الخميس، 7 يونيو 2012

اللباس في القرآن الكريم


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على فضله والصلاة والسلام على أكرم رسله وأشرف خلقه وبعد :
 نستأنف دروسنا في التفسير في هذا اللقاء المبارك وقد بيّنا فيما مضى من لقاءات ودروس أن كل حلقة تحمل عنوانا ، ولقاء اليوم يحمل عنوان (( اللباس في القران الكريم )) والأصل فيه قول الله - جل وعلا - (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ) .
 الله تبارك وتعالى أدخل أبانا آدم الجنة ونهاه عن شجرة فجاء الشيطان فوسوس له فأكل من الشجرة فكان أكله من الشجرة سببا في أن تُكشف عورته قال الله عن إبليس (لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْآتِهِمَا) أُهبط آدم إلى الأرض فيما يظهر والعلم عند الله نقول هذا ظاهر القران أن آدم لما نزل نزل ومعه ما يستره من لباس فلهذا نسج الناس على ما كان على آدم  ، من هنا يفهم قول الله تعالى (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا) وقيل في هذا معاني أُخر فقول الله - جل وعلا -  (يُوَارِي سَوْآتِكُمْ) يفقه منه ما يلي أو يمكن أن نقول فقهيا في المسألة كما يلي :
 اللباس تجري عليه الأحكام الخمسة :  الوجوب ، الندب ، الكراهة ، الإباحة ، التحريم هذه الأحكام الخمسة  .
نأتي بالأحكام الخمسة على اللباس :
/ الوجوب : ماذا يجب في اللباس ؟ ستر العورة ، فستر المؤمن لعورته واجب وقد قال عليه الصلاه والسلام لبعض اصحابه (لا تنظر الى عورة حي ولا ميت ) فستر العوره واجب سواء اكان المخاطب ذكرا او انثى هذا الوجوب .
/ التحريم  : لبس الحرير للرجال فإن النبي عليه الصلاه والسلام حرم الذهب وحرم الحرير على الرجال فلا يجوز للرجل ان يلبس حريراً .
/ الندب : وهو التزين والتجمل في الجُمع والجماعات والأعياد والمحافل فإن النبي - عليه الصلاة والسلام - كان يتزين في العيدين وفي الجُمع وله لباس كان يقابل به الوفود صلوات الله وسلامه عليه هذه الحال الثالثة .
/ الحالة الرابعة :  الكراهة ، وهو أن يلبس الثري أو الغني ثوبا خلِقا فقد جاء الشرع ينهى عن هذا وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل عليه ثياب رثة خلِقه قال : ألك مال ؟ قال : نعم يارسول الله لي إبل ، وبقر ، وغنم ، قال (فإن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ) فهذا لا يليق أن يأتي إنسان مقتدر ويلبس ثيابا خلـِقه ، قال الإمام مالك  - رحمه الله - وكان الإمام مالك ممن يُعنى بلباسه وذكروا عنه أشياء لا أظنها تصح لكن يفهم منها أنه كان - رحمه الله - يُعنى كثيرا بهيئته كان يقول : " قبيح بالمرء أن يعرف دينه من ثيابه" بمعنى ان المؤمن يُعرف دينه بورعه ، يُعرف دينه بتقواه ، يُعرف دينه بخشيته ، لا بأن يلبس ثياباً رثه حتى يظن الناس بأنه ذو تقوى هذا مفهوم قول مالك . وفي ما قاله مالك رحمه الله على اطلاقه نظر لكن انا اوجه قول مالك بمعنى اشرحه افسره وابينه .
/ الحالة الخامسة : حاله إباحة ، وهو ما اعتاد الناس أن يلبسوه فهذا لا ينبغي للإنسان أن يخرج عما ألِفه قومه وينقسم هذا الحال الى قسمين : حالات تتعلق بالأجناس وحالات تتعلق بالصناعة 
/ حالات الأجناس : فمثلا نتكلم عن العالم الإسلامي ، العالم الإسلامي حال من يسكن في الغرب له لباس معين ومن يسكن في الشرق له لباس معين ، من يسكن في الجنوب له لباس معين ، ومن يسكن في الشمال غالبا أو بعضهم له لباس معين ، فلا يفخر أحد بلباسه على الآخر ، هذا تحكمه التقاليد ، تحكمه الأعراف فأنت إذا رأيته عرفت أنه من البلد الفلانية فلا نقول أن هذا أتقى وأن هذا أشدّ بُعدا عن التقوى ، هذه أعراف وتقاليد لا علاقة لها بالدلالة على ورع العبد أو عدم ورعه هذا ما يتعلق بالاجناس .
 / اما ما يتعلق بالصناعة : فأحيانا وليس لزاما يكون لكل أهل صنعة شيئا أو لباساً يلبسونه كما في زماننا الأطباء لهم لبس ومن يعمل في المهن لهم لباس وهكذا فهذا لا يتعلق به حِل ولا حرمة إلا أن يأتي أحدهم شيئاً محرماً ظاهرا حرمه الله لدينا نص من الحديث النبوي أو من القران الكريم من قبل يدل على تحريمه هذه قواعد عامة في اللباس .
  النبي عليه الصلاه والسلام لبس القميص وكان أكثر لبسه ، والقميص لا يكون من صوف يكون غالبا من كتان وكان - عليه الصلاة والسلام - ورد عنه ولا يدرى أهذا على كل أحواله أو لا ، أحياننا يجعل الإزار غير منعقد ، وقد رآه أحد الصحابة من مُزينة وهو في مجلسه فوضع يده في جيب قميصه - جيب القميص هذه الفتحة اللتي يدخل فيها الانسان يده اذا اراد ان يلبس قميصه تسمى جيب - فأدخل يده حتى لمس خاتمه الشريف اللذي هو خلف ظهره - عليه الصلاة والسلام - ولا ريب ان هذا بادئ الرأي يُخل بالوقار إذ يعمد رجل الى سيد الناس في مجلسه عليه الصلاه والسلام ويضع يده في جيب قميصه حتى يصل الخاتم لكن قال العلماء في تخريج هذا : أنه من جهة النبي - صلى الله عليه وسلم - يدل على تواضعه لأنه لم ينهَ الصحابي ، ومن جهة الصحابي يدل على أن الصحابي كان يلتمس بركة جسده - صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أن النبي - صلى الله وسلم عليه - قطعا كان بركة ظاهرة في الدنيا صلوات الله وسلامه عليه وقد مر معنا مراراً أن وهو عائد من غزوه تبوك قابله صبيان أهل المدينة فكان فيهم السائب بن يزيد رضي الله عنه وكان السائب يومها صغيرا فوضع - صلى الله عليه وسلم - يده على رأس السائب وقال له من أنت ؟ قال له أنا السائب بن يزيد يا رسول الله ، فكأنه دعا له وبرك ووضع يده على رأس السائب  . هذا الصحابي الجليل عُمّر حتى بلغ 90 سنة فشاب شعر رأسه - إبيضّ - وشعر حاجبيه ولحيته وشاربه إلا موضع يده - صلى الله عليه وسلم - بقي أسود كما هو ببركة وضع يده صلوات الله وسلامه عليه . المقصود قالوا هذا تخريج لما فعل الصحابي . هذا ما يتعلق بأحكام اللباس فقهياً .
 ذكر الله - جل وعلا - لباس أهل الجنة - أسكننا الله وإياكم إياها - قال - جل وعلا - (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) وقال (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الأَرَائِكِ ) الجنة نعيم كلها ونعيمها تلذذ أكثر منه حاجة فإن أهل الجنة لا يجوعون ، لا جوع فيها ومع ذلك يطعمون ، ولا ظمأ فيها ومع ذلك يشربون ، ولأن النوم أخو الموت فلا نوم فيها ، ولأنه لا يعقل الجنة ليست دار تكليف أن أحدا ينظر إلى عورة أحد ومع ذلك يتجملون ، يلبسون قال ربنا (وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ) (وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) يلبسون ثيابا خضرا كل ذلك من رحمة الله جل وعلا بهم وإجلاله لهم .
 كما ذكر القرآن هذا النوع من اللباس الذي تُكسى به العورات وتُستر وتجمل ذكر القرآن ألبسة أخرى ، ذكر لباس الحرب قال في حق داود عليه السلام (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ) وهي الدروع قال الفرزدق :
 حُلل الملوك لباسنا في أهلنا *** والسابغات الى الورى نتسربل 
 يعني نلبس الدروع فهذا من لباس الحرب والنبي صلى الله عليه وسلم ظاهر في درعين يوم أُحد أي أنه لبس درعين صلوات ربي وسلامه عليه يوم أُحد لأن الإسلام يجعل العقل مع النقل حاكما ، فالنقل حاكم على العقل والعقل به يعرف الإنسان كيف يزن الأمور وإلا الله يقول لنبيه (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) والصحابة لن يتركوا أحدا يصل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحرب ومع ذلك العقل يقول أنه يلبس درعا يتقي بها سيوف الأعداء ولهذا قالوا أن الأعشى مدح أحد الملوك فقال :
وإذا تكون كتيبة ملمومة خرساء قد كره الحُماة نزالها *** كنت المُقدم غير لابس لمة بالسيف تضرب مُعلِما ابطالها
وهو يقول له إذا جاءت كتيبة في الحديد وأنت قابلت هذه الكتيبة ليس عليك درع " كنت المُقدم غير لابس لمة بالسيف تضرب معلما أبطالها" ، قالوا إنك ما مدحت الملك بل وصفته بأنه أحمق يقابل كتيبة هكذا بغير درع والمراد أن الانسان يتوكل على الله ويكون له عقل من الله يأتيه فضل يزن به الأمور قلنا هذا  (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ) .
  كذلك جاء في القرآن ما هو أعظم من هذا كله وهو لباس التقوى قال الله (أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا)
 " ريشا " : يعني النعيم ، الزيادة ، الكماليات ، المال ، كل ذلك يدخل في هذا المعنى .
  ثم قال ربنا (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) لماذا لباس التقوى خير ؟!
ما يلبسه الإنسان يستر عورته الظاهرة أما التقوى بها تُستر العورة الباطنة والمعنى : من كان تقيا فلا يفضح يوم القيامة أمام الأشهاد فلباس التقوى برحمة الله ستر الله به عليه ومن لم يكن تقيا لا تقوى تستره فيُفضح في الملأ وأمام الأشهاد ولهذا قال الله  - جل وعلا -  (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) ومن زيّن نفسه بما أباحه الله من اللباس ظاهرا وزيّن نفسه بما شرع الله من التقوى باطنا هذا الذي نال عنوان الكمال وقد كان الصدّيق يوسف عليه السلام جميلا في مبهاه تقيا في باطنه - عليه الصلاة والسلام - ومن زيّن نفسه بالتقوى جمّله الله - جل وعلا - في عيون الخلق قال ربنا (وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ)  .
 كان بعض كفار قريش يطوفون بالبيت عراة فأصل الآية نزل في هذا المعنى وهو منعهم من أن يطوف بالبيت عريان ، وقد مر معنا ربما في لقاءات ماضية أنه ورد عن أبي موسى الأشعري وورد عن غيره من الصحابة أنه كان إذا اغتسل وأفاض الماء على نفسه يحني جذعه يعني جسده حتى يلملم ملابسه وما يستره يستحي أن يكون ظاهرا عاريا بين يدي الله وهذا حياء خفي لكن الإنسان بحسب ما يُعلِّمه نفسه فالعاقل يربي نفسه على الكمال ولن تنال شيئا في الظاهر حتى تربي نفسك عليه في الباطن فتستتر وتستحي من الله في خلوتك فإذا استحييت من الله في خلوتك ستر الله عليك يوم تلقاه والناس يحشرون يوم القيامة عراة فأول من يُكسى خليل الله إبراهيم ثم يُكسى الناس كل بحسب تقواه ولو أن كل أحد جلس مع نفسه لعرف أين هو من تقوى الله في الخلوة ، وقد قيل : "اعرض نفسك على كتاب الله تعلم أين ستكون يوم القيامة" (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ) والمراد : أن الله من أعظم ما يؤتيه عباده في قلوبهم أن يرزقهم الحياء منه وليس معنى الحياء من الله في العورات فقط إنما الحياء من الله له طرائق سنذكر بعض منها :
/ يستحسي المؤمن أن يأكل وذو عينين ينظر إليه ولا يطعمه منه شيئا
/ يستحيي المؤمن أن يكون تحته من لا يجد عليه ناصرا الا الله ثم يظلمه ، ما معنى لايجد عليه ناصرا الا الله ؟!
رجل لديه مثلا عامل منقطع غريب ربما وضعه المالي ، قل النظامي لا يساعده على أن ياخذ حقه فهو لايملك نصيرا إلا الله ربما لا يجيد العربية حتى يستنجد بزيد او بعمر فهذا من يعرف الله حقا يستحي من الله أن يظلمه لأنه يعلم أن هذا ليس له نصير إلا الله فلا تجعل نفسك دون أن تشعر كمن يعاند ربه ، ولو أن أحدنا صنع بكل أحد يقف بين يديه ما يحب أن يصنعه به ربه إذا وقف بين يديه سلِم وهذا من جنس الحياء من الله ، ومنه لا يأتي عاقل - كما نسمع عفى الله عنا وعن المسلمين - من يؤذي زوجته أمام أبنائها أو يهينها أمام بناتها لأن الأصل أنها تكون عظيمة جليلة في عين أبنائها وبناتها فليس من الحياء مع الله أن تهينها أمام أبنائها وبناتها لما آتاك الله من سلطان عليها ، لكنك ولو قُدِّر أن تؤدبها أدبها بمنأى عن أبنائها وبناتها ، وكذلك المُعلم لا يأتي لطالب لأن أباه ليس ذا شأن لا أميرا ولا وزيرا ولا مسؤولا ولا ذا مال فتأخذ في إهانته أمام أقرانه ، إذا أردت أن تُعلّمه ، تأدبه فأدبه على خلوة لا على جلوة حتى تكون حييا من الله . ما عند الله يُشترى بالإحسان إلى خلقه، الله يقول (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) الذي يريد ما عند الله عندما يُحسن الى زيد اأو عمر لا يرقب أبدا أن يأتيه من زيد او عمر ما يُكافئه لكنه يرتقبها من  الله ويضعها الإنسان ليوم يلقى الله - جل وعلا - فيه هو أحوج ما يكون لهذا الشأن وهذا يبدأ منذ أن يخلو الإنسان بعمله في قبره ، جعل الله قبري وقبوركم لنا نورا إن ربي سميع الدعاء والحمد لله رب العالمين .
---------------------------------------
الشكر موصول لبنيتي الغالية لتفريغها الحلقة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق