د.محمد بن عبد العزيز الخضيري
{طه ﴿١﴾ مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴿2﴾ إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى ﴿3﴾ تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى ﴿4﴾ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴿5﴾ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى ﴿6﴾ وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴿7﴾ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى ﴿8﴾}
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فهذا هو المجلس الأول من مجالس تفسير سورة طه في هذه الدورة المباركة دورة الأترجة المقامة في جامع محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- بحي الخليج في بريدة. وفي هذا اليوم يوم الخميس السابع عشر من شهر شوال من عام ألفٍ وأربعمائة وإثنين وثلاثين من الهجرة النبوية. وقبل أن ندخل إلى سورة طه نريد أن نتعرف عليها:
/ فهذه السورة سورة مكية يقال إنها نزلت في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة النبوية وكان أولها سبباً في إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه على المشهور عند أهل السير والتراجم في قصة مشهورة عندما دخل على أخته وزوجها وهما يقرأن السورة فلما سمعها دخل الإيمان في قلبه فأسلم. هذه السورة من السور المكية بالإجماع وقد ذكر أن فيها آية أو آيتين من الآيات المدنية لكن السورة من السور المكية.
هذه السورة تتحدث عن كرامة الله واحتفائه بالدعاة وبالمدعوين كيف يُكرِم الله الدعاة ويرفُق بهم ويعينهم وييسر أمورهم ويهديهم وينصرهم وينتقم لهم ممن يعاديهم ، وكيف يدعوا هؤلاء الدعاة بقية الناس ويقدمون لهم هذه الدعوة في بيّنة ووضوح ، ودليل ظاهر وأسلوب باهر، ومعجزة تقضي على الباطل ،وتزيل الشكّ من قلوب الناس فالسورة تدور حول الدعوة والدعاة. وقد تضمت قصتين:
1. القصة الأولى: قصة موسى عليه الصلاة والسلام وخصوصاً مع فرعون وأشارت قبل ذلك إلى ولادته وإكرام الله إياه، ثم سفره إلى مدين ،ثم لحظات البعثة، ثم المقابلة مع فرعون ،ثم مع السحرة ،ثم لما أهلك الله فرعون وملأه وأنجى موسى وبني إسرائيل، ثم ماذا حصل من بني إسرائيل من إيثار عبادة العجل على عبادة الله -عز وجل- حتى تابوا وتاب الله عليهم، هذه القصة الأولى.
2. وأما القصة الثانية: فهي قصة آدم.
والعجيب أن هاتين القصتين أشير إليهما في سورة مريم إشارة فقال الله {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ﴿51﴾ وَنَادَيْنَاهُ مِن جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا ﴿52﴾ وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴿53﴾} ثلاث آيات.
وأما آدم فذكر اسمه فقط (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ ﴾ فلما ذُكِر أو أُشير إلى هذين النبيين الكريمين في سورة مريم ولم يذكر شيء من خبرهم ولا من قصتهم ذكرها الله بشيء من البسط والإسهاب أو الإطناب في سورة طه. وهذا على طريقة القرآن في أنه يشير إلى الشيء إشارة ثم بعد سورة أو سورتين يفصِّل فيه ويذكره ويبسط القول فيه بسطاً.
هذه السورة بعض العلماء يقول إنها سورة السعادة وأسبابها ، والشقاوة وأسبابها، وقد افتتحها الله بقوله (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) وختمها بقوله {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴿123﴾ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴿124﴾ قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا ﴿125﴾ قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126﴾ وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴿127﴾ } فيجعلون هذه السورة في الشقاوة والسعادة أسبابها وطريق الوصول إليها ونماذج عليها وهَلُمَّ جرّاً.
وهذه السورة مناسبة للسورة التى قبلها من جهة ذكر آدم وموسى ومن جهة أن السورة السابقة قد ذكر في آخر آية من آياتها (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا) وهنا قال (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) فإنما جاء هذا القرآن بشارة لك وسبباً من أسباب السعادة الدنيوية والأخروية. ثم قال (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) أهلك الله قروناً كثيرة ومن أعظم هذه القرون ومن أظهرها وأجلاها وأوضحها وأقربها إليكم أيها العرب قصة فرعون ذلك الملك الكذّاب الأفّاك الذي صار من ملوك الأرض الظلومين الغشومين كيف ردّ على موسى دعوته فأهلكه الله شر إهلاك. وأهلكه أمام من كان يستضعفهم ويقتلهم ويبيدهم وذلك من رحمة الله بأولئك المؤمنين وإشفاء غيظهم.
/ افتُتحت هذه السورة بقوله (طه) وقد اختلف في قوله (طه) على مذهبين:
* منهم من يقول أنها من الحروف المقطعة فهي (طه) حرفان من حروف التهجي افتتحت بها سورة طه كما افتتحت بها بقية السور الثمانية والعشرين الأخرى مثل (حم) و(ق) و(ص) إلى آخره، وهذا قول كثير من المفسرين أن (طه) من حروف التهجي أفتتحت بها السورة كقوله (ن) و(ق) و(ص) وغيرها.
وتعرفون أن قول المحققين في مثل هذا أن (طه) و(ق) و(حم) و(طسم) كل هذه الصحيح فيها أنها حروف جعلها الله في مقدمة هذه السور ليبين أن القرآن مؤلف منها وأن الله يتحدى العرب أن يأتوا بشيء من هذا القرآن الذي جُمِعَ من هذه الحروف التي تتحدثون بها. ولذلك قلّما تُذكَر إلا ويُذكَر بعدها القرآن (الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ) (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) إلخ.
* أما القول الثاني في معنى (طه) فهو أنها ليست في الحروف المقطعة ولكنها لغة عند العرب وقيل عند غير العرب أيضاً ولكنهم قالوا إنها لغة عند عُكّ من قبائل العرب "طه" يعني يا رجل أو يا حبيبي فصارت كأنها خطاب، يعني يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، أو يا حبيبي ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى.
/ قال الله -عز وجل- (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) لما نزل القرآن قام به المؤمنون وصاروا يصلّون به في الليل ويطيلون به القيام فقال المشركون انظروا إلى هؤلاء لقد أشقاهم ما نزل عليهم أو ما جاءهم، فردّ الله عليهم بهذه الآية (مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) والقرآن ما نزل ولا نزل فيه شيء يكون سبباً من أسباب الشقاوة إنما تكون الشقاوة بترك القرآن وترك ما فيه. وأظهر دليل على ذلك يا إخواني حال الأمة الإسلامية اليوم فهذ الشقاوة التي نعيشها والنكد والضعف والهزائم المتتالية والذل والصَّغَار الذي نراه قائماً فينا إنما هو بسبب تنكّبنا لكتاب الله وتركنا إياه وإلا لما كانت أمتنا قائمة بكتاب الله محكِّمة له ودين الله فيها ظاهر وكتاب الله -عز وجل- مهيمن على كل صغيرة وكبيرة فيها كانت أمتنا عزيزة وكانت لها السيادة والريادة والتقدم والحضارة وكان ملوك الأرض يدفعون الجزية لأمير المؤمنين، وكان هارون الرشيد يقول للسحابة أمطري أنّى شئتِ فسيأتيني خراجُك يعني إن أمطرتِ في ديار الإسلام أو أمطرتِ في ديار الكفار على كل الأحوال سيأتيني ما فيك من منفعة أنظر إلى هذه العزة! هذا الإمام الذي هو هارون الرشيد كان يحجّ عاماً ويغزو عاماً كان يلاحق المبتدعة لم تظهر للمبتدعة شوكة ولا شأن إلا بعد موته، في عهد ابنه المأمون.
لكن أنظروا يا إخوان متى حُكِّمَ هذا الكتاب كان سبباً للسعادة والرقي والتقدم والحضارة. / قال الله (إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى) أي ما أنزلنا هذا القرآن إلا تذكرة وموعظة لكن لمن؟ لمن يخشى، هو موعظة للعالمين ولكن الذين ينتفعون به هم من يخشون الله وهذا يبين لنا منزلة الخشية والخوف من الله ، والخشية أشد من الخوف لأن الخشية خوفٌ مقرون بعِلْم أما الخوف فيكون بعلم وبغير علم، الإنسان يخاف من المجهول يخاف من الظُلْمة لكن الخشية لا تكون إلا مع علم (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء). وإنما ذكر أن القرآن تذكرة لمن يخشى لأن الذي يخشى لا بد أن يتعظ بالقرآن. ولهذا إذا أردت أن تتعظ بالقرآن وتنتفع به فتفقد الخشية في قلبك، لأن القلب هو التربة التي تستقبل المطر من السماء. القرآن مثل المطر والقلب مثل التربة فإذا كانت التربة صلدة جامدة ونزل عليها المطر ماذا يحصل؟ ما تنتفع ولا تستفيد يذهب المطر يميناً وشمالاً، ولكن إذا كانت طيبة ونزل عليها المطر أنبتت الكلأ والعشب الكثير. فهذا مَثَلُ قلوبنا مع القرآن إذا أردتم أن تنتفعوا بالقرآن فطيّبوا قلوبكم وأملأوها بالخشية وأكثروا من الدعاء الذي كان يختم به النبي صلي الله عليه وسلم مجالسه (اللهم اقسم لي من خشيتك ما تحول به بيني وبين معصيتك ومن طاعتك ما تبلغني به جنتك ومن اليقين ما تهون به علي مصائب الدنيا).
/ قال الله (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى) أي هذا القرآن نُزِّل عليك تنزيلاً ومادة التنزيل -كما يقول العلماء- تدل على التقطيع والتنجيم بخلاف مادة أنزل تدل على الإنزال الكلي (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) هذا إنزال جُملي نزل من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة في السماء الدنيا أما التنزيل فهو نزوله على رسول الله وما نزل على رسول الله جملة واحدة (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) أي أنزلناه مقطعاً ومنجّماً لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً.
قال (تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ) وبدأ بالأرض لماذا؟ لأنه أنزل لأهل الأرض فلما كان تنزيله على أهل الأرض بدأ بهم (مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى) .
/ (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي الذي أنزله الرحمن وهو مستوٍ على عرشه استواءً يليق بجلاله وعظمته والإستواء هو العلو والإرتفاع وهو علوٌ لا نعرف كيفيته نعلم معناه ولا نعرف كيفيته لأن الكلام في الصفات فَرْعٌ عن الكلام في الذات فكما أننا لا نعلم كيفية ذات الله لا نعلم كيفية صفات الله. وقد جاء ذكر الاستواء على العرش في القرآن في سبعة مواطن ومع ذلك أنكرته كثير من طوائف المسلمين مع وضوحه وظهوره في كتاب الله وإجماع السلف عليه. جاء رجل للإمام مالك وهو في مجلسه في المسجد النبوي فقال يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فَفَرِق الإمام مالك وخفض رأسه وعلته الرحضاء -تصبب عرقاً- سؤال غريب من الذي يجرؤ على أن يسأل عن كيفية صفة من صفات الرب؟ من الذي يستطيع أن يصف الرب أو يكيّف صفته؟ ثم رفع رأسه وقال تلك الدرر من الجواب العظيم الذي أُلهِم إياه إلهاماً قال: "الإستواء معلوم - معروف المعنى- والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة وما أراك إلا مبتدعاً" فأمر به فأُخرج من المسجد. وهذا الجواب روي عن ربيعة الرأي أحد شيوخ الإمام مالك وروي عن أمنا أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- وأجمع السلف عليه. ومن ضل فإنما يضل بأمر الله لأن من طوائف المسلمين من قال (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) -استولى - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
وانظروا يا إخواني فرّوا من إثبات صفة الإستواء لله فوقعوا في شر مما فرّوا منه وهو أن العرش ليس مُلكاً لله فالله استولى عليه بعد أن لم يكن له، تعالى الله! وهذا مثل ما قالت اليهود قال الله لهم قولوا (حطة) يعني أُحطط عنا ذنوبنا فقالوا (حنطة) زادوا نوناً وهؤلاء قال الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) قالوا استولى عليه.
/ قال الله (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) لما جاء إلى المُلك ذكر ما هو حقيق بالملك وهو السماوات لأنها أعظم من خلق الأرض ولذلك قال (له) وحده وهذا أسلوب من أساليب الحصر تقديم ما حقّه التأخير. (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى) كل ذلك له -جل وعلا- أي وما تحت الأرض السابعة.
/ (وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ) يعني إن تكلمت فرفعت صوتك (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى).
(اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ) لا معبود بحق سواه (لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى) فانظروا يا إخواني كيف يجمع أنواع التوحيد وأنواع التعظيم لله الذي أنزل هذا القرآن لنأخذ هذا القرآن بقوة ونعلم أن ما قاله الله فيه من أنه مصدر للسعادة وأنه لا يمكن أن يشقى من أخذ به، نأخذها بجد لأن هذا الكلام جاء من عند الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى وهو الذي يعلم السر ويعلم ما هو أخفى من السر.
/ قال الله -عز وجل- (وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى) إستفهام على سبيل التقرير.
(إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) إني أبصرت ناراً (لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) خرج موسى عليه الصلاة والسلام من عند أهل امرأته في مدين بعد أن قضى الأجل تاماً كاملاً عشر سنين ،اشتاق إلى أهله وإلى أمه وإلى قومه فأراد أن يرجع إليهم ويتفقدهم. ولما كان في الطريق قرب الطور يعني في أرض سيناء كان الليل شاتياً ومظلماً شديد الظلمة واختلف عليه الطريق وأراد أن يشعل النار فقدح الزناد فلم يشعل ناراً فتعجب فالتفت فرأى ناراً أبصرها من بعيد فقال لأهله امكثوا -انتظروا- وهذه عادة الرجال هم الذين يقومون بالمهمات الصعبة المهمات التي فيها مخاطرة ويحمون النساء ما يعرضوهن للمهالك لأنها مثل الرجل لا، ليست مثل الرجل لها أعمال وعليها أعباء تختلف عن أعباء الرجل وأعماله - قال لأهله امكثوا ، يخدمهم ويقوم بواجبه نحوهم، هذا خُلُق الرجال الذين يعرفون أنهم رجال، قال (امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا) ابصرت ناراً (لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ) هذا القبس لماذا؟ يقبس من النار جذوةً أو قطعة من أجل أن يستدفئوا بها لقول الله في سورة القصص (لَّعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وهذا يدل على أنهم كانوا في الشتاء. وقوله (قبس) يدل على أنهم كانوا في الليل. قال (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) سبحان من ألهم موسى عليه الصلاة والسلام أن يقول (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) لأن من المفترض أن يقول أن أقبس لكم من النار ويسكت قال (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى) فوجد الهدى وأيّ هدى هدى الدنيا والآخرة. ولم يقل أو أجد هادياً أو دليلاً يدلني على الطريق وجد الهدى قد نزل في ذلك الموطن.
/ قال الله -عز وجل- (فَلَمَّا أَتَاهَا) وصل إليها (نُودِي يَا مُوسَى) جاءه النداء لا يدري من أين (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) لاحظوا يا إخواني تعريف بالنفس في أول لحظة من لحظات اللقاء وهذا الذي يستنكف منه كثير من الجاهلين عندما تقول له عندما يطرق الباب مَن؟ يقول لك أنا، من أنت؟! يقول لك أنا افتح ولا يريد أن يخبر عن اسمه يتعالى عن ذكر الاسم. وتروننا نحن الآن يسلم بعضنا على بعض ويستنكف الواحد أن يعرف باسمه في الناس لماذا؟! عرِّف بنفسك. ربنا في أول لقاء له مع موسى يقول (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ويقول مؤكداً هذا المعنى (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).
(إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) ولما قال أنا ربك طمأنه لأن الربوبية تقتضي العناية والرعاية والرحمة والرفق والرفادة والعون والغوث فيطمئن، لكن لو قال (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ) من أول لقاء لتهيب موسى.
/ قال الله (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ):
* قيل إخلع نعليك لأن هذا المقام مقام طيب وكان من عادتهم إذا دخلوا الأماكن الطيبة والمساجد والمصلّيات يخلعون نعالهم وقد ثبت في الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال (خالفوا اليهود صلّوا في نعالكم فإنهم لا يصلّون في نعالهم) وهذا يؤكد هذا المعنى فكانوا إذا جاؤوا إلى أماكن العبادة يخلعون نعالهم فخلعها خضوعاً لله وذلاً بين يديه وطاعة لأمره .
* وقيل خلعها أو أمره الله بخلعها لأنها كانت من جلد حمار لم يُذكّى كما ذكر ذلك بعض السلف والله أعلم بصحة هذا الذي قالوه.
/ (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى) أنت بالوادي المقدس أي المطهّر، وادٍ عظيم له حرمته ومكانته. واسمه طوى وهذا هو الصحيح من أقوال أهل العلم في كلمة طوى وقد جاءت بدلاً من قوله (إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ) الوادي المقدس ما هو؟ طوى، أي اسمه طوى.
/ (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) أنا اصطفيتك (وَرَبُكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ) ما كان لهم الخيار هذا اختيار الله (اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ).
/ (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) وهذا يدل على أن أول منزلة من منازل استقبال الوحي هي الاستماع له قال الله -عز وجل- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ) يستمع، يتلو عليهم آياته، (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِّنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ) وهذا يؤكد أن الإنسان إذا إستمع وصدَق في قلبه أن يقبل ما يستمع إذا كان حقاً فإن الله يهديه ويكون هذا الإستماع نعمة عليه وبركة (وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
/ (فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى) ما هو الذي يوحى؟ هو ما يلي (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا) لا يُعبَد أحد بحقٍ سواي (فاعبدني) يا موسى ووحّدني ولا تعبد أحداً سواي. ولما ذكر العبادة ذكر أجلّ عبادة فقال (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) في سورة مريم تذكرون كيف أن عيسى يقول (وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا) وإسماعيل يقول الله في حقه (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ) ، وزكريا خرج على قومه من المحراب وهنا يقول الله -عز وجل- في أول لقاء، أول وحي يُلقى على موسى (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) كلما ذكرتني فأقم الصلاة. وقد ورد في الحديث الصحيح أن النبي قال (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك وتلا قوله (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي).
/ قال الله (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا) سبحان الله! في قضايا الإيمان أو في قضايا الدين تجد أن الإيمان بالله يقترن دائماً بالإيمان باليوم الآخر لأن النفس لا تستقيم إلا بالإيمان بهما. وإذا لم يؤمن الإنسان بهما لا يمكن أن يستقيم في طاعة الله لأن الإنسان إما أن يخاف الله أو يخاف لقاء الله. يعني إما أن يعرف الله حق المعرفة ويؤمن به حق الإيمان أو يخشى من لقائه فكلا الأمرين يسوقانه إلى الله سوقاً ولذلك قال (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14) إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ) لا بد من إتيانها ولا شك في قيامها. (أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) قال أكاد أخفيها يعني : أكاد أخفيها من الناس ولمّا أُخْفِها لكوني وضعت عليها علامات تدل عليها ولو شاء الله لم يجعل لها علامة بل ما يشعر الناس إلا وقد قامت الساعة، لكن منذ بعثة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نرى علامات الساعة وأشراطها هذا قول.
والقول الثاني -وعليه كثير من السلف- أكاد أخفيها من نفسي أي من شدة إخفائي إياها أكاد أخفيها من نفسي فلم أُطلع عليها ملكاً مُقرّباً ولا نبياً مرسلاً ولذلك قال في سورة الأعراف (ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) ما أحد يطلع، ما أطلع الله أحداً من خلقه عليها لا ملكاً ولا نبياً ولا أحداً من عباده ولا أنزل ذلك في كتاب من كتبه. نحن إلى اليوم في كل عام نسمع من يدّعي أن الساعة ستقوم في اليوم الفلاني في الساعة الفلانية، والعجيب أنك تجد في أهل الإيمان وفي المسلمين من يصدق هذه الدعوات! يقال في يوم كذا وكذا في ساعة كذا ستقوم الساعة، سبحان الله! عندنا حقيقة قرآنية من لم يؤمن بها فهو كافر، الساعة مخفاة ما يطّلع عليها أحد ولا يعلم بها إلا الله، حتى جبرائيل ومحمد -صلى الله عليه وسلم- وإبراهيم وغيرهما ما يدرون عنها.
/ قال الله (لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى) الساعة آتية من أجل أن تجزى كل نفس بما تسعى. قال الله -عز وجل- (فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا) لا يصدنك عن الإيمان بها (مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا) من كان متشككاً في قيامها ،إياك أن يصدك عن الإيمان بها أو عن العمل لها.
/ قال (مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ) صار إلهه هواه يتبعه فيقوده الهوى إلى الردى، قال (وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى) يعني فتهلك، لا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتهلك كما هلك.
/قال الله -جل وعلا- (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) يسأله الله ليس سؤال المستعلِم الذي يريد أن يعرف الحقيقة لأن الله يعلم السر وأخفى وما يخفى عليه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولكن أراد أن يلفت نظر موسى إلى الذي بيده (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) وأنظر كانت بيمينه لأنها شيء طيب والأنبياء لا يحملون الأشياء الطيبة إلا بيمينهم وأما الأشياء الخبيثة فهم يضعونها أو يتعاطونها بشمالهم.
/ (قَالَ هِيَ عَصَايَ) هذ هو الجواب لو اختصر عليه موسى لكان كافياً ولكنه استلذّ المناجاة مع الله . الآن في حضرة الملك ويسألك الملك بالله ما يكون عندك رغبة شديدة وجامحة في أنك تطيل الحديث معه؟ (قَالَ هِيَ عَصَايَ) ثم ذكر في أيّ شيء يستعملها فكان ذكياً حيث لم يتعدّى ولم يقصِّر ماذا قال؟ (أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا) أجعلها تُكأة لي عندما أسير (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) أكثر الناس يفهمون هذا (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) أي أفعل هكذا، لا، (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) أي أرفعها حتى أمسك غصن الشجرة ثم أفعل هكذا حتى ينزل الهشيش وهو الورق الذي يكون في الشجر الذي لا تستطيع الغنم أن تصل إليه. لعلكم تشاهدون أهل البادية يكون معه عصا -مِحجن- أو عصا معقوفة الرأس فإذا وصل إلى الشجرة وقفت الغنم بجواره تنتظر أن يهز الشجرة فإذا هزها تساقط الورق والثمر فعادت عليه، قال (وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي) ولو كانت أهش بها يعني أسوق بها غنمي لقال (أهش بها غنمي) ولم يقل (على غنمي). لما ذكر هذين الأمرين ما يدري هل الرب -سبحانه وتعالى- يريد أن يستمع للباقي من الأسباب أو من أعمال هذه العصا أو لا يريد فذكر جمله مجمَلة إذا كان يريد فسيقول وما هي؟ وإذا كان لا يريد سكت عنه قال (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) هذا من الذكاء لأن الله إذا كان يريد منك أن تُعلِمه بالمآرب الأخرى قال لك أخبرني ما هي المآرب الأخرى وإذا كان لا يريد ذلك لأن المقام ليس مقام العصا ومهماتها في الحياة فإنه سيسكت عن ذلك وهذا ما حصل قال (وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى). وقد عدّ العلماء عشرة مآرب للعصا منها أن الإنسان يهشّ بها الهوام عن نفسه ويقتل به الهوام ويحمل بها المتاع ويحمل بها أيضاً إذا كان على ناقته أو حماره وغير ذلك.
/ قال (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى) هذا هو المراد من السؤال ما تلك بيمينك؟ عصا، ألقِها إذا كانت عصا ألقِها لتنظر ماذا نصنع بها. (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى) فألقاها لا يدري لما أمره الله أن يلقيها (فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) والحية هي الكبير من الثعابين وقال تسعى أي تتحرك، وفي سورة النمل قال (جان) والجانّ هو الحية الصغيرة الذي حركته سريعة. إذاً من مجموع هذه الأوصاف ثعبان ضخم يتحرك حركة سريعة بخلاف الحيّات إذا كانت ضخمة ما تتحرك حركة سريعة تجد حركتها بطيئة أما هذه التي حصلت لموسى تحولت إلى حية عظيمة ضخمة وتتحرك حركة سريعة كأنها جانّ أي كأنها تلك الحية الصغيرة التي تتحرك حركة سريعة.
/ قال الله -عز وجل- (فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) أي تتحرك، (قَالَ خُذْهَا) فخاف موسى لأن من طبيعة البشر أنهم يخافون من الحية أياً كانوا لا يكاد يسلم من ذلك أحد. يُقال إن موسى أخذ طرف مِدرَعته فتوقى بيده ليأخذ فقال له جبريل أريت لو أن الله أراد أن تلدغك أيمنعك ثوبك؟ قال لا والله لا يمنعني ثوبي، قال فاستلمها يا موسى خذها من فمها قال خذها ولا تخف خلاص إنزع الخوف من نفسك أنت في حضرة الكريم الذي يرعاك ويتولاك. (سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى) من حين أن تُمسك بها تتحول إلى عصا ، جماد لا يتحرك، لا يتنفس لا يرى ،لا يبصر ليس فيه روح وليس فيه حياة.
/ قال الله (وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ) اجعلها تحت عضدك أضمم يدك إلى جناحك (تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) مثل القمر تتلألأ حتى في ظلمة الليل يرى لها نور (بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ) أي من غير عيب ولا مرض ولا بَرَص.
(مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى) آية إضافية كِلا الآيتين إذا تأملتهم نلاحظ أنها من قبيل قلب الأشياء قلب حقائق الأشياء وهذه التي هي تقليب الأشياء أو قلبها من عمل السحرة السحرة هم الذين يقلبون الأشياء جعل لك الحذاء طعاماً، ويجعل الكرسي حيواناً يتحرك مثلاً، يقلب حقيقة الشيء أو يسحر أعين الناس فترى الشيء على غير حقيقته فجاءت آية موسى من جنس ما كان أولئك القوم قد برعوا فيه حتى تكون آية من نفس الشيء الذي هم يتقنونه ويقومون به. كما فعل الله بعيسى -عليه الصلاة والسلام- أعطاه آية من جنس ما برع فيه القوم الذين بُعِث فيهم فهم كانوا قوماً أطباء يعالجون المرضى والطب قد فشا فيهم فالله أعطاه آيات ما هي؟ يمسح يده على الأعمى الذي وُلِدَ أعمى فيبصر، وعلى الأبرص فيعود لونه طبيعياً ،وأكثر من ذلك ينفخ في الميت فيقوم حياً. الطب مهما بلغ ما يمكن أن يصل إلى أن يفعل واحد من هذه الثلاثة فأُعطي عيسى آية من جنس ما برع فيه قومه لأن التحدى إنما يكون في هذا، إذا جئت إلى إنسان بارع في الصناعة تقول له تعال أنا أتحداك في البناء ما يصلح يقول أتعلم البناء وبعدين تحداني فيه.
/ قال الله (لِنُرِيَكَ مِنْ آيَاتِنَا الْكُبْرَى (23) اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى) هنا جاء التكليف وجاءت الرسالة. ولعلنا نقف عند هذا الحد لنكمل إن شاء الله في المجلس القادم أسأل الله أن ينفعني وإياكم بآيات القرآن العظيم وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لتحميل الملف الصوتي :
لتحميل الملف الصوتي :
_______________________________________________________
مصدر التفريغ: http://www.tafsir.net/vb/tafsir28329/#ixzz2NJ3N8xVN
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق