الأربعاء، 11 يوليو 2012

جـ 10 / الوقفة الأولى / صدر سورة براءة


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد :
 مع الجزء العاشر من كلام رب العالمين تبارك وتعالى ، والآيات التي سنختارها صدر سورة براءة وهي السورة الوحيدة في القرآن التي ليس فيها سطر "بسم الله الرحمن الرحيم " واختلف العلماء رحمهم الله في السبب الذي من أجله لم يكتب الصحابة - رضي الله عنهم وأرضاهم - سطر " بسم الله الرحمن الرحيم " قبل السورة ، أقوال ضعيفة وأقوال قوية فنقف مراعاة للوقف عند قولين قويين في المسألة :
 / القول الأول : منسوب إلى علي بن أبي طالب وهو قول سفيان بن عيينه من أن "بسم الله الرحمن الرحيم" كلمة أمان ورحمة وصدر سورة براءة نزل بالسيف ولا يجتمع السيف مع الأمان والرحمة هذا قول يُنسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه وأرضاه - وهو أحد القولين القويين في المسألة .
 / القول الآخر - واختاره أكثر المحققين - ومنهم شيخنا الشنقيطي - رحمه الله - وهو حديث ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عند أبي داود والترمذي وأحمد والحاكم وابن حبان بسند صحيح أن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال لعثمان : "ما حملكم على ألاّ تكتبوا "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول سورة براءة وفرقتم بينها وبين الأنفال ، والأنفال من المثاني وبراءة من الطوال " من المئين ، فقال عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا نزلت عليه آية من القرآن قال لمن يكتب عنده : اجعل هذا في مكان كذا وهذا في مكان كذا ، وكانت سورة الأنفال من أوائل ما نزل وسورة براءة من آخر ما نزل ومات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون أن نعرف منه هل هما سورة واحدة أو لا فرأيت الشبه بينهما - في الموضوع - فجعلتهما مقترنين ولم أكتب بينهما "بسم الله الرحمن الرحيم" غلب على ظني أنهما مقترنان فلم أكتب بينهما "بسم الله الرحمن الرحيم" .
هذا الأثر اجتمعت فيه شخصيتان : شخصية عثمان - رضي الله عنه وأرضاه - وهو الذي يُنسب إليه المصحف الإمام ، وهو من أكثر الصحابة قراءة للقرآن وقد عُرف عنه أنه يقوم به ولذلك لما طُعن طُعن والقرآن بين يديه ، موضع الشاهد منه : أن علاقة عثمان بالقرآن قوية جدا .
كذلك ابن عباس - رضي الله عنهما - هو الحَبرُ المعروف الذي دعا له النبي - صلى الله عليه وسلم - بالفقه في الدين وأن يعلمه الله التأويل . هذا الذي جعل كثيرا من المحققين يقولون إن هذا أقوى نص في مسألة لِم تُركت سطر "بسم الله الرحمن الرحيم" من سورة براءة .
 / أما تفسير الآية : فقول الله - جل وعلا - (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) أي معنى هذه براءة ، والبراءة : التخلص والتباعد سببا من أي شيء، والنبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بصدر براءة علي بن أبي طالب - ابن عمه - يُنادي بها في الناس ، وهذه المناداة بناء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بينه وبين المشركين بعضهم بينه وبينهم عهد أقل من أربعة أشهر ، وبعضهم بينه وبينهم أكثر من أربعة أشهر ، وبعضهم ليس بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - عهد ، وأمر أبو بكر أن يُنادي في الناس ، وأبو بكر - رضي الله عنه - حجّ بالناس حجّة سنة تسع والرسول حجّ حجّة الوداع سنة عشر .
في هذه السنة أُمر أن يُنادى بالناس بأربعة أشياء :
 - بألاّ يطوف بالبيت عريان ، وهذا يدلّ على أنهم كان بعضهم يطوفون بالبيت عُراة .
 - وأنه لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة
- أنه لا يحجّ المسلمون والمشركون بعد عامهم هذا ، أي لا يجوز لمشرك أن يقرب الحرم .
- أن من كان له مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد فعهده إلى مدته .
هذه الأربع التي كان يُنادى بها في الناس في يوم الحجّ .
/ قال الله - جل وعلا - (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ) قلنا هذه البراءة أُعلنت وأعلنها علي لأنه ألصق بالنبي - صلى الله عليه وسلم - نسبا . وينبغي للعاقل أن يفقه ، ثمة أشياء تتعلق بالقرابة ، وثمة أشياء تتعلق بالفضل العام ، ولابد أن يُفرق ما بين ما يتعلق بالقرابة وما يتعلق بالفضل العام ما يتعلق بالقرابة : مسألة تجهيز الميت فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات لم يتولَ أبو بكر ولا عمر ولا عثمان شيئا من تجهيزه وإنما تولى أهل بيته وعصبته ذلك ، تولاه عليّ والعباس وقثم والفضل وأسامة وشُقران ، عصبة رسول الله ومواليه فهم الذين غسلوه وكفنوه ودفنوه ، أما الصلاة فهي عامة لكن الفضل العام هذا لا علاقة له بالقرابة . فلما كان في نسق حياة العرب أن الإنسان إذا أراد أن يُغير في العهد أو يُبدل فيه لا يقوم به إلا قريبه ولصيقه بعث عليا به . ولما كان الحجّ أمرا عامّا يتعلق بمصالح المسلمين كلهم جعل أبا بكر أميرا على الحجّ .
 / (بَرَاءَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ * فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) أي لكم أن تسيحوا في الأرض شرقا أوغربا ، شمالا أو جنوبا أربعة أشهر لا يتعرض لكم مسلم بعد الأربعة أشهر حق للمسلم أن يتعرض لكم - كما سيأتي - .
 / (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) والعدد أربعة، الشهر مذكر فلذلك أُنث العدد ، والعرب في كلامهم تجعل العدد يخالف المعدود تذكيرا وتأنيثا من الثلاثة إلى التسع ويفرقون ما بين جمع القلة وجمع الكثرة ، فإذا كان العدد فوق التسع فهو جمع كثرة وإذا كان أقل من التسع ، تسعة فما دون فيجعلونه جمع قلة . فكلمة "شهر" تُجمع جمع كثرة على "شهور" وجمع قلة على "أشهر" كما تُجمع نجم جمع كثرة على نجوم ، وجمع قلة على أنجم . فلما ذكر الله الأربعة هنا قال (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ ) .
/ (فَسِيحُواْ فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) ولو كتبنا لكم وأبحنا لكم أن تتنقلوا في البلاد دون أن ينالكم من أذى المسلمين شيء بناء على عهد أعطيناكموه فلا يعني ذلك أن الله عاجز عنكم . (وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ) قربتم أو بعدتم في الأربعة أشهر أو في خلافها . (وَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ ) ولا ريب أن الله - جل وعلا - كتب الخزي على من كفر به . وأصلا صدر الآية يكفي فأي خير في أحد تبرأ الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - منه ؟ لا يمكن أن يكون فيه من الخيرية شيء .
/ ثم قال ربنا (وَأَذَانٌ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ) وهذا سندرسه إن شاء الله في الوقفة الثانية .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق