د. محمد بن عبد العزيز الخضيري
الحمد لله ..والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أمّا بعـد :
فهذا هو المجلس الخامس من مجالس تفسير سورة النساء في هذه الدورة المباركة "دورة الأترُجّة" المقامة في جامع الخليج في مدينة بُريدة وذلك في يوم الخميس الثالث من شهر الله المحرم من عام 1432 من الهجرة النبوية الشريفة ..نسأل الله أن يجعله مجلساً مباركاً .. ثم قبل أن نبدأ بتفسير آيات هذا المجلس ..نستمع إلى بعض الآيات .. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم :
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (43) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ (44) وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا (45 )}
يقول الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) في هذه الآية ينهى الله المؤمنين عن قربان الصلاة في حال سكرهم ,وقد كان السكر حلالاً في الإسلام ,شرب الخمر كان حلالاً في الإسلام ,ودلّ على ذلك ما ورد في سورة النحل عندما قال (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) [1] لكنه قد غضّ منه عندما وصف الرزق بأنه حسن , فدلَّ على أنَّ السُّكر ليس برزق حسن , لكنه دلَّ على أصل الإباحة . ثم إنَّ الناس كانوا وخصوصاً عمر بن الخطاب كان يستوضح من رسول الله : يا رسول الله بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً [2] لأنه يعلم أن هذه الخمر لا يمكن ولا تليق بحال أهل الإسلام فأنزل الله (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا) , ثم ما زال يسأل رسول الله حتى أنزل الله هذه الآية ,وذلك بعدما صلّى أحد الصحابة - وكان سكراناً - صلّى بالناس فقال " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون وأنا عابد ما عبدتم " أو كما قال , فالمهم قلب هذه الصورة وحرّف معناها بسبب ما هو فيه من السُّكر فأنزل الله هذه الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) وهذا يدلنا على أن المقصود من الصلاة أن يأتي الإنسان إليها وهو يعلم ما يقول. وقوله (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ) يشمل أمرين : لا تقربوا الصلاة بفعلها ولاتقربوا أيضاً محالّها وأماكنها وهي المساجد , بدليل أنه لما استثنى قال (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) فذكر موطن الصلاة يعني لا تقربوا الصلاة ولامواطنها(إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) يعني إلّا أن تكونوا مجتازين مارّين بالمساجد , فالجنب يجوز له المرور بالمسجد ولا يجوز له اللبث فيه .
/ قال (لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) السكر معروف ,السُّكر سُكر الخمر, وهذا هو الذي عليه عامّة المفسّرين , قال عكرمة وغيره من السلف : المقصود بالسُّكر هنا سُكر النوم ، فنقول لا , ليس هذا صحيحاً في استعمال القرآن ولا في المعهود المتعارف عليه عند العرب , ولكن سُكر النوم يُقاس على السُكر الذي يحصل بسبب شرب الخمر لأن الإنسان يكون في ضعف من الاستيعاب والعقل , فلو كان الإنسان في شدة يعني توق إلى النوم لا يستطيع أن يستقيم في صلاته فعليه أن ينام حتى يدرك ويقضي نهبته من النوم ثم يصلي . وقد وردت أحاديث في قيام الليل تُبيّن أن الإنسان لا ينبغي له أن يصلي وقد غلبته عيناه لئلا يدعو على نفسه .
/ قال (حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ) قلنا فيه الدلالة على أن المقصود أن الإنسان يصلي وهو يعقل صلاته ، وقد قال أبو الدرداء : "إنَّ من فقه الرجل أن يأتي إلى الصلاة وقلبه فارغ" كيف فارغ ؟! ليس بيده شغل يعني لو كنت تريد تكلم إنسان على أساس تُنهي معه الموضوع الفلاني وقد حضرت صلاتك، إبدأ بإنهاء الموضوع قبل الصلاة , ولذلك إذا كان الإنسان مشتهياً إلى الطعام وقُدّم الطعام فإن المشروع أن يبدأ بالطعام قبل أن يصلي لئلا ينشغل قلبه بغيرالصلاة .
قال (وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) يعني وإذا كنتم جنباً أي على جنابة ,والجنابة سميت جنابة للبعد ,لأن الإنسان يبتعد فيه عن الصلاة وعن موطن الصلاة وهو المسجد وعن ذكر الله بقراءة القرآن ونحوها ,(وَلاَ جُنُبًا) بسبب الحدث الأكبر الذي تلبس به سواءً كان جماعاً أو احتلاماً أو غير ذلك (إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ) يعني لا تقربوا الصلاة وأنتم على جنابة ولا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم على جنابة إلّا أنت كونوا مجتازين مارّين بالمسجد , فأباح الله للجنب أن يمر ولم يُبح له أن يمكث . قال (حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ) يعني حتى تغتسلوا الغسل المطهّر لكم .
قال الله - عزوجل - (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى) هنا أوجب الغسل ثم بيّن بديل الغسل وهو التيمم قال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) يعني إذا كنتم في حال مرض لا تستطيعون معه استعمال الماء ,أو في حال سفر ولم تجدوا الماء لقول الله في الآية الأخرى (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء) أما مسافر ومعه الماء فلا يجوز له أن يتيمم , قال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء ) "أو" هُنا يا إخواني في قوله "أَوْ جَاءَ" معناها "وجاء" لأن (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء ) ليست قسيمة لقوله (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ) ليست قسيمة لها حتى يقال (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء) أربعة أشياء لا , يُباح للإنسان التيمم : إذا كان مسافراً ولم يجد الماء , أو يكون مريضاً لا يستطيع استعمال الماء فقط . متى يتيمم أو يجب عليه التيمم ؟ إذا أحدث بأن : جاء أحد منكم من الغائط , أو لامس النساء .. فـ"أو" هنا بمعنى الواو .
فإن قلت هل تأتي أو بمعنى الواو؟؟
قلنا نعم في الدعاء المشهور(اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) [3] (سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك) معناها سميت به نفسك وأنزلته في كتابك أو علمته أحداً من خلقك أواستأثرت به في علم الغيب عندك .
/ قال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ) الغائط هو: المكان المطمئن من الأرض يقصده الإنسان لقضاء حاجته حتى يبتعد عن الأنظار, فسُمّي ما يخرج من الإنسان باسم المكان , ولذلك قد يقول قائل القرآن ينزّه عن الألفاظ المبتذلة ,عن الألفاظ التي لا تليق , نقول هذا منه ..هذا اللفظ يا إخواني هو لفظ جميل لأنه أشار إلى المكان ولم يشر إلى الحدث نفسه , الحدث اسمه يا إخواني عَذِرة ونجس وخبث وأسماء من هذا القبيل , الإشارة هنا إلى المكان (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ) يعني من المكان الذي هومنخفض من الأرض , لأن الله حيي كريم يذكر الألفاظ الجميلة ولا يحب الفحش ولا التفحّش .
/ قال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ) يعني بأن قضى حاجته , وذلك الحدث الأصغر بالبول والغائط والريح .
(أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء) اختلف العلماء في قول "لامَسْتُمُ" هل هي بمعنى اللمس أو بمعنى الجماع , فقال كثير من الناس إنها بمعنى اللمس , ولذلك استدلّوا بهذه الآية على أن الرجل إذا مسّ المرأة انتقض وضوءه , وهذه حجة الجمهورعلى أن اللمس - لمس المرأة - ناقض للوضوء ,إذا كانت امرأة تُمس بشهوة . واستدلّوا بالقراءة الأخرى [أوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء] أو (أوْ لمَسْتُمُ النِّسَاء) فقالوا الملامسة /لامستم / بمعنى لمس , وقال ابن عباس وجماعة كثيرة من المفسّرين "لامس" في القرآن و"مسّ" و"باشر" و"لمس" كلها بمعنى الجماع , وهذه الألفاظ كلها تدل على شيء واحد وهو الجماع . والذي يدل على هذا من المعنى أنه لما ذكر الحدث ذكر أولاً الحدث الأصغر (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ) ثم ذكر الحدث الأكبر وهو قوله (أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء) أي جامعتموهن . فلو كان الأول حدثاً أصغر والثاني وهو لمس المرأة حدثاً أصغر لا ما عرفنا حكم من كان جنباً فلم يجد الماء ,وليس هذا من البلاغة ,البلاغة أن يأتي بحكم الحدثين , خصوصاً وأنه أشارإلى الحدث الأكبر في أول الآية ، قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَائِطِ) هذا في الحدث الأصغر، قوله (أَوْ لامَسْتُمُ) يلزم أن يكون معناه جامعتم , فإن قيل قراءة (لمستم) قلنا قراءة (لمستم) يجب أن تُحمل على القراءة الأخرى , واتفاق القراءتين أوْلى من اختلافهما .
/ قال (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) تيمموا بمعنى اقصدوا ,وصعيداً المقصود بالصعيد ما تصاعد على وجه الأرض , وكثير من العلماء أنهم يرون أنه التراب فقط لقول الله (فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ) قالوا (منه) لابد أن يكون هناك شيء قد علق بيدك قد مسحت به وجهك ويديك . ولكن الصحيح أن الصعيد يُطلق على كل ما صعد على وجه الأرض , كل ما صعد على وجه الأرض, من رمل وتراب له غبار وصخر وشجر (نبات) وجليد ، التيمم بالنسبة لمن كانوا في المنطقة الجليدية في القطب الشمالي أو القطب الجنوبي وليس عندهم ماء، ماذا يفعلون؟؟َ! على الجليد يتيمم على الجليد لأنه صعد على وجه الأرض ,(صَعِيدًا طَيِّبًا) أي حلالاً بأن لا يكون معصوباً وأيضاً ليس بنجس .
/ (فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم) يعني امسحوا بهذا الصعيد وجوهكم هكذا ,يمسح الإنسان وجهه ثم يمسح بيده اليسرى على ظهر كفه اليمنى ,وبيده اليمنى على ظهركفه اليسرى , فإن قلت قال الله أيديكم ولم يقل على أكفّكم ؟
قلنا اليد في القرآن إذا اطلقت يراد بها الكف , وإذا أريد بها ما زاد على ذلك قُيّدت , قال الله عزوجل (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا) [4] أي أكفّهما , ولما جاء آية الوضوء قال: (فَاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) فقيّد اليد بأنها إلى المرافق لما لم يُرد الكف وحده . قال (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ) .
/ ثم قال الله - عز وجل - (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) "أَلَمْ تَرَ" ، "أَلَمْ" : هذا تعجيب من حالهم ,ألم تعلم حال هؤلاء وتتعجب من حال هؤلاء , الّذين - نسأل الله السلامة - بلغ بهم بعدهم عن الهداية وفرارهم من الهدى أنهم يشترون الضلالة ، يبحثون عن الضلالة فيشترونها , وشراؤهم للضلالة أنهم آثروا الدنيا وآثروا ما هم فيه من المكاسب والمغانم على قبول الحق الذي معك لأنهم رأوا أن ذلك سيفقدهم ما عندهم من متاع الدنيا الزائل , فهذا اشتراء للضلالة - نسأل الله العافية والسلامة - ومنه يا إخواني من الصور المعاصرة كون الإنسان يشتري المواد التي يعصي الله بها والتي تُزيغ فكره وتُضلّه وتفتنه عن دينه , مثل هذا الذي يشترك في الفضائيات المنكرة , والذي يشترك في المجلات الخليعة والفاسدة والزنديقة والمنحرفة هذا ممن يشتري الضلالة .
/ ثم قال ( وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) مع اشترائهم للضلالة ورغبتهم فيها كناية عن شدة إقبالهم عليها ,أيضاً هم مع ذلك يريدون منكم أنتم أيها المؤمنون أن تضلّوا السبيل انظر الأن إلى العالم الغربي يُروّجون لنا ماذا ؟؟! هل يدلونا على الصناعة وعلى تنظيم الوقت ؟ أبـداً , يدلونا على الشيء الذي نزيغ به عن منهج ربنا ويُروّجونه لنا .
الأن يأتون من أمريكا ومن أوروبا يحاسبون المملكة على ماذا ؟ على الشرف والفضيلة هل سمعتم أن أمريكا جاءت إلى المملكة تقول لماذا أنتم ما عندكم مصنع طائرات !! دولة بترولية مثلكم وماعندكم مصنع طائرات !! ولا مصنع سيارات !! وهي أكبر مورّد للسيارات في العالم !! لا ,لماذا المرأة تلبس ثوباً أسود !! لماذا تغطي وجهها !! لماذا لاتعمل جنباً إلى جنب مع الرجل ..سبحان الله .. أنتـــــــــم مســـــــــؤولين عنا في هــــذا !!! ( وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلُّواْ السَّبِيلَ) فقط ..لماذا لا تدلونا على الشيء الثاني الذي هو خير قد حصّلتموه؟؟! لا .. ما يريدون بنا خيراً , لأن هذه الفضيلة يا إخوان يحسدوننا عليها , كم نسب الجرائم في أوروبا وأمريكا يا إخوان ، تصل إلى أن قالوا ثلاث جرائم في كل ثانية ، سرقـة / قتــل /إغتصــاب , هذه الجرائم الثلاث كل ثانية تقع جريمة , كل ثانية تقع جريمة من واحدة من هذه الثلاث - نسأل الله السلامة والعافية - .
/ قال الله - عز وجل - (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ) إيّاكم أن تستمعوا إليهم وأن تتبعوهم وأن تستشيروهم وأن تتخذوهم بطانة , فإن الله يفضحهم لكم ويبين دواخلهم وهو أعلم بأعدائكم , وإن قالوا لكم نحن أصدقاؤكم ولا نريد بكم إلّا الخيرفإنهم كاذبون (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) .
/ قال (وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا ) يعني إن كانوا أعداءً لكم فلا تخافوا منهم لأن وليّكم الله , وناصركم الله , فممن تخافون !!؟ .
/ قال الله - عز وجل - (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) "من" هنا يمكن أن تكون للتبعيض, يعني بعض اليهود يحرفون الكلم عن مواضعه وهذا ظاهر , وابن كثير اختار أنها لبيان الجنس مثل قول الله (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ) [5] "من" هنا لبيان الجنس ,ما هو الرجس ؟ الرجس من الأوثان.
/ قال (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) يعني من مسالكهم المشينة أنه إذا جاء الكلِم وهو الوحي من الله حرفوه عن موضعه , وصرفوه عن ما أراد الله به ,وتأولوه تأويلات لا تليق بالوحي ولا تناسب شرع الله . (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ) يعني عن ما أراد الله به (وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) أي من أفعالهم القبيحة أنهم يقولون للنبي - صلى الله عليه وسلم - "سمعنا وعصينا" ويقولون ذلك لأنبيائهم , ويقولون أيضاً "اسمع غير مُسمع" يعني اسمع يا محمد لا سمعت , "اسمع" انظر من سوء أدبهم يقولون هذا لرسول الله ، اسمع لا سمعت (غَيْرَ مُسْمَعٍ) ,وقيل "اسمع غير مقبول منك" يعني لا أحد يسمع منك ولا يقبل منك ,(وَرَاعِنَا) أيضاً يقولون "وَرَاعِنَا" يعني انظر إلينا ، طبعاً هذا هو ظاهر اللفظ , لكن هم يريدون بها شيئاً معروفاً عندهم وهو نسبة النبي إلى الرعونة والفضاضة والغلظة , (وَرَاعِنَا) وراعنا يا محمد يقصدون يا ذا الرعونة والفضاضة وظاهرها فيما يسمع السامع أنه راعنا أي أنظرنا ولذلك نهى الله المؤمنين أن يقولوا هذه الكلمة للنبي.. لماذا ؟؟ ليفتضح اليهود إذا قالوها إذا كنت صادق قل انظرنا , انظر إليّ يا محمد , فنُهي المؤمنين عن ذلك وهذه أول آية ورد فيها (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) في القرآن (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقُولُواْ رَاعِنَا وَقُولُواْ انظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [6] .
(وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ) لأن هذا هو اللائق بحال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهواللائق بمن يبحث عن الحق . (وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) نسأل الله العافية والسلامة .
/ ثم قال الله مذكّراً إياهم وداعياً لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُم مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا) آمنوا من قبل أن يحصل لكم هذا الوعيد وهو أن يطمس الله وجوهكم ,وطمسها بأن يسوّيها تماماً ثم يردّها على أدبارها , أو أن يطمس الله وجوهكم بأن يجعل أقفاءكم في أقبالكم , فيكون قُبُلُ الواحد هو قفا رأسه , وهذا للدلالة على شدة ضلالهم وانحرافهم عن الجادّة. كعب الأحبار لما سمع هذه الآية قال : "سمعتها وأنا في الشام , سمعت قارئ يقرأها - كان ذلك في عهد عمر- قال: فخشيت أن يطمس الله وجهي فيردّه على قفاي ,فقلت : بل أسلمت ..بل أسلمت , ثم أقبلت إلى الحمام فاغتسلت وشهدت الشهادة" ، فانظروا لما كان يهودياً صادقاً ولم يكن والعياذ بالله من هؤلاء المنحرفين , من حين ما سمع هذا الوعيد خاف منه ووجِل قلبه , لأنه يعرف أن هذا كلام الله (مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهًا فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) وقد لعن الله أصحاب السبت فجعل منهم القردة والخنازير , وأي وعيد أعظم من هذا الوعيد ,(وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً) إذا جاء لا يُرد .
/ قال الله - عز وجل - (إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) هذه آية فيها وعيد ووعد , أمّا الوعيد : فهو أن الله لا يغفر أن يشرك به , فمن أشرك مع الله غيره ثم مات , فإنه يوم القيامة ليس محلاً للمغفرة ولا يمكن أن يُغفر له , شيء أوجبه الله على نفسه أن من أشرك فإن الله قد حرّم عليه الجنة ومأواه النار, وهذامعنى (لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِه). ظنَّ بعض الناس أن المقصود لا يغفر له أبداً , ولو تاب ولو أسلم , نقول كيف والصحابة الذين أسلموا كانوا مشركين , المقصود لا يغفر أن يشرك به إذا مات على الشرك . (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء) أي من مات وعليه ذنوب دون الشرك فإنها تحت المشيئة إن شاءالله غفرها وإن شاء عذّب صاحبها بقدر ذنبه .
(وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) يعني من أشرك مع الله أحدا سواه فقد أعظم على الله الفرية , فأعظم فرية في الكون كله هو أن تدعو لله أو تزعم لله ندّاً وهو خلقك وأن تشرك مع الله أحداً سواه ، ولذلك أظلم الظلم الشرك وسمّاه الله على لسان لقمان لما قال (يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ,ولما قالها الصحابة وهم وجلون فيقول الله عزوجل (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) قالوا يارسول الله : وأيّنا لم يظلم نفسه !! قال: ليس هو ما تقولون ألم تسمعوا إلى قول العبد الصالح "إن الشرك لظلم عظيم" يعني الّذين لهم الأمن وهم مهتدون هم الّذين آمنوا ولم يخلطوا إيمانهم بشرك ..انتبهوا لهذا هذا هو تفسير رسول الله لهذه الآية [وَلَمْ يَلْبِسُواْ] أي يخلطوا (إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ) أي بشرك .
/ قال الله (وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا *أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ) هذا الآن ذم لهؤلاء اليهود الّذين قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) وقالوا (وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ) هؤلاء أصحاب المخازي وأصحاب الشرك بالله أيضاً، أيضاً من مخازيهم أنهم يزكون أنفسهم , مع ذنوبهم وشركهم وعدم سمعهم وطاعتهم يقولون: (نَحْنُ أَبْنَاء اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) ويقولون الجنة لنا دونكم وأننا فقط نمرّ على النار مرور بسيط ثم نعبر منها وأنتم تخلفوننا فيها, ولذلك تحدّاهم الله وباهلهم لما قال (قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ) طيب إذا كنتم الجنة لكم وأنتم أولياء الله من دون الناس تمنّوا الموت , فما تمنّاه واحد منهم ولو تمنّاه لمات في ساعته , وهذه تُسمّى مباهلة الله لليهود في القرآن .
/ قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنفُسَهُمْ) أي يمدحونها ويثنونها بما ليس فيها , وتزكية الإنسان نفسه باللسان لا تليق به إلّا عند الحاجة , يعني عندما يُظلم أو يُهضم حقه يُزكّي نفسه , أوعندما يحتاج إلى أن يُزكّى يُزكّي نفسه , مثل ما قال يوسف عن نفسه (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ) زكّى نفسه لعلمه بأنه متصف بذلك ولأنه أراد أن يُعيّن في المكان المناسب حتى لا يُعيّن فيه أحد غيره لا يقوم بحقه . فتزكية الإنسان لنفسه مذمومة في الأصل , وهذا إذا كان بالقول , أما التزكية الفعلية مشروعة بل مطلوبة (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى) (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [7] يمدح ويُزكّي بالفعل من يشاء - سبحانه وتعالى - (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) الله - عز وجل - هو الذي يزكي ويمدح , ولذلك لما قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - أخرج إلينا لما جاءه بنوتميم [8] أخرج إلينا ونادوه من وراء الحجرات , وقالوا مهددين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - "فإن مدحنا زين ..وذمنا شين" قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في حجرته يسمعهم : "ذاك هو الله" يعني الذي مدحه زين وتزكيته هي التي ترفع الإنسان وذمّه شين وهو الذي يضع الإنسان هو الله وحده . (بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاء) يزكي يعني يمدح , ويزكي بأن يرفع , ويزكي بأن يجعل عمله صالحاً (وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) لا يظلمون من عملهم شيئاً ولو كان مثل الفتيل والفتيل هو : الشق الذي في نواة التمرة, قد ذُكر في النواة في القرآن ثلاثة أشياء :
*الفتيل : وهو هذا ..وسيأتينا في آية أخرى أيضاً .
*والنقير : وهو الذي في ظهر النواة نقرة .
*والقطمير : وهو الغشاء الذي على النواة , هذا اسمه ما يملكون من قطمير .
وكلها جاءت لبيان القلّة .. لا يظلمون شيئاً ولو كان قليلاً مثل الفتيل , وقيل في الفتيل يا إخواني أنه الشيء الذي إذا فتلت يدك خرج منها , انظرللإنسان إذا كان في حر الصيف ففتل يده هكذا خرج منها شيء يسير , يعني لا يظلمون شيئاً ولو كان مثل هذا الخيط الذي يكون عندما يفتل الإنسان يده ببعضها (انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) عندما يشركون مع الله غيره , وانظر كيف يفترون على الله الكذب عندما يزكّون أنفسهم فيقولون نحن أبناء الله وأحباءه .
قال الله - عز وجل - (وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً)هذه نكرة في سياق النفي فهي عامّة ما يُظلمون أي شيء , (انظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَكَفَى بِهِ إِثْمًا مُّبِينًا) كفى بالكذب على الله أثماً مبينا , بل هو أعظم الذنوب , اسمعوا ماذا قال الله مبيناً حرمة الذنوب شيئاّ فشيئاً ..قال (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [9] قال العلماء : "تدرّج في المحرمات حتى وصل إلى أعلاها وهو القول على الله بغير علم" , فإن قلت أليس الشرك أعلى منه ؟؟ قلنا الشرك ثمرة من ثمرات القول على الله بغير علم , لأن المشرك ما أشرك إلّا عندما زعم أن هذا الصنم له حظ في الألوهية , وأن الله له شريك ذهب وأشرك , فهو قول على الله بغير علم .
/ قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ما زالت الآيات تذكر معايب هؤلاء اليهود ,الّذين قالوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما قالوا (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) واستمرت تأتي بمعايبهم ومخازيهم حتى قال الله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ما هو الجبت ؟؟ الجبت هو: السحر ..وقيل الجبت هو الشرك ..وقيل الجبت الأصنام ..وقيل الكاهن يؤمنون بالكاهن ويذهبون إليه والعرّاف والمنجّم ونحوه.. قال جوهري - وهو من أئمة اللغة - : "الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك" وقد ورد في الحديث كما ذكر ذلك الجوهري الطيرة والعيافة والطرق من الجبت يعني كل هذه تعتبر من الجبت , فالسحر والصنم والكاهن والشرك كلها جبت , فهؤلاء اليهود يؤمنون بهذا كله . ولذلك السحر أكثر ما يكون في اليهود, والذهاب إلى الكُهّان أيضاً موجود فيهم ,وإقرار أهل الأصنام على عبادتهم وتفضيلهم على أهل التوحيد موجود في اليهود , وقد قالوا ذلك لأهل مكة لما سألوا كعب بن أشرف قالوا : يا كعب أيّنا خير ؟؟َ محمد هذا الذي فعل وفعل وفعلأ أو نحن ؟! الّذين كنا نسقي الحجيج و نحفظ البيت ونفعل ونفعل ؟؟ قال : بل أنتم خيرمنه , قال (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ) ما هو الطاغوت ؟؟ الطاغوت مأخوذ من الطغيان ..كلمة فيها مبالغة ..وهي تشمل كل شيءعُبد من دون الله وهو راض أو اتّبع في معصية الله ,كل من عبد أو اتّبع في معصية الله فهو طاغوت.. (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ) ماذا؟ (هَؤُلاء) أي المشركون (أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً) أي أهدى طريقا وأحسن شريعة وملة - نسأل الله السلامة والعافية - وهذا من عظيم إفتراء اليهود وشدّة بغيهم وعدوانهم .
قال الله (أُوْلَئِكَ) الّذين وصفت صفتهم من قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ) إلى هذه الآية (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ) أي طردهم وأبعدهم من رحمته (وَمَن يَلْعَنِ اللَّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا ) من يطرده الله ويبعده من رحمته فلن تجد له أي نصير , و"نصير" نكرة في سياق النفي فتعم .
/ (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ) يقول الله , بل ألهم نصيب من الملك (فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا) لو كان لهم شيء من الملك ما أعطوا الناس ماذا ؟؟ ما أعطوا الناس شيئاً , ولاحظواأنه الآن جاء بها بأقل من الفتيل ,هذا النقير يا إخواني ..هذه النواة التي قبل قليل قلبناها وصورناها ,وهذه البيضاء..هذه النقرة , قال لو كان عندهم شيء من الملك لايؤتون الناس نقيرا , قال النقطة التي في ظهر النواة هذه تسمى نقير, وهذا للدلالة على ماذا ؟ على شدة ما جُبِلَ اليهود عليه من البخل !!! فلا ينافسهم في البخل أحد من العالمين , وهم إلى اليوم أبخل خلق الله , وأشدّ الناس شُحّاً , وأعظم الناس حرصاًعلى المال وعلى الحياة (وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ) .
/ قال الله (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا) , (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ) أي "بل" يحسدون الناس على ما آتاهم الله , فيهم مع البخل الحسد , والحسد هذا ناتج من بخلهم فإنهم لا يريدون أن يصيب فضل الله أحداً سواهم . وما الذي جعلهم يُنكرون نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنهم جاءوا يا إخواني من بلاد الشام وهاجروا إلى أرض يثرب , الأرض الذي وجدوها موافقة لما في كتابهم المقدس التوراة , لأن فيها صفة المكان الذي يهاجر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أنهم ينتظرون مبعث نبيٍ قد أظلّ زمانه فيكونون أول من يُصدّق به , فلما بُعث محمد وعرفوا أنه من العرب جحدوا ذلك وكذّبوا به , وانتفع بتهديداتهم ووعيدهم الأنصار, فإن الأنصار لما سمعوا دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا : هذا والله الذي كانت تعدكم به يهود ..فآمنوا به قبلهم فآمن به الأنصار , فلما سمع اليهود بذلك أعرضوا قالوا : والله لا نؤمن به وقد أضمرنا عداوته ما بقينا يعني ولو كان في ذلك النار.. ولو كان في ذلك النار وبئس القرار .
قال الله (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا * أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا * فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ) لاحظوا يا إخوان هذه الآية تجوز على معنيين : ـ
/ فمنهم من آمن بهذا الإيتاء والإنعام على آل إبراهيم , ومنهم من صدّ عنه ولم يؤمن به وهو من بني إسرائيل .. إذا ماذا تنتظر منهم يا محمد !!! إذا كان هذا فيهم وقد كذّبوا به , إذا فلئن يكذبوا بك من باب أوْلى فاطمئن ولا تفرح ولا تحزن إذا صدّوا عنك ولم يؤمنوابك .
/ أو يكون : فمنهم من آمن به أي بمحمد ومنهم من صدّ عنه أي صدّ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهم من اليهود , من اليهود من آمن بك يا محمد ..ومنهم من صدّ عنك , فإذا كان هؤلاء وهم أهل كتاب منهم من آمن ومنهم من صد ..فإذا صدّ المشركون عنك فاطمئن يا محمد ولا تجزع إذاكان أهل الكتاب هذا فعلهم ففعل أولئك أيضاً من باب أوْلى .
/ قال الله - عز وجل - (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) يعني لم يذكر لهم إلّا الوعيد الشديد (وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) أي مسعّرةً عليهم سيُصلَّون بها .
/ ثم ذكر وعيد من كفر قال (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ) كلما نضج جلود منهم بدّلها الله جلود أخرى غير الجلود الأولى من أجل أن يذوقوا العذاب , وسُمك جلد الكافر في النار مسيرة ثلاثة أيام ومع ذلك النار تنفذ فيه بأسرع ما يكون ,حتى تصل إلى عظمه وأمعاءه , ثم يُعاد له جلد جديد حتى يذوق العذاب من جديد . قال الله (إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا) ولم يقل غفوراً رحيما ليناسب ذلك أول الآية ، "كفروا" لا يناسبه ولا من الحكمة أن يُنعّم بل من الحكمة أن يُعذّب , و"عزيزاً" أي ممتنعاً على من أراد الله بسوء يعني إن كذّبت وكفرت فاعلم أنك لن تنال الله بسوء لأن الله غني عنك وعن كفرك وعن إيمانك وعن سائر عملك .
/ قال الله مبيناً على عادة القرآن في المثاني أن يُذكرالوعد والوعيد والعمل الطيب بعد العمل السيء والمؤمنون بعد الكفار والمشركون بعد الأنبياء والرسل قال (وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ) نسأل الله أن يجعلنا منهم (خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ) أي أبد الآباد ودهر الداهرين لا ينقطع ذلك عنهم ولا يُحرمون من شيء منه , (لهم أجر غير ممنون) أي غيرمقطوع ، (لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ) من أي شيء ..مطهرة من الكلام الخبيث والأفعال السيئة ومن الحيض والنفاس وجميع الأوساخ والأنجاس في الخُلُق وفي الخَلْق . (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً) أي ظلاً وافراً عميقاً وارفاً واسعاً , وفي الجنة شجرة يجري الخيل المُضمّر فيها مئة عام لا يقطع ظلّها [10] , شجرة واحدة يا إخوان .. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
أسأل الله بمنّه وكرمه أن يجعلني وإياكم من أهل هذه الجنة .. وهذا آخر هذا المجلس الخامس من مجالس تفسير سورة النساء في هذا المسجد المبارك نفعني الله وإياكم بما سمعنا وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين..
لحفظ الملف الصوتي
لحفظ الملف الصوتي
-----------------------------
[1] سورة النحل 67
[2] في سنن الترمذي باب وَمِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ.وفي سنن ألي داودباب فِى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ
[3] مسند الغمام احمد / صحيح ابن حان /
[4] المائدة 38
[5] الحج 30
[6] البقرة 104
[7] سورة النور 21
[8] صحيح البخاري باب إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون / أخبرني ابن أبي ملكية أن عبد الله بن الزبير أخبرهم : أنه قدم ركب من بني تميم على النبي صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد وقال عمر بل أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلى - أو إلا - خلافي فقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما فنزل في ذلك يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله . حتى انقضت الآية . وفي مسند الإمام احمد عَنِ الأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ ، أَنَّهُ نَادَى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أَلاَ إِنَّ حَمْدِي زَيْنٌ ، وَإِنَّ ذَمِّي شَيْنٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَمَا حَدَّثَ أَبُو سَلَمَةَ : ذَاكَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
[9] الأعراف 33
[10] في البخاري ب في ب قوله وظل ممدود ، عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه و سلم قال : ( إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها واقرؤا إن شئتم وظل ممدود ) ومسلم باب إِنَّ فِى الْجَنَّةِ شَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ عَامٍ لاَ يَقْطَعُهَا. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -- أَنَّهُ قَالَ « إِنَّ فِى الْجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِى ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ ».
/ مصدر التفريغ : ملتقى أهل التفسير - بتصرف يسير -
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق