فكنا في اللقاء الماضي قد تحدثنا في الجزء الأول من المفردتين اليمين والشمال ، وبيّنا حول آيات منها وذكرنا الآية الأولى قول الله -عز وجل- (أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ) وذكرنا بعد ذلك قول الله -جل وعلا- (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) وفي هذا اللقاء إن شاء الله تعالى نتحدث عن آيات أُخر ذُكر فيها اليمين والشمال أو ما في معناهما ، فنبدأ بقول الله -جل وعلا- : (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ * فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) إلخ الآيات .
/ قول أصدق القائلين (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) من تفسير القرآن بالقرآن: هنا لم يقل الله تُعرضون على من ، قال (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) لكن لو سألك سائل على من يُعرضون؟ تقل يُعرضون على الله ، فإن قال لك السائل أين الدليل؟ قلت:قال الله -عز وجل- : (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا) واضح .
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) لا يخفى عليه -جل وعلا- شيء من ظاهرنا ولا من باطننا ، ثم جاءت "أما" التفصيلية تبين أحوال العباد (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ) ولابد للناس من كتاب يقرأونه ، قال الله -عز و جل- (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) ووقت إعطاء الكتب إما باليمين وإما بالشمال وقت يشيب عنده الولدان ، لكن بعض أهل التفسير يقول : إن أول من يأخذ كتابه بيمينه ، يروون حديث يقول أن ابن عباس قال : "إن أول من يأخذ كتابه بيمينه عمر بن الخطاب ، قيل له : يا ابن عباس فأين أبو بكر؟ قال : قد زفته الملائكة إلى الجنة" . لكن هذا الخبر يرويه الوعّاظ وهو غير صحيح و لم يثبت لا موقوفا ولا مرفوعا ونقله الثعلبي -رحمه الله- في تفسيره ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة أصول التفسير قال : "وإن هذا الإمام المفسر -رحمه الله- هو في نفسه خيّر دَيّن لكنه في العلم كحاطب ليل يجمع في تفسيره الصحيح والضعيف والموضوع وغير ذلك ، فمثل هذا لا يُستشهد به وينبغي للإنسان أن يحتاط خاصة في الأخبار الغيبية ، وقد قلت أنه فرق ما بين ما يُؤسس وبين ما يُستأنس به قلنا هذا في دروس كثيرة .
قال ربنا : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ) لأن المجال مجال فرح وهو أعظم الفرح فلا يضيره ولا يعيبه أن يقرأ الناس ما في كتابه . (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنتُ) والظن هنا بمعنى اليقين ، (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) وقد مرّ معنا أن كلما كان الإنسان على يقين أنه سيلقى حسابه ويلقى الله هذا الذي يزده على أن يترك المحظورات ويأتي المأمورات ، لكن من ضَعف يقينه هو الذي يضعف عمله ، لأن العمل مرتبط كل الارتباط باليقين ، وقد مرَ على سمعك كثيرا ، منا ومن غيرنا كلما كان العبد بالله أعرف كان من الله أخوف ، والله لما ذكر الأخيار من خلقه قال : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ*إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) يتذكرون الآخرة ، يجعلونها بين عينيهم فيأتون الطاعات . فهذا العبد الصالح وهو شامل للمؤمنين يقول (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) وقلنا إن الظن هنا بمعنى اليقين ، قال ربنا عنه (فَهُوَ) أي ذلكم العبد (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) أي مَرْضية وأين تكون هذه؟ في الجنة (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) عالية المقام ،عالية المنزلة ، وإلا الجنة في أصلها واحدة لكن داخلها جنان ، والله يقول (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ، وقال (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) . (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) يوجد أيها المبارك قِطاف ويوجد قطف ، ويوجد قطوف ، هذه ثلاثة .
القطوف: الثمار نفسها ، فيصبح المعنى (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) أي سهلة التناول ، والله يقول (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا) فعندما يقطف أحدهم ثمرة تخلفها غيرها تشبهها في الهيئة ولا تشبهها في الطعم وهذا من فضل الله عليهم ، فقال الله -عز وجل- (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) قلنا القطوف هي الثمرة .
والقطف: مصدر للفعل قطف يعني عملية الأخذ نفسها ، عملية التناول . بقينا في ماذا ؟ في القطاف .
القطاف: وقت القطف . لا نريد أن نوسع الموضوع ، لكن القطوف هي الثمار ، والقطف عملية الأخذ ، والقطاف وقت الأخذ .
(قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) ويُنادَون (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) أيُّ أيام خالية أين ؟ في الدنيا . ووالله الدنيا تمر أسرع ما يمكن لكن تحتاج إلى يقين بلُقيا رب العالمين وإلا كثيرٌ من أهل الضلالة ماتوا ، وكثير من أهل الطاعات ماتوا ، فلا هذا عُمّر ، ولا هذا عٌمّر وكلاهما اليوم في قبره ، هذا يُنعّم وهذا يُعذّب ، وقد قيل : إنما الدنيا صبر ساعة ، ولن ينال أحد ذلك إلا بعون من الله ، فيُقبل على الله ، يُقبل العبد بقلبه على الله حياءً منه واشتياقا إليه ، ويسأل الله العون (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) .
/ ثم قال الله (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) -عياذا بالله- (فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ) فيتمنى لو أنه قُضي عليه في الدنيا ولم يُبعث ولم يُنشر ، والمراد ذكر أحوال اليمين وأحوال أهل الشمال ، وقد ذكرهما الله -جل وعلا- كذلك في سورة الواقعة (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) وقال (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) .
/ اليمين قلنا بمعنى القوة، كذلك اليمين كانوا إذا أقسموا يضعون أيديهم بعضها ببعض فسميت الأيمان يمين من هذا الباب ، سُمي الحلف يمين من هذا الباب ، لأنهم يستخدمون اليد اليمنى . وأنت تعلم العرب لا تقول لمن يكتب باليُمنى شيء لأن الأصل أن الناس يكتبون باليمين ، لكن من يستخدم يده اليسرى يسمونه أعسر ، واليمين من حيث الجهات ضده الشمال ، و كذلك اليمين في اليد ضدها الشمال ، لكن كذلك اليمنى ضدها اليسرى ، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يكتب بيسراه .
لماذا سُميت اليسرى يسرى؟ الآن لو قلت لك أمر يسير ، وش معنى يسير ؟ سهل ، سميت اليسرى يسرى لأن الأصل لا أحد يستخدمها ، ليس لديها عمل ، وكل الثقل على اليمين ، فسميت اليسرى يسرى لأنها يسيرة لا تعمل ، هذا من يكتب باليسار قالوا يسمى أعسر ، ولا يسمون من يكتب باليمين شيئا لأنه أصلا يكتب باليمين ، لكن لو وُجد إنسان يكتب باليمين واليسار ماذا يسمونه ؟ يسمونه أضبط ، وأظن -والعلم عند الله- أن كلمة "ضابط" في اللغة جاءت من هذا الباب لأنه يضبط الأمر ، و يسمون الكتب التي يُدوّن فيها الأمور سجل الضبط ، كأن الذي يكتب بيمينه ويساره يُحكِم الأشياء ، وهذا استطراد لغوي أعانكم الله عليّ .
/ نأتي الآن لآيات أُخر ، قال الله -عز وجل- (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) "كاتبوهم" المراد المكاتبة ، والمكاتبة: أن يأتي العبد المملوك لسيده ، و يقول له كاتبني على مال أعطيك إياه منجّما -يعني مفرقا- يعني على الأهلة، على السنين ،على الشهور ، فإذا أتم المملوكُ المالَ لسيده وقبضه السيد أصبح ذلك المملوك حرا. واضح . وقد كان الرق منتشرا في أول الإسلام ، فقال أصدق القائلين: (وَالَّذِينَ) قال سيبويه وشيخه الخليل إن "الذين" هنا في محل نصب لأن الفعل جاء بعدها ، وجمهور أهل النحو أنها في محل رفع، لكن لا يتعلق هذا باللفظ لأنهما متفقان على إن "الذين" إسم مبني لا تظهر عليه العلامة ،(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ) يعني يطلبون (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ) أي المكاتبة ، فهي عقد يحتاج إلى تراضٍ ، لا يُسمى عقد بين اثنين حتى يكون تراضٍ ، الله يقول (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) . فالله يقول : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي من الأرقاء، من المملوكين (فَكَاتِبُوهُمْ) هذا فعل أمر ، لكن فعل الأمر هنا جاء مقيدا بقوله جل وعلا : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) ،(فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) المسألة حالاتان :
الحالة الأولى : أن يأتي المملوك لسيده فيقول : أريد أن أُكاتبك ، فيقبل السيد فلا إشكال لأنه عقد تم بالتراضي .
الحالة الثانية : يأبى السيد ، لا يقبل ، فعندما لا يقبل تأتي المسألة الحق مع من ؟
فمن قال أنه يجب على السيد أن يقبل احتج بأن (فَكَاتِبُوهُمْ) فعل أمر ، وانتصر داوود الظاهري -رحمه الله- لهذا القول بقوة ، واحتجوا كذلك بأن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كان سيرين - سيرين والد محمد - كان مملوكا عنده فجاء إليه يكاتبه على أموال يعطيها إياه فأبى أنس -رضي الله تعالى عنه و أرضاه- فرفع عمرُ الدرة على أنس وقال وتلا الآية (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) فقبِل أنس ، قال داوود ومن وافقه قالوا : وجه الدلالة لو كانت المكاتبة مباحة غير واجبة على السيد لما رفع عمرُ الدرة على أنس .
قال القائلون -الذين يقولون ليست بواجبة- قالوا إن الله قيدها قال (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) فيأتي هذا السيد يقول أنا لا أعلم فيك الخير، وهذا شيء باطل صعب إثباته ، ورؤية شخصية صعب إلزامه بها ، فهؤلاء الذين قالوا بالمنع ، والأولين قالوا بالوجوب ، والعلم عند الله لكن يظهر لي أن القول الأول أرجح .
(فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) اختلف العلماء في مفهوم كلمة (خَيْرًا) فنُقل عن ابن عباس -ولا أظنه يصح- أنه قال : إن الخير هنا بمعنى المال ، والقرآن إذا ذكر الخير يقصد المال الكثير ، القرآن إذا ذكر كلمة "خيرا" يقصد المال الكثير ، فقالوا إن (خَيْرًا) هي المال ورفعوها إلى ابن عباس وقلت ولا أظن يصح رفعه إليه .
الطحاوي رحمه الله قال : هذا لا يمكن أن يصح لأن معروف أن المال للملوك هو وماله لسيده ، ثم قالوا إن المراد القوة والأمانة والقدرة وهذا هو الغالب .
تبقى مسألة أعانكم الله وهذه مسألة فقهية تبقى مسألة لو أن هذا المملوك لا يقدر إلا أن يأخذ من الناس يعني يوجد مملوك لديه قدرة فيعمل في التجارة يعمل أجيرا عند زيد أو عمرو فيجمع مالا فيعطيه سيده فيُعتق فيصبح حرا بالمكاتبة ،هذه حال واضحة ، لكن الحالة الأخرى لو كان هذا المملوك قال لسيده : سأعطيك مائة ألف لآخر العام ، كل شهر عشرة آلآف تصبح مائة وعشرين ألفا ، وافق السيد لكن المملوك ليس له قدرة على العمل ولا يمكن أن ينال عشرة آلآف إلا أن يجمعها من الناس ، فقال بعض العلماء إن الآية مطلقة فينبغي على السيد أن يقبل ، قال بعضهم : لا يقبل ، لماذا لا يقبل ، لا يُلزم بالقبول؟ قالوا: لأن هذا عندما يأخذ من هذا ويأخذ من هذا هذه تسمى صدقات ، والصدقات أوساخ الناس ، فيقول كيف تُلزم هذا المالك ، هذا السيد أن يأكل أوساخ الناس؟ فهذا رد بالنظر حتى يُغلّب يحتاج إلى رد بالأثر ، لأن الرد بالأثر يغلِب الرد بالنظر ، إنما يُلجأ للنظر إذا غاب الأثر ، فالقائلون بالجواز احتجوا بحديث بريرة ، وبريرة كانت مملوكة واتفقت مع من يملكها على أن تؤدي لهم تسع أواقٍ من فضة أو من ذهب أظنها من فضة -من ورِق- ، وقبلت -أي قَبِلَ من يملكونها- فقدمت على عائشة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- فأخبرتها وقالت إنني اتفقت مع من يملكني على كذا وكذا فأعينيني فقبلت عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن تعينها ، هذا يدل على أن القول الأول مردود بالأثر وقد أقرّ النبي -صلى الله عليه و سلم- عائشة على صنيعها . قال ربنا (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) هذه هي الآية وقد أتينا بكلمة "الأيمان" لأننا قلنا أن المقصود هو بيان أن كلمة الأيمان تؤخذ من أنهم كانوا إذا حلفوا يضعون يمينهم بعضهم في بعض عند المعاهدات والعقود .
/ وردت كذلك هذا اللفظة القرآنية في قول الله تبارك وتعالى في آخر سورة القلم قال (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ثم ذكر الله ما يرُد قولهم قال (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) هذا موضع الشاهد في الموضوع أي هل عندكم أيمان من عندنا (بَالِغَةٌ) أي مغلّظة تخبر وتنبئ أنكم ناجون يوم القيامة حتى تأتون ما أتيتم (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
وهنا نختم بأن اليمين في بعض أحوالها تغلّظ زمانا ومكانا ، وهذا من العلم المعاد لكن لعله يَثبُت ، تغلّظ زمانا بعد صلاة العصر لأن الله قال (تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ) والصلاة هنا صلاة العصر ، بقينا في التغليظ المكاني فالإنسان إما أن يكون في مكة أو في المدينة أو في غيرهما فإن كان في مكة يحلف بين الحجر والمقام ، و إن كان في المدينة يحلف عند المنبر ، و إن كان في غيرهما يحلف في الجامع الكبير في البلدة الذي يؤمه أكثر الناس . أغنانا الله وإياكم عن مثل هذ الأيمان ، وجعلنا الله وإياكم من الصادقين المتبعين لرسوله بإحسان ، وصلى الله على محمد وآله و الحمد لله رب العالمين .
-----------------------------------------------
الشكر موصول لمن ساهمت في تفريغ الحلقة بارك الله فيها .
/ قول أصدق القائلين (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) من تفسير القرآن بالقرآن: هنا لم يقل الله تُعرضون على من ، قال (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ) لكن لو سألك سائل على من يُعرضون؟ تقل يُعرضون على الله ، فإن قال لك السائل أين الدليل؟ قلت:قال الله -عز وجل- : (وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا) واضح .
(يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ) لا يخفى عليه -جل وعلا- شيء من ظاهرنا ولا من باطننا ، ثم جاءت "أما" التفصيلية تبين أحوال العباد (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ) ولابد للناس من كتاب يقرأونه ، قال الله -عز و جل- (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ) ووقت إعطاء الكتب إما باليمين وإما بالشمال وقت يشيب عنده الولدان ، لكن بعض أهل التفسير يقول : إن أول من يأخذ كتابه بيمينه ، يروون حديث يقول أن ابن عباس قال : "إن أول من يأخذ كتابه بيمينه عمر بن الخطاب ، قيل له : يا ابن عباس فأين أبو بكر؟ قال : قد زفته الملائكة إلى الجنة" . لكن هذا الخبر يرويه الوعّاظ وهو غير صحيح و لم يثبت لا موقوفا ولا مرفوعا ونقله الثعلبي -رحمه الله- في تفسيره ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مقدمة أصول التفسير قال : "وإن هذا الإمام المفسر -رحمه الله- هو في نفسه خيّر دَيّن لكنه في العلم كحاطب ليل يجمع في تفسيره الصحيح والضعيف والموضوع وغير ذلك ، فمثل هذا لا يُستشهد به وينبغي للإنسان أن يحتاط خاصة في الأخبار الغيبية ، وقد قلت أنه فرق ما بين ما يُؤسس وبين ما يُستأنس به قلنا هذا في دروس كثيرة .
قال ربنا : (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ) لأن المجال مجال فرح وهو أعظم الفرح فلا يضيره ولا يعيبه أن يقرأ الناس ما في كتابه . (هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنتُ) والظن هنا بمعنى اليقين ، (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) وقد مرّ معنا أن كلما كان الإنسان على يقين أنه سيلقى حسابه ويلقى الله هذا الذي يزده على أن يترك المحظورات ويأتي المأمورات ، لكن من ضَعف يقينه هو الذي يضعف عمله ، لأن العمل مرتبط كل الارتباط باليقين ، وقد مرَ على سمعك كثيرا ، منا ومن غيرنا كلما كان العبد بالله أعرف كان من الله أخوف ، والله لما ذكر الأخيار من خلقه قال : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ*إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ) يتذكرون الآخرة ، يجعلونها بين عينيهم فيأتون الطاعات . فهذا العبد الصالح وهو شامل للمؤمنين يقول (إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ) وقلنا إن الظن هنا بمعنى اليقين ، قال ربنا عنه (فَهُوَ) أي ذلكم العبد (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ) أي مَرْضية وأين تكون هذه؟ في الجنة (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ) عالية المقام ،عالية المنزلة ، وإلا الجنة في أصلها واحدة لكن داخلها جنان ، والله يقول (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) ، وقال (وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) . (فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) يوجد أيها المبارك قِطاف ويوجد قطف ، ويوجد قطوف ، هذه ثلاثة .
القطوف: الثمار نفسها ، فيصبح المعنى (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) أي سهلة التناول ، والله يقول (كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا) فعندما يقطف أحدهم ثمرة تخلفها غيرها تشبهها في الهيئة ولا تشبهها في الطعم وهذا من فضل الله عليهم ، فقال الله -عز وجل- (قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) قلنا القطوف هي الثمرة .
والقطف: مصدر للفعل قطف يعني عملية الأخذ نفسها ، عملية التناول . بقينا في ماذا ؟ في القطاف .
القطاف: وقت القطف . لا نريد أن نوسع الموضوع ، لكن القطوف هي الثمار ، والقطف عملية الأخذ ، والقطاف وقت الأخذ .
(قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ) ويُنادَون (كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ) أيُّ أيام خالية أين ؟ في الدنيا . ووالله الدنيا تمر أسرع ما يمكن لكن تحتاج إلى يقين بلُقيا رب العالمين وإلا كثيرٌ من أهل الضلالة ماتوا ، وكثير من أهل الطاعات ماتوا ، فلا هذا عُمّر ، ولا هذا عٌمّر وكلاهما اليوم في قبره ، هذا يُنعّم وهذا يُعذّب ، وقد قيل : إنما الدنيا صبر ساعة ، ولن ينال أحد ذلك إلا بعون من الله ، فيُقبل على الله ، يُقبل العبد بقلبه على الله حياءً منه واشتياقا إليه ، ويسأل الله العون (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) .
/ ثم قال الله (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ) -عياذا بالله- (فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ*وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ) فيتمنى لو أنه قُضي عليه في الدنيا ولم يُبعث ولم يُنشر ، والمراد ذكر أحوال اليمين وأحوال أهل الشمال ، وقد ذكرهما الله -جل وعلا- كذلك في سورة الواقعة (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ) وقال (وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ) .
/ اليمين قلنا بمعنى القوة، كذلك اليمين كانوا إذا أقسموا يضعون أيديهم بعضها ببعض فسميت الأيمان يمين من هذا الباب ، سُمي الحلف يمين من هذا الباب ، لأنهم يستخدمون اليد اليمنى . وأنت تعلم العرب لا تقول لمن يكتب باليُمنى شيء لأن الأصل أن الناس يكتبون باليمين ، لكن من يستخدم يده اليسرى يسمونه أعسر ، واليمين من حيث الجهات ضده الشمال ، و كذلك اليمين في اليد ضدها الشمال ، لكن كذلك اليمنى ضدها اليسرى ، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- يكتب بيسراه .
لماذا سُميت اليسرى يسرى؟ الآن لو قلت لك أمر يسير ، وش معنى يسير ؟ سهل ، سميت اليسرى يسرى لأن الأصل لا أحد يستخدمها ، ليس لديها عمل ، وكل الثقل على اليمين ، فسميت اليسرى يسرى لأنها يسيرة لا تعمل ، هذا من يكتب باليسار قالوا يسمى أعسر ، ولا يسمون من يكتب باليمين شيئا لأنه أصلا يكتب باليمين ، لكن لو وُجد إنسان يكتب باليمين واليسار ماذا يسمونه ؟ يسمونه أضبط ، وأظن -والعلم عند الله- أن كلمة "ضابط" في اللغة جاءت من هذا الباب لأنه يضبط الأمر ، و يسمون الكتب التي يُدوّن فيها الأمور سجل الضبط ، كأن الذي يكتب بيمينه ويساره يُحكِم الأشياء ، وهذا استطراد لغوي أعانكم الله عليّ .
/ نأتي الآن لآيات أُخر ، قال الله -عز وجل- (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) "كاتبوهم" المراد المكاتبة ، والمكاتبة: أن يأتي العبد المملوك لسيده ، و يقول له كاتبني على مال أعطيك إياه منجّما -يعني مفرقا- يعني على الأهلة، على السنين ،على الشهور ، فإذا أتم المملوكُ المالَ لسيده وقبضه السيد أصبح ذلك المملوك حرا. واضح . وقد كان الرق منتشرا في أول الإسلام ، فقال أصدق القائلين: (وَالَّذِينَ) قال سيبويه وشيخه الخليل إن "الذين" هنا في محل نصب لأن الفعل جاء بعدها ، وجمهور أهل النحو أنها في محل رفع، لكن لا يتعلق هذا باللفظ لأنهما متفقان على إن "الذين" إسم مبني لا تظهر عليه العلامة ،(وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ) يعني يطلبون (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ) أي المكاتبة ، فهي عقد يحتاج إلى تراضٍ ، لا يُسمى عقد بين اثنين حتى يكون تراضٍ ، الله يقول (إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) . فالله يقول : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) أي من الأرقاء، من المملوكين (فَكَاتِبُوهُمْ) هذا فعل أمر ، لكن فعل الأمر هنا جاء مقيدا بقوله جل وعلا : (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) ،(فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) المسألة حالاتان :
الحالة الأولى : أن يأتي المملوك لسيده فيقول : أريد أن أُكاتبك ، فيقبل السيد فلا إشكال لأنه عقد تم بالتراضي .
الحالة الثانية : يأبى السيد ، لا يقبل ، فعندما لا يقبل تأتي المسألة الحق مع من ؟
فمن قال أنه يجب على السيد أن يقبل احتج بأن (فَكَاتِبُوهُمْ) فعل أمر ، وانتصر داوود الظاهري -رحمه الله- لهذا القول بقوة ، واحتجوا كذلك بأن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كان سيرين - سيرين والد محمد - كان مملوكا عنده فجاء إليه يكاتبه على أموال يعطيها إياه فأبى أنس -رضي الله تعالى عنه و أرضاه- فرفع عمرُ الدرة على أنس وقال وتلا الآية (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) فقبِل أنس ، قال داوود ومن وافقه قالوا : وجه الدلالة لو كانت المكاتبة مباحة غير واجبة على السيد لما رفع عمرُ الدرة على أنس .
قال القائلون -الذين يقولون ليست بواجبة- قالوا إن الله قيدها قال (إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) فيأتي هذا السيد يقول أنا لا أعلم فيك الخير، وهذا شيء باطل صعب إثباته ، ورؤية شخصية صعب إلزامه بها ، فهؤلاء الذين قالوا بالمنع ، والأولين قالوا بالوجوب ، والعلم عند الله لكن يظهر لي أن القول الأول أرجح .
(فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) اختلف العلماء في مفهوم كلمة (خَيْرًا) فنُقل عن ابن عباس -ولا أظنه يصح- أنه قال : إن الخير هنا بمعنى المال ، والقرآن إذا ذكر الخير يقصد المال الكثير ، القرآن إذا ذكر كلمة "خيرا" يقصد المال الكثير ، فقالوا إن (خَيْرًا) هي المال ورفعوها إلى ابن عباس وقلت ولا أظن يصح رفعه إليه .
الطحاوي رحمه الله قال : هذا لا يمكن أن يصح لأن معروف أن المال للملوك هو وماله لسيده ، ثم قالوا إن المراد القوة والأمانة والقدرة وهذا هو الغالب .
تبقى مسألة أعانكم الله وهذه مسألة فقهية تبقى مسألة لو أن هذا المملوك لا يقدر إلا أن يأخذ من الناس يعني يوجد مملوك لديه قدرة فيعمل في التجارة يعمل أجيرا عند زيد أو عمرو فيجمع مالا فيعطيه سيده فيُعتق فيصبح حرا بالمكاتبة ،هذه حال واضحة ، لكن الحالة الأخرى لو كان هذا المملوك قال لسيده : سأعطيك مائة ألف لآخر العام ، كل شهر عشرة آلآف تصبح مائة وعشرين ألفا ، وافق السيد لكن المملوك ليس له قدرة على العمل ولا يمكن أن ينال عشرة آلآف إلا أن يجمعها من الناس ، فقال بعض العلماء إن الآية مطلقة فينبغي على السيد أن يقبل ، قال بعضهم : لا يقبل ، لماذا لا يقبل ، لا يُلزم بالقبول؟ قالوا: لأن هذا عندما يأخذ من هذا ويأخذ من هذا هذه تسمى صدقات ، والصدقات أوساخ الناس ، فيقول كيف تُلزم هذا المالك ، هذا السيد أن يأكل أوساخ الناس؟ فهذا رد بالنظر حتى يُغلّب يحتاج إلى رد بالأثر ، لأن الرد بالأثر يغلِب الرد بالنظر ، إنما يُلجأ للنظر إذا غاب الأثر ، فالقائلون بالجواز احتجوا بحديث بريرة ، وبريرة كانت مملوكة واتفقت مع من يملكها على أن تؤدي لهم تسع أواقٍ من فضة أو من ذهب أظنها من فضة -من ورِق- ، وقبلت -أي قَبِلَ من يملكونها- فقدمت على عائشة -رضي الله تعالى عنها وأرضاها- فأخبرتها وقالت إنني اتفقت مع من يملكني على كذا وكذا فأعينيني فقبلت عائشة -رضي الله تعالى عنها- أن تعينها ، هذا يدل على أن القول الأول مردود بالأثر وقد أقرّ النبي -صلى الله عليه و سلم- عائشة على صنيعها . قال ربنا (فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا) هذه هي الآية وقد أتينا بكلمة "الأيمان" لأننا قلنا أن المقصود هو بيان أن كلمة الأيمان تؤخذ من أنهم كانوا إذا حلفوا يضعون يمينهم بعضهم في بعض عند المعاهدات والعقود .
/ وردت كذلك هذا اللفظة القرآنية في قول الله تبارك وتعالى في آخر سورة القلم قال (كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ *إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) ثم ذكر الله ما يرُد قولهم قال (أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) هذا موضع الشاهد في الموضوع أي هل عندكم أيمان من عندنا (بَالِغَةٌ) أي مغلّظة تخبر وتنبئ أنكم ناجون يوم القيامة حتى تأتون ما أتيتم (أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) .
وهنا نختم بأن اليمين في بعض أحوالها تغلّظ زمانا ومكانا ، وهذا من العلم المعاد لكن لعله يَثبُت ، تغلّظ زمانا بعد صلاة العصر لأن الله قال (تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاةِ) والصلاة هنا صلاة العصر ، بقينا في التغليظ المكاني فالإنسان إما أن يكون في مكة أو في المدينة أو في غيرهما فإن كان في مكة يحلف بين الحجر والمقام ، و إن كان في المدينة يحلف عند المنبر ، و إن كان في غيرهما يحلف في الجامع الكبير في البلدة الذي يؤمه أكثر الناس . أغنانا الله وإياكم عن مثل هذ الأيمان ، وجعلنا الله وإياكم من الصادقين المتبعين لرسوله بإحسان ، وصلى الله على محمد وآله و الحمد لله رب العالمين .
-----------------------------------------------
الشكر موصول لمن ساهمت في تفريغ الحلقة بارك الله فيها .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق