الاثنين، 4 مارس 2013

دلالة سورة الزمر على أن القرآن منزل من الله غير مخلوق

لقد دلت السورة على أن القرآن مُنزل من الله غير مخلوق، وأنه صفة من صفاته تعالى، وصفاته ـ تعالى ـ كما هو معلوم ليست مخلوقة ، في عدة آيات:
قال تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ. إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ الله مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} .
 وقال تعالى: {اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللهِ ذَلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} .
 وقال تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} .
 وقال تعالى: {وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ} .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} .
 هذه سبع آيات من السورة، الخمس الآيات الأولى منها دلت على أن القرآن مُنزل من الله ـ تعالى ـ غير مخلوق كما تضمنت الرد على القائلين بخلق القرآن، وهم المعتزلة وترد قول القائلين أن المراد من النزول نزول الملك الذي بلّغه إلى الرسول، وليس المراد به القرآن الذي هو صفة من صفات الله ـ تعالى ـ كما قال ذلك الرازي (1).
ووجه الرد عليهم بالآيات الخمس :
الأولى: أنها صرحت بتنزيل وإنزال الكتاب الذي هو القرآن بواسطة الرسول الملكي فهو مُنزل من الله وهو كلامه حقيقة.
 وأما الآية السادسة: وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} بين الله ـ تعالى ـ فيها أنه مثّل للمشركين من كل مثل من أمثال الأمم الخالية في هذا القرآن تخويفاً منه، وتحذيراً ليتعظوا ويتذكروا علّهم ينزجرون عما هم عليه من التكذيب بالرسول والكفر بالله تعالى.
 وأما الآية السابعة: وهي قوله تعالى: {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} قال السيوطي حول هذه الآية: "فيها الرد على من قال بخلق القرآن" (2).
 وروى اللالكائي والآجري بسند صحيح إلى ابن عباس رضي الله عنهما {قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} قال غير مخلوق. (3)
 فتلك الآيات من السورة دلت على أن القرآن منزل غير مخلوق وكما هو معلوم أن الإيمان بالكتب ركن من أركان الإيمان الستة، ومن الإيمان بالكتب الإيمان بأن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق منه بدا وإليه يعود، وأن الله تكلم به حقيقة، وأن هذا القرآن الذي أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم هو كلام الله حقيقة، لا كلام غيره، ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله، أو عبارة، بل إذا قرأه الناس، أو كتبوه بذلك في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله ـ تعالى ـ حقيقة فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً، وهو كلام الله حروفه ومعانيه ليس كلام الله الحروف دون المعاني، ولا المعاني دون الحروف"(4).
 وهذا ما يجب اعتقاده في القرآن ولا يجوز العدول عنه بحال. قال الصابوني: "ويشهد أصحاب الحديث ويعتقدون أن القرآن كلام الله، وكتابه ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال بخلقه فهو كافر عندهم، والقرآن الذي هو كلام الله ووحيه هو الذي ينزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم: {قُرْآناً عَرَبِيّاً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ * بَشِيراً وَنَذِيراً}.
 وكما قال ـ عز من قائل ـ {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}.
 وهو الذي بلّغه الرسول صلى الله عليه وسلم أمته ... إلى أن قال: "سمعت الحاكم أبا عبد الله الحافظ يقول سمعت أبا الوليد حسان بن محمد يقول: سمعت الإمام أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق فمن قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر بالله العظيم لا تقبل شهادته ولا يُعاد إن مرض ولا يُصلى عليه إن مات ولا يُدفن في مقابر المسلمين ويستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه (5).
هذا الذي ذكره الصابوني ـ رحمه الله تعالى ـ معتقد أهل السنة والجماعة في كتاب الله ـ تعالى ـ وهو ما كان عليه السلف الصالح حيث كانوا على عقيدة واحدة في كتابه ـ تعالى ـ وهو القول بأنه كلام الله حقيقة منزل غير مخلوق.
 قال العلامة ابن القيم: "وقد تنازع الصحابة رضي الله عنهم في كثير من مسائل الأحكام ـ وهم سادات المؤمنين، وأكمل الأمة إيماناً ولكن بحمد الله لم يتنازعوا في مسألة واحدة من مسائل الأسماء والصفات والأفعال، بل كلهم على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمة واحدة"(6).
 ------------------------
 1- التفسير الكبير 26/238.
2- الإكليل في إستنباط التنزيل ص224.
3- السنة للالكائي 2/217، كتاب الشريعة للآجري ص77، الأسماء والصفات للبيهقي ص311.
4- مجموع الفتاوى 3/144.
 5- عقيدة السلف وأصحاب الحديث ضمن مجموعة الرسائل المنيرية 1/107 ـ 108.
6- إعلام الموقعين 1/49.
* مباحث العقيدة في سورة الزمر / تأليف: ناصر بن علي عايض حسن الشيخ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق