر، وجاءت في الإسراء في (وقضى) قضى يعني حكم وانتهى الموضوع وهنا وصّى يدل على أن الأمر يحتاج إلى مزيد من العناية والوصاية أنا آمرك بأمر لكن لو كان الأمر أهم أقول لا تنس الذي وصيتك عليه لأن الأمر يهمني فبالإيصاء أمر وتشديد في الأمر فقال الله عز وجل (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا) هل هذا الكلام من كلام لقمان؟ الآيات أو من كلام الله عز وجل؟ قيل وقيل، على كلٍ قيل وقيل، وإن كان الأقرب أنه من كلام الله عز وجل، يعني تأملوا في السياق، انظروا في سياقه، يعني السياق (وَوَصَّيْنَا) نون العظمة يعني ضمائر العظمة تدل على أن الله ووصينا، الله عز وجل، يعني سياق الآية يدل على أنها من الله عز وجل، وإن كان بعضهم قال هي من الله ولكن أنطقها على لسان لقمان فذكرها لقمان كما أوحى الله عز وجل. على كلٍ سواء كذا أو كذا لكن هذه جاءت في ثناياها وهي العناية والرعاية بالوصية. لكن قد يقول قائل: وأنا أقرأ في الآية أجد أنها مشتبهة مع آية الأحقاف ومع العنكبوت وخاصة مع العنكبوت، بعض المفسرين قالوا: هذه الآية نزلت في شأن سعد -بل كثير من المفسرين- قالوا: نزلت في شأن سعد، وآية العنكبوت من المقطوع به أن آية العنكبوت وهي قوله (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ) هذه في العنكبوت ما الخلاف؟ هنا (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) -هنا يقصد في سورة لقمان وهنا في سورة لقمان لم ترد إحسانا وإنما وردت في سورة الأحقاف- هناك (حُسْنًا)، وهنا (عَلَى أَنْ تُشْرِكَ) هناك (لِتُشْرِكَ) وأيضاً نقارن بينها وبين ما جاء في سورة العنكبوت الصحيح إن الذي جاءت في العنكبوت هي التي جاءت في سعد أما هذه فجاءت ابتداء. ما الدليل؟ من يلتمس؟
 أيهما أشد في الاستعطاف؟ آية العنكبوت، طبعاً قصة سعد حتى يمكن بعض الإخوان ما يعرفها قصة سعد لما أسلم قالت أمه وكان باراً بأمه: والله لا آكل ولا أستظل ولا أشرب حتى ترجع عن دينك قال: يا أماه تعرفين مقامك مني وحبي لك لكن والله لن أرجع عن ديني لو بقيتِ ما تأكلين، لو كانت لك مئة نفس تخرج نفساً نفساً ما تركت هذا الأمر، فلما صامت اليوم الأول والثاني ثم عرفت إنه فرجعت. أيهما أشد أو مناسبة في قوله سبحانه وتعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) طبعاً كما قلت لكم يكاد كل المفسرين يقولوا أن آية العنكبوت قطعاً أنها نزلت وحتى الذين قالوا آية لقمان قالوها بدون تدقيق في المسألة، وهذه من المسائل التي ينبغي لطالب العلم أن يحررها. بعضهم قالها هكذا نقلاً بدون روية لكن جميع المفسرين ذكروا آية العنكبوت في سعد، وبعضهم قال هنا، وبعضهم قال تكررت بدون تدقيق في المسألة، لا، ما تكررت بدلالة أن (تلك) أخف الاستعطاف، أيُّها؟ التي نزلت في شأن سعد آية العنكبوت قال (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) ولذلك لو سألك سائل قال: لماذا قال (حُسْنًا)، (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) أيهما أحسن حسناً وإلا إحساناً؟ إحساناً أبلغ. ثم قال هناك: (لِتُشْرِكَ بِي) وهنا قال (عَلَى أَنْ تُشْرِكَ) أيهما أشد؟ (عَلَى) لأن أصلاً سعد كان عنده قوة إيمان ماهي مصارعته مصارعة قوية ما قدرت عليه (لِتُشْرِكَ) وهذا من عظمة القرآن في دقة التعابير فيه، وفي العنكبوت ما ذُكِر أنها حملته كره ولا وهن، الكره جاء في الأحقاف، فما استعطفت، ما ذكر الاستعطاف هناك ، يعني حتى يحل لك الألغاز في هذه الثلاث الآيات لماذا اشتبهت واختلفت؟ الآن اتضحت، اتضح الإشكال، إذاً هذه الآية الصحيح أنها نزلت ابتداء يعني من زيادة الإيصاء. إذن ما علاقتها بالحكمة؟ يا إخوان أنا تأملت آيات الوالدين في القرآن وجدت أنها توصي باثنين بعموم الوالدين وباثنين سواء في الإسراء أو في الأحقاف أو في لقمان، السؤال: الإيصاء بالوالدين عموماً مطلوب ولا بد منه لكن تشتد الوصية بوالدين اثنين: حال الكِبَر، شدد على حالتين من عظمة الدين حال الكِبَر لأنهم يحتاجون ولذلك (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ) دقّقت الآيات (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) تنهرهما ما معناه (تَنْهَرْهُمَا)؟ يعني تصرخ عليهم لا، قال العلماء: لا تنهرهما لمصلحتهما كأن يكبرا فيرفضا أخذ الدواء، شيء لمصلحتهما تقول لا يفعل شيئاً فيفعله ومصلحته ما عاد يعرف، لا تنهر حتى في هذه الحال (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) التدرج (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) يعني اختر أحسن الكلام ما تناديه باسمه وبل قال بعض أهل العلم: من نادى والده وهو ينظر بعينيه له هذا نوع عقوق لازم تنزل رأسك (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ)، (وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ) ليس جناح الرهبة ولا الرغبة جناح ذلّ، ممكن أن يكون غنياً تخفض له جناح تريد شيئاً منه، جناح الرغبة لا، أو قوي إذا خالفته يا ويلك فجناح الرهبة، لا، جناح الذلّ، وجناح الذل ومن الرحمة بعد كل القيود وكل رحماتك جبتها استعن برحمة الله إذا قدرت خلصت كل رحماتك (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) هذه في حال الكبر. وتأتي الآيات الأخرى أيضاً تنص أيضاً عموم الحالة وتخص حال الكفر، حتى حال الكفر ولذلك جاءت في سورة الحكمة حال المخالفة في الدين لأنها من الحكمة، كيف تكون الحكمة في معاملة الأب الكافر؟ هذا الدين عظيم ، الكافر خلاص ولو إنه أبوه لا، والده أو والدة له حق، بل قال بعض فقهاء المالكية وتحتاج المسألة إلى تحرير التي ذكرها ابن عطية قال بعض فقهاء المالكية: إذا كانوا يعتقدون بحلّ الخمر وهم كفار (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) وطلبوا منك تعطيهم. هم يعتقدون حِلّه، إلى هذه الدرجة! فإذاً قال (وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا) إذاً وجه الحكمة في مجيء هذه هنا في قضية كيف يمكن طبعاً الحكمة عموماً في التعامل مع الوالدين والحكمة عندما يخالفون. إذا كان يقال لمن خالف في الدين وليس مخالفا عادي قال الله عز وجل في سورة لقمان (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي) أول شيء كلمة جاهداك ما معناها؟ أنهم في مغالبة استمرار وجهاد وهناك قهر وهناك غلبة، ليست مجرد حاولوا محاولة عادية (جَاهَدَاكَ) وجاء بلفظ (عَلَى) أكثر من (لـ)، (عَلَى) يريدون أن يعلون عليك (عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ) صاحبهما لكن في منهج الآخرة، في الدنيا معروف، وفي الآخرة (واتّبع سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) إذاً الحكمة كل الحكمة في كيف أن الإنسان يؤتى الحكمة أيضاً فإذا كان هذا يقال في مقام من جاهد فكيف يقال في مقام الموحدين والصالحين والمؤمنين يعني كيف تصاحبهم؟ أحسن من المعروف بل أنا أريد من طالب العلم أن لا يكون فقط في المرتبة العادية بل يكون في أعلى المراتب من الدقة والرعاية والإحسان غاية الإحسان للوالدين يكون دقيقاً حتى لو كانوا كافرين بل قد يُسلِمون بهذا السبب، يكون عندك دقة ورعاية وتقدير. كان سفيان بن عيينة يقول: "لما مات أبي بقيت سنة ما أدعو لنفسي" نسي نفسه ما يدعو لنفسه، ويقول: الصحبة بالمعروف يقول: "من أدّى الصلوات الخمس فقد أدّى حق الله عز وجل عليه ومن دعا لوالديه في كل صلاة فقد أدّى حقهم" ، في كل صلاة. إذاً ينبغي للإنسان أن يهتم ويدقق لا نكون كعوام الناس في التعامل، لا، تعامل راقي وخاصة مع الوالدة ولذلك هنا يأتينا أيضاً قوله سبحانه وتعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) يعني الآية كأنها -كما قال بعض المفسرين- تشير إلى أن حق الأم أعلى لأنه لم ذكر حق الأب، وحتى الوالد سمي الوالد والداً مع أنه لا يلد، الوالد يلد؟! أقول لك كيف حال الوالد؟ مع إن أبوك ما يلد هو يولَد له لكن لا يلد لتعظيم حق الولادة، الولادة هذه مهمة، ولذلك إذا جاء في مقام استعطاف في القرآن يذكر الوالدين وإذا كان في مقام القروش الأبوة في مقام الوصية (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) يجيء إذا جاء بالقروش والتوزيع ممكن تجيب له أبوه لكن في مقام الوصايا الوالدين، صار الرَّجَال تبع الحرمة، صرنا تبع الأمهات مع أن الوالد ليس والداً ولذلك قال الله عز وجل (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ) فالحمل مهم والولادة مهمة هذا حق ثاني والفصال وقت الإرضاع مُهلِك للأم وأشدّ منه عندما هذا الرضيع يتركها تتألم ويتألم هو، فهي أيضاً شديدة عليها مع أنه يؤذيها لكن هي رحيمة ولذلك كان حقها قال النبي: "أمك ثم أمك ثم أمك" ثلاث مرات، وفي رواية أربع "ثم أبوك، ثم أدناك، أدناك" فإذاً حق الأم وإن كان بعض أهل العلم قال: وبالنسبة كما سئل الإمام مالك لما سئل عن مسألة أيهما أقدّم يعني قال أحدهم: إن أمي طلبت مني آتي إلى بلاد السودان وأبي رفض فقال: أطِع أباك ولا تعصِ أمك، يعني الإمام مالك ما استطاع يفتيه في أنه يعصي أحدهما فكأنه يقول حقهما حاول أن تراعي حقوقهما. والواحد يعمل صراعات بين أمه وأبوه يقول: والله أخذنا الدرس الفلاني وحق الأم أكثر وإذا جاء عند أبوه يضيق صدره يقول له: ترى ما لك إلا حق ربع حق أو ثلث حق، ما ينبغي أيضاً هذا، لماذا أوصي بالأم؟ لهذا الذي وقع منها من الحمل وكذلك لأنها ضعيفة، الأم فيها الليونة، الأب بعض الأحيان يأخذ حقه كاملاً غير منقوص بقوته وشخصيته لكن الأم، ولذلك أيضاً كن مع الضعيف أضعف، أما الأب ولو كان قوياً فكن معه ضعيفاً، لكن كن مع الأم أضعف كذلك، إذاً هنا انتبهوا لهذه المسألة. جئنا إلى بعض النقاط ولذلك قيل: لأن هذا تذكير لمزيد من التأكيد على حقهما اعتماداً على ما يلاقيه من اللين بالأم بخلاف الأب فإنه قوي. (وَفِصَالُهُ) أيضاً ننتهي منها.
قال الله عز وجل (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) وانتهينا أيضاً من هذا ولذلك يقول بعض السلف: "لا تجد أحد عاقاً إلا وجدته جباراً شقياً" أيّ واحد عاقّ سبحان الله تجد فيه جبروت وغلظة وفيه شقاء، فيه شقاء في نفسه وفي حاله ودائم شقي في نفسه ثم قرأ (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا).
(فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا) قلنا أيضاً عرفنا المعروف (وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) هنا في الآخرة، الوصية الأولى: قلنا (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ) ثم الوصية بالوالدين ، ثم بعد ذلك تأتي وصية الحذر من ظلم الله بالشرك، الشرك أشد الظلم، والحذر من أقل الظلم وهو أقل الظلم قال (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) لاحظوا (أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) بعد أن حذّره من أشد الظلم حذّره من أقل الظلم لحكمة، ما هو فقط بعض الناس يعني يركّز صدره لا تشركوا لكن لا بأس لو انحرفتم لو فعلتم هذه ليست من الحكمة، بعض الناس يأتي لإنسان يقول له: أنت تصوم لكن ما تصلي يا أخي لا تصلي، هذه حكمة هل هذا كلام صحيح؟! هذا غلط وبعد عن الحكمة، يا أخي قل له: ما دامك وفقت وبارك الله فيك وصمت أكمل ذلك بالصلاة، أما إنك تأمره أو بعض الناس يركز على التوحيد والتوحيد ثم يترك الأشياء الأخرى لا، بد لكن البداية والأمر الأهم ثم بعد ذلك جاءت هذه التوصية الدقيقة التي كأنها صورة تمثل أمام هذا الابن منذ نعومة أظفاره وهو يتأمل (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ) هي أصلاً حبة خردل وتكون أيضاً هي أصلاً خفية وتختفي ومع ذلك يأتي بها الله عز وجل (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ) ونحن نقول هذا الكلام وينبغي أن نكون في عصرنا هذا مع وجود وسائل التقنية أكثر إيماناً من الآباء والأجداد لأننا أصبحنا نرى أجهزة التقنية تراقب وتحقق وتدقق في مسائل في البنوك على هللات وأجزاء من الهللات أين راحت أين جاءت وعلى المستودعات ورقابة صوتية ورقابة صورة ورقابة حساب هذا في مصنوعات البشر وتأتي به في لحظات أريد مثلاً ميزانية البنك الفلاني في لحظات وعنده مليارات تأتي بها تقريبية ولو ينقص منك ريال يتضح عندهم هذا في صنعة البشر فكيف بصناعة الله؟! إذاً (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ) ولذلك لما قال في نهايتها (أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) عندكم حاسبات سريعة لكن هناك (أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ). عندما قال (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (59) وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (60) وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) كُتّاب (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ (61) ثُمَّ رُدُّوا) الحفظة أغلقوا الكتب، الكمبيوترات أقفلت (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ) يعني جدّك من أول لم ير الصورة تصور وتحفظ الصورة ولا كلام يحفظ ولا الهللة تُحفظ يعني أنتم ينغي أن يكون عندك يقين، هذا البشر بعجزه وضعفه استطاع أن يفعل هذا فكيف بالخالق سبحانه وتعالى؟! إذاً نوقن بهذا وحتى ونحن نخبر الأبناء نبين لهم تعال يا ولدي الحاسب ماذا يفعل؟ ممكن تقول يا ولدي الحاسب تراه يغلط بالحساب يَضَحْك عليك ولدك يقول الحاسب ما يغلط، طيب ربي يغلط وربي يترك سبحانه؟! إذاً (إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ) ما هي التي تكون حبة؟ يعني المظلمة يعني أيّ ظلم ومظلمة مهما قلّت فهي عند الله عز وجل مثقال حبة وأيضاً يأتي مثقال ذرة في القرآن مرتين (مِثْقَالَ ذَرَّةٍ) و (مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) وكلها خفيّة (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) إذاً المثقال يؤتى به وإن كان بمثل هذا الاختفاء وفي مثل ذاك الخفاء فالله عز وجل جاء به، إذاً كما سبق قلنا الله عز وجل حذر من أعظم الظلم وهنا يحذر من أقلّ الظلم (مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) إذا هي مثلٌ في الصغر والخفاء وجُعِلت في صخرة. قال الله عز وجل إذا هي خفية واختفت في موضع صلب لكن يأتي بها الله، خفية واختفت وفي موضع بعد حصين فتكن في صخرة (أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ) السماء كبيرة لكن يأتي بها الله يعني لو تصير بعد في محل محفوظ يمكن نجيبها لكن الله عز وجل ينبغي أن يكون عندنا هذا اليقين والإتيان كناية عن التمكّن. وهنا قال (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أيضاً جاءت في هذه الآية في قوله سبحانه وتعالى (لَطِيفٌ خَبِيرٌ) قيل: لطيف باستخراجها خبيرٌ بمكانها، خبير تأتي في اللطف في الاستخراج يعني الله عز وجل لطيف سبحانه لطيف في استخراجها خبير سبحانه وتعالى بمكانها.
 ثم قال (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) بعد أن وضع في رأسه أصول الاعتقاد سواء في الأمر الكبير وهو الشرك أو الأمر الصغير وهي هذه بعد ذلك جاء لأصول العمل، المسألة ليست فقط إيمان ورأس يوضع فيه معلومة، لا، أيضاً أصول العمل (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ). إذاً بعد أن انتهى من أصول الاعتقاد بدأ في أصول الأعمال الصالحة وبدأ بالأهم (يَا بُنَيَّ أَقِمِ) وقلنا دائماً أقم، يقيمون، ولذلك إذا سرحت في الصلاة تذكر أنك الآن تؤدي لكن أنت لست تقيم الصلاة، ينبغي أن تقيم الصلاة (أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) أيضاً (وَاصْبِرْ) إصبر على ماذا؟ لأن الذي يأمر وينهى لا بد أن يُؤذى والذي ما يؤذى ليس بأمر حقيقي لا بد من الإيذاء. (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ما معنى (عَزْمِ الْأُمُورِ)؟ يعني من الحزم، إذا أردت أن ترى شخصاً حازماً في دينه صادقاً، تراه مقيم للصلاة، آمر بالمعروف، ناه عن المنكر، صابر، فإذا وجدت فيه هذه الصفات فهو حازم عازم جادّ هذا أخذ الدين بقوة (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ). (إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) ولعل هذا الحقيقة فيه بشارة لإخواننا الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر إذا تحلّوا بصفة إقامة الصلاة وبما يأتي في الدرس القادم من مسألة الملاحظة في تصرفاتهم مع الناس. إذا لاحظوا هذا الأمر كانوا إن شاء الله ممن بشّرهم الله عز وجل بأنهم أخذوا هذا الدين بحزم وعزم يعني بإرادة عازمة جازمة، الله عز وجل قال (وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا) ولا بد من الصبر ولا بد أيضاً مع الصبر، كل موطن يأتي، صبر تقوى، صبر عفو، لأن بعض الأحيان الصبر مع الذي يحسن إليك وما تعفو عنه يؤثر في نفسك فإذا وجد صبر وعفو جميل، وإذا وجد أيضاً مع الأعداء صبر وتقوى (وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا) فينبغي للإنسان أن يتحلّى بهذه الصفات.
 إذاً هو أمرهم في وصاياه الوصية الأولى: بالحَذَر من الشرك، وهذا أعظم الظلم وأكبره، ثم حذّر من أصغر الظلم وهو إن تك مثقال حبة يأت بها الله أيّ مظلمة مع الناس وخاصة فيما يخصّ جانب العباد، وجانب العباد أخطر، حقّ الله مبني على المسامحة، وحق العباد على المُشاحّة، فينبغي للإنسان أن يدقق ويحقق في هذه المظالم وإن كان مثقال حبة من خردل فإن الله عز وجل يأت بها، وكذلك أيضاً في جانب العمل أساس العمل أن يقيم الصلاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويعلم أنه في هذا الطريق قد يُصاب بأذى فلا بد له أن يصبر. أسأل الله عز وجل أن يجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وبالله التوفيق، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
------------------------------------
المصدر/ ملتقى أهل التفسير (بتصرف يسير) 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق