/ الشيخ أبو إسحاق الحويني
إن الحمد لله نحمده ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا}{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا *يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} أما بعد :
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى ، وأحسن الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
قال الله - عز وجل - {وَلَوْلاَ دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} وقال النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - ( لايزال الجهاد ما قُوتل الكفار ) فهذا الدفع الذي ذكره الله - عز وجل - به صلاح الأرض يدفع الناس به بعضهم بعضا ، ولا يزال الحق في صراع مع الباطل إلى أن يرث الله - عز وجل - الأرض ومن عليها ، دعونا من الذين قالوا انتهى الجهاد ، ليس هذا القرار بأيديهم رغما عنهم سيجاهدوا ، سيوضع موضع المدافع عن نفسه إن لم يكن مهاجما رغما عنه ، إن أعداءه لا يتركونه أبدا في سلام حتى لو أراد ذلك ، حتى لو بسط يده بذلك ( لايزال الجهاد ما قُوتل الكفار ) ينبغي أن تظل الروح الجهادية عند المسلمين متوقدة لأن أعداءهم لا ينامون .
أعدى أعداء المسلمين هم اليهود على مر العصور {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ} هذا كلام الله - عز وجل - الذي لا يتبدل ، أعدى أعداء المسلمين هم اليهود ، لا يعرفون سلاما ونحن الآن في مرحلة المدّ اليهودي ، استطالوا علينا في كل الميادين ، خمسة عشر مليون يهودي فقط في العالم يملكون أسباب التقدم كلها ، معهم الزراعة ، ومعهم التجارة ، ومعهم التكنولوجيا ، ومعهم الإعلام وهم خمسة عشر مليون يهودي فقط . قصّ الله - عز وجل - علينا نبأهم في سورة الحشر وقال ابن عباس - كما رواه البخاري في صحيحه - ( هذه سورة بني النضير ) كيف ننتصر على اليهود ؟نقرأ مطلع هذه السورة {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} هكذا ابتدأت السورة بالتسبيح وخُتمت أيضا بالتسبيح {يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} لكن الفرق : أن السورة ابتدأت بالفعل الماضي وانتهت بالفعل المضارع الذي يفيد الاستمرار والتجدد ، آخر السورة تفصيل لأولها.
(سَبَّحَ لِلَّهِ) أي ننزه الله - عز وجل - عن كل سؤ له الأسماء الحسنى ، فكيف نسبحه ؟ جاءت آخر السورة تفصيلا لأولها {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} آخر السورة انتظمت الأسماء الحسنى في عِقد وهذا هو التسبيح ، تنزيه الله عن النقائص .بدأت السورة بالتسبيح وخُتمت بالتسبيح إعلاما أنك إذا عظمت حُرمات الله - عز وجل - لم يُسلمك إلى عدوك ولذلك شُرع هذا الثناء في أحلك المواقف وهو الدعاء الذي سمّاه لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بدعاء الكرب الذي رواه البخاري وغيره ( لا إله إلا الله الحليم الكريم ، لا إله لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السموات والأرض وما بينهما رب العرش الكريم ) هذا ثناء وليس بدعاء ومع ذلك قيل فيه دعاء لأنه دعاء وزيادة ، الثناء على الله - عز وجل - دعاء وزيادة . سئل سفيان بن عُيينه - رحمه الله - : لماذا وُضع الثناء مكان الدعاء في احلك المواقف (في الكرب) ؟ فقال : ألم تسمع لقول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك فإن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضه الثناء
فهذا مخلوق فكيف بالخالق - عز وجل - ! معنى هذه الأبيات : يقول أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان وكان رجلا سخيا جوادا ، يقول له :
أأذكر حاجتي أم قد كفاني *** حياؤك فإن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما *** كفاه من تعرضه الثناء
يعني لا تحوجني إلى الطلب ، بمجرد ما يُقابله فيُثني عليه يعلم عبد الله بن جدعان أنه محتاج فيعطيه بغير سؤال ، إذا قال له : أطال الله في عمرك ، وأطال الله بقاءك علم الرجل أن هذا يحتاج فلم يحوجه إلى إراقة ماء وجهه بالطلب ، إنما يُعطيه بمجرد أن يُثنى عليه .
إذا كان المخلوق حساس إلى هذه الدرجة ، ولمّاح فكيف بالخالق - عز وجل - إذل أثنيت عليه وهو يعلم السر وأخفى فإنه يعلم ما تريد لكن ثناؤك على الله - عز وجل - فيه تقديم ذكره على حظ نفسك فإنك إذا قلت اللهم ارزقني أو اللهم ادفع عني عدوي كان هذا السؤال لك خاصة ، إنما إذا أثنيت على الله - عز وجل - مع احتياجك أن تدعو بدفع العدو أو أن تدعو بالرزق فقدمت ذكره وثناءه على حظ نفسك وحاجتك كان ذلك أدعى لاستجابة طلبك وزيادة ولذلك وُضع هذا الثناء مكان الدعاء في أحلك الظروف والمواقف الذي هو دعاء الكرب فشُرع لنا - وهذا هو معنى أن تبدأ السورة بالتسبيح وتُختم بالتسبيح - أن نُعظم الله - عز وجل - إذا ادلهمت علينا المسائل والأمور أن تسبحه وتنزهه تبارك وتعالى .لا تستهن بعقاب الله - عز وجل - ولا تستقل بعقاب الله - عز وجل - فإن الله إذا غضب لا يقوم لغضبه شيء أصلا .
ومن عَجَبٍ إن رجل يكتب مسرحية - زيارة للجنة والنار - فيضع كلاما على لسان الملائكة وقرارات لله تبارك وتعالى في العباد وكان ينبغي أن يُحجر عليه لما كتب هذه المسرحية لا يحِل لأحد أن يكتب في الغيب إلا بنص ، لا يحِل لأحد أن يذكر ما في النار إلا إذا كان هناك دليل وكلام عن المعصوم - عليه الصلاة والسلام - لا يحِل لأحد أن يتخيّل الذي يجري في الجنة والنار فإن هذا غيب محجوب عنا ، ولا زال العلماء يُحذرون من ذلك بل قال العلماء : "إذا قال الصحابي قولا يتعلق بالجنة والنار وصحّ ذلك عنه كان له حكم المرفوع إلى النبي - عليه الصلاة والسلام - لأن الصحابي لا يقول ذلك اجتهادا من عند نفسه فلابد أنه تلقاه من النبي - عليه الصلاة والسلام -" ، فلا يحِل لأحد أن يتخيل ما يجري في النار ، هو أعظم مما تخيله . ثم يكون الأنكى من ذلك أن يأخذ الموافقة بعرض هذه المسرحية على المسرح ، نحن نواجه اليهود بمثل هذا !؟ اليهود جادون لا يلعبون ، لابد من تعظيم حرمات الله لأنها من تقوى القلوب ، نُعظم ما عظم الله - عز وجل - قال (إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا) أولا يكفينا ما في القرآن والسنة نتلوه ونفسره للناس ، أليس هذا بكاف لبيان مصارع الجبابرة الذين لا يخافون الله ولا يتقونه ؟ يعني كلامه أبلغ من القرآن ؟! أبلغ من كلام النبي - عليه الصلاة والسلام - لماذا نحيد عن القرآن والسنة؟ ونرضى بمثل هذا الدون في العبارة وفي التصور ، وفي القرآن آيات كثيرة لذكر النار وذِكر من فيها ، وكان كافيا أن نُفسر كلام الله الحق لا أن نفتري على الله - عز وجل - .
إن المسرحيات والمسلسلات ليست من دين الإسلام . تعرفون كيف بدأت فكرة المسرحيات ؟ بدأت عند الكفرة الذين ليس عندهم وازع للخير فهم يتوهمون قصصا ليحضوا الناس على الخير وعلى الفضيلة ، لكن نحن معنا القرآن والسنة فلأي شيء نحتاج ؟ هم لجؤا للمسرحيات لعدم وجود باعث الخير عندهم ولذلك كان هذا من شعار الكافرين تسلل إلينا من ديار الكافرين . إن الانتصار على اليهود لا يكون إلا بالذكر وتعظيم حُرمات الله - عز وجل - .
رجل كتب في الجريدة عن صلف اليهود وعن استعلائهم علينا وكان الحل - من وجهة نظره - إعادة الأغنيات الوطنية لتحميس الجماهير ، نشر وإذعة فلم صلاح الدين الأيوبي ويُطالب بعمل فلم ضخم يتكلف عدة ملايين كل هذا لشحذ همم الجماهير وتأليف أغنيات عن القدس والتغني بالقدس والعودة . أهؤلاء ينتصروا على اليهود ؟! لا والله أبدا ، وآخر يقول : لا تستغلوا الزلزال والسيول في الوعظ ، لا تقولوا أن هذا من غضب الله ، لا علاقة بين الزلازل والسيول وبين غضب الله - عز وجل - .
نقول : هذه نظرة جاهلية وكأنه لم يقرأ من القرآن حرفا واحد (فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ) فكل انتقام من الله - عز وجل - بسبب الذنوب والمعاصي ، ويقول في المقال أنه لا علاقة بين الخسف والزلازل وبين الزنا وشرب الخمر واللواط ، والله - عز وجل - إنما يُهلك العباد بمثل هذا .
وأحدهم يقول : " وطبعا إذا وقعت زلازل وسيول يطلع سيدنا ومولانا الشيخ كحكوك بن سمعان يخوفنا من النار " وهكذا . أهذا هو تعظيم الله - عز وجل - ؟! وتعظيم ورثة ألأنبياء الذين ينقلون علوم الله ورسوله إلى الناس ، يُستهزأ بهم هكذا . ما وجدنا لا في النصارى من يتهكمون على القُسس هكذا ولا في اليهود من يتهكون على الحاخامات هكذا ، إنما يُتهكّم على المشايخ فقط لأنهم لا ظهر لهم ، عرضهم كلأ مباح .
/ (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ) هو لا غيره ، (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ) وهذا هو الفرق بين ظن المسلم وظن الكافر اليهودي ، ظن في مقابل ظن (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ) ما ظننتم أن يخرجوا معاشر المسلمين لأن اليهود ملوك الدعاية في العالم ، الجيش الإسرائلي أو الجيش الأمريكي أخذ سمعته بالدعاية ليس بالحرب الميدانية ، الجيش الأمريكي مهزوم في كل المعارك التي دخلها واسألوا فيتنام عن مصارع الجيش الأمريكي وقد خرج يلعق جراحه من فيتنام بعد عشر سنوات قتال ، واسألوا الصومال الفقيرة ، أبناؤها جلد على عظم ، إذا رأيت صورة رجل صومالي تبكي ، هذا الرجل غلب الأمريكان ، وكان الصوماليون يحاربون بالعقيدة القبلية الجاهلية ، كانت حرب قبائل لم يكن للإسلام فيها دخل واستطاعوا أن يغلبوا الجيش الأمريكي فكيف لو قاتلوا باسم الإسلام وقد انتصروا بالعصبية الجاهلية لكن هذه دعاية فقط . حرب النجوم وحرب الكواكب، يعني يضربك من فوق بصاروخ فأنت كيف تصل إليه في أطباق طائرة ويتحدث شهود عيان أنهم رأوا طبقا طائرا وعليه رجل فنزل وكلموه ....الخ ويصدق الناس أن فيه شيء اسمه الأطباق الطائرة وأن هناك مخلوقات في كواكب أخرى ، وهذه خدعة المخابرات الأمريكية ويقول لك : وأكدّ الخبراء ، من الخبير الذي أكدّ ؟ كافر بالله العظيم لا عدالة له ، رجل ساقط العدالة لا نقبل شهادته على شربة ماء لكنها دعاية .
ولعلكم تذكرون ما حدث في حرب الخليج من الدعاية للصاروخ الأمريكي الجديد الذي كان صاروخا فاشلا كما قال العسكريون ، لم يكن دقيقا لكن كانت حرب الخليج حربا ميدانية لتجربة هذا الصاروخ على حساب العرب بدل من أن يُجربوا الصاروخ على حسابهم في الصحراء يجربوه على حساب العرب ، فالذي يدفع الفاتورة هم العرب ، أول ما العراق يُطلق صاروخ سكود يطلع ثلاثين صاروخ ، الصاروخ ذهب لحاله وهم يطلقون صواريخ ليجربوا ومع طلعة كل صبح كان العرب يدفعون خمس مئة ألف مليون دولار ، لو وُزع هذا المبلغ على كل مسلم في الأرض لكان مليونيرا كبيرا . دعاية ، طائرة شبح ، طائرة ماركة الفانيلا زا ، كيف يرون ذلك ؟ دعاية والناس يصدقون ، فاليهود ملوك الدعاية في العالم ، ضخموا أنفسهم ، ضخموا حصونهم ، ضخموا استعداداتهم حتى وقع في روع المسلمين أنهم لا يستطيعون مع اليهود لسانا ولا يدا (مَا ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُوا) أبدا هذا ظننا فيهم فلئن خاب ظننا فيهم ما خسرنا كثيرا لكن انظر إلى ظنهم كان خائبا لأن ظنهم كان في الله وهذا هو الفرق ظننا كان فيهم وظنهم كان في الله (وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ) ليتهم ظنوا أن حصونهم تمنعهم منا نحن وليس من الله ، وإذ كان الأمر كذلك ولم يُقدروا الله حق قدره (فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) .
ذكر القرطبي - رحمه الله - : أن هذا الرعب كان بمقتل رجل عظيم منهم وهو كعب بن الأشرف ، وقصة كعب رواها الإمام البخاري في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله الأنصاري وكما روى أبو داود والترمذي كان كعب شاعرا يهجو المسلمين ويُشبب بنساء المسلمين فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( من لكعب بن الأشرف فإنه آذى الله ورسوله ) وهذا كاف لاستنفار حمية المسلمين أن يُؤذى الله ورسوله فقال محمد بن مسلمة : أنا له - محمد بن مسلمة هو ابن أخت كعب أي أن كعبا خاله - قال : أنا له ، ثم قال محمد بن مسلمة : هل تأذن لي في أن أقول له شيئا ؟ - أكذب عليه ، استدرجه ؟ - قال : نعم ، فذهب محمد بن مسلمة إلى كعب وقال له : إن هذا الرجل قد عنانا ، كل يوم يطلب صدقة وليس عندنا ، فقال كعب - مُنتشيا - : قد كنت أعلم ذلك وقد حذرتكم وأيضا والله لتملُّونه فقال له محمد بن مسلمة : لا، نريد أن نتركه الآن حتى ننظر ما هي عاقبة أمره وقد طلب منا وسقا أو وسقين من شعير فجئت أستسلفك ، فقال كعب : ارهنوا لي ، قال محمد بن مسلمة : نرهنك ماذا ؟ قال : ارهنوني نساءكم ، فقال محمد بن مسلمة : نعطيك نساءنا وأنت أجمل العرب ؟ أي لا نستطيع أن نعطيك نساءنا ، تفتن نساءنا ، كل هذا نوع من أنواع التكتيك في الحرب ، المسلم البصير لا يُغلب إنما الغبي - مثل حاكم العراق - يُغلب . تعرف كيف استدرجوه وجعلوه يُصرّ على الحرب ؟ بمثل ما فعل محمد بن مسلمة مع كعب ، طلع الرئيس الأمريكي - وقتها - يقول : نحن نناشد الرئيس العراقي أن يصنع معروفا ، لا داعي للحرب فنحن نعلم أن جيشه رابع جيش في العالم وجيش قوي نعترف بقوته وقد صار له ثمان سنوات يُحارب حربا ميدانية فنحن نريد أن نجنب البشرية الدمار ، ونناشد سيادة الرئيس. إنما قال ذلك للوصول إلى هذا فأصرّ الرئيس العراقي على الحرب وهم الذين أوصلوه لذلك .
فبجح كعب إلى نفسه ، قال له أنت أجمل العرب أول ما تراك المرأة تخرّ صريعة فلا نعطيك نساءنا ، فقال : ارهنوني أبناءكم ، فقال : هذا عار علينا يُسب أحدهم في وقت يُقال رُهن بوسق من شعير ، ولكن نعطيك الئمة وهي درع الحرب ، لا يحمل رجل للأمئته إلا إذا كان يُقاتل . طيب إذا أراد محمد بن مسلمة أن يُقاتل كعبا فجاء باللأئمة يشُكّ كعب لماذا جئتني باللئمة وهي عدة الحرب فيخاف منهفأراد محمد بن مسلمة أن يؤمنه من ذلك وأن يأتي باللئمة فقال له : نعطيك اللأمة - لم يُعطه الفرصة ليعرض خيارا ثالثا - فوافق فقال : آتيك غدا باللأمة . واتفق محمد بن مسلمة مع أبي نائلة - وهو أخ كعب من الرضاع - ومعه جماعة آخرون قالوا أول ما ينزل سأقول له دعني أشُمّ رأسك فإذا استمكنت من رأسه فدونكم فاقتلوه . جاء محمد بن مسلمة في الليلة التالية ومعه اللأمة فنادى عليه أبو نائلة - وكان كعب حديث عهد بعُرس - يا كعب ، فقال له : لبيك ، قالت امراته : في أي ساعة تنزل إني اسمع صوتا يقطر منه الدم ، قال لها : هذا محمد بن مسلمة - أي ابن أختي - وهذا أبو نائلة رضيع وإن الكريم لو دُعي إلى طعنة بليل أجاب ونزل ينفح ريح الطيب منه ، فلما أبصره محمد بن مسلمة قال : ما شممت كاليوم ريحا فقال له كعب : عندي أجمل العرب وأعطر العرب ، فقال له : تأذن لي أن أشَمّ رأسك ؟ قال : نعم ، وهو يشَمّ رأسه قبض على رأسه قبضا قويا وقال : دونكم عدو الله فاقتلوه ، فقتلوه ورجعوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بخبره ، فلما قُتل كعب زعزع وضعضع اليهود ، وزعزعهم أيضا وضعضهم مقتل أبي رافع تاجر أهل الحجاز ، أشهر تاجر آنذاك في الحجاز وهو رجل يهودي سلام بن أبي الحُقيق أو عبد الله بن الحُقيق - على قولين في اسمه - وقد روى البخاري - رحمه الله - قصة أبي رافع عقِب قصة كعب مباشرة ورواها البراء بن عازب أن أبا رافع كان يُشبب ويسبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فانتدب له النبي - صلى الله عليه وسلم - عبد الله بن عتيك وجماعة منهم عبّاد بن بشر والحارث بن أوس فخرجت جماعة وذهبوا إلى قلعة أبي رافع فقال لهم عبد الله بن عتيك : امكثوا هنا حتى أستطلع ، قلعة مغلقة وقف عبد الله بن عتيك يفكر كيف يدخل ، ولكن إذا أراد الله شيئا هيأ أسبابه ، فقدوا حمارا لهم ففتحوا الباب وخرج الحُراس يبحثون عن الحمار ، قال عبد الله بن عتيك : فخفت أن يعرفوني فتقنعت وجلست كأنني أُريق الماء - كأنه يتبول - فلما وجدوا الحمار قال الحارس : من يريد أن يدخل فليدخل فإني سأغلق الباب قال : فدخلت وجلست في مربض الحمار وكان عند أبي رافع جماعة من أعيان التجار يسمرون ، قال : فرأيت الحارس علّق الأغاليق على ودّ - الأغاليق جمع إغليق وهو المفتاح ، والودّ هو الوتد - في كوة - أي طاقة - فأبصر مكان المفاتيح وانتظر حتى خرج الضيوف ، قال : فذهبت وأخذت الأغاليق وفتحت باب القلعة ، كلما فتحت بابا أغلقته عليّ من الداخل فإذا القلعة مظلمة وأبو رافع وسط عياله ولا أعرف أين هو فناديت عليه قلت يا أبا رافع ، قال : من ؟ فاتجهت نحو الصوت ومعي السيف فلما وصلت إليه عاجلته بضربة وأنا دهش فلم تُغنِ شيئا ، دهش يعني خائف وبسبب هذا الخوف الضربة لم تقتل الرجل .
قال : لم تُغنِ شيئا فصرخ واستغاث ، قال : فرجعت إليه وقد غيرت صوتي قلت : مالك يا أبا رافع ؟ قال : الويل لأمك عاجلني رجل بضربة ، قال : فعاجلته بضربة أخرى فلم تُغنِ عنه شيئا ، ثم رجعت إليه وقد غيرت صوتي كأنني رجل آخر أغيثه قال فضربته ضربة ثم تحمّلت على ذباب السيف حتى سمعت صوت العظم فعلمت أنني قتلته ، فقلت : لا والله لا أخرج حتى أسمع صوت الناعي ، ففتح الأبواب ليخرج بسرعة هاربا وكانت الليلة مقمرة فأول ما وصل لأول السلم ظن أنه وصل إلى الأرض فوضع رجله فوقع فانكسرت ساقه وهو لا زال داخل القلعة ، قال : فربطتها وجعلت أحجل فذهبت إلى أصحابي فقلت والله لا أبرح حتى أسمع صوت الناعي ، فلما أذّن الديك قام الناعي وقال : أنعي أبا رافع تاجر أهل الحجاز ، فقلت لأصحابي الفرار الفرار فحملوني حتى وصلنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -
فقال لي : أُبسط ساقك فمسحها بيده فكأني لم أشتكها قط ، وكانت أصحّ ساقيه بعد ذلك . مقتل هذين الرجلين ضعضع اليهود (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) هذا على القول الأول .
القول الثاني : (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) هذا السلاح الفريد الذي خصّ به الله - عز وجل - هذه الأمة ، لو أنزل الله علينا سلاح الرعب لغلبنا اليهود ، وسلاح الرعب كما ورد في الحديث الصحيح من حديث جابر ومن حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري وجماعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال - عليه الصلاة والسلام - ( فُضلت على الأنبياء بخمسة ... ) منها ( ونُصرت بالرعب مسيرة شهر ) قال العلماء في تفسير هذا المقطع من الحديث : ( ونُصرت بالرعب مسيرة شهر ) "أي يكون بيني وبين عدوي شهرا سيرا على الأقدام وهو مرعوب ". مجرد ما يُذكر المسلمون يُرعب هذا العدو .
وسلاح الرعب هذا انتصر به المسلمون يوم الأحزاب برغم إن مجيء الأحزاب كان في غاية القوة ( تظنون يعني ظنوا أن الله تخلى عنهم (هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالا شَدِيدًا *وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا) يوم الأحزاب كان يوما عظيما أعظم من يوم بني النضير ومع ذلك قال الله - عز وجل - لهم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ) وتوصيف الجنود (جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ) هذا أولا .
إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا)
ثانيا : ( وَإِذْ زَاغَتْ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ) أي مهزومون من الرعب ، من الخوف ، فقوة عدو مع ضعفك أنت فالمصيبة مصيبتان ليت إذا جاء العدو بهذه القوة كنت أنا بهذه القوة أيضا تكون الحرب سجالا بيننا لكن (جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ) مع هذا الخوف الرهيب الذي وقع في نفوس المسلمين لذلك قال الله - عز وجل - لهم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا )
هذا هو سلاح النصر الذي كان في هذه الحرب ، ويُظهر لك قوة هذا السلاح حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - في الحديث الذي رواه مسلم وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من يأتيني بخبر القوم وهو رفيقي في الجنة ) أي يذهب للمشركين يكون جاسوسا عليهم فيأتينا بأخبارهم ، قال : فلم يقم أحد ، من شدة البرد وكان الصحابة قد حفر كل واحد منهم لنفسه حفرة ودفن نفسه فيها من البرد ، فلم يقم أحد حتى قالها ثلاث مرات ثم قال : قم يا حذيفة ، فقام حذيفة فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - ( لا تذعرهم علينا ) أي لا تُألبهم علينا ، قال حذيفة ودعا لي فكأنني أمشي في حمام فذهب إلى معسكر المشركين فدخل ووجد نار عظيمة تأجج ووجد رجلا عاري الظهر يصطلي بهذه النار ويستدفئ فعلِم أنه أبو سفيان - وكان رئيس المشركين آنذاك - قال : فأخرجت القوس وأردت أن أضربه حتى ذكرت قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تذعرهم علينا فلم أفعل ، قال : وكانت الحجارة - حجارة الجبل - يضرب بعضها بعضا من شدة الريح قال حذيفة : والله ما تجاوزت الريح معسكرهم . الريح في المعسكر فقط ، خارج المعسكر لا يوجد ريح ( فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا) .
فسلاح الرعب سلاح ادخره الله - عز وجل - للمسلمين دون غيرهم لكن يحتاج إلى عُباد ، يحتاج إلى عبيد يرجعون إلى الله - عز وجل - ويعلنون الولاء لله في كل المعارك التي تكون بين العلمانيين وبين الكافرين وبين الله ورسوله وحزبه المؤمنين ، الانحياز إلى الله ورسوله ضرورة وواجب وهو عُدة النصر قال الله - عز وجل - (إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) إن تنصروا الله - عز وجل -
بإظهار حدوده ودينه في الأرض ينصركم وهذا شرط ، فسلاح الرعب هذا استعان المسلمون بالله - عز وجل - فأنزل الله سلاح الرعب في غزوة بني النضير . عادة الإنسان الخائف أنه ممكن أن يقتل نفسه من شدة الخوف قال الله - عز وجل - (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ * وَلَوْلا أَن كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابُ النَّارِ) لماذا ؟ ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) " شَاقُّوا اللَّهَ " أي كانوا في شِق والله في شِق آخر ، وهذا حُقّ له أن يُغلب .
قال الله - عز وجل - في سورة الأنفال ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ ) عندما يسمعنا العلمانيون ونحن نقول هذا الكلام يضحكون ملئ أشداقهم يقولون أسرائيل التي معها الرؤوس الذرية والنووية تُحارب بهذه الخُطب العصماء ، لما تقول تاريخنا ومجدنا وتشحن المسلمين وليس معهم غير .... ينتصرون على اليهود ، ويضحكون علينا ويقولون كما قال الله - عز وجل - عنهم ( غَرَّ هَؤُلاء دِينُهُمْ ) يظنون أنهم بمجرد إلتزامهم وبمجرد قولهم سبح الله واذكر الله واحمد الله أنهم ينتصرون على اليهود مثل ما يقول هؤلاء ، لا تقولوا أن هناك علاقة بين غضب الله والزلازل والسيول ، لا علاقة على الإطلاق هم الذين يقولون هذا الكلام فيسخرون من الذين يعظون ، يقول لك لا تكن انتهازي ولا استغلالي ، تستغل الزلزال والسيول في وعظ الناس وتذكيرهم بالله ؟ أي نعم نستغلهم هو لولا حاجة العباد إلى الله عبدوه ؟ إنما يعبدون الله للحاجة ، لولا حاجة الفقير للغني احترمه ووقره ؟ كل الدنيا مبنية على الحاجة وهذا نص كلام الله - عز وجل - قال الله - تبارك وتعالى - ( وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ) لو أعطى كل رجل ما يريد لقتل بعضهم بعضا لأن بعضهم لا يحتاج إلى بعض ، وقد بيّن الله - عز وجل - ذلك بيانا أظهر من هذا فقال - تبارك وتعالى - ( كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى ) لماذا ؟ ( أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى) إذا لا يطغى إلا إذا استغنى ، إذا كيف نضيع طغيانه ؟ بالحاجة ، وهناك سهم في الزكوات اسمه سهم المؤلفة قلوبهم ، رجل أعطيه ليُسلم وكان بعض المؤلفة قلوبهم في زمان عمر يرفضون سهم الزكاة بعد أن حسُن إسلامهم . استغلال الحاجة فقه وذكاء لأن هذا ما يُسميه العلماء بالمقتضى ، إذا وعظت مع عدم وجود المقتضى لم تجد أذنا سامعة .
مثال : ابنك رسب في الامتحان لو أنك قلت ليس هناك داعي أن أكون أنا واللجنة عليه ، أتركه ، ثم في مطلع العام الدراسي قلت له أنت يا بني أنت رسبت في العام الماضي فذاكر حتى لا ترسب ،
أهذا يكون أشد وقعا أم إذا ذكرته برسوبه في حال رسوبه وذكرت له أصدقاءه الذين نجحوا ويجنون ثمار النجاح والكفاح والمذاكرة ؟ أيهما يكون أشد وقعا ؟ يكون في حالة الرسوب ، هذا الذي يسميه العلماء المقتضى ، وجود المقتضى اللي أنت تضع فيه هذا المعنى ، ولذلك الرسول - عليه الصلاة والسلام - كان في موعظته يوجد المقتضى ليجد له صدى عند السامعين ، إذا لم يكن للموقف مقتضى جعل له مقتضى الذي يمكن أن نسميه نحن بالجو العام فمرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه يوما فأراد أن يذكرهم بحقارة الدنيا فوجد جديا ... ميت فعمل مقتضى للكلام فقال : أيكم يشتري هذا بدرهم ؟ - وهو ميّت - والنبي - عليه الصلاة والسلام - يعلم الجواب سلفا أنه لا يوجد آدمي يشتري جديا ميّتا لكنه أراد أن يُهيء النفوس للموعظة القادمة ، أيكم يشتري هذا بدرهم ؟ قالوا : والله يارسول الله لو كان حيا ما اشتريناه لأنه أشكّ - مقطوع الأذنين - ، قال : أترون هذه هينة على أهلها ؟ قالوا : أجل يارسول الله لأنهم طرحوها ، فهي هينة ليست غالية . فبعد أن استحضر الصحابة حقارة هذا الجدي ، هذه الشاة الميتة وأنها لا تساوي درهم حتى لو كانت حية ، وأنها رخيصة على أهلها فألقى بالموعظة فقال : ( والله للدنيا أهون على الله من هذا على أهله ) فيكون هناك مقتضى فيتخيل هذا التخيل ولذلك شيخ الإسلام ابن تيمية لما سُئل لماذا يفعل العبد الذنب وهو عالم بالعقوبة سلفا ؟ يعني أنه يعلم أنه إذا سرق قطعت يده أو دخل النار ، إذا زنى كذلك ، إذا قتل كذلك ، طيب لماذا يُقدم على المعصية وهو عالم سلفا بالعقوبة ؟ فقال شيخ الإسلام - رحمه الله - ليس عنده تصور . فالذي فعله الرسول - صلى الله عليه وسلم - جعل الصحابة يستحضرون حقارة هذه الشاة ثم ألقى الموعظة فكان لها الأثر .
معروف إن أي أمة فيها أعداء داخليون خونة الذين يفتتون الجبهة الداخلية هم المنافقون والذين في قلوبهم مرض ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا ) ويشيعون هذا القول في وسط الناس أن الله وعدنا وتخلى عنا ، الرسول وعدنا أننا سننتصر ولم ننتصر فهؤلاء هم اليهود أعظم منا وأقوى منا ، هؤلاء موجودون في كل مكان ونحن نعاني الأمرين من هؤلاء الآن ، يتكلمون الآن عن شخصية صلاح الدين الأيوبي وأنها كانت شخصية عادية وأن صلاح الدين الأيوبي لا قاهر الصليبيين ولا يحزنون وأنه قتل عمه وفعل بابن خاله ، وفعل بابن أخته ، وأن الشعراء هم الذين عظموا وبجلوا وضخموا شخصية صلاح الدين الأيوبي لماذا هذا الكلام في هذا الوقت بالذات ؟ أي أمة في مرحلة الهزيمة النفسية تبحث عن عظمائها يتعلقون بهم فإن لم يكن لها عظماء يبحثون عن أي ناس يلمعونهم وهذا نوع من رفع المعنويات ، ويقول الناس بعضهم لبعض إن لم يكن لك كبير اشتري لك كبيرا ، الإنسان إن لم يكن له كبير فلا خير فيه ، في الوقت الذي يتفرعن فيه رئيس الوزراء الإسرائلي ويضرب الكل بالنعال ولا يهمه لأن هذه مرحلة المدّ اليهودي والطغيان اليهودي كما قال الله - عز وجل - ( وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ) إن غضبتم غضبت لكم كل الأرض ، قُتل مئة يهودي يُعمل .... عزاء على أرضنا واستدعوا الرئيس الروسي الذي عجن الشيشان بالدبابات يُمثل السلام ، كان أحد قطبي السلام فأتى ويداه ما زالت ملطخة بدم الشيشان ويوضع ممثل للسلام ويُعمل سرادق عزاء لمئة يهودي على أرضنا ، بعدها بشهر ضربوا جنوب لبنان فقتلوا مئات المسلمين بالغارات التي يسمونها عناقيد الغضب ولكن لا عزاء للسيدات ، مئات المسلمين لا قيمة لهم ولا يُعمل سرادق عزاء ولا يُعمل مؤتمر سلام ، أرخص دم في العالم ، فتش عن الدماء في كل ركن في العالم تراه دماء المسلمين حتى عُباد البقر ، أذل الخلق أخذوا المسجد في الهند فجعلوه معبد يعبدون فيه العجل ، فيه مهانة أكثر من ذلك ؟! ومع ذلك في هذا الوقت بالذات يأتي على شخصية صلاح الدين التي لها حضور عام عند الجماهير أنه قاهر الصليبيين ، يأتي هؤلاء الخونة ليطمسوا هذه الشخصيات ، افترض أنه ليس كذلك اعرض هذه القضية في وقت آخر وليس في وقت الهزيمة فنحن نعاني من الهزيمة حتى النخاع ، وضع الكلام الحق في غير موضعه يكون باطلا يعني لو جاء رجل سارق أمام القاضي وقال له أسرقت ؟ فقال له : يا سيادة القاضي وهل هناك إنسان معصوم . الكلام صحيح لكن وضع الكلام في هذا الموضع معناه أنه سارق وأنه يعترف على نفسه بالسرقة لأنه ليس هناك إنسان معصوم ، الكلام حق في ذاته ، ليس هماك إنسان معصوم ، صحيح ، لكن إذا وضع هذا الكلام جوابا على سؤال القاضي كان اتهاما ولم يكن صحيحا .
افترضنا أن هذه الشخصيات شخصيات لا قيمة لها لماذا لم تعرضوا هذا في وقت آخر ، لماذا تدمرون الشخصيات الكبيرة ذات الحضور عند المسلمين ؟ نحن نعاني من أعدائنا في الخارج ومن الخونة في الداخل ( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُورًا ) تيئيس حتى لا يكون للمسلمين حضور مع اليهود ولا أعدائهم .
/ أيها الإخوة الكرام إن النبي - صلى الله عليه وسلم - ظهر في كل معاركه مع اليهود لأنه كان مؤيدا من الجناب العالي ، كان مؤيدا من الله - عز وجل - ومن ملائكة الله - تبارك وتعالى - ألم ترَ إلى هذه العظَمة وهذه القوة ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ ) وهل أهل الأرض جميعا يُقاتلون الملائكة فيكون لهم ظفر ؟ ليس الملائكة فقط بل الله - عز وجل - معهم ، لا غالب لهم .
لذلك رصيدنا - أيها الإخوة الكرام - ونحن في معاركنا مع اليهود أن نعظم الله - عز وجل - ونوقره ولا نستهين لا بأوامره ولا بنواهيه ، هذا هو معنى التسبيح .
سورة بني النضير افتُتحت بالتسبيح وخُتمت أيضا بالتسبيح إعلاما أن تعظيم الله - عز وجل - هو الذي ينصر المسلمين في حال الاستضعاف . أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم .
/ الحمد لله رب العالمين له الحمد الحسن والثناء الجميل ، وأشهد ألاّ إله إلا الله وحده لا شريك له يقول الحق وهو يهدي السبيل وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم هذا الطابور الخامس ينثر الشبهات وهذه طريقة يهودية ، قال الله - عز وجل - (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) النخل أنفس ممتلكات العرب وما كان هناك رجل يقطع نخل أبدا لأن هذا من الفساد لأن النخلة حتى تُثمر تظل سنين طويلة ، فالرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو في حربه مع اليهود في بني النضير حرق النخل فقال اليهود أليس كان ينهى عن الفساد فلماذا يُفسد ؟ فأنزل الله - عز وجل - هذه الآية (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ) التي هي النخلة (أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ ) القطع بإذن الله وإبقائها أيضا بإذن الله ( وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ) بأن يردّ عليهم حجتهم في نحرهم ، إثارة الشبهات على قواعد الإسلام الثابتة ، هذه طريقة يهودية في خلخلة الجبهة الداخلية وخلخلة اعتقاد المسلمين في دينهم ، الثوابت التي توارثها المسلمون جيلا بعد جيل يشككون الآن فيها ويستعينوا بالمغفلين الذين لا يعلمون حقائق أبعاد هذه المؤامرة الدنية فيأتون على مثل الختان مثلا ويصورونه بأنه وحشية ويكبروا المسألة ، أيام مؤتمر السكان يروحوا يعطوا الرجل المزين - حلاق - ثلاثمائة جنيه وطبعا هذه مالية كبيرة .... ويعطوا للوالد والبنت أيضا ثلاثمائة جنيه أي صرفوا ألف جنيه على هذه العملية ، قالوا له نريد أن نصورك وأنت تختن البنت ، بنت يُقطع جزء من بدنها يريدونها أن تضحك وتقول أنا مسرورة أو تبكي وتصرخ وتقول أنا خائفة ؟ وطبعا البنت تصرخ وهم يصورون وقالوا للحلاق يدخل شمال فيها افعل كذا وأنت داخل لكي يكون المنظر مرعبا ، فداخل كأنه الجيش الغازي والأسد الهصور ويقطع والصورة تلتقط ثم قاموا بعرض المسألة في مؤتمر السكان قائلين انظروا إلى الوحشية والاعتداء على الأنوثة ، وهذا كله تهيئة لما اتخدوه من قرارات الآن وكلها ملعوبة ، سيناريو مكشوف لأنهم يخاطبون الصم البكم العمي ، كل شيء مكشوف . ختان خمسة عشر قرنا ، ألف وخمسمائة سنة الختان يتوارثه المسلمون جيلا بعد جيل ولا أحد قال وحشية ولا تكلم مخلوق ، والعلماء تنازعوا في الختان أهو واجب أم مستحب على قولين لأهل العلم الراجح فيه الوجوب لكن على أي حال واجب أو مستحب يعني هو من ديننا ، مشروع ، فيأتي يتكلم عن الختان ويقول هو اعتداء على الأنثى وهو يعقد النساء يجعل البنت شخصية معقدة ، يعني خمسة عشر قرنا نساء المسلمين شخصيتهم معقدة وعندهم عقد ويطلع قرار بتجريم الختان ، فهذا نوع من التشويه ، يشوه ويتخذ قرار .
الاسترقاق ، يقول لك الإسلام دين الحرية وجاء الإسلام لتحرير العبيد فتأتوا أنتم لتقولوا الجهاد و السبايا وأخذ العبيد ، وأغلب المسلمين لا جواب عندهم لجهلهم بدينهم فيصدقون هذه الشبهات أنه فعلا الإسلام دين الحرية وعُلقت بعض الكفارات بعتق الرقبة فبهذا يُستساغ أن نذهب لليهود في إسرائيل ونأخذهم سبايا وعبيد عندنا ؟ ولا يعلم أكثر المسلمين أن هذا خير لليهود أن يكونوا عبيدا لنا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( عجب ربك من قوم يدخلون الجنة في السلاسل ) الصحابة تعجبوا ، هؤلاء هم الأسرى الذين أسرهم المسلمون بسلاسل الحرب وأخذوهم إلى ديارهم فرأوا الإسلام فأسلموا فأنت إذا أخذته عبدا ليُسلم ، ليعيش هذا نتيجة استرقاق المسلمين للكافرين ، لكن ما هي نتيجة استرقاق الدول الكبرى من الكافرين لأمم المسلمين ، هم لا يسترقون الأفراد ، يسترقّون الأمم ، يسترِقّون الدول بجوال الدقيق ، برغيف الخبز فتكون النتيجة يُجوعونهم وبستغلونهم أسوأ استغلال . لقد خسر العالم كثيرا بانحطاط المسلمين ، الزبد الذي يُرمى في المحيط ، والدقيق الذي يُرمى في المحيط ، واللبن الذي يُراق في المحيط حفاظا على أسعار الدقيق وثلث الكرة الأرضية يُعاني من مجاعات بإحصائيات الأمم المتحدة هذا لأن اليهود والنصارى هم الذين تقلدوا مقاليد العالم ، استرقاق المسلمين للكافرين خير للكافرين لأنهم يُسلموا ويُنجيهم الله بذلك من عذاب النار ، كل شيء ثابت يثيرون حوله الشبهات كما أثاروا حول قطع النخل فردّ الله عليهم كذلك استرقاقنا للكافرين بإذن الله - عز وجل - لأن هذا من السطوة ومن العز ( وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) .
تكون هناك مراحل استضعاف نعم لكن لا يكون للكافرين على المؤمنين سبيل أبدا هكذا قال الله - عز وجل - لكن أين هم المؤمنون ، إنما جُعل علينا السبيل لأننا لسنا مؤمنين فجُعل السبيل علينا ، أما لو رجعنا إلى الله - عز وجل - وكنا من عباده المؤمنين فلن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا .
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين ، اللهم الحياة زيادة لنا في كل خير واجعل الموت راحة لنا من كل شر ، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا ، رب آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليّها ومولاها ، اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا وخطأنا وعمدنا وكل ذلك عندنا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق